|
||
. |
||
ذم التشبه بالكفار: ثالثًا: النهي عن التشبه بالكفار: الصفحة السابقة (عناصر البحث) الصفحة التالية |
||
|
||
ثالثًا: النهي عن التشبه بالكفار: التشبه بالكفار في الجملة منهي عنه. 1- قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَـٰهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمينَ * وَءاتَيْنَـٰهُم بَيّنَـٰتٍ مّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * ثُمَّ جَعَلْنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ *إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلْمُتَّقِينَ} [الجاثية:16-19]. قال ابن تيمية: "أخبر سبحانه أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغيًا من بعضهم على بعض, ثم جعل محمدًا صلى الله عليه وسلم على شريعة شرعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته. وأهواؤهم هو ما يهوونه، ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم، ويسَرّون به، ويودّون أن لو بذلوا عظيمًا ليحصل ذلك، ولو فرض أن ليس الفعل من اتباع أهوائهم فلا ريب أن مخالفتهم في ذلك أحْسَمُ لمادة متابعتهم، وأعون على حصول مرضاة الله في تركها، وأن موافقتهم في ذلك قد تكون ذريعة إلى موافقتهم في غيره، فإن من حام حول الحمى أوشك أن يواقعه، وأي الأمرين كان حصل المقصود في الجملة، وإن كان الأول ظهر"[1]. 2- وقال سبحانه: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ ٱلَّذِي جَاءكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} [البقرة:120]. قال ابن تيمية مبيّنًا وجه دلالة الآية في النهي عن التشبه بالكفار: "فانظر كيف قال في الخبر: {مِلَّتَهُمْ}، وقال في النهي: {أَهْوَاءهُم}؛ لأن القوم لا يرضون إلا باتباع الملة مطلقًا، والزجر وقع عن اتباع أهوائهم في قليل أو كثير، ومن المعلوم أن متابعتهم في بعض ما هم عليه من الدين نوع متابعة لهم في بعض ما يهوونه، أو مظنة لمتابعتهم فيما يهوونه"[2]. 3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم))[3]. قال ابن تيمية: "أمر بمخالفتهم، وذلك يقتضي أن يكون جنس مخالفتهم أمرًا مقصودًا للشارع، لأنه إن كان الأمر بجنس المخالفة حصل المقصود, وإن كان الأمر بالمخالفة في تغيير الشعر فقط فهو لأجل ما فيه من المخالفة"[4]. 4- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تشبّه بقوم فهو منهم))[5]. قال ابن تيمية: "وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم، كما في قوله: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]، وهو نظير ما سنذكره عن عبد الله بن عمرو أنه قال: (من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة)[6]. فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك, وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفرًا أو معصية أو شعارًا لها كان حكمه كذلك. وبكل حال يقتضي تحريم التشبه بعلة كونه تشبهًا"[7].
[1] اقتضاء الصراط المستقيم (1/98). [2] اقتضاء الصراط المستقيم (1/99). [3] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء, باب: ما ذكر عن بني إسرائيل (3462), ومسلم في للباس والزينة, باب: في مخالفة اليهود في الصبغ (2103). [4] اقتضاء الصراط المستقيم (1/185). [5] أخرجه أحمد (2/50)، وأبو داود في اللباس، باب: في لبس الشهرة (4031)، وعبد بن حميد (1/267)، والبيهقي في الشعب (2/75). قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (25/331): "هذا حديث جيد"، وقال العراقي في تخريج الإحياء (1/342): "سنده صحيح"، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (10/271)، وصححه الألباني في حجاب المرأة المسلمة (ص104). [6] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/234). [7] اقتضاء الصراط المستقيم (1/270-271). |
||
|
||
. |