أمّا بعد: فخيرُ ما يُستَفتَحُ به الكلام الوصيةُ بتقوَى الله علَى الدَّوام وطاعةِ الملك العلاّم ولزوم سنة سيِّد الأنام، وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون [النور: 52].
عبادَ الله، كلُّ قضيَّة إلى نسيانٍ ودُروس، وكلُّ أمرٍ مُلِمٍّ إلى انمحاءٍ وطُموس، وكلُّ اعتلاءٍ إلى ارتدادٍ ونكُوص، ولكنَّ دينَ الإسلام العالميّ الربانيّ بفضل الله إلى ثباتٍ وخلود وانطلاق، وسيرةَ المصطفى في انتشار وامتدادٍ وائتلاق، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين [الأنبياء: 107].
أمّةَ الإسلامِ، السّيرةُ النبويّة المباركةُ هي المعينُ السّلسَال والأنموذَجُ المُشرقُ الكمال، الهادي دونَ مَباءَة الضّلال، وهي النورُ الوضَّاء لكلِّ المجتمعاتِ والأجيال، وإنَ التواردَ على حِكَمها وآدابها وفقهها ولُبابها والذّبَّ عن مقاصدها وآرابها لمن دلائلِ النُّجحِ والتوفيق والاهتداء إلى أقومِ طريق.
يُؤكَّد ذلك ـ يا رعاكم الله ـ حينما يرى الغيورُ مواطنَ خللٍ في الأمّة في فهمِ جوانبَ من السيرة النبوية تحتاج إلى مزيدِ تأمُّل وتأصيل وتجلية وتحليل، في نُبُوٍّ عن الأطروحاتِ العاطفيّة والنظرات الشكلية. بَيْد أنَّ مِن جوانبِ السيرةِ العَطِرة حَدثًا عظيمًا أثَّرَ على مجرَى التأريخ، إنه حدثٌ يذهبُ بالألباب ويطيشُ بالحِجا والصواب، إنّه رُزْءٌ مُفجِّعٌ فادِح، وجَلَلٌ مُفزِّعٌ قادح، قد هزَّ الآفاق وقرَّح الأحداق؛ إذ لم يعرفِ التأريخُ خطْبًا هزَّ العالمَ مثلَه، ولم تُصَبِ الأمة برزيَّةٍ أعظمَ منه؛ ذلكم هو مُصابُ وفاتِه وفراقه ونبأ موته والتحاقه، بأبي هو وأمّي .
فالتذكير بمُصابِ خيرِ البشَر إنما يرِد لاستكنَاه العِظةِ والعِبَر، لا لاستجاشَةِ الدموعِ الدِّرَر، فكما كانت حياتُه متدَفِّقةً دَعوةً وهِدايةً وبِناءً، فكذَلك كانت وفاتُه عليه الصلاة والسلام نضَّاخَةً دروسًا وعِبرًا واقتداءً، تستخلِص الأمّة عَبَقَ معازيها، وتترسَّمُ شُمَّ معاليها؛ إذ كَيف لأمَّةِ الاتباع والهداية أن تُحدِث في إشراقةِ البداية وتغفُل عن مواطن الادِّكار في النهاية؟! بل كيف تذهَلُ العقول عن فاجِعة الوفاةِ في إعراضٍ وانجفال، وتُيمِّمُ شطرَ المولد للإحداثِ والاحتفال؟! فيا لله العَجَب! كيف يكونُ الفرحُ بيوم حياته أولَى منَ الحزنِ على يومِ وفاته؟! والله عزّ وجلّ يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [الحشر: 7]، والمصطفى يؤكِّد ذلك بقوله: ((من عمل عملاً ليس عَليه أمرُنا فهو ردٌّ)) خرَّجه مسلمٌ في صحيحه.
أيُّها المؤمنون، وبعدَ أن أكمل الله الدين وأتمَّ على البشرية النعمة، وبلَّغ المصطفى الأمانة وأدَّى الرسالة، وهدى البشريّة من الضلالة وعلَّمها من الجهالة، وانتحى بها إلى قِمم المجد والعزِّ والجلالة؛ أنزل الحقُّ عليه سورةَ النصر؛ ناعيًا إيّاه في أوّل مقدِّمات الوفاة، فكلُّ أمر اكتمل واستتمّ فالتسبيحُ والاستغفار عقِبَه خيرُ مُختَتَم، وفيه أيضًا أنَّ الاستغفارَ ساعةَ الانتصارِ دَليلُ الشكرِ والذّلِّ والانكسَار، وقد أومَأ لأصحابِه بدُنُوِّ أجلِه، وعرَّض باقترابِ فِراقه، ففي حجَّة الوداع من السنة العاشرَة خَطَبَ عليه الصلاة والسلام الناس وودَّعهم، قائلاً فيما خرَّجه مسلمٌ في صحيحه: ((فلعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا)).
إخوةَ الإسلام، ولما حضرَتِ الحبيبَ المصطفى الوفاةُ أخذَه ألمٌ في رأسِه، ثمَ ثقُل عليه الوجع، فكانت حُمًّى شديدة تنتاب جسدَه الشريفَ، بأبي هو وأمي ، فعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: خرجَ رسول الله في مرضِه الذي ماتَ فيه وهو مَعصوبُ الرأس، فقام على المنبرِ فقالَ: ((إنَّ عبدًا عُرِضَت عليه الدّنيا وزينتُها فاختار ما عندَ الله))، فلم يفطَن لها أحدٌ من القومِ إلا أبو بكرٍ رضي الله عنه، فقال: بأبي وأمي، بل نَفديك بأموالِنا وأَنفسِنا وأولادِنا. أخرجه أحمد وابن حبان. فلم يفهَمِ المرادَ غيرُ حفيِّه ونجيِّه رضي الله عنه وأرضاه، وأعلَمُ الأمّة بمقاصدِ رسولِ الله صلواتُ الله وسلامه عليه، ولا غروَ فهو ثاني اثنين إذ هما في الغار، فأكرِم بصدِّيق هذه الأمّة صفيِّ النبيِّ المختار عليه الصلاة تترى والسلام المدرار.
إخوةَ الإيمان، ولما تفاقمَ المرضُ بالمصطفى استأذَنَ زوجاتِه أن يُمرَّضَ في بيت عائشةَ رضي الله عنها، وذلك من خُلُقه العظيمِ ووُدِّه المكين، فخرج من بيتِ ميمونة يتوكَّأ بين الفضلِ بن عباس وعليٍّ رضي الله عنهم أجمعين، لا يستطيع مسيرًا. ومع اشتدادِ الألمِ بالمصطفى عليه الصلاة والسلام كانت زهرةُ حياته فاطمةُ رضي الله عنها تَلتاع فتقول: وا كَربَ أبتَاه! فيقولُ : ((ليس على أبيكِ كَربٌ بعد اليوم)) خرَّجه البخاريّ في صحيحه. وفي ذلك عزاءٌ لأهلِ المحَن وتسلية واصطبارٌ [وتسنية]، قال الإمام القرطبيّ رحمه الله: "أحَبَّ الله أن يبتليَ أصفياءَه؛ تكميلاً لفضائلهم، ورفعةً لدرجاتهم، وليس نقصًا في حقِّهم، مع رضاهم بجميلِ ما يُجريه عليهم".
معاشرَ المسلمين، وثقُلَت وطأةُ الداءِ بالجسَد الطاهرِ الكريمِ حتى أنهَكَته دونَ الخروج، فسَأل عن المسلمين وصلاتِهم، في الصحيحين من حديثِ عائشةَ رضي الله عنها قالت: قالَ عليه الصلاة والسلام: ((أصَلَّى الناس؟)) قلنا: هم ينتظرونك يا رسولَ الله، فقال: ((ضَعوا لي ماءً في المِخضَب))، ففعلوا فاغتَسل، ثم ذهب لينوء ـ أي: ليقومَ ـ فأُغمِيَ عليه، ثم أفاقَ فقال: ((أصَلَّى الناس؟)) كرَّر ذلك ثلاثًا، لكنّه لم يقوَ بأبي هو وأمّي ، فقال: ((مُروا أبا بكرٍ فليُصلِّ بالناس)). وفي ذلك إشارةٌ لأهليَّته وأوَّليَّته بالخلافة رضي الله عنه وأرضاه.
إخوةَ العقيدة، وفي تلك الأيّامِ الحزينة المُعتكِرة الأليمة، بلياليها السَّاجية الثقيلة التي آذنَت بانقطاعِ الوحي من السّماء وغروب شمس النبوة، كان المُجتبى عليه صلوات الله وسلامه يُحذِّر من قضيّة مهمَّة لا تزال الأمة تنوء بكَلكَلها؛ ذلكم هي الشركُ بالله، فقد كانت عليه خميصةٌ إذا اغتمَّ كشفها عن وجهه، فقال: ((لعنَ الله اليهودَ والنصارى؛ اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد))؛ يُحذِّر ما صنعوا. وذلك هو التأكيد الأكيد على دعوة التوحيد ونبذ الشرك والتنديد.
ومِن معاقد الخير التي أرشَد إليها وحثَّ عليها وهو في شِدّةٍ غالبة وعلّةٍ كالبة ما ورَد عن أنسِ بن مالك رضي الله عنه قال: كانَت عامّة وصيَّة رسول الله : ((الصلاةَ الصلاةَ وما ملكت أيمانكم))، يُغرغر بها صدرُه، وما يكاد يفيض بها لسانُه.
فيا أمّةَ الإسلام، اللهَ اللهَ في حفظِ عمودِ الإسلام؛ فإنها وصية خير الأنام، ومفتاح الخير والسعادَة، ومعراج الروح والإفادَة، وركنُ الإسلام الذي رحِم الله به عباده. وأما ما ملكت أيمانكم فمن نساءٍ وبنين وخدمٍ ومأمورين، فاجتهدوا في معاملتهم بالحسنى واللّطف، واحتسِبوا الأجر فيهم بالرفق والعطف، فذو المرتبَة يحنو على ذي المترَبَة، وصولاً إلى المجتَمَع الإسلاميّ المتراحم المتلاحم.
أحبّةَ المصطَفى ، وعن آخرِ النظرَات لسيِّد البريّات التي تُجهِشُ باللَّوعات والزَّفرات يصِفُ لنا أنسُ بن مالك رضي الله عنه مَشهدًا مهيبًا ومُطَّلعًا للحَبيب رغيبًا. لله، ما كانَ أنداه وأبهاه وأروَعه! ولله، ما كان أزكاه [وأسناه] وأبدعه! يقول رضي الله عنه: حتى إذا كان يومُ الاثنين وهو صفوفٌ ـ أي: الصحابة الكرام ـ في الصلاة كشف النبي سِتر الحُجرة ينظر إلينا وهو قائمٌ، كأنَّ وجهَه ورَقة مصحَف ـ قصد في الحُسن والاستنارة ـ، ثم تبسَّم يضحَك، فهَمَمنا أن نفتتنَ من الفرح برؤية النبي ، فتأخَّر أبو بكر رضي الله عنه ليصِلَ الصفَّ، فأشار إلينا النبيُّ أن أتِمُّوا صَلاتكم، وأرخَى السِّتر، فتُوفِّيَ من يومِه عليه الصلاة والسلام.
فيا لله، ما أعظَمَها من بَليَّة وفاجِعة! وما أشدَّها من نازِلة وواقعة!
ومُدَّت أكُفٌّ للوَداع تَصـافَحَت وكادَت عيونٌ للفراقِ تسيـلُ
هَمَمتُ بتودِيـع الحبيبِ فلم أُطِق فودَّعتُه بالقلبِ والعينُ تدمـعُ
إخوة الإيمان، إثرَ ذلك حُمَّ القضاء، وأُبرِم في الأرضِ ما قدَّره الله في السّماء، واشتدَّت بحبيبِنا حُمَّاه، واستباح الموتُ حِماه، قالَت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها وكانت بين يدَيه رَكوَة، فجَعَل يُدخِلُ يدَيه في الماء، فيمسح بها وجهَه، ويقول: ((لا إلهَ إلا الله، إنَّ للموت لسكَرات))، ثم نصَب يدَه فجعَل يقول: ((اللّهمّ في الرفيقِ الأعلى، اللّهمّ في الرفيق الأعلَى))، يُردِّدها حتى قُبِض ومالت يدُه. مُخرَّج في الصحيحين.
لا إلهَ إلاَّ الله، بتِلك الكلماتِ من دُررَ الخلود وبتلك المعاني من نفحات النور والقُدُس التحق حبيب القلوب ورسول علاَّم الغيوب بالرفيق الأعلى. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قولُه : ((إنّ للموتِ لسكَرات)) دليلٌ على جوازِ توجُّع المريضِ، والمُعوَّل في ذلكَ على عمَل القلب، لا على نطق اللسان، فكم من ساكتٍ وهو ساخِط، وكم مِن شاكٍ وهو راضٍ".
خَطْبٌ أجلُّ أناخَ بالإِسلامِ بينَ النَّخيـل ومَعقِد الآطـام
قُبِضَ النّبيّ محمّدٌ فعيونُنـا تذرِي الدّموعَ عليه بالتَّسْجَامِ
وسَرى خبرُ الفاجعة بينَ الجموع، وانحدَرت العَبرات والدّموع، وغدَت المحاجِر في انهمَارٍ وهُموع، واستحكَم الذهول بالعقول، وحُقَّ لهم ذلك؛ أليست هي وفاةَ أعظم نبيٍّ وأكرم رسول؟!
فبكِّي رسولَ الله يا عينُ عَبرةً ولا أَعرِفَنْك الدّهرَ دَمعُك يجمُدُ
وما فَقَد الماضون مثلَ مُحمدٍ ولا مثلُـه حتَّى القيـامة يُفقَد
وانفتل أبو بكر رضي الله عنه متَّجهًا شطرَ رسول الله ، فوجَده مُسجًّى بثوبٍ حَبِرة، فقبَّلَه وبَكى، وقال: بأبي أنتَ وأمّي، طِبتَ حيًّا وميتًا. وخرج على الناس وعمرُ رضي الله عنه مأخوذٌ بهَول الخَطْب، وحالُ الصَّحب الكرام في هذه الرزيَّة كالغنم المطيرةِ في الليلة الشاتية؛ لا تهتدي سبيلاً، فقال أبو بكرٍ قولتَه الشهيرَة: (من كان يعبد محمَّدًا فإنَّ محمَّدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت)، وتلا قوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران: 144]، فكأنَّ الناسَ لم يعلمُوا هذهِ الآيةَ حتى تُلِيَت عليهم. وقال عمر رضي الله عنه وفي صدره من غُصَص الأسى ما يُذهِبُ الحَشا: (والله، ما هو إلا أنْ سمعت أبا بكرٍ تلاها فعُقِرتُ [حتى] ما تُقلُّني رِجلاي، وحتى أهويتُ إلى الأرض، وعلِمتُ أن النبيَّ قد مات) أخرجه البخاريّ.
وفي هذا الموقف الحاسم دليلٌ على شجاعةِ الصدِّيق رضي الله عنه ورباطة جأشِه عند حلولِ المصائب، وهو الأسيفُ الرقيق، وبرهانُ وَفرة علمه رضي الله عنه وأرضاه؛ حيث كشف اضطرابَ الصحابة بنور الوحي والإصابة.
اغبَرَّ آفاقُ السماءِ و كُوِّرَت شمسُ النهار وأظلَم العَصرَان
والأرض من بعدِ النبيّ كئيبةٌ أسفًا عليه كثيرةُ الرُّجْفـان
أيُّها المسلمون، وتُوفِّي سيِّد الأنام عليه الصلاة والسلام في السّنة الحاديةَ عشرةَ من الهجرة، عن ثلاثة وستين عامًا، قضاها في الدعوةِ والبلاغ والهداية والإصلاحِ، وغُسِّل في ثيابِه كرامةً له، وصُلِّي عليه أرسالاً؛ الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان، دون أن يؤمَّهم أحد، ودُفِن حيثُ قُبِض، صلَوات ربِّ البرية تترى عليه بكرةً وعشيّة، وفارَق الصّحبَ الكرام مَنْ كان نجوَى أرواحهم الظمأى الرِّغاب، ونبعَ أفئدتهم الخاشعَ المُنساب.
تكـدَّر مـن بعدِ النبيّ محمدٍ عليه سلامٌ كلُّ ما كان صافيا
فلو أنّ ربَّ العرشِ أبقاك بينَنا سعِدنا ولكن أمرُه كان ماضيا
وأبلغُ من ذلك وأعزّ قولُ المولى جلّ وعزّ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُون [الزمر: 30، 31].
وقالت فاطمة رضي الله عنها قولاً هَطَل مِن سُحُب الحزن الآلمة، ولكن في صبرٍ واحتساب: (يا أبتاه، أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه، جنّة الفردوس مأواه)، ثم قالت: يا أنس، أطابَت أنفسُكم أن تحثُوا على رسولِ الله الترابَ؟!
وراحوا بحزنٍ ليس فيهم نَبيُّهم وقَد ذهبَت منهم ظهورٌ وأعضُدُ
و هل عدَلَت يومًا رزيَّةُ هالكٍ رزيَّةَ يومٍ مـات فيه مُحمّـدُ؟!
ولكن إلى الرفيق الأعلى؛ حيث المآب الكريم والثواب العظيم، وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُون [الأنبياء: 34]، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُون [العنكبوت: 57].
وبعدُ: عبادَ الله، فهذه شَذَراتٌ مِن حادثةِ وفاةِ سيِّد البشر، خذوا منها الدروس والعِظاتِ والعِبَر، فاتقوا الموتَ وهجمتَه، والقبر وضَجعته، واحذروا غرورَ الدنيا ومكائدَها، وفِتَنَها ومصائِدها، ملتزِمين سنّة خيرِ البرية، السنةَ السنةَ، غيرَ مُغيِّرين ولا مُبدِّلين، مُتدرِّعين بالصبرِ عند كل محنةٍ وبليَّة، فليس بعد موتِ المصطفى من مصيبة ورزيَّة.
اصبر لكـلِّ مُصيبةٍ وتجلَّـدِ واعلَم بأن الْمرءَ غيرُ مُخلَّدِ
وإذا أتَتك مُصيبةٌ تُشجَى بِها فاذكر مُصابَك بالنبِيّ محمدِ
صلواتُ ربي الزكية وتسليماته السنيّة تترى عليه، وعلى آله أُولِي المناقب العليَّة، وصحبه أُولِي السجايا الرضية، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولكافّة المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفورٌ رحيم.
|