أيها المسلمون، تحدثنا في جمع سابقة عن الحرب الفكرية التي تشنها أمريكا والغرب الكافر ضد عالمنا الإسلامي، بالإضافة إلى الحرب العسكرية الحالية في كل من فلسطين والعراق وأفغانستان وبقية المناطق المعروفة لديكم، والتي يحاولون بواسطتها تركيع وترويض المسلمين للانقياد لهم وتحقيق رغباتهم، ولقد نجحوا في مراحل سابقة من تغيير آراء الناس وأفكارهم ومعتقداتهم في كثير من الدول، فلقد وجد اليوم من المسلمين ـ عياذًا بالله ـ من ينادي بحرية الأديان، وهناك من تنصّر من مواطني الدول العربية المجاورة، وأصبح هناك قساوسة نصارى من مسلمين قد ارتدوا ولهم كنائس، وانتشرت الكنائس في الخليج، وضلّلت الشعوب، وانتشرت الكراهية بين المسلم وأخيه المسلم وبين الملتحي وغير الملتحي، وخرجت فئات لا تعرف من الدين شيئًا، وأصبحت تكفِّر وتفسق الناس: هؤلاء كفرة علمانيون موالون للغرب، وآخرون متطرفون إرهابيون.
وبعد أن وصل حال المسلمين إلى هذا الحدّ الذي فقد فيه توازنه والذي سهل توجيهه من قبل المؤسسات المتخصصة خرجت علينا مؤسسة راند (Rand) الأميركية، وهي إحدى هذه المؤسسات المتخصّصة وتَتبع وزارة الدفاع الأمريكي "البنتاجون"، ولها دور مميز في توجيه واتخاذ القرارات السياسية الهامة التي تسير عليها سياسة أمريكا حول العالم بشكل عام والعالم الإسلامي بشكل خاص، ولقد أصدرت هذه المؤسسة تقريرًا تدميريًّا بعيد المدى في العام الماضي 2007م، سمته: "بناء شبكات للمسلم المعتدل"، وتأتي أهمية هذا التقرير بسبب أن التوصيات السابقة لنفس هذه المؤسسة هو ما يطبّق حاليًا في العراق، وأثمر لهم هذه الحرب الطائفية الطاحنة بين العراقيين بجميع فئاتهم، مع العلم بأن التقرير الجديد يوصي بالإضافة لتطبيق ما حدث في العراق فإنه يأمل بنقل هذه الحرب المدمّرة إلى البلدان العربية المجاورة؛ للتسريع بعملية التقسيم والتفتيت للعالم العربي، وخاصة بلادنا الطاهرة، حماها الله من كيدهم ومكرهم.
إخوة الإسلام، قبل أن نذكر شيئًا من تفاصيل هذا التقرير أودّ أن ألفت الانتباه إلى أن هذا الموضوع الذي نتحدّث عنه موضوع دينيّ وليس سياسيًا، بل يدخل في صميم الدين؛ لأننا نبيّن تخطيطات الأعداد وما يكيدون به للإسلام من واقع تقاريرهم وما يكتبونه علنًا دون أن يخشوا أحدًا، ولنا قدوة في ذلك رسول الله حينما وصلته تقارير بأن زعيم بني المصطلق يجهز تحالفًا من القبائل المجاورة لمهاجمة المدينة النبوية، فماذا فعل ؟ هل انتظر مجيئهم وهجومهم؟! لا، بل بادر بإرسال كتيبة من الصحابة لهم، وأدبهم وقتل منهم عشرة أشخاص في معركة سميت غزوة المريسيع، وقضى على تمرّدهم فيما يسمَّى اليوم ضربة استباقية خاطفة، وكذلك ما فعله في خيبر وبني قريظة من ضربات استباقية.
فامتدادًا للحرب الفكرية التي أشعلتها أمريكا فإنّ هذا التقرير "بناء شبكات للمسلم المعتدل" يرسم ملامح ومعايير استراتيجية للتعامل مع المسلمين، وسماهم المقيمين في العالم المسلم وليس الإسلاميّ؛ لأنه لا يعترف بوجود هذا العالم الإسلاميّ، وافهموا ما يقصدون وهم يعنون بسبب حقدهم على الإسلام أنّ العالم الإسلامي الحالي لم يكن موجودًا قبل بعثة النبيّ ، أن الإسلام اكتسح مناطق كانت وثنية ونصرانية وحوّلها إلى الإسلام، فلا تستحق هذا الاسم "العالم الإسلامي"، ولا بد أن تعود هذه المناطق لديانتها السابقة، كما نجحوا في إعادة الأندلس إلى النصرانية بعد أكثر من ثمانمائة سنة وهم مسلمون، فلا تظنوا ـ أيها الإخوة ـ أنهم نائمون، بل يخططون وينفذون ليلاً نهارًا؛ لذا استخدموا مصطلحات ذات مدلولات جديدة، مثل: المسلم المعتدل والمسلم الراديكالي أو المتطرف، واخترعوا معايير جديدة للاعتدال والتطرف، وعالمنا يتلقى من وسائلهم وإعلامهم هذه التسميات ويكررها وينشرها إلى أن تصبح مقبولة ومعروفة للجميع.
في السابق كانوا يسمون المسلم المتمسك بدينه: أصولي. فمثلاً المسلم المعتدل حسب تعريفهم الجديد هو الذي يرفض تطبيق الشريعة الإسلامية، ويتبنى القيم الليبرالية الأمريكية التي تقوم على الفصل بين الدين والدولة واعتبار العقيدة شأنًا فرديًا بين الإنسان وربه، ولا علاقة لها بتنظيم شؤون الحياة والأسرة، ورفض العنف وإن كان دفاعًا عن النفس، والأخذ بنظام حقوق الإنسان التي تعتبِر الشذوذ وتغيير الفرد لدينه ضمن هذه الحقوق... إلخ. أما المسلم الراديكالي أو المتطرف فهو من يتمسك بتطبيق الشريعة الإسلامية، ويسعى لإقامة الدولة الإسلامية، ويتبنى الفكر الإسلامي السلفي، ويرفض الديمقراطية والليبرالية الغربية وما يرتبط بها من أمور، ويرى أن من حقه استخدام العنف للحصول على حقوقه المسلوبة أو المغتصبة. هم يريدونه أن يستسلم ويطالب بحقوقه من هيئة الأمم المتحدة التي اعتبرت الفلسطينيين إرهابيين وهم أهل الأرض، واعتبرت اليهود وهم المعتدون بأنهم يدافعون عن أنفسهم، فلا بد من الاستسلام حتى يسمّوك مسلمًا معتدلاً، وإلا سموك إرهابيًا متطرفًا.
أيها المسلمون، إن أهم ما يلفت الانتباه في التقرير أنه محاولة لنقل المعركة الأمريكية ضد العالم الإسلامي من مستوى الغزو العسكري الحالي الذي ثبت فشله إلى معركة فيما بين المسلمين أنفسهم الذين يراد لهم أن ينقسموا إلى معتدلين ومتطرفين وفق المفهوم الأمريكي، ثم يتم إشعال فتيل الصراع بينهم، وبذلك يتم إضافة سبب جديد للصراعات الداخلية والاقتتال، إضافة إلى الأسباب العرقية والطائفية الموجودة بالفعل، والتي يتم تغذيتها بالسلاح والمال، لتزداد المنطقة احتقانًا للوصول بشكل سريع إلى ما قرّروه سابقًا بقراراتهم بتحويل المنطقة إلى مرحلة الفوضى الخلاقة، وهي التي تعيشها جارتنا العراق اليوم، كلّ يتهم الآخر: هؤلاء تكفيريون، وهؤلاء إرهابيون، والعدو يفرك يديه فرحًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|