موسوعة البحـوث المنــبرية 

.

   غض البصر: خامساً: فوائد غضّ البصر:    الصفحة السابقة       الصفحة التالية       (عناصر البحث)

 

خامساً: فوائد غضّ البصر:

1- حلاوة الإيمان ولذته:

عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعًا: ((النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه الله إيمانًا يجد حلاوته في قلبه)) [1].

قال شيخ الإسلام وهو يعدّد فوائد غضّ البصر: "حلاوة الإيمان ولذّته التي هي أحلى وأطيب مما تركه لله، فإنّ من ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه"[2].

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمَّن أصابه سهم من سهام إبليس المسمومة، فأجاب: "من أصابه جرح مسموم فعليه بما يخرج السمّ ويبرئ الجرح بالترياق والمرهم، وذلك بأمور منها: أن يتزوّج أو يتسرّى، فإنّ النبيّ قال: ((إذا نظر أحدكم إلى محاسن امرأة فليأت أهله فإنّما معها مثل ما معها))[3]، وهذا مما ينقص الشهوة ويضعف العشق. الثاني: أن يداوم على الصلوات الخمس والدعاء والتضرّع وقت السحر، وتكون صلاته بحضور قلب وخشوع، وليكثر من الدعاء بقوله: يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك، يا مصرّف القلوب صرِّف قلبي إلى طاعتك وطاعة رسولك، فإنّه متى أدمن الدعاء والتضرع لله صرف قلبه عن ذلك كما قال تعالى: {كَذٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوء وَٱلْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24]. الثالث: أن يبعد عن مسكن هذا الشخص والاجتماع بمن يجتمع به بحيث لا يسمع له خبر ولا يقع له على عين ولا أثر، فإنّ البعد جفاء، ومتى قلَّ الذكر ضعف الأثر في القلب. فليفعل هذه الأمور، وليطالع بما تجدّد له من الأحوال، والله أعلم"[4].

2- نورٌ في القلب:

قال ابن القيم: "يورث القلبَ ـ أي: غضّ البصر ـ نورًا وإشراقًا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أنّ إطلاق البصر يورث ظلمة في وجهه وجوارحه، ولهذا ـ والله أعلم ـ ذكر الله سبحانه آية النور في قوله تعالى: {ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ} [النور:35] عقيب قوله: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ} [النور:30]"[5].

3- يورث صحة الفِراسة:

قال شجاعُ الكرمانِي: "من عمَّر ظاهره باتِّباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغضّ بصره عن المحارم وكفَّ نفسه عن الشهوات وأكل الحلال لم تخطئ له فِراسة".

قال ابن القيم"وكان شجاع لا تخطئ له فِراسة"[6].

4- قوة القلب وثباته:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فيجعل الله له سلطانَ البصيرة مع سلطان الحجّة فإنّ في الأثر: الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظلّه، ولهذا يوجد في المتّبع هواه من ذلّ النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه، فإن الله جعل العزّة لمن أطاعه والذلة لمن عصاه، قال تعالى: {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8]، قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]. ولهذا كان في كلام الشيوخ: الناس يطلبون العزَّ بأبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله، وكان الحسن البصري يقول: وإن هملجت بِهم البراذين، وطقطقت بهم ذُلل البغال، فإنّ ذلّ المعصية في رقابهم، أبى الله إلا أن يذلَّ من عصاه. ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه، ومن عصاه ففيه قِسط من فعل من عاداه بمعاصيه، وفى دعاء القنوت أنّه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت"[7].

5- تخليص القلب من ألم الحسرة:

قال ابنُ القيم: "فأضرُّ شيءٍ على القلبِ إرسال البصر، فإنّه يريه ما يشتدّ طلبه، ولا صبر له عنه، ولا وصول له إليه، وذلك غاية ألمه وعذابه"[8].            

قال الأصمعيُّ: رأيتُ في الطواف جاريةً كأنّها مهاة، فجعلتُ أنظر إليها، وأملأ عيني من محاسنها، فقالت لي: يا هذا ما شأنك؟ قلت: وما عليكِ من النظر؟ فأنشأت تقول:

وكنتَ متى أرسلتَ طرفك رائدًا           لقلبك يومًـا أتعبتـك المناظـرُ

رأيتَ الذي لا كلَّـه أنت قادرٌ           عليـه، ولا عن بعضه أنت صابرُ[9]

6- يفتح له طرق العلم وأبوابه:

قال ابن القيّم: "وذلك بسبب نور القلب، فإنّه إذا استنار ظهرت فيه حقائقُ المعلومات، وانكشفت له بسرعة، ونفذ من بعضها إلى بعض"[10].

7- يقوّي العقل ويزيده ويثبته:

قال ابن القيّم: "فإنّ إطلاق البصر وإرساله لا يحصلُ إلاّ من خفّة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب، فإنّ العقل ملاحظة العواقب"[11].

8- يخلّص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة:

قال ابن القيم: "فإنّ إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة، ويوقع في سكرة العشق، كما قال الله تعالى عن عُشّاقَ الصور: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72]. فالنظرة كأس من خمر، والعشق هو سكر ذلك الشراب، وسكر العشق أعظم من سكر الخمر، فإنّ سكران الخمر يفيق، وسكران العشق قلما يفيق"[12].


[1] أخرجه الحاكم (4/313-314)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، وقد قال الذهبي: "فيه إسحاق بن عبد الواحد القرشي، وهو واهٍ، وعبد الرحمن الواسطي ضعفوه"، قال سعد الحميد بعد أن ساق طرق الحديث ورواياته في تحقيقه لمختصر استدراك الحافظ الذهبي على المستدرك (6/2991): "وعليه فالحديث حسن لغيره بمجموع الطرق الصالحة للاعتبار مما تقدم، والله أعلم".

[2] مجموع الفتاوى (15/420).

[3] أخرج مسلم نحوه في كتاب النكاح (1403) من حديث جابر رضي الله عنه.

[4] مجموع الفتاوى (32/5-7).

[5] روضة المحبين (ص 118).

[6] روضة المحبين (ص 118).

[7] مجموع الفتاوى (15/426).

[8] روضة المحبين (ص 113).

[9] الجواب الكافي (ص164).

[10] روضة المحبين (ص 118).

[11] روضة المحبين (ص 120).

[12] روضة المحبين (ص 120).

 
.