|
||
. |
||
التشاؤم والطيرة: سابعاً: علاج التشاؤم والتطير: الصفحة السابقة الصفحة التالية |
||
|
||
سابعا: علاج التشاؤم والتطير: 1- الثقة بالله تعالى وصدق التوكل عليه، واطراح الوساوس والأوهام، وقطع دابرها واجتثاث أصولها، وعدم الالتفاف إليها بالكلية، والمضي في الشأن المقصود بعزم وحزم وقوة، فعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالاً يأتون الكهان، قال: ((فلا تأتهم))، قال: ومنا رجال يتطيرون، قال: ((ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصُدَّنَّهم))، قال ابن الصباح: ((فلا يصُدَّنَّكم))([1]). قال النووي رحمه الله: "قال العلماء: معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورةً، ولا عتب عليكم في ذلك، فإنه غير مكتسب لكم فلا تكليف به، ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم، فهذا الذي تقدرون عليه وهو مكتسب لكم، فيقع به التكليف، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن العمل بالطيرة، والامتناع من تصرفاتهم بسببها"([2]). قال الماوردي رحمه الله: "ينبغي لمن مُني بالتطير أن يصرف عن نفسه دواعي الخيبة وذرائع الحرمان، ولا يجعل للشيطان سلطاناً في نقض عزائمه، ومعارضة خالقه، ويعلم أن قضاء الله تعالى عليه غالب، وأن رزقه له طالب، إلا أن الحركة سبب، فلا يثنيه عنها ما لا يضير مخلوقاً ولا يدفع مقدوراً، وليمض في عزائمه واثقاً بالله تعالى إن أعطى، وراضيا به إن منع"([3]). وقال ابن القيم رحمه الله: "فالطيرة باب من الشرك وإلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، يكبر ويعظم شأنها على من أتبعها نفسه، واشتغل بها، وأكثر العناية بها، وتذهب وتضمحل عمن لم يلتفت إليها، ولا ألقى إليها باله، ولا شغل بها نفسه وفكره"([4]). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان))([5]). قال ابن عثيمين رحمه الله: "بل انطلق إلى ما تريد بانشراح صدر وتيسير واعتماد على الله عز وجل، ولا تسئ الظن بالله عز وجل"([6]). 2- استحضار أنه لا يحصل شيء في الكون صغير أو كبير خير أو شر إلا بقضاء الله تعالى وقدره ومشيئته وإرادته، لا يخرج شيء عن ذلك ألبتة، فرجع الأمر كله إلى الله وحده لا شريك، فهو الضار النافع، لا ينفع أحدٌ ولا شيء إلا بإذنه، ولا يضر أحد ولا شيء إلا بإذنه، فوجب أن لا تتعلق القلوب خوفا ورجاء إلا به، ولا استعانة وتوكلا إلا عليه سبحانه، ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال لي: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف))([7])، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطير تجري بقدر))، وكان يعجبه الفأل الحسن([8]). 3- أن يقول الدعاء المشروع إذا حصل له تشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك))، قالوا: يا رسول الله، ما كفارة تلك؟ قال: ((أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك))([9]). قال ابن القيم رحمه الله: "واعلم أن التطير إنما يضر من أشفق منه وخاف، وأما من لم يبال به ولم يعبأ به شيئاً لم يضره ألبتّة، ولا سيما إن قال عند رؤية ما يتطير به أو سماعه: ((اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يذهب بالسيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك))"([10]). وقال ابن عثيمين رحمه الله: "قوله: ((فقد أشرك)) إن اعتقد أن هذا المتشاءَم به يفعل ويحدث الشر بنفسه فهو شرك أكبر، وإن اعتقده سببا فهو شرك أصغر... قوله: فما كفارة ذلك؟ أي ما كفارة هذا الشرك أو ما هو الدواء الذي يزيل هذا الشرك؟... قوله: ((اللهم لا خير إلا خيرك)) يعني فأنت الذي بيدك الخير المباشر... وغير المباشر... وقوله: ((ولا طير إلا طيرك)) أي: الطيور كلها ملكك، فهي لا تفعل شيئاً وإنما هي مسخَّرة، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَــٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلّ شَىْء بَصِيرٌ} [الملك:19]، وقال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرٰتٍ فِى جَوّ ٱلسَّمَآء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل:79]. فالمهم أن الطير مسخر بإذن الله، فالله تعالى هو الذي يدبره ويصرفه ويسخره، يذهب يميناً وشمالاً، ولا علاقة له بالحوادث"([11]). 4- استخارة الخالق، واستشارة المخلوق: فمن أكرمه الله تعالى بأن شرع له استخارته سبحانه في الأمور كلها، وفضَّله على كثير ممن خلق تفضيلا فجعل له عقلا يزِن به الأمور، وأرشده إلى أن يستشير غيره ليجمع عقله إلى عقله، كيف يرضى لنفسه بعد ذلك أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير فيستقسم بالأزلام، أو يتبرك ويتشاءم بالطيور السوانح والبوارح، أو يستدل بأرقام وأشكال على حوادث ستحصل؟! فهذا غاية القبح ومنتهى السفه. عن جابر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها كما يعلم السورة من القرآن([12]). وفي المأثور: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار. قال ابن تيمية رحمه الله: "وإنما يسن له استخارة الخالق، واستشارة المخلوق، والاستدلال بالأدلة الشرعية التي تبين ما يحبه الله ويرضاه، وما يكره وينهى عنه"([13]). 5- احتساب الأجر العظيم الذي يناله المتوكلون، واستحضار الثواب الجزيل المعَدِّ للذين لا يتطيرون: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عُرضت علي الأمم، فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط، والنبي ليس معه أحد، حتى رُفع لي سوادٌ عظيم، قلت: ما هذا؟ أمتي هذه؟! قيل: بل هذا موسى وقومه، قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سوادٌ يملأ الأفق، ثم قيل لي: انظر ها هنا وها هنا، في آفاق السماء، فإذا سواد قد ملأ الأفق، قيل: هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفاً بغير حساب))، ثم دخل ولم يبين لهم، فأفاض القوم وقالوا: نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله فنحن هم، أو أولادنا الذين وُلدوا في الإسلام فإنا ولدنا في الجاهلية، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج فقال: ((هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون))([14]).
([1]) جزء من حديث أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (537). ([2]) شرح صحيح مسلم (5/26-27). ([3]) أدب الدنيا والدين (ص378). ([4]) مفتاح دار السعادة (3/271-272). ([5]) أخرجه مسلم في القدر (2664). ([6]) القول المفيد (2/78). ([7]) أخرجه أحمد (2669)، والترمذي في صفة القيامة (2516)، وقال: "حديث حسن صحيح"، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/460-461): "روي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة... وأصح الطرق الطريق التي أخرجها الترمذي"، وصححه الألباني في صحيح السنن (2043). ([8]) أخرجه أحمد (6/130) والحارث في مسنده (748 – بغية الباحث)، والبزار (2161 – كشف الأستار)، وابن أبي عاصم في السنة (254)، وصححه ابن حبان (5824)، والحاكم (1/32)، والألباني في الصحيحة (860). ([9]) أخرجه أحمد (2/220)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص117)، قال الهيثمي في المجمع (5/105): "رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات". وصححه الألباني في الصحيحة (1065). ([10]) مفتاح دار السعادة (3/271). ([11]) القول المفيد على كتاب التوحيد (2/96-97). ([12]) أخرجه البخاري في التوحيد، باب: قول الله تعالى: {قل هو القادر} (7390). ([13]) مجموع الفتاوى (23/68). ([14]) أخرجه البخاري في الطب (5705) واللفظ له، ومسلم في الإيمان (220). |
||
|
||
. |