|
||
. |
||
حكم الحج وفضله: رابعاً: فضل الحج: الصفحة السابقة الصفحة التالية |
||
|
||
رابعا: فضل الحج: 1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((إيمان بالله ورسوله)). قيل: ثم ماذا؟ قال: ((جهاد في سبيل الله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((حج مبرور))([1]). قال النووي رحمه الله: "الأصح الأشهر أن المبرور: هو الذي لا يخالطه إثم، مأخوذ من البر وهو الطاعة، وقيل: هو المقبول. ومن علامة القبول أن يرجع خيرا مما كان ولا يعاود المعاصي. وقيل: هو الذي لا رياء فيه. وقيل: الذي لا يعقبه معصية. وهما داخلان فيما قبلهما"([2]). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قال ابن خالويه: المبرور المقبول، وقال غيره: الذي لا يخالطه شيء من الإثم، ورجحه النووي، وقال القرطبي: الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى، وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه ووقع موقعاً لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل، والله أعلم"([3]). 2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، قال: ((لكن أفضل الجهاد حج مبرور))([4]). قولها: (نرى الجهاد أفضل العمل) هو: بفتح النون أي نعتقد ونعلم؛ وذلك لكثرة ما يسمع من فضائله في الكتاب والسنة([5]). قوله: ((لكن أفضل الجهاد))، قال ابن حجر رحمه الله: "اختلف في ضبط ((لكن)) فالأكثر بضمّ الكاف خطاب للنسوة، قال القابسي: وهو الذي تميل إليه نفسي. وفي رواية الحموي ((لكِن)) بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك، والأول أكثر فائدة؛ لأنه يشتمل على إثبات فضل الحج وعلى جواب سؤالها عن الجهاد، وسماه جهاداً لما فيه من مجاهدة النفس"([6]). 3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه))([7]). قال النووي رحمه الله: "قال القاضي: هذا من قوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ} [البقرة:197]، والرفث اسم للفحش من القول، وقيل: هو الجماع. وهذا قول الجمهور في الآية، قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ} [البقرة:187]، وقيل: الرفث التصريح بذكر الجماع. قال الأزهري: هي كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة. وكأن ابن عباس يخصصه بما خوطب به النساء"([8]). قوله: ((ولم يفسق)) أي: لم يأت بسيئة ولا معصية([9]). وقوله: ((رجع كيوم ولدته أمه)) أي: بغير ذنب، وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات([10]). قال ابن باز رحمه الله: "الرفث: هو الجماع قبل التحلل، وما يدعو إلى ذلك من قول وعمل مع النساء كله رفث، والفسوق جميع المعاصي القولية والفعلية يجب على الحاج تركها والحذر منها"([11]). 4- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))([12]). قال النووي رحمه الله: "ومعنى: ((ليس له جزاء إلا الجنة)): أنه لا يُقْتَصَر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه، بل لا بد أن يدخله الجنة، والله أعلم"([13]). وقال ابن باز رحمه الله: "وهذا يدل على الفضل العظيم للحج والعمرة، وأن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، وأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. فجدير بأهل الإيمان أن يبادروا بحج بيت الله، وأن يؤدوا هذا الواجب العظيم أينما كانوا إذا استطاعوا السبيل إلى ذلك"([14]). 5- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة))([15]). قال الطيـبي رحمه الله: "أي: إذا حججتم فاعتمروا، أو إذا اعتمرتم فحجوا، وإزالته الفقر كزيادة الصدقةِ المالَ، {مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّاْئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَاء وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261]، مثّل متعة الحج والعمرة في إزالة الذنوب بإزالة النار خبث الذهب الإبريز الذي استصحبه من معدنه؛ لأن الإنسان مركوز في جبلته القوة الشهوانية والغضبية، يحتاج إلى رياضةٍ تزيلها عنه، هذا إذا كان معصوماً، فكيف بمن تابع هوى النفس، خليع العذار، منهمكاً في المعاصي؟! والحج جامع لأنواع الرياضات من إنفاق المال، وجهد النفس بالجوع والعطش والسهر، وقطع المهامة واقتحام المهالك، ومفارقة الأوطان، ومهاجرة الإخوان والأخدان"([16]). وقال المباركفوري: "قوله: ((تابعوا بين الحج والعمرة)) أي: قاربوا بينهما، إما بالقران أو بفعل أحدهما بالآخر ... ((فإنهما)) أي: الحج والاعتمار، ((ينفيان الفقر)) أي: يزيلانه، وهو يحتمل الفقر الظاهر بحصول غنى اليد، والفقر الباطن بحصول غنى القلب، ((والذنوب)) أي: يمحوانها، وقيل: المراد بهما الصغائر، ولكن يأباه قوله: ((كما ينفي الكير)) وهو ما ينفخ فيه الحداد لاشتعال النار للتصفية، ((خبث الحديد والذهب والفضة)) أي: وسخها"([17]). 6- عن ماعز رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سُئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((إيمان بالله وحده، ثم الجهاد، ثم حجة برة تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها))([18]). 7- عن ابن شماسة قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقه الموت، فبكى طويلاً... وفيه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله))([19]). 8- عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني جبان، وإني ضعيف، فقال: ((هلمّ إلى جهاد لا شوكة فيه: الحج))([20]). 9- عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم))([21]). قال المناوي رحمه الله: "الحاج والمعتمر وفد الله أي: قادمون عليه امتثالاً لأمره، دعاهم إلى الحج والاعتمار فأجابوه، وسألوه فأعطاهم ما سألوه، ومقصود الحديث بيان أن الحاج حجاً مبروراً لا ترد دعوته"([22]). 10- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وفد الله ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر))([23]). 11- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أهل مهل قط، ولا كبر مكبر قط، إلا بشر بالجنة))([24]). 12- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله عز وجل، ورجل خرج غازياً في سبيل الله تعالى، ورجل خرج حاجاً))([25]). 13- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كلمات أسأل عنهن، قال: ((اجلس)). وذكر الحديث. وفيه قال صلى الله عليه وسلم عن الحاج: ((فإن له حين يخرج من بيته، أن راحلته لا تخطو خطوة إلا كتب له بها حسنة، أو حطت عنه بها خطيئة، فإذا وقف بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا، فيقول: انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً، اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم، وإن كان عدد قطر السماء ورمل عالج، وإذا رمى الجمار لا يدري أحد ما له حتى يوفاه يوم القيامة، وإذا حلق رأسه فله بكل شعرة سقطت من رأسه نور يوم القيامة، وإذا قضى آخر طوافه بالبيت خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه))([26]). 14- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازياً فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة))([27]). 15- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من يوم عرفة، وإنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ماذا أراد هؤلاء؟))([28]). مسألة: هل التطوع بالحج أفضل أم الصدقة؟ قال ابن رجب الحنبلي: "قال أبو الشعثاء: نظرت في أعمال البر، فإذا الصلاة تجهد البدن دون المال، والصيام كذلك، والحج يجهدهما فرأيته أفضل. وروى عبد الرزاق بإسناده عن أبي موسى الأشعري: أن الحاج يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فقال له رجل: يا أبا موسى، إني كنت أعالج الحج، وقد كبرت وضعفت، فهل من شيء يعدل الحج؟ فقال له: هل تستطيع أن تعتق سبعين رقبة مؤمنة من ولد إسماعيل؟! فأما الحل والرحيل فلا أجد له عدلاً أو قال: مثلا. وبإسناده عن طاوس أنه سئل: هل الحج بعد الفريضة أفضل أم الصدقة؟ قال: فأين الحل والرحيل، والسهر والنصب، والطواف بالبيت، والصلاة عنده، والوقوف بعرفة وجمع، ورمي الجمار؟! كأنه يقول: الحج أفضل". قال ابن رجب الحنبلي: "قد اختلف العلماء في تفضيل الحج تطوعاً أو الصدقة: فمنهم من رجّح الحج كما قاله طاوس وأبو الشعثاء وقاله الحسن أيضاً. ومنهم من رجّح الصدقة وهو قول النخعي. ومنهم من قال: إن كان ثَمَّ رحمٌ محتاجة أو زمنُ مجاعةٍ فالصدقة أفضل، وإلا فالحج أفضل وهو نص أحمد، وروي عن الحسن معناه، وأن صلة الرحم والتنفيس عن المكروب أفضل من التطوع بالحج"([29]).
([1]) أخرجه البخاري في: الحج، باب: فضل الحج المبرور (1519). ([2])شرح مسلم (9/126-127). ([3]) فتح الباري (3/487). ([4]) أخرجه البخاري في: الحج، باب: فضل الحج المبرور (1520). ([5]) انظر: فتح الباري لابن حجر (3/487). ([6]) فتح الباري (3/487). ([7]) أخرجه البخاري في: الحج، باب: فضل الحج المبرور (1521) واللفظ له، ومسلم في الحج، باب: في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (1350). ([8]) شرح مسلم (9/127)، وانظر: فتح الباري (3/382). ([9]) انظر: فتح الباري لابن حجر (3/488). ([10]) انظر: فتح الباري لابن حجر (3/488). ([11]) انظر مجلة التوعية الإسلامية في الحج. (ص16) العدد (208)، ذو الحجة (1414هـ). ([12]) أخرجه البخاري في: العمرة، باب: وجوب العمرة وفضلها (1773)، ومسلم في: الحج، باب: في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (1349). ([13]) شرح مسلم (9/126-127). ([14]) انظر: مجلة التوعية الإسلامية في الحج (ص12). العدد (208)، ذو الحجة (1414هـ). ([15]) أخرجه أحمد (1/25)، والترمذي في: الحج، باب: ما جاء في ثواب الحج والعمرة (810)، والنسائي في: الحج، باب: فضل المتابعة بين الحج والعمرة (2631) قال الترمذي: "حسن صحيح"، وصححه ابن خزيمة (2512)، وابن حبان (3693). ([16]) شرح المشكاة (5/227). ([17]) تحفة الأحوذي (3/454). ([18]) أخرجه أحمد (4/342)، والطبراني في الكبير (20/344). قال المنذري في الترغيب (2/110): "ورواة أحمد إلى ماعز رواة الصحيح"، وقال الهيثمي في المجمع (3/207): "ورجال أحمد رجال الصحيح". وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1103). ([19]) أخرجه مسلم في: الإيمان، باب: كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة (121). ([20]) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (5/807)، والطبراني في الكبير (3/135) والأوسط (4/309)، قال المنذري في الترغيب (2/108): "ورواته ثقات"، وكذا قال الهيثمي في المجمع (3/206). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1098). ([21]) أخرجه ابن ماجه في: المناسك، باب: فضل دعاد الحاج (2893) واللفظ له، والطبراني في الكبير (12/422). وصححه ابن حبان (10/474-4613)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1108). ([22]) فيض القدير (4/409). ([23]) أخرجه النسائي في: مناسك الحج، باب: فضل الحج (2625)، وصححه ابن خزيمة (2511)، وابن حبان (3692) والحاكم (1/608)، والألباني في صحيح الترغيب (1109). ([24]) أخرجه الطبراني في الأوسط (7779) وقال المنذري في الترغيب (2/138) والهيثمي (3/224)، "رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح". وصححه الألباني في الصحيحة (1621). ([25]) أخرجه الحميدي (2/466)، وأبو نعيم في الحلية (9/251). وصححه الألباني في الصحيحة (598). ([26]) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (8830)، والطبراني (13566)، والبيهقي في الدلائل (6/294). وصححه ابن حبان (2/205-1887). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1360). ([27]) أخرجه أبو يعلى (1/105)، والطبراني في الأوسط (5/282)، قال المنذري في الترغيب (2/111): "رواه أبو يعلى من رواية محمد بن إسحاق، وبقية رواته ثقات"، وقال الهيثمي في المجمع (5/282): "رواه أبو يعلى، وفيه ابن إسحاق وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات". وقال أيضاً (3/208): "رواه الطبراني في الأوسط، وفيه جميل بن أبي ميمونة، وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1114). ([28]) رواه مسلم في الحج ، باب: فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (1348). ([29]) لطائف المعارف (244-245). |
||
|
||
. |