أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون في نسائكم وبناتكم وأخواتكم وزوجاتكم ألزموهن الجلوس في البيوت وأرغموهن على الحشمة والحجاب وأبعدوهن عن التبرج والسفور فإن ذلك مما أمرنا الله به ومن أصدق من الله حديثا .
أيها الإخوة: لقد كان حديثي في الجمعة الماضية عن صفات المرأة المسلمة وحيث إن الموضوع لم يكتمل بعض منه فسوف نتكلم عن بعض الأخلاق المعلقة بالمرأة في هذه الجمعة ونكمل بقية الأخلاق في جمعة أخرى بمشيئة الله فأقول وبالله التوفيق.
لقد توقفنا عند قوله تعالى: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ولعلي أستعرض هذه الآية فقط في هذه الخطبة لعظم ما وصل إليه النساء من التبرج والسفور وقلة الحياء وانعدام البصيرة وضعف الخوف من الله.
والتبرج في اللغة: هو إبداء المرأة زينتها وإظهار وجهها ومحاسن جسدها للرجال تستدعي به شهوتهم، وقيل: تبرجت المرأة، أي تشبهت به في إظهار المحاسن وقيل التبرج: التكشف والظهور للعيون ومنه بروج مشيده وبروج السماء والأسوار أي لا حائل دونها يسترها.
وفي الشرع: هو كل زينة أو تجمل تقصد المرأة بإظهاره أن تحلو في أعين الأجانب حتى القناع الذي تستتر به المرأة إن انتخب من الألوان البراقة، والشكل الجذاب لكي تلذ به أعين الناظرين فهو من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى.
ففي هذه الآية ينهى الله عز وجل المؤمنات عن التبرج بعد أن أمرهن بالقرار في البيوت، ولكن إن خرجن لحاجة فلا يجوز لهن أن يتبرجن أو يبدين شيئا من زينتهن أو أي شيء من محاسنهن للرجال الأجانب وذكر الله عز وجل النهي عن تبرج الجاهلية الأولى، فما هو تبرج الجاهلية الأولى؟
قال مجاهد: كانت المرأة تخرج بين الرجال فذلك تبرج الجاهلية الأولى.
وقال قتادة: كانت لهن مشية تكسّر وتغنج فنهى الله تعالى عن ذلك.
وقال مقاتل بن حيان: التبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشدّه فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها فذلك هو تبرج الجاهلية الذي نهى الله عز وجل النساء المؤمنات أن يفعلنه.
فهذه الصور من تبرج الجاهلية تبدو ساذجة أو محتشمة حين تقاس إلى تبرج النساء في أيامنا هذه في الجاهلية الحاضرة، من ترك للعباءة وكشف للرأس والعنق واليدين إلى الكتف وكشف الظهر وكشف الساقين بل الفخذين ومع هذا كله ما يضعن على بشرتهن من المساحيق التي تحسّن صورة المرأة القبيحة في نظر الرجال هذا في غير بلاد الحرمين وإن كانت بعض هذه المظاهر بدأت تنتشر في بعض المدن، فبالله عليكم لو أننا قارنا الجاهلية الأولى بالجاهلية المعاصرة فأي الجاهليتين أحق بالتحريم والتأثيم عند الله، إنها ولا ريب الجاهلية التي نعيشها اليوم بكل صورها إننا نعيش اليوم في فترة جاهلية عمياء، غليظة الحس، حيوانية التصور، هابطة في درك الحيوانية للحضيض المهين جاهلية لا ترى للحشمة والعفاف مكانا وإنما همّها جمال اللحم العاري البعيد عن الشرف والفضيلة والعفاف، قال ابن جرير الطبري رحمه الله: فإن قال قال قائل: أفي الإسلام جاهلية؟ قيل: فيه أخلاق من أخلاق الجاهلية.
أيها المسلمون: إن من الملاحظ في هذه الأيام أنه قد توسع كثير من النساء في التبرج والسفور وإلقاء الحجاب والحشمة جانبا كأنه ليس عليهن رقيب من أحد وباتت المرأة تتشبه بالنساء الساقطات السافرات اللواتي خلعن برقع الحياء وانسللن من دينهن بدعوة تقولها الواحدة منهن أنها حرة.
أيها المسلمون: إن مشكلة النساء ليست بالمشكلة التي يتهاون بها وليست بالمشكلة الجديدة إنها مشكلة عظيمة يجب الاعتناء بها ودراسة ما يقضي على أسباب الشر والفساد إنها مشكلة الوقت قديما وحديثا، لقد كانت مشكلة بني إسرائيل وهي مشكلة هذه الأمة كما ثبت في الصحيحين عنه أنه قال: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء))، وكما هو معلوم أن أعز ما تملكه المرأة الشرف والحياء والعفاف، والمحافظة على هذه الفضائل محافظة على إنسانية المرأة في أسمى صورها وليس من صالح المرأة ولا من صالح المجتمع أن تتبرج المرأة وتتخلى عن الصيانة والاحتشام ولا سيما أن الغريزة الجنسية هي أعنف الغرائز وأشدها على الإطلاق، والتبذل وإظهار الزينة مثير لهذه الغريزة ومطلق لها من عقالها.
والمرأة فتنة ليس أضر على الرجال منها، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان)) وتجرد المرأة من ملابسها وتبرجها وإبداء مفاتنها يسلبها أخص خصائصها من الحياء والشرف ويهبط عن مستواها الإنساني ولا يطهرها مما التصق بها من رجس سوى جهنم والعياذ بالله.
وسبب هذه الانحراف هو الجهل والتقليد الأعمى للكافرات السافرات الساقطات فأصبح من المعتاد أن يرى المسلم المرأة المسلمة متبذلة، عارضة مفاتنها، خارجة في زينتها، كاشفة عن وجهها ونحرها وذراعها وساقها ولا تجد أي غضاضة في ذلك بل تجد من الضروري وضع الأصباغ والمساحيق والتطيب بالطيب واختيار الملابس المغرية وللمجلات مجال واسع في تشجيع هذه السخافات والتغرير بالمرأة للوصول إلى المستوى المتدني الرخيص.
أيها الإخوة: إنه كلما عظم الخطر عظمت المسؤولية وكلما كثرت أسباب الفتنة وجبت قوة الملاحظة وإننا في عصر عظم فيه الخطر وكثرت فيه أسباب الفتنة بما فتح علينا من زهرة الدنيا واتصالنا بالعالم الخارجي مباشرة أو بواسطة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية-وخاصة ما يبث عبر قنوات البث المباشر- والمقروءة وبسبب ضعف كثير من الرجال وتهاونهم للقيام بمسؤولياتهم تجاه نسائهم وترك الحبل لهن على الغارب حتى إنك لترى المرأة الشابة تذهب من بيتها إلى أي مكان تريد دون أن تسأل إلى أين؟ وتتكلم بالهاتف الساعات الطوال دون أن يعلم ولي أمرها من تكلم؟ وترى بعض النساء يخرجن إلى الأسواق بلا رقيب تطوف بها ليلا ونهارا صبحا ومساءا وما ذهابها إلى السوق من أجل شراء شيء تريده وإنما من أجل التسلي والتسكع ومن أجل تضييع الوقت ومن أجل أن تفتن الرجال بها ومن أجل البحث عن الجديد من الأزياء أو المكياج حتى تكون الزينة لها هدفا لذاته، حتى إن بعضهن يلبسن ألبسة مغرية مزركشة سواء كانت عباءة خفيفة أو طرحة شفافة يظهر لون جلد وجهها وقسماته من خلاله وبعضهن ينتقبن بنقاب ملفت للنظر وتبدو مكحلة العينين ملونة الوجنتين تزاحم الرجال وتكلمهم وربما تمازحهم إذا اشتدت شهوتها وقوي تمردها وقل حياؤها هذا إذا لم ترمِ له رقم التلفون أو تركب معه؟! وبعض النساء يكشفن الوجه في السيارة أو في الشارع أو أمام البائع وكأنه أحد محارمها نسأل الله السلامة والعافية، هذا غيض من فيض مما يفعله بعض النساء من أسباب الفتنة والخطر العظيم والسلوك الشاذ الخارج عن توجيهات الإسلام وطريق أمة الإسلام.
وفيما يلي أوضح لكم مثالب التبرج وخطره على الدين والدنيا:
فمن ذلك: التبرج معصية لله ورسوله، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا وكما في الحديث قال : ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، فقالوا: يا رسول الله من يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)) رواه البخاري.
ومن ذلك أن التبرج كبيرة من كبائر الذنوب الموبقة: فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح، أن أميمة بنت رقيقة جاءت إلى رسول الله تبايعه على الإسلام، فقال: ((أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى))، فتأملوا كيف قرن النبي التبرج الجاهلي بأكبر الكبائر المهلكة كالشرك والزنا وغيره.
ومن مثالب التبرج: أنه يجلب اللعن والطرد من رحمة الله فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((يكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات)) وهو حديث صحيح.
ومن مثالب التبرج: أنه من صفات أهل النار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها)) رواه مسلم.
والتبرج أيضا سواد وظلمة يوم القيامة، والتبرج نفاق وكما ورد في الحديث الصحيح أن النبي قال: ((شر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم)).
والتبرج تهتك وفضيحة وقد ورد عن النبي : ((ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة، وعصى إمامه فمات عاصيا، وأمة أو عبدا أبق من سيده فمات، وامرأة غاب عنها زوجها، وقد كفاها مؤنة الدنيا، فتبرجت بعده فلا تسأل عنهم)) رواه البخاري في الأدب المفرد وهو حديث صحيح، وفي هذا الحديث أن هذه المرأة الخائنة احتاجت إلى غياب زوجها فتبرجت للآخرين ولم تكن تتزين لزوجها، فما عسانا أن نقول في نساء اليوم اللآئي لا يحتجن إلى ذلك، بل يرتكبن أقبح أنواع التبرج وأفحشه على مرآى ومسمع بل وإقرار ورضى من أزواجهن وأولياء أمورهن فإلى الله المشتكى.
وكما أن الحشمة والحجاب سنة نبوية فالتبرج والسفور سنة إبليسية فإبليس هو رائد الدعوة إلى كشف العورات وهو مؤسس الدعوة إلى التبرج بدرجاته المتفاوتة بل هو الزعيم الأول لشياطين الإنس الجن الداعين إلى سفور المرأة وخروجها من قيد الستر والصيانة والعفاف، وهو كما وصفه الله في قوله: قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين .
و قصة آدم وحواء مع إبليس تكشف لنا مدى حرص عدو الله على كشف السوءات وهتك الأستار وإشاعة الفاحشة وأن هذا هدف مقصود له ثم حذرنا الله من هذه الفتنة خاصة فقال جل وعلا: يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون .
وأخير فالتبرج من سنن اليهود والنصارى وقد ذكر اليهود في بروتوكولاتهم أنه يجب أن تخضع لنا جميع شعوب العالم عن طريق حرب الأخلاق وتقويض نظام الأسرة بشتى الوسائل الممكنة، ووجدوا أن الأسباب المدمرة للأسرة تتركز في كل ألوان الإغراء بالفواحش وإثارة الشهوات، وبثوا سمومهم عن طريق الأفلام وعرض الأزياء الصهيونية وكذا المجلات والقصص وغيرها.
ولليهود باع كبير في هذا المجال، عرفوا به في كل عصرٍ ومصرٍ.
أيها المسلمون: وبعد ما سمعنا عن مثالب التبرج وأخطاره فهل يخرج أحد منا زوجته وابنته أو أخته وهي متبرجة سافرة كاشفة الوجه واليدين ومنقبة العينين بهذا الشكل الذي يلفت النظر أو تخرج بلا عباءة؟ لا أظن أن مثل هذا سيحدث بعد الآن إن شاء الله إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
وليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ، ومتى عرف الرجل مسؤوليته أمام أهله وخاف مقام ربه وحرص كل الحرص على إصلاح عائلته ومجتمعه يوفق حينئذ لمبتغاه قال تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا . |