الملف العلمي لأحداث التفجير

.

   محاسن الإسلام من خلال حفظه للضروريات الخمس: الفصل الأول: محاسن حفظ الدين:     الصفحة السابقة         الصفحة التالية        (الصفحة الرئيسة)

 

الفصل الأول: محاسن حفظ الدين:

1ـ العمل بالدين:

أوجب الله تعالى حداً أدنى يحفَظ به هذا الدين على كل فرد من أفراد المسلمين، وهو فرض العين الذي لا يسقط عن أحد ما دام قادراً على إقامته قدرة عقلية وقدرة فعلية وذلك مثل أصول الإسلام والإيمان[1].

قال شيخ الإسلام: "والتحقيق أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدين الذي هو استسلام العبد لربه مطلقاً، الذي يجب لله عبادةً محضة على الأعيان، فيجب على كل من كان قادراً عليه ليعبد الله بها مخلصاً له الدين وهذه هي الخمس، وما سوى ذلك فإنما يجب بأسباب المصالح، فلا يعم وجوبها جميع الناس"[2].

وهناك حد أدنى من المحرمات حظرها الله تعالى على كل فرد فهي محرمات عينية مطلوب من كل فرد اجتنابها، وهي المحرمات التي حظرت لذاتها لما يلحق الفرد والمجتمع من الضرر بسبب ارتكابها كالزنا وشرب الخمر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وغيرها، فإنه يحرم على كل فرد من الأمة أي محرم منها إلا ما اضطر إليه مما لا حياة له بدونه مما يمكن تناوله كأكل الميتة، وقد رتب الله تعالى على امتثال أمره واجتناب نهيه السعادة في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة، كما رتب على عصيانه الشقاء في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه وتعالى: {وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ} [العصر:1-3].

قال ابن كثير: "فاستثنى من جنس الإيمان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم {وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ} وهو أداء الطاعات وترك المحرمات"[3].

2ـ الحكم بالدين:

قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَا أَرَاكَ ٱللَّهُ} [النساء:105].

قال ابن السعدي: "الحكم هنا يشمل الحكم بينهم في الدماء والأعراض والأموال وسائر الحقوق وفي العقائد وفي جميع مسائل الأحكام"[4].

وقال تعالى: {فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزلَ ٱللَّهُ}.

قال ابن كثير: "أي: فاحكم ـ يا محمد ـ بين الناس، عربهم وعجمهم أميِّهم وكتابيهم، بما أنزل الله إليك في هذا الكتاب العظيم"[5].

قال الشيخ عبد الله قادري: "إن المراد بحفظ هذا الدين أن يؤدي غرضه في الأرض، أن يحكم تصرفات البشر، أن يقضي لصاحب الحق بحقه ويرد على صاحب الباطل باطله. إن الناس يعتدي بعضهم على بعض في هذه الضرورات التي لا حياة لهم بدونها، ويعتدون على دينهم وعلى نسلهم وعرضهم ونسبهم وعقلهم ومالهم ونفوسهم، وليس هناك مبدأ من المبادئ الموجودة في الأرض قادر على حفظ هذه الضرورات حفظاً يكفل لهم الحياة السعيدة إلا هذا الدين، فالحكم بما أنزل الله ضرورة من ضروريات حفظ الدين"[6].

3ـ الدعوة إلى الدين:

قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].

قال ابن جرير: "أي: ومن أحسن ـ أيها الناس ـ قولاً ممن قال: ربنا الله ثم استقام على الإيمان به والانتهاء إلى أمره ونهيه، ودعا عباد الله إلى ما قال وعمل به من ذلك؟!"[7].

وقال تعالى: {وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104].

قال ابن كثير: "يقول تعالى: ولتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأولئك هم المفلحون"[8].

قال شيخ الإسلام: "إن صلاح العباد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن صلاح المعاش والعباد في طاعة الله ورسوله، ولا يتم ذلك إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه صارت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ} [آل عمران:110]، وقال تعالى: {وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ}، وقال تعالى: {وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ} [التوبة:71]، وقال تعالى عن بني إسرائيل: {كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة:79]، وقال تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوء وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الأعراف:165]. فأخبر الله تعالى أن العذاب لما نزل نجي الذين ينهون عن السوء، وأخذ الظالمين بالعذاب الشديد"[9].

4ـ الجهاد في سبيل الله:

قال تعالى: {وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ} [الأنفال:39].

قال ابن جرير: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم حتى لا تكون فتنة، يعني: حتى لا يكون شرك بالله، وحتى لا يعبد دونه أحد، وتضمحل عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان"[10].

وقال تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدّمَتْ صَوٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوٰتٌ وَمَسَـٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراًً} [الحج:40].

قال ابن سعدي: "وهذا يدل على حكمة الجهاد؛ فإن المقصود منه إقامة دين الله أو ذب الكفار المؤذين للمؤمنين البادين لهم بالاعتداء عن ظلمهم واعتدائهم، والتمكن من عبادة الله وإقامة الشرائع الظاهرة"[11].

وقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].

قال ابن كثير: "أي: وجعلنا الحديد رادعاً لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه"[12].

قال شيخ الإسلام: "ولن يقوم الدين إلا بالكتاب والميزان والحديد، كتاب يهدي به وحديد ينصره، فالكتاب به يقوم العلم والدين، والميزان به تقوم الحقوق في العقود المالية والقبوض، والحديد به تقوم الحدود على الكافرين والمنافقين"[13].

5ـ رد البدع والأهواء:

عن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه سلم ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))[14].

قال النووي: "وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات"[15].

وظهور البدع له مضار على الدين نفسه، مثل خفاء كثير من أحكامه وتشويه جماله، والأول سبب من أسباب اندراس الشرائع، والثاني سبب من أسباب الإعراض عنها وعدم احترامها، ويتجلى هذا في بدع أهل الطرق وغيرها، مما يصوِّر الدين تصويراً يأباه ما للدين من جمال وجلال، وكثيراً ما تنشر البدع وتأخذ مكانة الدين من النفوس، وتصير هي الدين المتبع عند الناس، وبقدر ذيوعها يكون اندراس الدين، وهذا هو الطريق الذي اندرست به الشرائع السابقة وانحرف عنها المتدينون[16].

6ـ إقامة حد الردة:

عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من بدل دينه فاقتلوه))[17].

قال شيخ الإسلام: "وأما المرتد فالمبيح عنده (يعني عند أحمد) هو الكفر بعد الإيمان، وهو نوع خاص من الكفر، فإنه لو لم يقتل ذلك لكان الداخل في الدين يخرج منه، فقتله حفظ لأهل الدين وللدين، فإن ذلك يمنع من النقص ويمنعهم من الخروج عنه"[18].


[1] الإسلام وضرورات الحياة (ص31).

[2] مجموع الفتاوى (7/314).

[3] تفسير القرآن العظيم (4/585) وانظر: الإسلام وضرورات الحياة (ص 32).

[4] تيسير الكريم الرحمن (ص 199).

[5] تفسير القرآن العظيم (2/105).

[6] الإسلام وضرورات الحياة (ص 40) بتصرف يسير.

[7] جامع البيان (11/109).

[8] تفسير القرآن العظيم (1/398).

[9] مجموع الفتاوى (28/306- 307).

[10] جامع البيان (2/200).

[11] تيسير الكريم الرحمن (ص 489).

[12] تفسير القرآن العظيم (4/315).

[13] مجموع الفتاوى (35/36).

[14] أخرجه البخاري: كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح جور (2697)، ومسلم في الأقضية (1718).

[15] شرح صحيح مسلم (12/16).

[16] البدعة: أسبابها ومضار (ص 57) محمود شلتوت، بواسطة علم أصول البدع ص 287 لعلي حسن عبد الحميد.

[17] أخرجه البخاري: كتاب استتابة المرتدين والمحاربين، باب قتل المرتد والمرتدة (6922).

[18] مجموع الفتاوى (20/102).

 

.