الملف العلمي للمولد النبوي

.

  الشباب بين الاتباع والابتداع: خامساً: أخطار البدع على دين المرء:    الصفحة السابقة       (الصفحة الرئيسة)

 

خامساً: أخطار البدع على دين المرء[1]:

1- اتخاذ الشركاء مع الله عز وجل:

قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ ٱلدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ} [الشورى:21].

وقال الشافعي: "من استحسن فقد شرّع"[2].

وقال الشافعي أيضًا: "وإنما الاستحسان تلذُّذ، ولا يقول فيه إلا عالم بالأخبار، عاقل بالتشبه عليها، وإذا كان هذا هكذا كان على العالم أن لا يقول إلا من جهة العلم ـ وجهة العلم الخبر اللازم ـ بالقياس بالدلائل على الصواب، حتى يكون صاحب العلم أبدًا متبعًا خبرًا وطالب الخبر بالقياس، كما يكون متبع البيت بالعيان وطالب قصده بالاستدلال بالأعلام مجتهدًا"[3].

وقال أيضًا: "ولم يجعل الله لأحد بعد رسول الله أن يقول إلا من جهة علمٍ مضى قبله، وجهة العلم بعد الكتاب والسنة والإجماع والآثار، وما وصفتُ من القياس عليها"[4].

ويبين هذا الخطر ويوضحه تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لآية التوبة: {ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ} [التوبة: 31]، فقد دخل عدي بن حاتم رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية، فقال عدي: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرّم الله فتحلونه؟!)) قال: بلى، قال: ((فتلك عبادتهم))[5].

2- مخالفة وتكذيب لصريح القرآن:

يقول المولى عز وجل: {مَّا فَرَّطْنَا فِى ٱلكِتَـٰبِ مِن شَىْء} [الأنعام: 38]، ويقول: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: 3].

يقول الشوكاني: "فإذا كان الله قد أكمل دينه قبل أن يقبض نبيه صلى الله عليه وسلم، فما هو الرأي الذي أحدثه أهله بعد أن أكمل الله دينه، إن كان من الدين في اعتقادهم فهو لم يكمُل عندهم إلا برأيهم، وهذا فيه ردٌّ للقرآن، وإن لم يكن من الدين فأي فائدة بالاشتغال بما ليس من الدين؟!"[6].

3- مخالفة وتكذيب لصريح السنة الصحيحة:

قال صلى الله عليه وسلم: ((ما تركت شيئًا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به))[7].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنه لم يكن نبيٌ قبلي إلا كان حقًا عليه أن يدلّ أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم))[8].

قال أحمد شاكر: "وهذا معلوم من الدين بالضرورة"[9].

4- اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالخيانة:

يؤثر عن الإمام مالك رحمه الله قوله: "من أحدث في هذه الأمة شيئًا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله خان الرسالة؛ لأن الله يقول: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3][10].

وقال تعالى: {يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} [المائدة: 67].

قالت عائشة رضي الله عنها لمسروق: (ومن حدّثك أن محمدًا كتم شيئًا مما نزل عليه فقد كذب)[11].

5- عمل المبتدع مردود:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))[12]، وفي رواية: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))[13].

وهذه خسارة ما بعدها خسارة، يقول الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِٱلأخْسَرِينَ أَعْمَـٰلاً (103) ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103، 104].

6- الهلاك والوعيد للمبتدع:

عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((إني تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك))[14].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((لكل عمل شرة[15]، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك))[16].

وقال ابن مسعود رضي الله عنه حين رأى حِلقًا في المسجد، وعلى كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، ثم يقول: هللوا مائة، وسبحوا مائة، فقال رضي الله عنه: (عدّوا سيئاتكم. ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تُكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة...)[17].

7- المبتدع يحمل أوزار من تبعه:

يقول تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25].

قال مجاهد: "يحملون وزر من أضلوه، ولا ينقص من إثم المضلّ شيء"[18].

قال ابن كثير: "أي: إنما قدرنا عليهم أن يقولوا ذلك فيتحملوا أوزارهم ومن أوزار الذين يتبعونهم ويوافقونهم، أي: يصير عليهم خطيئة ضلالهم في أنفسهم، وخطيئة إغوائهم لغيرهم واقتداء أولئك بهم، كما جاء في الحديث ((من دعا إلى هدى...)). ثم قال: وقال تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْـئَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [العنكبوت:13].

وهكذا روى العوفي عن ابن عباس قال: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} إنها كقوله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ}"[19].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيء))[20].

8- المبتدع يحجب عن الحوض:

عن سهل بن سعد وأبي سعيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني فرطكم[21] على الحوض من مرّ علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدًا، ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول سحقًا لمن غيرّ بعدي))[22].


[1] جمع هذه الأخطار الشيخ وجدي غزاوي، وألقاها في خطبة جمعة، قبيل المولد لعام 1422هـ.

[2] هذا القول مشهور ومستفيض عن الشافعي رحمه الله بهذا اللفظ، ولم نجده في مصدر ينسبه إلى الشافعي بسند، وجزم الألباني رحمه الله بنسبته إلى الإمام الشافعي. انظر: السلسلة الضعيفة (2/ 19).

[3] الرسالة (ص507-508).

[4] الرسالة (ص508).

[5] أخرجه الطبري في تفسيره (6/114)، والطبراني في المعجم الكبير (17/92)، وأخرجه الترمذي بنحوه في كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة التوبة (3095).

[6] القول المفيد من الرسائل السلفية (ص38).

[7] أخرجه الشافعي في مسنده (1/14)، وفي الأم (7/289، 299)، والبيهقي في سننه (7/76)، وانظر تعليق أحمد شاكر على الرسالة (ص93-103)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/417)

[8] أخرجه مسلم: كتاب الإمارة، باب: وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول (1844) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

[9] تعليقه علىالرسالة للشافعي (ص95).

[10] ذكره ابن حزم في الإحكام مسندًا (6/225).

[11] صحيح البخاري: كتاب التفسير، باب: {يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} (4612)، صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب: معنى قول الله عز وجل {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (177).

[12] أخرجه مسلم: كتاب الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (1718).

[13] أخرجه البخاري: كتاب الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (2697)، ومسلم: كتاب الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (1718).

[14] أخرجه بهذا اللفظ أحمد (4/126)، وابن ماجه: المقدمة، باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين (44) وغيرهما، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (937).

[15] الشرة: النشاط والرغبة. لسان العرب (4/401) [شرر].

[16] أخرجه أحمد (2/188)، وابن أبي عاصم في السنة (51)، وحسن إسناده الألباني في التعليق على السنة.

[17] سنن الدارمي: المقدمة، باب: كراهية أخذ الرأي (1/79).

[18] تفسير القرطبي (10/96).

[19] تفسير ابن كثير (4/484).

[20] أخرجه مسلم: كتاب العلم، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة (2674).

[21] فرطكم: الفارط والفَرَط ـ بالتحريك ـ: المتقدم إلى الماء، يتقدم الواردة فيهيئ لهم الأرسان والدلاء، ويملأ الحياض ويستقي لهم. لسان العرب (7/366) [فرط].

[22] أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب: في الحوض (6583، 6584).

 

.