|
||
. |
||
التشاؤم والطيرة: سادساً: آثار التشاؤم وأضراره: الصفحة السابقة الصفحة التالية |
||
|
||
سادسا: آثار التشاؤم وأضراره: 1- أنه نفق يقود إلى الشرك بالله تعالى: قال ابن القيم: "التطير هو التشاؤم من الشيء المرئي أو المسموع، فإذا استعملها الإنسان فرجع بها من سفره وامتنع بها مما عزم عليه، فقد قرع باب الشرك، بل ولجه وبرئ من التوكل على الله، وفتح على نفسه باب الخوف والتعلق بغير الله، والتطير مما يراه أو يسمعه، وذلك قاطع له عن مقام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، {فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}[هود:123]، {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[الشورى:10]، فيصير قلبه متعلقاً بغير الله عبادة وتوكلاً فيفسد عليه قلبه وإيمانه. وحاله يبقى هدفاً لسهام الطيرة، ويساق إليه من كل أوب، ويقيض له الشيطان من ذلك ما يفسد عليه دينه ودنياه، وكم هلك بذلك وخسر الدنيا والآخرة، فأين هذا من الفأل الصالح السار للقلوب، المؤيد للآمال، الفاتح باب الرجاء، المسكن للخوف، الرابط للجأش، الباعث على الاستعانة بالله والتوكل عليه، والاستبشار المقوِّي لأمله، السار لنفسه، فهذا ضد الطيرة، فالفأل يفضي بصاحبه إلى الطاعة والتوحيد، والطيرة تفضي بصاحبها إلى المعصية والشرك، فلهذا استحب صلى الله عليه وسلم الفأل وأبطل الطيرة"([1]). 2- أنه يُنقص الإيمان، ويضعف اليقين، ويضادُّ التوكل، ويجعل صاحبه عبداً للخرافات والخزعبلات. 3- أنه ابتداع في الدين، وقول على الله بلا علم: لأن صاحبه جعل من الأسباب ما لا دليل عليه من الوحي ولا من الحس، قال ابن تيمية رحمه الله: "لا يجوز أن يعتقد أن الشيء سبب إلا بعلم، فمن أثبت شيئا سببا بلا علم أو يخالف الشرع كان مبطلا، مثل من يظن أن النذر سبب فى دفع البلاء وحصول النعماء"([2]). 4- أنه يفتح على العبد باب الوساوس على مصراعيه، فتضطرب نفسه، ويتبلبل فكره، ويصاب بالهوس، فيتمكن الشيطان منه: قال ابن القيم رحمه الله: "واعلم أن من كان مُعتنياً بها قائلاً بها ـ يعني الطيرة ـ كانت إليه أسرعَ من السّيل إلى منحدره، وتفتَّحت له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه ويُعطاه، ويفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللفظ والمعنى ما يفسد عليه دينه وينكّد عليه عيشه؛ فإذا سمع سفرجلاً، أو أُهدي إليه تطيّر به، وقال: سفرٌ وجلاءٌ، وإذا رأى ياسميناً أو سمع اسمه تطيّر به، وقال: يأسٌ ومينٌ، وإذا رأى سوسنة أو سمعها، قال: سوءٌ يبقى سنةً، وإذا خرج من داره فاستقبله أعور أو أشل أو أعمى أو صاحب آفةٍ تطيّر به وتشاءم بيومه"([3]). 5- أنه سبب لعمَى القلب وطمس البصيرة: فلا يزال الشيطان بهذا المسكين يجعله يذوق الحسرات ويشعر بالمرارة في كل أمره، قال الماوردي رحمه الله: "اعلم أنه ليس شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة، ومن ظن أن خُوار بقرة أو نعيب غراب يرد قضاء أو يدفع مقدوراً فقد جهل"([4]). 6- النظرة الحادة إلى الناس: فيحكم عليهم بالأوهام الكاذبة والظنون الفاسدة، يعطي هذا علامة السعد، وهذا علامة النحس بمحض الخرص والتخمين، فيحصل بذلك من الحقد والبغضاء والغل والشحناء ما لا يوصد بابه ولا تحمد عقباه. 7- أنه يجعل حياة صاحبه نكَدا وكدَرا وهمًّا وغمًّا: فالمتطير المتشائم متعَب القلب، منكدِر الصدر، كاسف البال، سيئ الخلق، يتخيل من كل ما يراه أو يسمعه، أشد الناس خوفاً، وأنكدهم عيشاً، وأضيقهم صدراً، وأحزنهم قلباً. 8- أن صاحبه دائماً في المؤخرة: فهو لا يرتقي نحو تحسين أحواله، وتصحيح مفاهيمه، ومعرفة نقاط الضعف من القوة في جميع تصرفاته. فإذا أخفق في تجارة أو أصيب بمصيبة أرجع هذا كله لسوء الحظ، وبالتالي لا يرجع إلى نفسه والتي بإمكانه أن يصحح مسارها، ويتدارك ما قصَّر فيه، بل يبقى كئيباً كسيفا عاجزاً في مؤخرة الركب. قال الماوردي رحمه الله تعالى: "واعلم أنه قلَّما يخلو من الطيرة أحدٌ، لا سيما من عارضته المقادير في إرادته، وصدّه القضاء عن طلبته، فهو يرجو واليأس عليه أغلب، ويأمل والخوف إليه أقرب، فإذا عاقه القضاء وخانه الرجاء جعل الطيرة عُذر خيبته، وغفل عن قضاء الله عز وجل ومشيئته، فإذا تطيّر أحجم عن الإقدام ويئس من الظفر، وظن أن القياس فيه مُطّرِدٌ، وأن العبرة فيه مستمرةٌ، ثم يصير له عادةً، فلا ينجح له سعيٌ، ولا يتم له قصدٌ"([5]). 9- يُري صاحبَه أن أسباب الشقاء قد انعقدت فيه: فيتصور أن الناس يعيشون في حياة سعيدة دون تعب ولا كدر ولا نصب، وأن جميع هذه الأشياء قد اجتمعت فيه، وما علم أن هذه الدنيا طبعت على كدر، وأن الجميع يستوي في ذلك، قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِى كَبَدٍ} [البلد:4]، وقال: {يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبّكَ كَدْحاً فَمُلَـٰقِيهِ} [الانشقاق:6]. |
||
|
||
. |