.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

أساليب الأعداء للنيل من المسلمين

5886

الرقاق والأخلاق والآداب

الفتن

عبد الرحمن بن الصادق القايدي

جدة

7/6/1423

جامع الأنصار

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- وسائل أعداء الإسلام في حرب الإسلام. 2- حرص أعداء الإسلام على بث الفرقة بين المسلمين. 3- جهود الدعاة إلى الله تعالى. 4- حال اليهود والنصارى إبان الخلافة الإسلامية. 5- حال اليهود والنصارى في زماننا.

الخطبة الأولى

أيها الإخوة المؤمنون، تحدثنا في جمعة سابقة عن الثبات على الدين مع كل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة، وقلنا بأن السبيل والطريق الوحيد للثبات ـ بعد توفيق الله ـ هو اتباع الكتاب والسنة والتمسك بهما والعض عليهما بالنواجذ. واليوم سوف نتحدث عن بعض الأساليب التي يتبعها أعداء الدين من يهود ونصارى ومن سار على نهجهم من العلمانيين والفسقة المتمردين على الدين والذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لإبعاد المسلم عن دينه وتركه في حيرة من أمره.

إن وسائل هؤلاء كثيرة وفعالة، فمنها المشاهدة المرئية كالقنوات الفضائية، ومنها المسموعة والمقروءة كالمجلات والجرائد وغيرها، فإنهم يجتهدون في تشكيك المسلم في دينه ومثله وعاداته الإسلامية الحسنة، وهم اليوم متفقون على محاربة ما يسمّى بالإرهاب، فاستغلوا بعض الأحداث هنا وهناك واستثمروها، وهم يقصدون بذلك محاربة الإسلام وأهله، وقد نجحوا أيما نجاح في تضليل كثير من الناس، وانتشرت الكراهية بين المسلم وأخيه المسلم، بين الملتحي والحليق، بين الملتزم وغير الملتزم، وظهرت مجموعات تكفّر وتفسّق بعضها بعضًا: أنتم أيها الملتحون سبب الفتن والمصائب التي حلت بالعالم، ورد الآخرون: أنتم منحلّون متساهلون، وأنتم صوفيون وخرافيون، وأنتم علمانيون... إلى آخر الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان.

وأعداء الدين ينظرون إلى هذا الصراع بين المسلمين، ويفركون أياديهم فرحًا بما وصلوا إليه، وأصبحت هناك فجوة تتّسع يومًا بعد يوم بين المسلم وأخيه المسلم، فلا هذا يرضى أن يسمع لهذا، ولا الآخر مستعد للنقاش معه أو يقبل حديثه، والأعداء يستمعون للطرفين، ثم ينشرون فكرهم الخبيث بواسطة عملائهم وكتابهم وفنّانيهم باستخدام وسائلهم المتعددة؛ مرة يقولون بأن الإسلاميين المتطرفين يريدون أن يفعلوا كذا أو يغيروا كذا، يريدون أن يوقفوا عجلة التقدّم والرقي بفكرهم المتخلف، يريدون أن يعيدونا إلى الوراء إلى القرون المظلمة حيث المرأة مستعبدة لا تستطيع أن تشارك في بناء المستقبل... إلخ. ثم ينبري لهم الآخرون رادين على مقولاتهم ومفندين أخطاءهم وأكاذيبهم، وتدور العجلة ويستمر الجدل سنين وهم على هذا الحال، لا يقبل بعضهم رأي بعض ولا نصيحته، فتظهر الكراهية بين المسلم وأخيه المسلم ويستحكم العداء.

إلا أن الله سبحانه وتعالى يُقيّض بين حين وآخر بعضًا من الدعاة الربانيين الذين ينجحون في الجمع بين الطرفين وتوجيه الجهود إلى العدوّ المشترك وتوضيح مخطط الأعداء للنيل من وحدة المسلمين وقوتهم، ومع كل ذلك فالأعداء لا يتركون طريقًا لإبعاد المسلمين بعضهم عن بعض إلا ويطرقونه بشتى الوسائل والطرق، وأكبر دليل على صحة ما أقول أن الله سبحانه وتعالى قيض في هذه الأيام ثلّةً من الدعاة، وجعل لهم القبول، فأصبح يحضر دروسهم ومحاضراتهم مئات بل آلاف الشباب والشابات الذين لم يكونوا أصلاً يقبِلون على الدروس الدينية أو على الدعاة التقليديين المعروفين، ونجح هؤلاء الدعاة في إيصال كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله إلى شرائح ومجموعات كبيرة كانت تنفر من الاستماع إلى الدين أو الدعاة التقليديين، وهذه الشرائح مع الأسف إخوة لنا مسلمون، ولكنهم عصاة بسبب الإعلام الذي يبثّ سمومه ليلاً ونهارًا، وجعلهم يكرهون الدعاة التقليديين، وكوّن منهم عصاة ومرتكبين للكبائر، وبفضل الله ثم هؤلاء الدعاة رجع كثير منهم إلى الله واهتدى، وترك بعض الفنانين والفنانات أماكن اللهو والفسوق، واحتجبت النساء وسترت أجسامهن، وأصبح حال المسلمين يتحسّن يومًا بعد يوم. فماذا كان ردُّ فعل أعداء الله من يهود ونصارى على هذه الظاهرة؟! لقد جنّ جنونهم، كيف فشلت خططهم التي أقاموها بين الحليق والملتحي حتى كرّهوا بعضهم لبعض.

ولو تتبعنا هذه القوة الخفية لنعرفها لوصلنا إلى أنها قوة لديها من الإمكانات المالية والإعلامية والبشرية الشيء الكثير، وتعمل أعمالها بشكل يبدو طبيعيًا، وهو في الحقيقة عمل منظم ومدروس ومتابع. إن هذه القوة الخفية هي نفس القوة التي منعت أحد الدعاة المشهورين من إلقاء محاضرات في إحدى الدول العربية المجاورة، وأمرت بترحيله فورًا مع العلم بأنه جاء إليهم بناءً على دعوة رسمية منهم، ولديه التصاريح اللازمة للمحاضرة، ولكن الأعداء خافوا من أن يستيقظ المسلمون من سباتهم؛ لأن عنوان المحاضرة كان: "الجهاد والإرهاب"، إذًا فلا بد من كبتهم بأي طريقة، ولن يخشوا العاقبة لعدم خوفهم من أحد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الغني الحميد، أحمده سبحانه وهو الفعال لما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المبدئ المعيد، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، جاهد في الله حق جهاده وبدّد الكفر شر تبديد، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: أيها الإخوة المؤمنون، ذكرنا القوة الخفية في خطبتنا الأولى، وفي الحقيقة لم يعد هناك قوة خفية، الآن أصبحت القوة ظاهرة ومتغطرسة، لا تخاف أحدا، ولا تخشى من غضبه، وأصبحت تملي شروطها وتنشر فسوقها بدون خوف؛ لأن الأمة الإسلامية متفكّكة ومتنافرة وممزقة، وإلا كيف يُسمّى المسلمون المضطهدون والذين تدمر بيوتهم من فوقهم إرهابيين وقتلة ويسمّى المجرمون والسفاحون أمثال شارون الحقير رجلَ السلام؟! والعالم من حولنا يسمع ويكرر ما يسمع مؤيدًا كأنه ببغاء عقله في أذنيه، بينما في السابق حينما كانت الأمة قوية بدينها لا يجرؤ أحد من الأعداء على إعلان كراهيته أو عدم رضاه عن المسلمين كما قال الله تعالى: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة: ١٤].

 هل تعلمون ـ أيها الأحبة ـ أن اليهود والنصارى أثناء الخلافة العثمانية والتي مر عليها ما يقارب من مائة سنة أنهم كانوا أذلة حقيرين تطبَّق عليهم بعض من الشروط العمرية لأهل الذمة، هل تعرفون الشروط العمرية، إنها الشروط التي وافق عليها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما فتحَ الصحابة بلاد الشام بقوّة الحقّ، وكتب إليه النصارى طالبين الأمان ومما قالوا: "إنا حين قدمتم بلادنا طلبنا إليك الأمان لأنفسنا وأهل ملتنا على أنا شرطنا لك على أنفسنا أن لا نُحدث في مدينتنا كنيسة ولا فيما حولنا ديرًا، ولا نجدد ما خرب من كنائس، وأن لا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار للمارة والعابري السبيل، وأن لا نضرب بنواقيسنا إلا ضربًا خفيفًا في داخل كنائسنا، ولا نظهر عليها صليبًا، ولا ندعو لديننا، ولا نرغب في أحد من المسلمين، وأن نلزم زيّنا حيثما كنا، وأن لا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، وأن نجزّ مقادم رؤوسنا ـ أي: يحلق الجزء الأمامي من رؤوسهم حتى يعرفون ـ، ونشد الزنانير على أوساطنا، ولا نتخذ شيئًا من السلاح ولا نحمله، ولا نتقلد السيوف، وأن نوقر المسلمين ونقوم لهم عن المجالس إذا أرادوا الجلوس..." إلى آخر الشروط المذلّة لهم.

هل رأيتم كيف كان حال اليهود والنصارى الذين يتغطرسون ويأمرون وينهون اليوم؟! وكيف حالهم؟! أظن أننا نحن السبب في كل ما يحدث لأننا بعدنا عن دين ربنا إلا من رحم الله، رسولنا يقول: ((لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه))، هل فينا أحد يفعل ذلك؟! بل العكس إذا جاء النصراني قمنا له من مجالسنا وأجلسناه في مكاننا، انظروا إليهم في كل مكان مكرَّمين ومبجلين، الكل يقبلهم ويأخذ صورًا للذكرى معهم، ومنهم خبراء في الدوائر والشركات ومدرّبين في النوادي ومهندسين في المصانع ومنتشرين في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وهم يكرهون الإسلام وأهله، كيف نريد أن يعزنا الله ونحن نخالف أوامره بحب أعدائه؟! يقول تعالى موضحًا شدة كراهيتهم: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاً وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة: ٨].

يحاولون أن يرضوكم بأفواههم وبكلماتهم المعسولة، ولكن قلوبهم ترفض وتخرج اللعنات والحقد بدون إرادة، ثم يعتذرون بعد ذلك ويبرّرون هذه الكلمات بأنها زلة لسان، وهم كاذبون، كما قال بوش عن الحرب ضد أفغانستان والعراق بأنها صليبية، ثم اعتذر بأنها زلة لسان، وهذا ما يقول الله عنهم وهو سبحانه أعرف بهم منا، فهل من عودة صادقة ـ أيها المسلمون ـ إلى كتاب ربنا وسنة رسوله والانتباه إلى ما يخطط الأعداء لنا من كيد ومكر، نرجو ذلك.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر الدين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً