.

  أشراط الساعة الصغرى: 16-24:     الصفحة السابقة          الصفحة التالية          (عناصر البحث)

 

16- قتال العجم:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزاً وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر))[1].

في هذا الحديث ذكر قتال خوز وكرمان، وهما ليسا من بلاد الترك، وإن جاء وصفهم كوصف الترك.

قال ابن حجر رحمه الله: "ويمكن أن يجاب بأن هذا الحديث غير حديث قتال الترك، ويجتمع منهما الإنذار بخروج الطائفتين"[2].

17- انتشار الأمن:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف إلا ضلال الطريق))[3].

وقد وقع هذا في زمن الصحابة رضي الله عنهم، حينما عمّ الإسلام والعدل البلاد التي فتحها المسلمون[4].

ويؤيده حديث عدي رضي الله عنه قال: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: ((يا عديّ، هل رأيت الحيرة؟)) قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها، قال: ((فإن طالت بك حياة لترينّ الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدا إلا الله))[5].

وسيكون ذلك أيضاً في زمن المهدي وعيسى عليه السلام، حينما يحلّ الخير والعدل مكان الشرّ والجور والظلم.

18- كثرة الشُّرَط وأعوان الظلمة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك إن طالت بك مدة أن ترى قوما في أيديهم مثل أذناب البقر، يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله))[6].

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس...))[7].

قال النووي رحمه الله: "هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة"[8].

19- انتشار الربا:

عن ابن مسعود رضي الله عنه الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بين يدي الساعة: يظهر الربا...))[9].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلالٍ أم من حرامٍ))[10].

ومن تأمل أحوال الناس اليوم مع انتشار كثير من المعاملات المصرفية الربوية علم أن حالهم مطابق لما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

20- انتشار الزنا:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا))[11].

وأعظم من ذلك استحلال الزنا، فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلّون الحِرَ والحرَير والخمر والمعازف))([12]).

قال القرطبي رحمه الله: "في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، إذ أخبر عن أمور ستقع، فوقعت، خصوصا في هذه الأزمان"([13]).

وإذا كان هذا في زمان القرطبي فهو في زماننا هذا أكثر شيوعاً.

قال الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله: "وأما الزنا فقد جعل له أسواق معروفة في كثير من البلاد التي ينتسب أهلها إلى الإسلام، وما يفعل في غير الأسواق أكثر وأكثر"([14]).

بل الأدهى من ذلك أن العاهرات في هذا الزمن قد جعل لهن تصاريح بمزاولة العهر والفجور من قبل جهات مختصة، فاللهم سلّم سلّم.

21- ظهور المعازف واستحلالها:

عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ))، قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: ((إذا ظهرت المعازف والقينات)) [15].

وهذه العلامة قد وقع شيء كبير منها في العصور السابقة، وهي الآن أكثر ظهوراً، فقد ظهرت المعازف في هذا الزمان، وانتشرت انتشاراً عظيماً، وكثر المغنون والمغنيات، وهم المشار إليهم في هذا الحديث بالقينات.

وأعظم من ذلك استحلال كثير من الناس للمعازف، وقد جاء الوعيد لمن فعل ذلك بالمسخ والقذف والخسف كما في الحديث السابق، ولما ثبت عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم ـ يعني: الفقير ـ لحاجة، فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة))[16].

22- كثرة شرب الخمر واستحلالها:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا))[17].

وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم ـ يعني: الفقير ـ لحاجة، فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة))[18].

قال ابن العربي: "يحتمل أن يكون المعنى يعتقدون ذلك حلالاً، ويحتمل أن يكون ذلك مجازا على الاسترسال، أي: يسترسلون في شربها كالاسترسال في الحلال"[19].

وقد وقع مصداق ذلك في زماننا، حتى أطلق على أم الخبائث اسم "المشروبات الروحية".

وأعظم من ذلك بيعها جهاراً وشربها علانية في بعض البلدان الإسلامية، وانتشار المخدرات انتشاراً عظيما لم يسبق له مثيل، مما ينذر بخطر عظيم وفساد كبير، والأمر لله من قبل ومن بعد[20].

23- التطاول في البنيان:

 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عندما سأله عن الساعة: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل))، قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: ((أن تلد الأمة ربّتها، وأن ترى الحفاة العراة العالةَ رعاء الشاء يتطاولون في البنيان))[21].

قال النووي رحمه الله: "أما العالة فهم الفقراء، والعائل الفقير، والعيلة الفقر، وعال الرجل يعيل عيلة أي: افتقر. والرعاء بكسر الراء وبالمد، ويقال فيهم رعاة بضم الراء وزيادة الهاء بلا مد. ومعناه أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان. والله أعلم"[22].

وقال ابن حجر رحمه الله: "وهي من العلامات التي وقعت عن قرب في زمن النبوة، ومعنى التطاول في البنيان أن كلاً ممن كان يبني بيتا يريد أن يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع الآخر، ويحتمل أن يكون المراد المباهاة به في الزينة والزخرفة، أو أعم من ذلك، وقد وجد الكثير من ذلك، وهو في ازدياد"[23].

وقد ظهر هذا جلياً في عصرنا هذا، فتطاول الناس في البنيان، بل وصل بهم الأمر إلى أن بنوا ما يشبه ناطحات السحاب.

24- ولادة الأمة لربتها:

 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عندما سأله عن الساعة: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل))، قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: ((أن تلد الأمة ربّتها، وأن ترى الحفاة العراة العالةَ رعاء الشاء يتطاولون في البنيان))[24].

وقد اختلف العلماء رحمهم الله في معنى هذه العلامة على أقوال:

القول الأول: قال الخطابي رحمه الله: "قوله: ((أن تلد الأمة ربّتها)) معناه: أن يتّسع الإسلام، ويكثر السبي، ويستولد الناس أمهات الأولاد، فتكون ابنة الرجل من أمته في معنى السيده لأمها، إذا كانت مملوكة لأبيها، وملك الأب راجع في التقدير إلى الولد"[25].

وذكر النووي أنه قول الأكثرين من العلماء[26].

قال ابن حجر رحمه الله: "لكن في كونه المراد نظر؛ لأن استيلاد الإماء كان موجوداً حين المقالة، والاستيلاء على بلاد الشرك وسبي ذراريهم واتخاذهم سراري وقع أكثره في صدر الإسلام، وسياق الكلام يقتضى الإشارة إلى وقوع ما لم يقع مما سيقع قرب قيام الساعة"[27].

القول الثاني: أن الإماء يلدن الملوك، فتصير الأم من جملة الرعية، والملك سيد رعيته.

القول الثالث: أن تلد الأمة حراً من غير سيدها بوطء شبهة، أو رقيقا بنكاح أو زنا، ثم تباع الأمة في الصورتين بيعا صحيحا، وتدور في الأيدي، حتى يشتريها ابنها أو ابنتها.

القول الرابع: أن يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة بالسب والضرب والاستخدام، فأطلق عليه ربها مجازا، أو المراد بالرب المربي فيكون حقيقة.

قال ابن حجر رحمه الله: "وهذا أوجَه الأوجه عندي لعمومه، ولأن المقام يدلّ على أن المراد حالة تكون ـ مع كونها تدلّ على فساد الأحوال ـ مستغربة، ومحصله الإشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها ثم انعكاس الأمور، بحيث يصير المربي مربيا، والسافل عاليا، وهو مناسب لقوله في العلامة الأخرى أن تصير الحفاة ملوك الأرض"[28].

القول الخامس: أن الإماء تكون في آخر الزمان هن المشار إليهن بالحشمة، فتكون الأمة تحت الرجل الكبير دون غيرها من الحرائر، ولهذا قرن ذلك بقوله: ((وأن ترى الحفاة العراة العلة يتطاولون في البنيان))"[29].


[1] أخرجه البخاري في المناقب، باب: علامة النبوة في الإسلام (3590) واللفظ له، ومسلم في الفتن وأشراط الساعة (2912).

[2] فتح الباري (6/607).

[3] أخرجه أحمد (2/370)، قال الهيثمي في المجمع (7/331): "رجاله رجال الصحيح".

[4] ينظر: فتح الباري (6/613).

[5] أخرجه البخاري في المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام (3595).

[6] أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2857).

[7] أخرجه مسلم في اللباس والزينة (2128).

[8] شرح صحيح مسلم (17/190).

[9] أخرجه الطبراني في الأوسط (7695)، وقال المنذري في الترغيب (3/7): "رواته رواة الصحيح".

[10] أخرجه البخاري في البيوع، باب: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا} (2083).

[11] أخرجه البخاري في العلم، باب: رفع العلم وظهور الجهل (80)، ومسلم في العلم (2671).

[12] أخرجه البخاري في الأشربة، باب: ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه (10/51- مع الفتح)، وقد زعم ابن حزم في المحلى (9/59) أن هذا الحديث منقطع لم يتصل ما بين البخاري وشيخه صدقة بن خالد، وقد رد ذلك ابن القيم من ستة وجوه كما في تهذيب السنن (5/270-272).

[13] ينظر: فتح الباري (1/179).

[14] إتحاف الجماعة (2/95).

[15] أخرجه الروياني في مسنده (1043)، والطبراني في الكبير (6/150)، قال الهيثمي في المجمع (8/10): " رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن أبي الزناد، وفيه ضعف، وبقية رجال إحدى الطريقين رجال الصحيح"، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3559).

[16] أخرجه البخاري في الأشربة، باب: ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه (10/51- مع الفتح). وقد زعم ابن حزم في المحلى (9/59) أن هذا الحديث منقطع؛ لم يتصل ما بين البخاري وشيخه صدقة بن خالد، وقد رد ذلك ابن القيم من ستة وجوه كما في تهذيب السنن (5/270-272).

[17] أخرجه البخاري في العلم، باب: رفع العلم وظهور الجهل (80)، ومسلم في العلم (2671).

[18] أخرجه البخاري في الأشربة، باب: ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه (10/51- مع الفتح)، وقد زعم ابن حزم في المحلى (9/59) أن هذا الحديث منقطع؛ لم يتصل ما بين البخاري وشيخه صدقة بن خالد، وقد رد ذلك ابن القيم من ستة وجوه كما في تهذيب السنن (5/270-272).

[19] ينظر: فتح الباري (10/55).

[20] أشراط الساعة (ص145).

[21] أخرجه مسلم في الإيمان (8).

[22] شرح صحيح مسلم (1/159).

[23] فتح الباري (13/88).

[24] أخرجه مسلم في الإيمان (8).

[25] معالم السنن (7/67).

[26] شرح صحيح مسلم (1/158).

[27] فتح الباري (1/122).

[28] فتح الباري (1/122-123).

[29] النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير (1/177).

 

.