.

اليوم م الموافق ‏22/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

بطولات نسائية

5846

الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد, سيرة وتاريخ

القتال والجهاد, المرأة, تراجم

عبد الرحمن بن عبد العزيز الجليل

الرياض

جامع والدة نهار المنديل

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تحريف مفهوم البطولة في هذا الزمان. 2- البطولة الحقيقية. 3- بطولات صفية بنت عبد المطلب. 4- بطولات أم عمارة. 5- بطولات خولة بنت الأزور.

الخطبة الأولى

أيها المسلمون، هل قرأتم قصص البطولات وسمعتم بحكايات التضحِيات وروايات الحب والفداء؟! إنّ أغلب ما يتداوله الناس اليوم من القصص والأخبار لا تعدو أن تكون ملفّقةً من عقل ذاك القاص أو إنشاء ذلك الروائي أو فكر ذاك المؤرخ، فيشوبها الكذب والتكلُّف والتهويل والتضليل ليشتروا بها ثمنا قليلا. أما قصتنا هذه ففيها بطولة نادرة عجيبة وتضحية صادقة عظيمة، إنها صورة تحمل الصدق المتين والثبات المنقطع والهمّة الحية والإيمان الراسخ، إنه مشهد ولاء، لكن ليس لعذراء، ولا لأجل متعةِ غناء، ولا إرضاء حزب أو قبيلة، إنها بطولة أسالت الدماء ومزّقت الأبدان، فلا وراءها في الدنيا عيش ولا لذة ولا طيب استقرار وبقاء، إنها ليست هجران عشيقة، ولا نشوانَ يشدو أغنيةً خليعة.

أيها المسلمون أحفاد الأبطال، إن مصطلح البطولة تُلوعب به في هذا الزمان، فحمَله سوى أهله، وانتسب له غير آله وربعهِ، فأنتم ترون رموز الجبن والهوان أبطالا صناديد، وأرباب الخنا والفجور أعلامًا مشاهير، وصناع السفاهة والطيش أفذاذًا ميامين.

أيها العقلاء، كيف ترضون أن يُسمى الجبان بطلا هُماما؟! أين عقول أقوام جعلت المهانة شجاعة والدناءة مكانة والسفاهة رُقيًا وحضارة؟!

إذن ما البطولة الحقة يا معاشر المسلمين؟ إن البطولة الحقيقية إيمانك الصادق بالله تعالى ونضالك عن الشريعة وثباتك على المبادئ الصادقة وصدعك بالحق وصبرك على المكاره الشديدة، كيف يكون بطلاً من يهاب لَسْعة الزُّنبور أو يخاف ظلمة الليل أو لا يطيق العيش في الشدة والحر أو يبكي على فوات الطعام والشراب واللذة اليسيرة الفانية؟!

ولقد اصطفى الله لنبيه رجالاً ونساءً رباهم على عينه، وجعلهم منارات هدى يستضاء بها عبر التاريخ، وكلما خلا زمانٌ من القدوات فبهم يقتدى، وهل عُقمَ النساء أن يلدن أمثال عمر وخالد والمثنى والزبير والقعقاع رضي الله عنهم؟! فما بقي إلا التشبه بهم، كما قيل:

وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم    إن التشبه بالكرام فلاحٌ

قدوتنا اليوم نساء لكنهن ليسوا كالنساء، وقفن مواقف رجولية يعجز عنها الرجال بل عما دونها، قال المتنبي:

و لـو أن النساء كمـن فقدنـا        لفضِّلت النسـاء على الرجال

فلا التأنيـث لاسم الشمس عيبٌ       و لا التذكير فَخـرٌ للهـلال

عباد الله، إن أحدنا عندما يقرأ ويسمع فتوحات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها مع قلة العدة والعتاد ليعجب أشد العجب ويتساءل: هل هؤلاء من بني البشر؟! ولكن سرعان ما يتلاشى العجب عندما نرى شجاعة نساء ذلك الجيل وإقدامهن على ساحات الوغى وميادين القتال، فإن كان هكذا نساؤهم فكيف الحال إذن برجالهم؟!

وإليكم شيئا من سيرة بعض نساء ذلك الجيل الفريد.

أيها المسلمون، ها هي صفية بنت عبد المطلب الفارسة عمة النبي ، لقد كانت رضي اللَّه عنها مقاتلة شجاعة، إنها أم الزبير بن العوام، ولا عجب، لما خرج رسول الله إلى غزوة الخندق جعل نساءه في بيت لحسان بن ثابت، فجاء أحد اليهود، فرَقَى فوق الحصن حتى أطل على النساء، فقامت إليه صفية رضي اللَّه عنها فضربته وقطعت رأسه، ثم أخذتها، فألقتها على اليهود وهم خارج البيت، فقالوا: قد علمنا أن هذا أي النبي لم يكن ليترك أهله ليس معهم أحد يحميهم، فتفرقوا.

وها هي أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية لما كان يوم أحد خرجت مع زوجها غزية بن عمرو وولديها تحمل قربة وبعض أدوات الطب والجراحة لتسقي العطشى وتداوي الجرحى، ونظرت أم عمارة فإذا بالمسلمين بعد النصر يتجرعون الهزيمة نتيجة مخالفتهم لأوامر قائدهم المصطفى ، وإذا بالمقاتلين يفرون من حول النبي ، فألقت بالقربة وأدوات الجراحة وشدت ثوبها على وسطها وحملت السيف لتدافع عن رسول الله. تصف أم عمارة هذا المشهد التاريخي: رأيتني وقد انكشف عن رسول الله ـ أي: يوم أحد ـ فما بقي إلا في نفر ما يتمون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه ندافع عنه، والناس ـ أي: المسلمون ـ يمرون به منهزمين، ورآني ولا درع لي أدافع بها عن نفسي، فرأى رجلاً موليًا هاربًا ومعه درع فقال النبي : ((ألق ترسك إلى من يقاتل))، فألقاه فأخذته فجعلت أدافع به عن رسول الله، وأقبل رجل على فرس فضربني فاتقيت الضربة بالدرع، وولى هاربًا، فضربت عرقوب فرسه بالسيف فوقع على ظهره، وسمعت النبي يصيح: ((يا ابن أم عمارة، أمك أمك))، فجاء ابني وعاونني عليه حتى قتلته. وينظر النبي إلى جروح أم عمارة فيقول لولدها: ((أمك أمك، اعصب جرحها، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة))، لكنها تقفز للدفاع عن النبي قائلة: والله، ما أبالي ما أصابني من الدنيا، ويقول النبي : ((ما التفت يمينا إلا وأم عمارة تذود عني، وما التفت شمالا إلا وأم عمارة تقاتل دوني)).

وخرجت أم عمارة من معركة أحد بثلاثة عشر جرحًا، أخطرها ضربة سيف في الرقبة، وظلت تنزف وتداويه سنة.

ولم تتوقف أم عمارة عن القتال في سبيل الله، فخرجت مقاتلة في كل الغزوات، ووقع اختيار النبي على ابنها حبيب ليكون أحد رسوليه إلى مسيلمة كذاب بني حنيفة الذي ادعى النبوة، وكان حبيب أصغر ولدي أم عمارة، وسيمًا قوي الإيمان وحبيبًا بالفعل إلى قلب أم عمارة، فلما بلغ الرسالة وأدى الأمانة قتله مسيلمة، فجاءها رسول الله ومعه أبو بكر وعمر يواسونها في مصابها الأليم، وكان جرحها ما زال ينزف، فنذرت أن تشهد قتل مسيلمة وتشارك فيه، إلى أن كانت حروب الردة ومعركة اليمامة، ولم يجد الصديق رضي الله عنه بدًا من موافقة أم عمارة على الوفاء بنذرها والإذن لها بالخروج مع الجيش للقتال، وكانت رضي الله عنها قد كبرت في السن ووهن منها الجسم، فشدت ثوبها على وسطها وراحت تقاتل المرتدين وتبحث عن مسيلمة، وانتصر المسلمون وأصيبت يومئذ بأكثر من اثني عشر جرحًا في مختلف أنحاء جسدها، وقطعت يدها من عند كتفها المصاب، فتركتها وراحت تبحث عن مسيلمة، فنظرت فإذا بالكذاب وقد اخترقت حربةُ وحشي قاتل حمزة جسده، فتقدمت إليه تضرب وتطعن حتى خمدت أنفاسه، عندئذ اطمأن قلبها واستراحت نفسها، ولم يمض سوى زمن يسير حتى أسلمت الروح آمنة مطمئنة لتلقى الحبيب محمدا وصحابته في خلافة عثمان بن عفان رضي  الله عنها.

أيها المسلمون، سبق الفارس الملثَّم جيش المسلمين، وفي شجاعة نادرة اخترق صفوف الروم، وأعمل السيف فيهم، فأربك الجنود، وزعزع الصفوف، وتطايرت الرؤوس، وسقطت الجثث على الأرض، وتناثرت الأشلاء هنا وهناك، وتعالت الصَّرَخات من الأعداء والتكبيرات من جيش المسلمين. ليت شعري! من هذا الفارس؟ وايم اللَّه، إنه لفارس شجاع. كلمات قالها خالد بن الوليد قائد جيش المسلمين في معركة أجنادين عندما لمح الفارس وهو يطيح بسيفه هامات الأعداء، بينما ظن بعض المسلمين أن هذا الفارس لا يكون إلا خالدًا القائد الشجاع، لكن خالدًا قد قرب منهم، فسألوه في تعجب: من هذا الفارس الهُمام؟! فلا يجيبهم، فتزداد حيرة المسلمين وخوفهم على هذا الفارس، ولكن ما لبث أن اقترب من جيش المسلمين وعليه آثار الدماء بعد أن قتل كثيرًا من الأعداء، وجعل الرعب يَدبُّ في صفوفهم، فصاح خالد والمسلمون: لِلَّه درُّك من فارس بذل نفسه في سبيل اللَّه! اكشف لنا عن لثامك، لكن الفارس لم يستجب لطلبهم، وانزوى بعيدًا عن المسلمين، فذهب إليه خالد وخاطبه قائلا: ويحك! لقد شغلتَ قلوب الناس وقلبي لفعلك، من أنت؟ فأجابه بصوت خافت: أنا خولة بنت الأزور، إنني يا أمير لم أُعرِضْ عنك إلا حياءً منك لأنك أمير جليل وأنا من ذوات الخدور وبنات الستور. فلما علم خالد أنها امرأة سألها وقد تعجَّب من صنيعها: وما قصتك؟! فقالت المرأة: علمتُ أن أخي ضرارًا قد وقع أسيرًا في أيدي الأعداء، فركبتُ وفعلتُ ما فعلتُ، قال خالد: سوف نقاتلهم جميعًا ونرجو اللَّه أن نصل إلى أخيكِ فنفكه من الأسر. واشتبك جيش المسلمين مع الأعداء، وقتلوا منهم عددًا كبيرًا، وكان النصر للمسلمين، وسارت تلك الفارسة تبحث عن أخيها، وتسأل المسلمين عنه، فلم تجد ما يشفي صدرها ويريح قلبها، فجلست تبكي على أخيها وتقول: يا ابن أمي ليت شِعْرِي في أية بَيْدَاء طَرَحُوكَ، أم بأي سِنَانٍ طعنوك، أم بالْحُسام قتلوكَ، يا أخي لك الفداء، لو أني أراك أنقذكَ من أيدي الأعداء، ليت شِعْرِي أترى أني لا أراك بعدها أبدًا؟ فما إن سمعها الجيش حتى بكوا وبكى خالد بن الوليد، وما هي إلا لحظات حتى أتى الخبر بالبشرى بأن أخاها ما زال على قيد الحياة، وأن جيش الأعداء قد أرسله إلى ملك الروم مكبَّلا بالأغلال، فأرسل خالدٌ رافعَ بن عميرة في مائة من جيش المسلمين ليلحق بالأعداء ويفك أسْرَ أخيها، فما إن سمعتْ بخروج رافع بن عميرة حتى أسرعتْ إلى خالد تستأذنه للخروج مع المسلمين لفك أسر أخيها، فذهبتْ معهم حيث أعدوا كمينًا في الطريق، وما إن مرَّ الأعداء بالأسير حتى هجموا عليهم هجمة رجل واحد، وما لبثوا أن قضوا عليهم وفكوا أسر أخيها وأخذوا أسلحة العدو وتظهر بسالة تلك المرأة ومدى دفاعها عن الإسلام، ففي موقعة صجورا وقعت هي ونسوة معها في أسر جيش الروم، ولكنها أبت أن تكون عبدة في جيش الروم، فأخذت تحث أخواتها على الفرار من الأسر، فقامت فيهن قائلة: يا بناتَ حِمْيَر وبقية تبع، أترضين لأنفسكن أن يكون أولادكن عبيدًا لأهل الروم؟! فأين شجاعتكن وبراعتكن التي تتحدث بها عنكن أحياء العرب؟! وإني أرى القتل عليكن أهون مما نزل بكُنَّ من خدمة الروم. فألهبت بكلامها حماس النسوة، فأبَيْن إلا القتال والخروج من هذا الذُّل والهوان، وقالت لهن: خذوا أعمدة الخيام، واجعلوها أسلحة لكُن، وكنَّ في حلقة متشابكات الأيدي مترابطات، لعل اللَّه ينصرنا عليهم، فنستريح من معرَّة العرب. فهجمت وهجم معها النسوة على الأعداء، وقاتلن قتال الأبطال حتى استطعن الخروج من معسكر الأعداء، وتخلصن من الأسر.

ولم تنته معارك خَوْلة في بلاد الشام، فقد أُسِرَ أخوها ضرار مرة أخرى في معركة مرج راهط، فاقتحمت الصفوف من أجله، وخاضت مع المسلمين معركة أنطاكية حتى تمَّ النصر فيها للمسلمين، كما اشتركتْ أيضًا في فتح مصر، وغدتْ مفخرة نساء العرب ورجالهم.

وظلتْ السيدة خَوْلة رضي الله عنها على إيمانها وحبها للفداء والتضحية، ودفاعها عن دين الله، ورفْع لواء الإسلام حتى توفاها الله.

تلك هي الفارسة الفدائية خولة بنت الأَزْوَر، صحابية جليلة، أَبْلت بلاء حسنًا في فتوح الشام ومصر، وكانت من أشجع نساء عصرها.

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً