الملف العلمي

.

  العقوبات وأثرها في الحد من الجرائم: الفصل الخامس: التدابير الشرعية لحفظ المال في باب العقوبات:    الصفحة السابقة    الصفحة التالية   (الصفحة الرئيسة)

 

الفصل الخامس: التدابير الشرعية لحفظ المال في باب العقوبات:

المبحث الأول: مقصد حفظ المال وأهميته:

اهتمَّ الإسلام بالأموال اهتماماً عظيماً وحماها حتى جعل المال شقيقَ الروح ومساويًا لها في الحرمة فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه))[1]، فحمى المال من أن تمتدَّ إليه أيدي العابثين وتطلعات الطامعين، ونهى سبحانه عن كل ما يجرُّ إلى أكل أموال الناس بالباطل، وأي اعتداء على أموال الناس بأي وجه من الوجوه حرام، سواء كان عن طريق الكذب أو التحايل أو المماطلة أو السرقة أو غيرها مما يستحله أصحاب النفوس الضعيفة[2].

المبحث الثاني: جريمة السرقة وخطرها:

من أضرار جريمة السرقة ومخاطرها:

1- السارق ملعون:

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده))[3].

قال الخطابي: "فيه ذم السرقة وتهجين أمرها وتحذير سوء مغبتها فيما قل وكثر من المال"[4].

2- السارق مسلوب كمال الإيمان:

عن ابن عباس قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن))[5].

قال النووي: "أي لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان"[6].

3- إهدار أموال الناس وضياعها[7].

4- انتشار بذور العداوة والبغضاء في أفراد المجتمع[8].

المبحث الثالث: حد السرقة:

قال تعالى: {وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَـٰلاً مّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38].

قال ابن قدامة: "وأجمع المسلمون على وجوب قطع السارق في الجملة"[9].

قال ابن تيمية: "وأما السارق فيجب قطع يده اليمنى بالكتاب والسنة والإجماع"[10].

المبحث الرابع: آثار تطبيق حد السرقة:

1- شرع الله تعالى عقوبة السرقة صيانة للأموال، لأن المال شيء عزيز على النفوس؛ إذ هو عصب الحياة، والإنسان مجبول بطبيعته على حب المال حباً شديداً، فهو يبذل كل طاقته لجمعه، فكيف تكون حالته إذا وجد أن ثمرة جهوده الطويلة قد ذهبت واستولى عليها شخص بغير وجه حق؟! إنها قد تؤدي في بعض الحالات إلى وفاة المجني عليه أو إصابته بخلل في قواه العقلية[11].

2- نشر الأمن في المجتمع؛ لأن جريمة السرقة تؤدي إلى إفزاع سكان جميع الحي إذ يترقب كل منهم أنه الهدف القادم للذين ارتكبوا تلك الحادثة، فيعيش الناس في اضطراب وقلق[12].

3- أن فيه رادعاً ونكالاً وعبرة لغيره، قال محمد رشيد رضا: "فالنكال هنا ما ينكِّل الناس ويمنعهم أن يسرقوا، ولعمرو الحق إن قطع اليد الذي يفضح صاحبه طول حياته ويسِمه بميسم الذلِّ والعار هو أجدر العقوبات بمنع السرقة وتأمين الناس على أموالهم، وكذا على أرواحهم، لأن الأرواح كثيراً ما تتبع الأموال"[13].

المبحث الخامس: جريمة الحرابة وخطرها:

جريمة الحرابة من الجرائم العظيمة المفاسد والمخاطر، فمن مظاهر عِظمها وخطورتها:

1- أن الله تعالى حكم على المحاربين بأنهم يحاربون الله ورسوله:

قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَاداً} [المائدة:33].

2- أنها من الإفساد في الأرض كما تقدم في الآية السابقة.

3- أن الله توعد عليها بالخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة فقال تعالى: {ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33].

قال ابن سعدي: "فدل هذا أن قطع الطريق من أعظم الذنوب، موجب لفضيحة الدنيا وعذاب الآخرة"[14].

4- أنها تسبب انقطاع الناس عن السفر في سبيل معاشهم وبالتالي ضعف الاقتصاد.

5- أنها تنشر الفوضى والرعب وبذلك ينعدم الأمن.

المبحث السادس: حد الحرابة:

قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خِلَـٰفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33].

قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إذا قتلوا وأخذوا المال قُتلوا وصُلبوا، وإذا قتَلوا ولم يأخذوا المالَ قُتلوا ولم يُصلبوا، وإذا أخذوا المالَ ولم يقتُلوا قُطعت أيديهم وأرجلُهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيلَ ولم يأخذوا مالاً نُفوا من الأرض)[15].

قال شيخ الإسلام: "وهذا قول كثير من أهل العلم كالشافعي وأحمد، وهو قريب من قول أبي حنيفة، ومنهم من قال: للإمام أن يجتهد فيهم، فيقتل من رأى قتلَه مصلحةً وإن كان لم يقتُل، مثل أن يكون رئيساً مطاعاً فيهم، ويقطع من رأى قطعَه مصلحةً وإن كان لم يأخذ المال، مثل أن يكون ذا جَلَد وقوة في أخذ المال، كما أن منهم من يرى أنهم إذا أخذوا المال قُتلوا وقطِّعوا وصلبوا، والأول قول الأكثر، فمن كان من المحاربين قد قتل فإنه يقتله الإمام حداً لا يجوز العفو عنه بحال بإجماع العلماء، ولا يكون أمره إلى ورثة القتول"[16].

المبحث السابع: آثار تطبيق حد الحرابة:

1- الحفاظ على أرواح الناس وأموالهم.

2- تأمين الطرق والسُبُل وبالتالي نشاط الحركة الاقتصادية.

3- الردع لكل من أراد الإفساد في الأرض.


[1] جزء من حديث أخرجه مسلم.

[2] الحكمة من قطع يد السارق، مجلة البحوث الإسلامية، عدد: 25، سنة: 1409هـ.

[3] أخرجه البخاري في الحدود، باب: لعن السارق إذا لم يسم (6783)، ومسلم في الحدود (1687).

[4] أعلام السنن (4/2291).

[5] أخرجه البخاري في الحدود، باب: لا يشرب الخمر (6772)، ومسلم في الإيمان (57).

[6] شرح صحيح مسلم (2/41).

[7] عقوبة السارق (ص 110).

[8] عقوبة السارق (ص 110).

[9] المغني (12/415).

[10] مجموع الفتاوى (28/329).

[11] النظرية العامة لإثبات موجبات الحدود (1/55) بتصرف.

[12] المصدر السابق.

[13] تفسير المنار (6/380).

[14] تيسير الكريم الرحمن (2/283).

[15] أخرجه ابن جرير في تفسيره (4/552).

[16] مجموع الفتاوى (28/310).

 

.