|
||
. | ||
لعقوبات وأثرها في الحد من الجرائم: الفصل الثامن: شبهات حول إقامة الحدود: الصفحة السابقة (الصفحة الرئيسة) |
||
|
||
الفصل الثامن: شبهات حول إقامة الحدود: أثار أعداء الإسلام كثيراً من الشبهات حول الحدود الشرعية، فمن تلك الشبه: الشبهة الأولى: قالوا: إن إقامة الحدود فيه ضرب من القسوة التي تتنافى مع الإنسانية الرحيمة التي تساير المدنية الحديثة والحضارة الراقية. والجواب: إن كل عقوبة لا بد أن يكون فيها مظهر قسوة أياً كانت، حتى ضرب الرجل لولده تهذيباً وتأديباً له فيه نوع من القسوة، لأن العقوبة إن لم تشتمل على القسوة فأي أثر لها في الزجر والردع، كما قال الشاعر: فقسا ليزدجروا ومن يك حازما فليقسُ أحياناً على من يرحم ثم إن الذي دعا إلى تلك القسوة المزعومة هو أمر أشدُّ منها قسوة، ولو تركنا العقوبة القاسية بزعمهم لوقعنا في أمر أقسى من العقوبة. ومثل القسوة التي تشتمل عليها الحدود كمثل الطبيب الذي يستأصل من جسم أخيه الإنسان جزءاً من أجزائه أو عضواً من أعضائه، أليس في ذلك قسوة؟! وهل يستطيع أن يمارس هذا العمل إلا قلب قوي؟! ولكنها قسوة هي الرحمة بعينها، خاصة إذا قيست بما يترتب على تركها وبقاء العضو المريض ونار الألم تتوهج وتستشري وتتزايد في جسم المريض. الشبهة الثانية: قالوا: إن إقامة الحدِّ تقتضي إزهاقاً للأرواح وتقطيعاً للأطراف، وبذلك تفقد البشرية كثيراً من الطاقات والقوى، وينتشر فيها المشوَّهون والمقطَّعون الذين كانوا يسهمون في الإنتاج والعمل. والجواب: إن القتل وتقطيع الأطراف في الحدود إنما يكون في حالات ضيِّقة محصورة وهو إزهاق لنفوس شريرة لا تعمل ولا تنتج، بل إنها تعطِّل العمل والإنتاج وتضيِّع على العاملين المنتجين ثمرات أعمالهم وإنتاجهم. ثم إن إزهاق روح واحدة أو قطع طرف واحد في الحدود يؤدِّي إلى حفظ مئات الأرواح وآلاف الأطراف سليمة طاهرة عاملة منتجة. ثم إننا لا نلاحظ المشوَّهين يكثرون في البلاد التي تقيم الحدود، بل يكونون فيها أقل منهم في غيرها. بل الأمر بالعكس من ذلك تماما؛ فإن الحدود إذا لم تُقم على المجرمين المعتدين كثر المشوَّهون والمعاقون من جراء اعتداءات المجرمين الذين يجدون متنفَّسا وسندا عند من ينظر إليهم نظرة العطف والرحمة والحنان، وبذلك تضيع حقوق المعتدى عليهم، وتُهدر كرامتهم وليس بعد ذلك للمجرمين حدٌّ ينتهون إليه. الشبهة الثالثة: قالوا: إن في إقامة الحدود سلباً لحق الحياة وهو حقٌّ مقدَّس لا يجوز لأحد أن يسلبه، فكيف يسوغ لحاكم أن يسلب محكوماً حقَّ الحياة؟! والجواب: إن الشارع الحكيم الذي منح حقَّ الحياة وقدَّسه وجعل الدماء والأموال والأعراض محرَّمة بين الناس هو الذي أكَّد ذلك التقديس والاحترام بإقامة الحدود، والمحدود الذي استحقَّ الرجم أو القتل هو الذي جنى على نفسه لأنه لم يحترم حقَّ غيره وعلى نفسها جنت براقش، ولو أنه احترم حقَّ الحياة في غيره لحفظ له حق الحياة في نفسه، وقد قرَّر الله تعالى في كتبه السابقة وفي القرآن الكريم: { أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً...} الآية [المائدة:32]. فالمعتدي على حق الحياة في غيره يعدُّ معتدياً على حقِّ الحياة في نفسه. الشبهة الرابعة: قالوا: إن إقامة الحدود تقهقرٌ بالإنسانية الراقية وانتكاس بها ورجعة إلى عهود الظلام الدامس والقرون الوسطى. والجواب: إن العاقل لا يزن القول بالبقعة التي جاء منها ولا بالزمان الذي قيل فيه أو نقل منه، لكن الميزان الذي تقوَّم به الأقوال والقوانين هو ميزان الحق والعدل، والعاقل نصير الحق وناشد للحكمة أنى وجدها وعلى أي لسان وفي أي مكان أو زمان، على أن هذا التشريع أنزله الله من السماء رحمةً شفقة لأهل الأرض كما ينزل غيثه الذي يحيي به الأرض، إن مجيء ذلك التشريع على لسان نبيٍّ أمِّي من صحراء العرب في القرون الوسطى كل ذلك آية وإعجاز ودليل صدق على أنه تشريع من حكيم خبير على لسان نبي بُعث رحمة للعالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
||
. |