أما بعد: فيا عباد الله، أصبحنا في زمن لا يدري الواحد منا أيّ الأحداث يتابع، وأيّ المآسي ينازع، تعددت الجراحات التي تفتّت كبد الحجر قبل بني الإنسان، ولا يجد المؤمن الصادق بدًا من متابعتها وإلقاء السمع إلى أحداثها ليرجع البصر والفؤاد خاسئًا كسيرًا وهو حسير.
كانـت فلسطيـن موالاً لأمتنـا مـا بالها لَم تعد للنـاس موالا؟!
تعددت يـا بني قومـي مصـائبنا فأقفلت بـابنا المفتـوح إقفـالا
كنـا نعالج جرحًا واحـدا فغدت جراحنـا اليوم ألوانـا وأشكالا
عباد الله، مع تعدد المصائب وتعدد الفواجع تبقى فلسطين قضيتنا ومصيبتنا الأساس التي لا ينبغي لنا تجاهلها ونسيانها، فلسطين تلك البلدة التي سالت من أجلها العيون ورخصت في سبيلها المنون، فلسطين أولى القبلتين وثالث المسجدين ومسرى نبينا محمد الأمين ، فلسطين من أجلها شدّ الرجال عزائم الأبطال وأحيوا في نفوسهم الحماسة والنضال.
عباد الله، شعب فلسطين منذ سبعين عامًا وهو يعيش تحت وطأة الاحتلال، مساكنهم الملاجئ والمخيمات، والملايين منهم يعيشون في التشريد والشتات، شعب فلسطين حياته كلها خوف وتعذيب، اعتقال وتهديد، تهديم للبيوت وإغلاق للمدارس، ومع الحصار الاقتصادي المفروض عليهم أغلقت المخازن والمتاجر لتسدّ عنهم أبواب الرزق ووسائل الحياة، تجويع وبطالة، استخفاف وإهانة، استيلاء على الأراضي وتحكّم في مصادر المياه، محتل يلاحق من يشاء، ويتّهم من يشاء، يقتل من يشاء، وينفي من يشاء، ثم يزعم أنه يريد السلام.
قد حصحص الحق لا سلم ولا كلم مع اليهـود وقد أبـدت عواديهـا
قد حصحص الحق لا قول ولا عمل ولا مواثيـق صـدق عند داعيهـا
أين السلام الذي نادت مَحالفكم؟! أين الشعارات؟! يا من بات يطريها؟!
تآمـر ليـس تخفـانـا غوائلـه وفتنـة نتـوارى مـن أفـاعيهـا
عباد الله، لقد انكشفت عورة الدول الغربية وبانت سوأتها عندما ادعت حقوق الإنسان، وهي تتفرّج على ما يحصل على أرض الإسراء والمعراج، راضية بذلك، بل داعمة لكل ما يحصل من وحشية وإجرام، لقد كان من المتوقع أن الشعارات البراقة التي يرفعها الغرب الكافر مثل "حقوق الإنسان" و"الشرعية الدولية" و"الديمقراطية" سيكون الغرب جادًا في عدم تجاوزها وتعدّي حدودها، لكن أحداث فلسطين الحالية كشفت زيف وعنصرية تلك الشعارات، وعلى رأسها شعار "حقوق الإنسان"، لقد علّمنا الغرب أن الديمقراطية هي الرضا باختيار الشعب، ولكن هذه الوصفة صدّرت لنا بصورة أخرى، بيانها يتضح جليًا في أحد أمرين:
1- إما أن يصل عملاء الغرب وأعوانه من أهل ذلك البلد عبر الانتخابات المزيفة.
2- أو أن يؤتى بقيادة لذلك البلد عبر الدبابات وعابرات القارات.
أما إذا انتخب الشعب الأوفياء الأمناء فجزاء ذلك الشعب بأكمله المقاطعة السياسية والاقتصادية والتجويع والاضطهاد، وليت الأمر توقف عند هذا فقط، بل عمد العدو إلى زيادة جراحهم بقصف أحيائهم ومخيماتهم، ليكافئهم على الاختيار الذي ارتضوه لأنفسهم، وهي رسالة من العالم لكل الشعوب التي تنتخب الأوفياء الأمناء؛ فإن مصيرها مصير ذلك الشعب الأعزل.
أإعادة الأمل الْجميل سجية للغرب هـذا يا أخي كـذاب
كم علقونا بالوعود وما وفوا و كذاك وعد الكافرين سراب
عباد الله، لا يخفاكم ما يمر به إخواننا في فلسطين هذه الأيام، إنهم يعانون من ضرب الطائرات وأزيز المدافع والمجنزرات، عشرات المساجد دمرت، ومئات البيوت هدّمت، آلاف الأنفس أزهقت، كم من نساء أيمت، وكم من أطفال يتّمت، وكم من مقابر جماعية أقيمت.
إن إخوانكم ـ يا مسلمون ـ يصارعون عدوهم وبطونهم خاوية وأسواقهم مغلقة ومنافذهم محاصرة، افتقد أطفالهم الحليب، ونفد عن مرضاهم علاج الطبيب، والعالم ينظر ولا مجيب! إنه ليس من عذر لأحد اليوم يرى مقدساته تنتهك، ويرى أطفالاً يقتلون ونساء يرملون وشيوخًا يعتقلون، ثم لا ينتصر لإخوانه ولا يحزن لمصابهم.
يا أهل الجزيرة، ويا أحفاد الصحابة، أين أنتم من بكاء الثكالى وصراخ اليتامى وأنين الأرامل والأيامى؟! أين أخوة الإسلام؟! أين رابطة الإيمان؟! بل أين أخلاق العروبة عما يلاقيه إخواننا في فلسطين؟! فمن ينتصر لهم؟! ومن يخفف مصابهم يا أمة الإسلام؟!
يا ألف مليـون و أين هم إذا دعـت الـجـراح
هـاتوا مـن المليار مليونًا صـحاحًـا من صحاح
مـن كل ألـف واحـدا أغـزو بهم فِي كل ساح
شعـب بغيـر عقيـدة ورق تـذريـه الريـاح
من خان حي على الصلاة يخـون حي على الكفاح
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي كان غفورا رحيما.
|