|
||
. |
||
حرمة مكة المكرمة: ثانياً: الأحاديث الواردة في تعظيم مكة والبيت الحرام: الصفحة السابقة (عناصر البحث) الصفحة التالية |
||
|
||
الأحاديث الواردة في تعظيم مكة والبيت الحرام: 1- عن أبي شريح العدويّ أنّه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكّة: ائذن لي ـ أيّها الأمير ـ أحدّثك قولاً قام به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم للغد من يوم الفتح، فسمعَته أذناي ووعاه قلبي وأبصرَته عيناي حين تكلّم به، إنّه حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: ((إنّ مكّة حرّمها الله ولم يحرّمها النّاس، فلا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا ولا يعضد بها شجرةً، فإن أحدٌ ترخّص لقتال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقولوا له: إنّ الله أذن لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يأذن لكم، وإنّما أذن لي ساعةً من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلّغ الشّاهد الغائب))، فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إنّ الحرم لا يعيذ عاصيًا، ولا فارًّا بدم، ولا فارًّا بخربة، خربة بليّة([1]). قال ابن حجر: "وقد تشدّق عمرو في الجواب وأتى بكلام ظاهره حقّ, لكن أراد به الباطل, فإنّ الصحابي أنكر عليه نصب الحرب على مكة, فأجابه بأنها لا تمنع من إقامة القصاص, وهو صحيح, إلا أن ابن الزبير لم يرتكب أمرا يجب عليه فيه شيء من ذلك, وفي الحديث شرف مكة"([2]). 2- عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إنّ الله حرّم مكّة فلم تحلّ لأحد قبلي، ولا تحلّ لأحد بعدي، وإنّما أحلّت لي ساعةً من نهار، لا يُختَلَى خلاها، ولا يعضَد شجرها، ولا ينفَّر صيدها، ولا تلتَقَط لقطتُها إلا لمعرّف))، قال العبّاس: يا رسول الله، إلاّ الإذخر لصاغتنا وقبورنا؟ فقال: ((إلاّ الإذخر))([3]). قال ابن حجر: "قال ابن المنير: قد أكد النبي التحريم بقوله: ((حرمه الله))، ثم قال: ((فهو حرام بحرمة الله))، ثم قال: ((ولم تحلّ لي إلا ساعة من نهار))، وكان إذا أراد التأكيد ذكر الشيء ثلاثا, وقال القرطبي: ظاهر الحديث يقتضي تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالقتال لاعتذاره عمّا أبيح له من ذلك, مع أن أهل مكة كانوا إذَّاك مستحقين للقتال والقتل لصدّهم عن المسجد الحرام وإخراجهم أهله منه وكفرهم, وهذا الذي فهمه أبو شريح كما تقدّم, وقال ابن دقيق العيد: يتأكد القول بالتحريم بأن الحديث دال على أن المأذون للنبي صلى الله عليه وسلم فيه لم يؤذن لغيره فيه, وأيضا فسياق الحديث يدلّ على أن التحريم لإظهار حرمة البقعة بتحريم سفك الدماء فيها وذلك لا يختصّ بما يستأصل"([4]). 3- عن ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أبغض النّاس إلى الله ثلاثة: ملحِد في الحرم، ومبتغٍ في الإسلام سنّة الجاهليّة، ومطّلب دمَ امرئ بغير حقّ ليهريق دمه))([5]). قال ابن حجر: "قال المهلّب وغيره: المراد بهؤلاء الثلاثة أنهم أبغض أهل المعاصي إلى الله، فهو كقوله: ((أكبر الكبائر))، وإلا فالشرك أبغض إلى الله من جميع المعاصي. قوله: ((ملحد في الحرم)) أصل الملحد هو المائل عن الحق, والإلحاد العدول عن القصد, واستشكل بأن مرتكب الصغيرة مائل عن الحق, والجواب أن هذه الصيغة في العرف مستعملة للخارج عن الدين, فإذا وصف به من ارتكب معصية كان في ذلك إشارة إلى عظمها, وقيل: إيراده للجملة الاسمية مشعر بثبوت الصفة، ثم التنكير للتعظيم, فيكون ذلك إشارة إلى عظم الذنب"([6]). 4- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أعتى الناس على الله عز وجل من قَتَل في حرم الله, أو قتل غيرَ قاتله, أو قتل بذُحول الجاهلية([7])))([8]). 5- عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خطبنا النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم النّحر قال: ((أتدرون أيّ يوم هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه قال: ((أليس يوم النّحر؟!)) قلنا: بلى، قال: ((أيّ شهر هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، فقال: ((أليس ذو الحجّة؟!)) قلنا: بلى، قال: ((أيّ بلد هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال: ((أليست بالبلدة الحرام؟!)) قلنا: بلى، قال: ((فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربّكم، ألا هل بلّغت؟!)) قالوا: نعم، قال: ((اللّهمّ اشهد، فليبلّغ الشّاهد الغائب، فربّ مبلّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفّارًا يضرب بعضكم رقابَ بعض))([9]). قال النووي: "هذا السؤال والسكوت والتفسير أراد به التفخيم والتقرير والتنبيه على عظم مرتبة هذا الشهر والبلد واليوم, وقولهم: (الله ورسوله أعلم) هذا من حسن أدبهم, وأنهم علموا أنه صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب, فعرفوا أنه ليس المراد مطلق الإخبار بما يعرفون"([10]). 6- عن عروة بن الزّبير عن المسور بن مخرمة ومروان يصدّق كلّ واحد منهما حديث صاحبه قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زمن الحديبية، ثم ذكرا ما جرى من قصة صلح الحديبية، وفيها: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((والّذي نفسي بيده، لا يسألوني خطّةً يعظّمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إيّاها))([11]). قال ابن حجر: "قوله ((خُطّة)) بضم الخاء المعجمة, أي: خصلة, ((يعظمون فيها حرمات الله)) أي: مِن ترك القتال في الحرم, ووقع في رواية ابن إسحاق: ((يسألونني فيها صلة الرحم)) وهي من جملة حرمات الله, وقيل: المراد بالحرمات حرمة الحرم والشهر والإحرام, قلت: وفي الثالث نظر؛ لأنهم لو عظموا الإحرام ما صدّوه, قوله: ((إلا أعطيتهم إياها)) أي: أجبتهم إليها"([12]). 7- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((يبايع لرجلٍ ما بين الرّكن والمقام، ولن يستحلّ البيت إلا أهله، فإذا استحلّوه فلا يسأل عن هَلَكة العرب، ثمّ تأتي الحبشة فيخرّبونه خرابًا لا يعمَر بعده أبدًا، وهم الّذين يستخرجون كنْزه))([13]). 8- عن سعيد بن عمرو قال: أتى عبد الله بن عمر عبدَ الله بن الزبير فقال: يا ابن الزبير، إياك والإلحادَ في حرم الله تبارك وتعالى, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنه سيلحد فيه رجل من قريش, لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت))، قال: فانظر لا تكونه([14]). 9- عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن إبراهيم حرّم مكة ودعا لها, وحرمت المدينة كما حرّم إبراهيم مكة، ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم عليه السلام لمكة))([15]). قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض))، وفي الأحاديث التي ذكرها مسلم بعد هذا أن إبراهيم حرم مكة, فظاهرها الاختلاف, وفي المسألة خلاف مشهور ذكره الماوردي في الأحكام السلطانية وغيره من العلماء في وقت تحريم مكة, فقيل: إنها من يوم خلق السموات والأرض, وقيل: ما زالت حلالا كغيرها إلى زمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم ثم ثبت لها التحريم من زمن إبراهيم, وهذا القول يوافق الحديث الثاني, والقول الأول يوافق الحديث الأول, وبه قال الأكثرون, وأجابوا عن الحديث الثاني بأن تحريمها كان ثابتا من يوم خلق الله السموات والأرض, ثم خفي تحريمها واستمرّ خفاؤه إلى زمن إبراهيم, فأظهره وأشاعه, لا أنه ابتدأه, ومن قال بالقول الثاني أجاب عن الحديث الأول بأن معناه أن الله كتب في اللوح المحفوظ أو في غيره يوم خلق الله تعالى السموات والأرض أن إبراهيم سيحرّم مكة بأمر الله تعالى, والله أعلم"([16]). 10- عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يحلّ لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح))([17]). 11- عن سعيد بن جبير قال: كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه, فلزقت قدمه بالركاب, فنزلت فنزعتها, وذلك بمنى, فبلغ الحجاج فجعل يعوده, فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك؟ فقال ابن عمر: أنت أصبتني، قال: وكيف؟! قال: حملت السلاح في يوم لم يكن يحمَل فيه, وأدخلتَ السلاحَ الحرم, ولم يكن السلاح يدخل الحرم([18]). قال الشوكاني: "هذا النهي فيما عدا من حمله للحاجة والضرورة, وإلى هذا ذهب الجماهير من أهل العلم, فإن كانت حاجة جاز, فإنه قد دخل صلى الله عليه وآله [بالسلاح] مرة كما في دخوله يوم الفتح هو وأصحابه ودخوله صلى الله عليه وآله وسلم للعمرة"([19]). (1) أخرجه البخاري (1735), ومسلم (1354). (2) فتح الباري (1/198) باختصار. (3) أخرجه البخاري (1737) واللفظ له, ومسلم (1353). (4) فتح الباري (4/48) باختصار. (5) أخرجه البخاري (6488). (6) فتح الباري (12/210). (7) الذَّحْل:ُ الحقد والعداوة, يقال: طلب بذحله أي: بثأره, والجمع ذُحُولٌ. انظر: مختار الصحاح (92) . (8) أخرجه أحمد (6757), وله عدة شواهد, وقد حسنه محققو طبعة الرسالة. (9) أخرجه البخاري (1654) واللفظ له, ومسلم (1679). (10) شرح صحيح مسلم (11/169). (11) أخرجه البخاري (2581). (12) فتح الباري (5/336). (13) أخرجه أحمد (7897) واللفظ له, وابن أبي شيبة (37244), وصححه ابن حبان (6827)، والحاكم (8395)، وهو في السلسلة الصحيحة (579، 2743). (14) أخرجه أحمد (6200) , وابن أبي شيبة (30687), وصححه الحاكم (3462)، وهو في السلسلة الصحيحة (3108) (15) أخرجه البخاري (2022) واللفظ له, ومسلم (1360). (16) شرح صحيح مسلم (9/124). (17) أخرجه مسلم (1356). (18) أخرجه البخاري (923). (19) نيل الأوطار (5/76).
|
||
|
||
. |