|
||
. |
||
محاسن الإسلام من خلال حفظه للضروريات الخمس: الفصل الثاني: محاسن حفظ النفس: الصفحة السابقة الصفحة التالية (الصفحة الرئيسة) |
||
|
||
الفصل الثاني: محاسن حفظ النفس:قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:92]. قال ابن كثير: "وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله حيت يقول سبحانه في سورة الفرقان: {وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ} [الفرقان:68]، وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} إلى قوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ} [الأنعام:151]. والآيات والآحاديث في تحريم القتل كثيرة جداً"[1]. قال ابن حزم: "لا ذنب عند الله عز وجل بعد الشرك أعظم من شيئين: أحدهما: ترك صلاة فرض حتى يخرج وقتها. والثاني: قتل مؤمن أو مؤمنة عمداً بغير حق"[2]. لقد حرصت الشريعة الإسلامية على سد الذرائع المفضية إلى جلب المفاسد وتفويت المصالح، فحرمت الاعتداء على المسلمين وحمل السلاح عليهم، قال صلى الله عليه وسلم: ((من حمل علينا السلاح فليس منا))[3]. قال ابن دقيق العيد: "فيه دلالة على تحريم قتال المسلمين والتشديد فيه"[4]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر))[5]. قال الحافظ ابن حجر: "لما كان القتال أشد من السباب لأنه مفض إلى إزهاق الروح عبَّر عنه بلفظ أشد من لفظ الفسق والكفر، ولم يرد حقيقة الكفر التي هي الخروج عن الملة، بل أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير"[6]. وكذلك قرر الفقهاء الضمان بالتسبب إلى قتل النفس. قال ابن قدامة: "ويجب الضمان بالسبب كما يجب بالمباشرة، فإذا حفر بئراً في طريق لغير مصلحة المسلمين، أو في ملك غيره بغير إذنه، أو وضع حجراً أو حديدة أو صب فيه ماء أو وضع فيه قشر بطيخ أو نحوه فهلك به إنسان أو دابة ضمنه"[7]. قال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى} [البقرة:178]. قال ابن عطية: "وصورة فرض القصاص هو أن القاتل فرض عليه إذا أراد الولي القتل الاستسلام لأمر الله والانقياد لقصاصه المشروع، وأن الولي فرض عليه الوقوف عند قتل قاتل وليه وترك التعدي على غيره كما كانت العرب تتعدى وتقتل بقتيلها الرجل من قوم قاتله، وأن الحكام فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود، وليس القصاص بلزام إنما اللزام أن لا يتجاوز القصاص إلى اعتداء، فأما إذا وقع الرضا بدون القصاص من ديَّة أو عفو فذاك مباح، فالآية معلمة أن القصاص هو الغاية عند التشاح"[8]. وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَوٰةٌ يأُولِي ٱلألْبَـٰبِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179]. قال قتادة: "جعل الله هذا القصاص حياة ونكالاً وعظة لأهل السفه والجهل من الناس، وكم من رجل قد همَّ بداهية لولا مخافة القصاص لوقع بها، ولكن الله حجز بالقصاص بعضهم عن بعض، وما أمر الله بأمر قط إلا وهو أمر صلاح في الدنيا والآخرة، ولا نهى الله عن أمر قط إلا وهو أمر فساد في الدنيا والدين والله أعلم بالذي يصلح خلقه"[9]. قال تعالى: {فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْء فَٱتِبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَـٰنٍ} [البقرة:178]. قال ابن سعدي: "فيه ترقيق وحث على العفو إلى الديَة، وأحسن من ذلك العفو مجاناً"[10]. قال سيد قطب: "ولم يكن هذا التشريع مباحاً لبني إسرائيل في التوراة إنما شرع للأمة الإسلامية استبقاء للأرواح عند التراضي والصفاء"[11]. وقال سيد أيضاً: "ومن ثم ندرك سعة آفاق الإسلام وبصره بحوافز النفس البشرية عند التشريع لها ومعرفته بما فطرت عليه من النوازع، إن الغضب للدم فطرة وطبيعة، فالإسلام يلبيها بتقرير شريعة القصاص، فالعدل الجازم هو الذي يكسر شره النفوس ويفتأ حنق الصدور ويردع الجاني كذلك عن التمادي، ولكن الإسلام في الوقت ذاته يحبب في العفو ويفتح له الطريق ويرسم له الحدود، فتكون الدعوة إليه بعد تقرير القصاص دعوة إلى التسامي في حدود التطوع، لا فرضاً يكبت فطرة الإنسان ويحملها ما لا تطيق"[12]. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومعه تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يديه يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً))[13]. وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حلف بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بحديدة عذب به في نار جهنم))[14]. قال النووي: "في هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم قتل نفسه"[15]. إن الإنسان ملك لخالقه وليس ملكاً لنفسه؛ لذلك لا يجوز أن يتصرف في نفسه إلا في حدود ما أذن له الخالق، فليس له أن يضر نفسه بحجة أنه لم يتعد على أحد، لأن اعتداءه على نفسه كاعتدائه على غيره عند الله تعالى[16]. قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل:115]. وقال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119]. قال ابن جرير: "فمن حلت به ضرورة مجاعة إلى ما حرمتُ عليكم من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فلا إثم عليه في أكله إن أكله"[17]. قال ابن كثير: "قد بين لكم ما حرم عليكم ووضحه إلا في حال الاضطرار فإنه يباح لكم ما وجدتم"[18]. قال ابن حزم: "وكل ما حرم الله عز وجل من المآكل والمشارب من خنزير أو صيد حرام أو ميتة أو دم أو لحم سبع، طائر أو ذي أربع، أو حشرة أو خمر أو غير ذلك فهو كله عند الضرورة حلال، حاشا لحوم بني آدم وما يقتل من تناوله فلا يحل من ذلك شيء لا بضرورة ولا بغيرها، فمن اضطر إلى شيء مما ذكرنا قبل ولم يجد مال مسلم أو ذمي فله أن يأكل حتى يشبع، ويتزود حتى يجد حلالاً، فإذا وجده عاد الحلال من ذلك حراماً كما كان عند ارتفاع الضرورة"[19]. وتظهر محافظة هذا العنصر على النفس من وجهين: الأول: جواز المحرمات للضرورة، وقد تقدم ذكره. والثاني: وجوب بذل المال للمضطر إنقاذاً لنفسه من الهلاك. قال النووي: "إذا لم يكن المالك مضطراً فيلزمه إطعام المضطر مسلماً كان أو ذمياً أو مستأمناً، وللمضطر أن يأخذه قهراً وله مقاتلة المالك عليه، فإن أتى القتال على نفس المالك فلا ضمان فيه، وإن قتل المالكُ المضطرَّ في الدفع عن طعام لزمه القصاص"[20].
[1] تفسير القرآن العظيم (1/548). [2] المحلى (10/342). [3] أخرجه البخاري: كتاب الفتن، باب من حمل علينا السلاح (707). [4] انظر: فتح الباري (13/27). [5] أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر (48)، ومسلم، كتاب الإيمان (116). [6] فتح الباري (1/138). [7] المغني (12/88). [8] المحرر الوجيز (1/244). [9] جامع البيان (2/119). [10] تيسير الكريم الرحمن (ص67). [11] في ظلال القرآن (1/164- 165). [12] في ظلال القرآن (1/164- 165). [13] أخرجه البخاري: كتاب الطب، باب شرب السم والدواء به (5778)، ومسلم في الإيمان (109). [14] أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما جاء في قاتل النفس (1363)، ومسلم في الإيمان (110). [15] شرح صحيح مسلم (2/125). [16] الإسلام وضرورات الحياة (ص 54). [17] جامع البيان (2/91). [18] تفسير القرآن العظيم (2/174). [19] المحلى (7/426). [20] المجموع (9/48). |
||
|
||
. |