|
||
. |
||
عقيدة اليهود: ثالثًا: عقيدة اليهود في الكتب السماوية: الصفحة السابقة (عناصر البحث) الصفحة التالية |
||
|
||
ثالثًا: عقيدة اليهود في الكتب السماوية: أ- التوراة والكتب الملحقة بها: التوراة خمسة أسفار، يعتقد اليهود أن موسى عليه السلام كتبها بيده، ويسمونها: "البنتاتوك"، و"بنتا" كلمة يونانية تعني خمسة، أي: الأسفار الخمسة، وهي: 1- سفر التكوين: يتحدث عن خلق السموات والأرض وآدم والأنبياء بعده إلى موت يوسف عليه السلام. 2- سفر الخروج: ويتحدث عن قصة بني إسرائيل من بعد موت يوسف عليه السلام إلى خروجهم من مصر، وما حدث لهم بعد الخروج مع موسى عليه السلام. 3- سفر اللاويين: وهو نسبة إلى بني لاوي، وهم سبط من بني إسرائيل مكلفون بالمحافظة على الشريعة وتعليمها الناس، ويتضمن هذا السفر أمورًا تتعلق باللاويين وبعض الشعائر الدينية. 4- سفر العدد: وهو معنيٌ بعدّ بني إسرائيل، ويتضمن توجيهات وحوادث حدثت من بني إسرائيل بعد الخروج. 5- سفر التثنية: ويعني تكرير الشريعة وإعادة الأوامر والنواهي عليهم مرة أخرى، وينتهي هذا السفر بذكر موت موسى عليه السلام وقبره ومكان قبره. وأما الكتب الملحقة بالتوراة فهي أربعة وثلاثون سفرًا حسب النسخة البروتستانتية، فيكون مجموعها مع التوراة تسعة وثلاثين سفرًا، وهي التي تسمى لدى النصارى بالعهد القديم، ويمكن تقسيمها إلى خمسة أقسام: القسم الأول: الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام. القسم الثاني: الأسفار التاريخية، وهي ثلاثة عشر سفرًا: 1- يشوع. 2- القضاة. 3- راعوث. 4- صموئيل الأول. 5- صموئيل الثاني. 6- الملوك الأول. 7- الملوك الثاني. 8- أخبار الأيام الأول. 9- أخبار الأيام الثاني. 10- عزرا. 11- نحميا. 12- إستير. 13- يونان (يونس عليه السلام). وهذه الأسفار تحكي قصة بني إسرائيل من بعد موسى عليه الصلاة والسلام إلى ما بعد العودة من السبي البابلي إلى فلسطين، وإقامتهم للهيكل مرة أخرى بعد تدميره، ما عدا سفرَي أخبار الأيام الأول والثاني فإنها تعيد قصة بني إسرائيل، وتبتدئ بذكر مواليد آدم على سبيل الاختصار إلى السنة الأولى لملك الفرس "قورش". وكذلك سفر يونان ـ وهو يونس عليه السلام ـ يحكي قصته مع أهل نينوى الذين أرسل إليهم. القسم الثالث: أسفار الأنبياء، وهي خمسة عشر سفرًا: 1- أشعيا. 2- أرميا. 3- حزقيال. 4- دانيال. 5- هوشع. 6- يوثيل. 7- عاموس. 8- عوبديا. 9- ميخا. 10- ناحوم. 11- حبقوق. 12- صفنيا. 13- حجى. 14- زكريا. 15- ملاخى. وهذه الأسفار يغلب عليها طابع الرؤى والتنبؤات بما سيكون من حال بني إسرائيل وحال الناس معهم، وفيها تهديدات لبني إسرائيل ووعود بالعودة والنصر. وأصحاب هذه الأسماء الذين نسبت إليهم هذه الأسفار هم ممن كانوا زمن السبي إلى بابل وبعده. القسم الرابع: أسفار الحكمة والشعر، أو الأسفار الأدبية، وهي خمسة أسفار: 1- سفر أيوب. 2- الأمثال. 3- الجامعة. 4- نشيد الأنشاد. 5- مراثي إرميا. القسم الخامس: سفر الابتهالات والأدعية، وهو سفر المزامير المنسوب إلى داود عليه السلام. هذه أسفار النسخة العبرانية المعتمدة لدى البروتستانت من النصارى، أما النصارى الكاثوليك والأرثودكس فيعتمدون النسخة اليونانية، وهي تزيد على العبرانية بسبعة أسفار هي: سفر طوبيا، ويهوديت، والحكمة، ويشوع بن سيراخ، وباروخ، والمكابيين الأول، والمكابيين الثاني[1]. التطور التاريخي للتوراة: يطول البحث لو تُتُبّع التطور التاريخي لقصة كتب التوراة المحرّفة في أهم لغات العالم، وخاصة أننا في العصر الحديث أمام وجهات نظر عديدة حول تحريف التوراة وحجم التحريف الذي وقع بها، لكن يجب أن ندرك أن الطوائف المحافظة من شعب إسرائيل ـ على فرض الزعم القائل بوجود عنصر الشعب ـ ظل متشبثًا ببعض النصوص رافضًا ما عداها. وقصة التطور وحجم المشكلة يبدآن من عصر موسى عليه السلام؛ ذلك أن موسى عليه السلام لما أعطاه الله التوراة موعظة وتفصيلاً لكل شيء أفرز سبط لاوي الذي هو منه لحمل التوراة، يعرفونها ويعرفونها للناس، وكتب منها ثلاث عشرة نسخة، وضع نسخة في التابوت، وسلم لكل سبط نسخة للذكرى، وظلت التوراة صحيحة في أيدي بني إسرائيل لم يغيروا منها حرفًا واحدًا إلى زمن الأسر البابلي، وذلك في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، أي: بعد وفاة موسى بحوالي سبعة قرون، ثم غيّر بنو إسرائيل التوراة. ففي مدينة بابل بعد سنة (586 ق.م) اتفق العبرانيون[2] والسامريون[3] على تغيير التوراة؛ لأنهم وهم في الأسر لما تأكدوا من إدبار الدنيا عنهم وإقبال الخير على بني إسماعيل بعد سنوات غير طويلة، رأوا أن يحتفظوا بكيان مستقل إلى الأبد، من أجل ذلك كتبوا التوراة بأيديهم على المبادئ التالية: 1- الله تعالى إله واحد، ولكن ليس للعالمين، بل لبني إسرائيل من دون الناس. 2- شريعة التوراة أنزلها الله تعالى، ولكن ليست للعالمين بل لبني إسرائيل دون الناس. 3- النبي المنتظر الذي أخبر عن مجيئه موسى عليه السلام سوف يأتي، ولكن ربما يكون من بني إسرائيل، لا من بني إسماعيل. وكتب لهم عزرا التوراة على تلك المبادئ، وعرضها عليهم فسرّوا بها. ولما رجع بنو إسرائيل من بابل بتوراة عزرا، وسكن العبرانيون في مدنهم، وسكن السامريون في مدنهم، ظهر عداء شديد بين العبرانيين وبين السامريين؛ بسببه اختلفت التوراة العبرانية عن السامرية، وكل اتهم الآخر بالتحريف وأنه وحده على الحق. هذا وقد تصاعد الخلاف والعداء بين العبرانيين والسامريين زمن المسيح عليه السلام؛ لأن العبرانيين كانوا يلقبون الخارج عن تقاليدهم بلقب: سامري، دلالة على أنه منبوذ من قومه. وقد آمن به كثير من السامريين في حياته، كما آمنوا برسالته عن طريق الحواريين بعد رفعه عليه السلام، أما العبرانيون فخاصموه، واتهموه بأنه سامري، وأن به شيطانًا. ومع خصومة العبرانيين للمسيح عليه السلام حمل النصارى التوراة العبرانية؛ لأنه عليه السلام من اليهود والعبرانيين، ولم يلتفتوا إلى التوراة السامرية، وضمّوها مع العهد الجديد في كتاب واحد وسمّوه: الكتاب المقدس، الذي يمثل بمجموعة عقيدة النصارى إلى الأبد. والنصارى ينشرون التوراة العبرية بجميع لغات العالم إيمانًا منهم بأنها أساس دينهم الذي أكمله العهد الجديد، فظلت نسخة التوراة السامرية مطمورة حتى نشرت في الثلث الأخير من القرن العشرين باللغة العربية، وسبق أن نشرت من قبل من عالم إيطالي في عام 600م، ولكن لم يحفل بها لعدم اعتراف اليهود ولا النصارى بشرعيتها[4]. حقائق تاريخية: ينتج مما تقدم أمران مهمّان: 1- وقوع التحريف في التوراة: قال الله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:75]. وقال سبحانه: {فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ لَعنَّـٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوٰضِعِهِ وَنَسُواْ حَظَّا مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ} [المائدة:13]. وقال عز وجل: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:75]. فدل القرآن الكريم على أن التوراة الموجودة الآن طرأ عليها أمور أربعة: 1- التحريف والتبديل، 2- النسيان غير المقصود، 3- الإهمال والإخفاء المقصود، 4- لبس الحق بالباطل. وهذه الأسباب هي التي كانت وراء حكم القرآن على أهل التوراة بالتحريف، وهي الأسباب التي حدت بأهل القرآن إلى عدم إقرار توراة اليهود الحالية من وجهة الحكم القرآنية عقيدةً ومنطقًا، كذلك فإن القرآن الكريم يشير إلى أن أهل التوراة من بني إسرائيل من اليهود والنصارى في شكٍ من توراتهم، يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكّ مّنْهُ مُرِيبٍ} [فصلت:45]، ومن العجب أن القدماء والمحدثين من أهل التوراة في شكٍ مريب من صدقها[5]. 2- أن التوراة التي كتبها موسى ليست هي التوراة الموجودة بأيدي اليهود: وذلك لأمور: 1- أنه جاء في سفر التثنية: "وكتب موسى هذه التوراة، وسلمها للكهنة بني لاوي حاملي تابوت عهد الرب"[6]. وكان ينبغي أن تكون نهاية التوراة هنا، ولكن الذي نراه أنه جاء بعدها ثلاثة إصحاحات، والمفروض أن التوراة سلمت للكهنة من بني لاوي[7]. 2- أن التوراة التي كتبها موسى قصيرة جدًا بالنسبة للأسفار الخمسة؛ وذلك لأن موسى أمر بجمع بني إسرائيل نساءً ورجالاً وأطفالاً وحتى الغريب بأرضهم، أمر بجمعهم كل سبع سنين في عيد المظال لتقرأ عليهم التوراة[8]. ولا يتصور حصول هذا في الأسفار الخمسة. وكذلك أمر بكتابتها على جدران المذبح[9]، ولا يصار إلى الكتابة إلاّ إذا كانت قصيرة[10]. 3- أن هذه التوراة التي بيد اليهود ليست معروفة عند عزرا الذي أعاد كتابة التوراة بعد السبي البابلي، فلو كانت هي توراة موسى لما خالفها في الأنساب التي ذكرها[11]. 4- أن أسلوبها الكتابي مفكك، وفيها تكرار للروايات، وهذا يشعر بأن لها أكثر من كاتب[12]. وهناك أسباب أخرى تؤكد أن التوراة الموجودة الآن ليست هي التوراة التي كتبها موسى عليه السلام[13]. تعريف التلمود: التلمود: هو تعليم لديانة وآداب اليهود، وهو يتكون من جزأين: الجزء الأول: متن، ويسمى: المشناه، بمعنى: المعرفة أو الشريعة المكررة. الجزء الثاني: شرح، ويسمّى: جمارا، ومعناه: الإكمال[14]. ومعنى التلمود في العربية: النظام. وهو كتاب فقه اليهود، ويتكوّن من مجموعة من التعاليم التي قررها أحبار اليهود شرحًا للتوراة، واستنباطًا من أصولها، وقد يخالف بعض نصوص التوراة[15]. وتتكون المشناة من ست مباحث تسمى: سيد اريم، أي: أحكام، وهي كما يلي: 1- زيرائيم (البذور): ويتضمن اللوائح الزراعية، وهي إحدى عشرة رسالة. 2- موئيد (الأيام المقررة): يحتوي على لوائح الأعياد والصيام، وهو اثنتا عشر رسالة. 3- نشيم (المرأة): يتضمن قوانين الزواج والطلاق، والنذور والناذر، وهو سبعة رسائل. 4- ينزلكين (الأضرار): يشمل القوانين المدنية والجنائية، وهو عشر رسائل. 5- توهاروت (الطهارة): قوانين الطهارة والنجاسة، وهو اثنتا عشر رسالة. 6- كوداشيم (الأشياء المقدسة): قوانين الصلاة، وهو إحدى عشرة رسالة. فيكون مجموع هذه الرسائل ثلاثا وستين رسالة مقسمة إلى فصول وجمل. ويضاف إلى ذلك أربع كراسات قصيرة لم يكن التلمود النظامي يشتمل عليها، لكنها جمعت من قبل كتاب ومفسرين متأخرين, والكراسات الأربعة هي: 1- ما سيخيت سوفيسريم: ويبحث في طريقة تدوين كتب القانون ونسخها، يتألف من واحد وعشرين فصلاً. 2- إيهيل رابيتي: رسالة كبرى عن الحداد، يتألف من أربعة عشر فصلاً. 3- كاللاه: خاص بالعروس وحليها وزينتها، يتألف من فصل واحد. 4- ما سيخيت ديريخ: مرشد الحياة، يتألف من ستة عشر فصلاً، مضاف إليه في نهايته فصل خاص عنوانه: بيريك سالوم، عن السلام[16]. التلمود عند اليهود أقدس من التوراة: ويدلّ على ذلك بعض النصوص الواردة فيه، منها: 1- "إذا خالف أحد اليهود أقوال الحاخامات يعاقب أشدّ العقاب؛ لأن الذي يخالف شريعة موسى خطيئته مغفورة، أما من يخالف التلمود فيعاقب بالقتل"[17]. 2- وقال مناحم: "إنه لا شغل لله في الليل غير تعلّمه التلمود مع الملائكة"[18]. 3- "إن تعاليم الحاخامات لا يمكن نقضها ولا تغييرها ولو بأمر الله، وقد وقع يومًا الاختلاف بين الباري تعالى وبين علماء اليهود في مسألة، فبعد أن طال الجدال تقرر إحالة فصل الخلاف إلى أحد الحاخامات الرابيين، واضطر الله أن يعترف بغلطه بعد حكم الحاخام المذكور"[19]. سبب قداسة التلمود عند اليهود: إن الذي جعل اليهود يتشبثون بتعاليم التلمود هو الانهيار المفاجئ لشوكتهم وإغلاق كل مدارسهم مرة واحدة، الأمر الذي جعلهم يبحثون عن تعاليم جديدة للمرحلة القادمة، ووجدوها في التلمود الذي يعلمهم مواصلة الحياة بالانغلاق والسيطرة على المجتمع تمهيدًا لإقامة إمبراطورية عالمية. يقول الدكتور جوزيف باركلي: "رغم أن أي مجمع يهودي عام لم يتبن التلمود رسميًا، إلا أن اليهود الأرتودكس مستقيمي العقيدة تبنوه؛ لأنه زوّدهم بشيء شعروا بحاجتهم إليه". ويقول إسرائيل أبراهامز: "بقي اليهود بسبب التلمود، بينما بقي التلمود في اليهود". ويقول الدكتور فابيان: "الحياة اليهودية حتى هذا اليوم مؤسسة إلى حد كبير على التعاليم والأسس التلمودية، فطقوسنا وكتاب صلاتنا واحتفالاتنا وقوانين زواجنا بالإضافة إلى قوانين وأسس أخرى كثيرة مستخرجة مباشرة من التلمود. والتلمود هو الذي تعزى إليه الصفات التي يتميز بها اليهود، فالاتزان في الشخصية والتصدّق ونزعته إلى الحرية الاجتماعية وعلاقته العائلية الوطيدة وتعطشه للتعليم وإمكانياته العقلية كلها ترجع إلى التلمود"[20]. 2- كفر اليهود بإنجيل عيسى عليه السلام: قال الله تعالى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة:113]. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتهم أحبار اليهود، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رافع بن حريملة: ما أنتم على شيء وكفر بعيسى ابن مريم وبالإنجيل، فقال رجل من أهل نجران من النصارى: ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة، فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهما: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} إلى قوله: {فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[21]. قال الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]. قال الطبري: "يعني جل ثناؤه بقوله: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ}: ولما جاء اليهود من بني إسرائيل الذين وصف جل ثناؤه صفتهم {كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} يعني بالكتاب القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم، {مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} يعني مصدق للذي معهم من الكتب التي أنزلها الله من قبل القرآن... {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: وكان هؤلاء اليهود ـ الذين لما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم من الكتب التي أنزلها الله قبل الفرقان كفروا به ـ يستفتحون بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومعنى الاستفتاح الاستنصار، يستنصرون الله به على مشركي العرب من قبل مبعثه، أي: من قبل أن يبعث"[22]. وإيمان اليهود بالإنجيل والقرآن الكريم المنزلين بعد التوراة كما هو ثابت بالنص الإلهي القاطع في القرآن الكريم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بموقفهم من الرسولين الكريمين المنزلين عليهما: عيسى ومحمد عليهما أفضل الصلاة والتسليم، واليهود لا تؤمن بنبوتهما ورسالتيهما مع إعلان الحقد والكره والعداوة لهما ولأتباعهما، لذا فهم ينكرون الإنجيل والقرآن الكريم، ويتعللون بعدم جواز النسخ على الخالق عز وجل، وحجتهم في ذلك أنه يستحيل على الله عز وجل أن يأمر بالأمر ثم ينهى عنه، ولو كان كذلك لعاد الحق باطلاً والباطل حقًا والمعصية طاعة[23].
[1] انظر: دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية (ص51-54)، للدكتور سعود الخلف. [2] العبرانيون: هم من بني إسرائيل من آل داود عليه السلام، ومن نسلهم موسى وعيسى عليهما السلام. [3] السامريون: هم من بني إسرائيل من آل يوسف عليه السلام، وكانوا يسكنون مدينة السامرة، وأغلب أتباعهم اليوم يسكنون في نابلس. انظر: الحاشية من الأسفار المقدسة (ص37)، ودراسات في اليهودية والمسيحية، للدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي (ص62، 227)، والمدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، للدكتور محمد علي البار (ص251). [4] الأسفار المقدسة (ص 34-35). [5] الأسفار المقدسة، للدكتور صابر طعيمة (ص18). وانظر: الفصل في الملل، لابن حزم (1/201)، وهداية الحيارى، لابن القيم (ص 106)، وتخجيل من حرّف التوراة والإنجيل، لأبي البقاء الهاشمي. [6] سفر التثنية (31: 9-10). [7] انظر: التحريف في التوراة، لمحمد الخولي (ص 82)، والتوراة، لأحمد شلبي (ص 57)، وجهود علماء المسلمين في الرد على النصارى، للدكتور: محمد منقذ السقار (ص 564). [8] انظر: سفر التثنية (31: 9-12). [9] انظر: سفر التثنية (27: 2-8)، وسفر يشوع (8: 32-35). [10] انظر: نقد التوراة، لأحمد حجازي السقا (ص70)، والتحريف في التوراة (ص79)، وجهود علماء المسلمين في الرد على النصارى (ص 564). [11] انظر: إظهار الحق، لرحمة الله الهندي (1/114). [12] انظر: التوراة، لأحمد شلبي (ص 52). [13] انظر: جهود علماء المسلمين في الرد على النصارى (ص 564-569). [14] دراسات في الأديان (ص 87). [15] الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، للشيخ عبدالقادر شيبة الحمد (ص23). [16] انظر: التلمود تاريخه وتعاليمه لظفر الإسلام خان (ص 15-16)، وفضح التلمود للأدب أي بي برانايتس إعداد زهدي الفاتح (ص 26-36). والجدير بالذكر أن مصدر كتاب فضح التلمود هو التلمود نفسه طبعة أمستردام 1644-1648م، (14) مجلدًا. راجع (ص 50-51) من الكتاب. [17] انظر: الكنز المرصود في قواعد التلمود ترجمة الدكتور يوسف نصر الله (ص 111). [18] انظر: الكنز المرصود (ص 55). [19] التلمود (ص 74). وانظر: الكنز المرصود (ص 54). [20] انظر: التلمود تاريخه وتعاليمه (ص 33-35) باختصار، وجذور البلاء لعبد الله التل (ص 73-74). [21] رواه الطبري في تفسيره (1/495)، وابن أبي حاتم في التفسير (1/338-339). وانظر: العجاب في بيان الأسباب لابن حجر (ص173)، وأسباب النزول للسيوطي (ص22-23). [22] جامع البيان (1/410). [23] جهود الإمامين (ص 277). |
||
|
||
. |