الملف العلمي

.

   العقوبات وأثرها في الحد من الجرائم: الفصل الرابع: التدابير الشرعية للمحافظة على العرض في باب العقوبات:  السابقة      التاليـة      (الصفحة الرئيسة)

 

الفصل الرابع: التدابير الشرعية للمحافظة على العرض في باب العقوبات:

المبحث الأول: مقصد حفظ العرض وأهميته.

أولت الشريعة الإسلامية الأعراض عنايةً خاصة، فأوجبت صيانتَها والمحافظةَ عليها وحرَّمت الاعتداءَ عليها أو النيل منها بأي وجه من الوجوه، وأمرت بالدفاع عن العرض وإن أدى إلى قتل المعتدي، وجعلت المتساهل في عرض محارمه ديوثاً يستحق غضب الله[1].

المبحث الثاني: جريمة الزنا وأخطارها.

جريمة الزنا من أخبث الجرائم وأرذلها، وأضرارها عظيمة جداً، وخطرها في الشرع عظيم، فمن ذلك:

1- أنها من الكبائر:

قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ} [الفرقان:68].

قال القرطبي: "ودلت الآية على أنه ليس بعد الكفر أعظم من قتلٍ بغير حق ثم الزنا"[2].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الذنب أعظم؟ قال: ((أن تجعل لله نداً وهو خلقك))، قلت: ثم أيّ؟ قال: ((أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك))، قلت: ثم أيّ؟ قال: ((أن تزاني حليلة جارك))[3].

قال ابن قدامة: "الزنا حرام، وهو من الكبائر العظام"[4].

2- التوعد عليه بالعذاب الشديد:

قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً % يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان:68-69].

قال ابن جرير: "أي" يلقَ من عقاب الله عقوبة ونكالاً"[5].

3- الإصابة بالأمراض الخطيرة:

قال سيد سابق: "إنه سبب مباشر في انتشار الأمراض الخطيرة التي تفتك بالأبدان وتنتقل بالوراثة من الآباء إلى الأبناء وأبناء الأبناء كالزهري والسيلان والقرحة"[6].

4- أنه يتسبب في جريمة القتل:

قال سيد سابق: "وهو أحد أسباب جريمة القتل إذ إن الغيرة من طبيعة الإنسان، وقلما يرضى الرجل الكريم أو المرأة العفيفة بالانحراف الجنسي"[7].

5- التفكك الأسري:

قال سيد سابق: "والزنا يفسد نظام البيت، ويهزُّ كيان الأسرة، ويقطع العلاقة الزوجية، ويعرِّض الأولاد لسوء التربية، مما يتسبب عنه التشرد والانحراف والجريمة"[8].

6- ضياع الأنساب وخراب الدنيا:

قال ابن القيم: "وأما زنا الرجل فإنه يوجب اختلاط الأنساب أيضاً، وإفساد المرأة المصونة، وتعريضها للتلف والمفاسد، وفي هذه الكبيرة خراب الدنيا والدين"[9].

7- يورث الأمراض النفسية والقلبية:

قال ابن القيم: "ومن خاصيته أيضاً أنه يشتت القلب ويمرضه إن لم يمِته، ويجلب الهمَّ والحزن والخوف، ويباعد صاحبَه من الملك، ويقربه من الشيطان"[10].

8- يورث نفرة العباد من الزناة وسقوطهم من أعينهم:

قال ابن القيم في ذكر مضار الزنا: "ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ويسقط من عين ربه ومن أعين عباده، ومنها: قلة الهيبة التي تنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم، وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونهم، بخلاف العفيف فإنه يرزق المهابة والحلاوة"[11].

المبحث الثالث: عقوبة الزنا.

الزاني إما أن يكون محصنا أو غير محصن.

1- عقوبة الزاني المحصن: وهي الرجم:

قال ابن قدامة: "مسألة في وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلاً كان أو امرأة، وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفاً"[12].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر رضي الله عنه: (لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حقٌّ على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف)[13].

2- عقوبة الزاني غير المحصن: وهي الجلد والتغريب:

قال تعالى: {ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2].

قال ابن قدامة: "ولا خلاف في وجوب الجلد على الزاني إذا لم يكن محصناً"[14].

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً؛ البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم))[15].

قال ابن قدامة: "ويجب مع الجلد تغريبه عاماً في قول جمهور العلماء"[16].

المبحث الرابع: جريمة اللواط وأخطارها.

أضرار اللواط كثيرة وعظيمة جدا، منها:

1- أنها معصية عظيمة وكبيرة من كبائر الذنوب، وقد ذكرها غير واحد في الكبائر[17].

2- إنها تفسد القلب، قال ابن القيم: "ولكن نجاسة الزنا واللواطة أغلظ من غيرها من النجاسات من جهة أنها تفسد القلب وتضعف توحيده جداً"[18].

3- أنها تقتل مروءة وشهامة مرتكبيها[19].

4- أن فيها انتكاساً للفطرة والطباع السليمة[20].

5- أنها تسبب عزوف الرجال عن الزواج، فاللواط سبب لاكتفاء الرجال بالرجال والرغبة عن الزواج، وبالتالي يقل الزواج وتكثر العنوسة، وذلك مدعاة لشيوع منكر آخر وهو الزنا[21].

6- أنها سبب لكثير من الحالات النفسية كالخوف الشديد والوحشة والاضطراب والحزن والقلق اللازم، وضعف الشخصية وانعدام الثقة بالنفس[22].

7- أنها تسبب اختلالاً في توازن عقل المرء وارتباكاً في تفكيره وركوداً في تصوراته وبلاهة واضحة في عقله وضعفاً شديداً في إدراكه[23].

8- أنها تؤثر على أعضاء التناسل وتضعف مراكز الإنزال الرئيسة في الجسم، وتقضي على الحيوية المنوية، وقد ينتهي الأمر فيها بعد زمن إلى عدم القدرة على إيجاد النسل وإلى الإصابة بالعقم[24].

9- أنها تسبب كثيراً من الأمراض، ومنها الزهري والتيفوئيد والدوسنتاريا والقرحة الرخوة وثآليل التناسل والتهاب الكبد الفيروسي والسيلان والهربس والإيدز[25].

المبحث الخامس: عقوبة اللواط:

قال شيخ الإسلام: "وأما اللواط فمن العلماء من يقول: حده كحد الزنا، وقد قيل: دون ذلك، والصحيح الذي اتفق عليه الصحابة أن يقتل الاثنان الأعلى والأسفل، سواء كانا محصنين أو غير محصنين، فإن أهل السنن رووا عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به))[26]، وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما في البكر يوجد على اللوطية قال: (يرجم)[27]، ولم تختلف الصحابة في قتله ولكن تنوعه فيه، فرُوي عن الصديق رضي الله عنه أنه أمر بتحريقه، وعن غيره قتله، وعن بعضهم أنه يلقى عليه جدار حتى يموت تحت الهدم، وقيل: يحبسان في أنتن موضع حتى يموتا، وعن بعضهم أنه يرفع على أعلى جدار في القرية ويرمى منه ويتبع بالحجارة كما فعل الله بقوم لوط، وهذه رواية عن ابن عباس، والرواية الأخرى قال: يرجم، وعلى هذا أكثر السلف، قالوا: لأن الله رجم قوم لوط، وشرع رجم الزاني تشبيهاً بقوم لوط، فيرجم الاثنان، سواء كانا حرين أو مملوكين، أو كانا أحدهما مملوكاً والآخر حراً إذا كانا بالغين، فإن كان أحدهما غير بالغ عوقب بما دون القتل، ولا يرجم إلا البالغ"[28].

المبحث السادس: آثار تطبيق عقوبة الزنا واللواط.:

في تطبيق عقوبتي الزنا واللواط آثار حميد، فمن ذلك:

1- صيانة أعراض الأسر والعشائر والمحافظة عليها من كل ما يؤدِّي إلى الإساءة إليها أو النيل منها، لأن ارتكاب فرد من عشيرة معينة لجريمة الزنا يؤدي إلى إلحاق العار بجميع أفراد تلك العشيرة[29].

2- تقوية العلاقة الزوجية والمحافظة على كيان الأسرة وحماية المجتمع من التفكك والانهيار[30].

3- المحافظة على بقاء النوع الإنساني من الانقراض؛ لأن شيوع الزنا يؤدي إلى ظهور جيل من اللقطاء الذين لا يُعرف آباؤهم، وهؤلاء أكثر تعرضاً للهلاك من سواهم، لعدم وجود من يتولى رعايتهم على الوجه الأكمل[31].

4- مكافحة كثير من الأمراض التي يسببها الزنا أو اللواط وحماية المجتمع منها ومن أخطارها[32].

5- حفظ المجتمع من عذاب الله تعالى وسخطه المترتب على انتشار الفواحش بين الناس.

المبحث السابع: جريمة القذف وأضرارها:

قال الخطيب الشربيني: "المراد بالقذف هنا الرمي بالزنا في معرض التعيير"[33].

والقذف له خطورته وأضراره، فمن ذلك:

1- أنه من الكبائر:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))[34].

قال الخطيب الشربيني: "وهو من الكبائر الموبقات، سواء في ذلك الرجل والمرأة"[35].

قال الحافظ ابن حجر: "وقد انعقد الإجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصنة من النساء"[36].

2- التوعد عليه باللعن والعذاب العظيم:

قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْغَـٰفِلَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنـٰتِ لُعِنُواْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:23].

قال ابن كثير: "هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات"[37].

3- الحكم على القاذف بالفسق ورد شهادته:

قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ} [النور:4].

قال ابن كثير: "فأوجب على القاذف إذا لم يقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام: أحدها: أن يجلد ثمانين جلدة، الثاني: أنه ترد شهادته أبداً، الثالث: أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند الله ولا عند الناس"[38].

المبحث الثامن: حد القذف.

قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور:4].

قال ابن كثير: "هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة وهي الحرة البالغة العفيفة، فإذا كان المقذوف رجلاً فكذلك يجلد قاذفه أيضاً، وليس فيه نزاع بين العلماء"[39].

قال شيخ الإسلام: "ومن الحدود التي جاء بها الكتاب والسنة وأجمع عليها المسلمون حد القذف، فإذا قذف الرجل محصناً بالزنا أو اللواط وجب عليه الحد ثمانون جلدة، والمحصن هنا هو الحر العفيف"[40].

المبحث التاسع: آثار تطبيق حد القذف:

1- قال محمد بن عبد الرحمن البخاري: "وأما حد القذف فتأديب لعباده عن عدوان اللسان وسوء الظن بالإخوان وإذلال من شرفه الله تعالى وكرمه، فإن المؤمن عند الله عزيز والله به لطيف، فلا يليق بالأخ من الأخ أن ينسبه إلى ما يشينه، وإن علم بأن عاين زِناه فالأليق بأخوة الإسلام إسبال الستر عليه والتودُّد إليه"[41].

2- محاربة الرذيلة واستئصال كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الانحراف الخلقي[42].

3- القضاء على كل سبب قد يؤدي إلى إيقاع العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع[43].

4- تقوية الروابط التي تضم أفراد الأسرة بعضهم إلى بعض، ذلك أن شيوع القذف والترامي به يؤدي إلى تشكك الإنسان في حقيقة منشئة وعما إذا كان ثمرة اتصال مشروع أو غير مشروع[44].


 


[1] دليل المعلم إلى توعية الطلاب بأضرار الخمر والمخدرات (ص80).

[2] الجامع لأحكام القرآن (13/76).

[3] أخرجه البخاري في الحدود، باب: إثم الزناة (6811)، ومسلم في الإيمان (86).

[4] المغني (12/307).

[5] جامع البيان (19/40).

[6] فقه السنة (12/307).

[7] فقه السنة (2/402).

[8] المصدر السابق (ص103).

[9] انظر: الحدود والتعزيرات عند ابن القيم (ص101).

[10] المصدر السابق (ص103).

[11] المصدر السابق (ص104).

[12] المغني (12/309).

[13] أخرجه البخاري في الحدود، باب الاعتراف بالزنا (6829)، ومسلم في الحدود.

[14] المغني (12/322).

[15] أخرجه مسلم في الحدود (1690).

[16] المغني (12/322).

[17] انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي (1/305).

[18] إغاثة اللهفان (ص 70).

[19] انظر: الفاحشة لمحمد بن إبراهيم الحمد (ص 31-33).

[20] انظر: الفاحشة لمحمد بن إبراهيم الحمد (ص 31-33).

[21] انظر: الفاحشة لمحمد بن إبراهيم الحمد (ص 31-33).

[22] انظر: المصدر السابق.

[23] انظر: المصدر السابق.

[24] انظر: الفاحشة لمحمد الحمد (ص 42-52).

[25] انظر: الفاحشة لمحمد الحمد (ص 42-52).

[26] أخرجه أبو داود في الحدود، باب فيمن عمل عمل قوم لوط (4462)، والترمذي في الحدود، باب ما جاء في حد اللوطي (1457)، وابن ماجة في الحدود، باب من عمل عمل قوم لوط (2561)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3745).

[27] أخرجه أبو داود في الحدود، باب فيمن عمل عمل قوم لوط (4463)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3746).

[28] مجموع الفتاوى (28/334-335).

[29] النظرية العامة لإثبات موجبات الحدود (1/35).

[30] المصدر السابق.

[31] المصدر السابق.

[32] المصدر السابق.

[33] مغني المحتاج (4/192).

[34] تقدم تخريجه.

[35] مغني المحتاج (4/192).

[36] فتح الباري (12/188).

[37] تفسير القرآن العظيم (3/304).

[38] تفسير القرآن العظيم (3/292).

[39] تفسير القرآن العظيم (3/290).

[40] مجموع الفتاوى (28/342).

[41] محاسن الإسلام (ص 61).

[42] النظرية العامة لإثبات موجبات الحدود (1/40-41).

[43] النظرية العامة لإثبات موجبات الحدود (1/40-41).

[44] النظرية العامة لإثبات موجبات الحدود (1/40-41).

 
.