أيها الإخوة المؤمنون، تحدثنا في جمعة سابقة عن الثبات على الدين مع كل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة، وقلنا بأن السبيل والطريق الوحيد للثبات ـ بعد توفيق الله ـ هو اتباع الكتاب والسنة والتمسك بهما والعض عليهما بالنواجذ. واليوم سوف نتحدث عن بعض الأساليب التي يتبعها أعداء الدين من يهود ونصارى ومن سار على نهجهم من العلمانيين والفسقة المتمردين على الدين والذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لإبعاد المسلم عن دينه وتركه في حيرة من أمره.
إن وسائل هؤلاء كثيرة وفعالة، فمنها المشاهدة المرئية كالقنوات الفضائية، ومنها المسموعة والمقروءة كالمجلات والجرائد وغيرها، فإنهم يجتهدون في تشكيك المسلم في دينه ومثله وعاداته الإسلامية الحسنة، وهم اليوم متفقون على محاربة ما يسمّى بالإرهاب، فاستغلوا بعض الأحداث هنا وهناك واستثمروها، وهم يقصدون بذلك محاربة الإسلام وأهله، وقد نجحوا أيما نجاح في تضليل كثير من الناس، وانتشرت الكراهية بين المسلم وأخيه المسلم، بين الملتحي والحليق، بين الملتزم وغير الملتزم، وظهرت مجموعات تكفّر وتفسّق بعضها بعضًا: أنتم أيها الملتحون سبب الفتن والمصائب التي حلت بالعالم، ورد الآخرون: أنتم منحلّون متساهلون، وأنتم صوفيون وخرافيون، وأنتم علمانيون... إلى آخر الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وأعداء الدين ينظرون إلى هذا الصراع بين المسلمين، ويفركون أياديهم فرحًا بما وصلوا إليه، وأصبحت هناك فجوة تتّسع يومًا بعد يوم بين المسلم وأخيه المسلم، فلا هذا يرضى أن يسمع لهذا، ولا الآخر مستعد للنقاش معه أو يقبل حديثه، والأعداء يستمعون للطرفين، ثم ينشرون فكرهم الخبيث بواسطة عملائهم وكتابهم وفنّانيهم باستخدام وسائلهم المتعددة؛ مرة يقولون بأن الإسلاميين المتطرفين يريدون أن يفعلوا كذا أو يغيروا كذا، يريدون أن يوقفوا عجلة التقدّم والرقي بفكرهم المتخلف، يريدون أن يعيدونا إلى الوراء إلى القرون المظلمة حيث المرأة مستعبدة لا تستطيع أن تشارك في بناء المستقبل... إلخ. ثم ينبري لهم الآخرون رادين على مقولاتهم ومفندين أخطاءهم وأكاذيبهم، وتدور العجلة ويستمر الجدل سنين وهم على هذا الحال، لا يقبل بعضهم رأي بعض ولا نصيحته، فتظهر الكراهية بين المسلم وأخيه المسلم ويستحكم العداء.
إلا أن الله سبحانه وتعالى يُقيّض بين حين وآخر بعضًا من الدعاة الربانيين الذين ينجحون في الجمع بين الطرفين وتوجيه الجهود إلى العدوّ المشترك وتوضيح مخطط الأعداء للنيل من وحدة المسلمين وقوتهم، ومع كل ذلك فالأعداء لا يتركون طريقًا لإبعاد المسلمين بعضهم عن بعض إلا ويطرقونه بشتى الوسائل والطرق، وأكبر دليل على صحة ما أقول أن الله سبحانه وتعالى قيض في هذه الأيام ثلّةً من الدعاة، وجعل لهم القبول، فأصبح يحضر دروسهم ومحاضراتهم مئات بل آلاف الشباب والشابات الذين لم يكونوا أصلاً يقبِلون على الدروس الدينية أو على الدعاة التقليديين المعروفين، ونجح هؤلاء الدعاة في إيصال كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله إلى شرائح ومجموعات كبيرة كانت تنفر من الاستماع إلى الدين أو الدعاة التقليديين، وهذه الشرائح مع الأسف إخوة لنا مسلمون، ولكنهم عصاة بسبب الإعلام الذي يبثّ سمومه ليلاً ونهارًا، وجعلهم يكرهون الدعاة التقليديين، وكوّن منهم عصاة ومرتكبين للكبائر، وبفضل الله ثم هؤلاء الدعاة رجع كثير منهم إلى الله واهتدى، وترك بعض الفنانين والفنانات أماكن اللهو والفسوق، واحتجبت النساء وسترت أجسامهن، وأصبح حال المسلمين يتحسّن يومًا بعد يوم. فماذا كان ردُّ فعل أعداء الله من يهود ونصارى على هذه الظاهرة؟! لقد جنّ جنونهم، كيف فشلت خططهم التي أقاموها بين الحليق والملتحي حتى كرّهوا بعضهم لبعض.
ولو تتبعنا هذه القوة الخفية لنعرفها لوصلنا إلى أنها قوة لديها من الإمكانات المالية والإعلامية والبشرية الشيء الكثير، وتعمل أعمالها بشكل يبدو طبيعيًا، وهو في الحقيقة عمل منظم ومدروس ومتابع. إن هذه القوة الخفية هي نفس القوة التي منعت أحد الدعاة المشهورين من إلقاء محاضرات في إحدى الدول العربية المجاورة، وأمرت بترحيله فورًا مع العلم بأنه جاء إليهم بناءً على دعوة رسمية منهم، ولديه التصاريح اللازمة للمحاضرة، ولكن الأعداء خافوا من أن يستيقظ المسلمون من سباتهم؛ لأن عنوان المحاضرة كان: "الجهاد والإرهاب"، إذًا فلا بد من كبتهم بأي طريقة، ولن يخشوا العاقبة لعدم خوفهم من أحد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|