.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

إنا كفيناك المستهزئين

5841

موضوعات عامة

جرائم وحوادث

خالد بن سلمان الضوّي

سكاكا

22/2/1429

جامع الثغيب

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل النبي . 2- حفظ الله تعالى للنبي . 3- عواقب الاستهزاء بالنبي . 4- الرسوم المسيئة. 5- دروس وعبر من الحدث.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد ، وشرَ الأمورِ محدثاتُها، وكلَ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَ ضلالةٍ في النار.

بشرى لنـا معشر الإسلام إنّ لنـا      مـن العنـاية ركنًا غير منهـدمِ

لمـا دعـا الله داعينـا لطـاعتـه      بـأكرمِ الرسل كنـا أكرم الأممِ

اللهم صل على محمد إمامِ المرسلين وقائد الغرِ المحجلين وسيدِ ولد آدم أجمعين، صاحبِ اللواء المعقود والمقامِ المحمود والحوضِ المورود، خليلِ الرحمان وكليمِ المنّان، زكاه الله في عقله فقال: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وزكاه في لسانه فقال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى، وزكاه في علمهِ ومعلّمِهِ فقال: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى، وزكاه في بصره فقال: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، وزكاه في فؤاده فقال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى، وزكاه كلَّه فقال: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظَيمٍ.

كادته الشياطين، وتكالب عليه المشركون، وحدقت به النكبات، فجعل الله له من بين كلِ ذلك فرجًا ومخرجًا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يُحرس حتى نزلت هذه الآية: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، قالت: فأخرج رأسه من القبة فقال: ((انصرفوا فقد عصمني الله)) رواه ابن جرير في تفسيره. وروى أيضًا عن محمد بن كعب القرظي وغيرِه قالوا: كان رسول الله إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرةً ظليلةً، فيقيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال: يا محمد، من يمنعك منّي؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((الله عز وجل))، فرعدت يدُ الأعرابي بأمر الله عز وجل الذي خلقها وأنبت عظمها وكساها لحمًا وأجرى فيها العروق، ردعت يده وسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله فقال: ((من يمنعك منّي؟)) فقال بذلةِ الخائنِ وصغارِ المشرك: كن يا محمدُ خيرَ آخذ، فعرض عليه الرسول الإسلامَ فأبى، ولكن عاهده أن لا يحاربه، فأطلق سراحه، فرجع إلى قومه قائلاً: جئتكم من عند خير الناس. ثم إنه أسلم بعد ذلك كما حكاه الإمام الذهبي.

عنـايةُ الله أغنـت عن مضـاعفةٍ       من الدروع وعن عالٍ من الأُطُمِ

جاءت لدعوته الأشجارُ سـاجدةً        تَمشـي إليه على ساقٍ بلا قدمِ

ظنوا الحمامَ وظنوا العنكبوت على        خير البريـةِ لَم تنسـجْ ولم تحُمِ

معاشر المسلمين، هذه صورة من صور عصمة الله لنبيّه من المشركين.

ومن صور عصمته ـ بل هي أعظمها ـ عصمته من الشياطين، ما جاء عن عبد الرحمن التميمي رضي الله عنه أن رجلاً سأله: كيف صنع الرسول حين كادته الشياطين؟ قال: جاءت الشياطين إلى رسول الله من الأودية، وتحدرت عليه من الجبال، وفيهم شيطان معه شعلة من نار، يريد أن يحرق بها وجه رسول الله ، فهبط جبريل عليه السلام فقال: يا محمد قل، قال: ((ما أقول؟)) قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقًا يطرق بخير يا رحمن، قال: فطفئت نارهم وهزمهم الله. رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.

ومن صور عصمة الله لرسوله حماية جسده الشريف بعد موته، ففي عهد الملك العادل نور الدين بن زنكي رحمه الله في القرن السادس الهجري رأى هذا السلطان الصالح رسول الله في المنام يقول: أنقذني من هذين، ويشير إلى رجلين أشقرين، فاستيقظ فزعًا، ثم خرج من الشام إلى المدينة على رواحلَ خفيفةٍ في عشرين رجلاً ومالٍ كثيرٍ، وحينما وصلها صلى في المسجد النبوي، وأمر بجمع أهل المدينة لتوزيع الصدقات عليهم، فحضروا كلهم، والسلطان يتأملهم ليجد من في الصفة التي رآها في المنام، فقال السلطان: هل بقي أحد؟ فقالوا: لم يبق إلا رجلان مغربيّان صالحان كثيرا الصلاة والصيام، ويكثران الصدقة بحيث سدّا خلةَ أهل المدينة في هذا العام المجدب، فقال: عليّ بهما، فأتي بهما، فرآهما الرجلين اللذين أشار النبي إليهما بقوله: أنقذوني منهما، فقال: من أنتما؟ فقالا: من بلاد المغرب، جئنا حاجين، فاخترنا المجاورة عند رسول الله ، فقال: أين منزلهما؟ فأخبر أنه في رباط بقربِ الحجرة الشريفة، فأمسكهما وحضر إلى منزلهما، فرأى فيه مالاً كثيرًا وختمتين وكتبًا في الرقائق، ولم ير فيه شيئًا غير ذلك، ففتش السلطانُ البيتَ ورفع حصيرًا، فرأى سردابًا محفورًا ينتهي إلى صوبِ الحجرةِ الشريفةِ، فارتاعت الناسُ لذلك، وقال السلطان: ما هذا؟ وضربهما ضربًا شديدًا، فاعترفا بأنهما نصرانيان، جاءا بدفعٍ من بعضِ ملوكِ النصارى بغرض سرقةِ جسدِ النبي ، فأمر بهما فضُربت أعناقُهما تحت الشباكِ بجوارِ الحجرةِ الشريفةِ، ثم أمر السلطان بإحضارِ رصاصٍ كثيرٍ، وحَفَرَ خندقًا عميقًا إلى الماء حولَ الحجرة النبوية كلِّها، وأذيب ذلك الرصاصُ وملئ به الخندقُ، فصار حول الحجرةِ سورًا رصاصيًا إلى الماء. ذكر هذه القصة السمهودي في وفاء الوفا والمراغي في نصيحة أولي الألباب والمطري في تاريخه.

معاشر المسلمين، ومن عصمة الله لنبيه كفايتُه أمرَ المستهزئين، قال الله تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. روى ابنُ جرير بسنده عن عامر أن المستهزئين بالرسول كلّهم من قريش، العاص بنُ وائل فكُفي بأن أصابه صداع في رأسه فسال دماغه حتى مات، والحارث بنُ عيطلة كُفي بصَفَرٍ في بطنه وهو داء أو دود يصيب البطن حتى هلك، وابنُ الأسود فكُفي بالجدري، والوليد بنُ المغيرة وكفي بأن رجلاً ذهب يصلح سهمًا له فوقعت شظية فوطئ عليها فلم يزل مريضًا حتى هلك، وعبدُ يغوثَ كفي بالعمى.

قال العلامةُ السعديُّ رحمه الله: "فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قِتلة". وقال الله تعالى: إنَّ شانِئَكَ هو الأبْتَرُ، قال السعديُّ رحمه الله: "أي: مبغضُكَ وذامُّكَ ومنتقِصُكَ هُوَ الأبْتَرُ أي: المقطوعُ من كل خيرٍ، مقطوعُ العملِ، مقطوعُ الذكرِ". وقال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّةَ رحمه الله: "فلا يوجد من شنأَ رسول الله إلا بتره الله".

وقد حكى الشيخُ أحمد شاكر رحمه الله أن خطيبًا فصيحًا مفوَّهًا أراد أن يثني على أحد كبارِ المسؤولين لأنه احتفى بطه حسين وكان أعمى، فلم يجد من مدحٍ لهذا المسؤول إلا التعريضَ برسول الله في قصته مع ابنِ أمِ مكتوم، فقال هذا الخطيبُ مادحًا ذلك المسؤولَ: "جاءه الأعمى فما عبسَ وما تولّى". قال الشيخ أحمد شاكر: ولكن الله لم يدع لهذا المجرمِ جرمَه في الدنيا قبلَ أن يجزيَه في الأخرى، فأُقسمُ بالله لقد رأيته بعيني رأسي بعد بضعِ سنينَ وبعد أن كان عاليًا منتفخًا مستعزًّا بمن لاذ به من العظماء والكبراء، رأيتُه خادمًا على بابِ مسجدٍ من مساجدِ القاهرةِ يتلقّى نِعالَ المصلينَ يحفظُها في ذلةٍ وصغار.

عباد الله، وفي هذه الأيام تتحدى إحدى دولِ الغربِ النصرانيةِ مشاعرَ المسلمينَ ضاربةً بكل مبادئ الحضارة التي يتغنون بها والتسامحِ والأعرافِ الإنسانيةِ عرضَ الحائطِ، عندما حاولت استفزازَ المسلمين برسومٍ كاريكاتيريةٍ لرسول البشريةِ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:

كناطحٍ صخرةً يومًا ليوهنها     فلم يَضِرْهَا وأوهى قرنَه الوعلُ

ومن الطبيعيِّ أن تظلَّ هذه الدولة كغيرِها من دولِ الغربِ الصليبيّ الحاقدِ عدوةً لكلِّ ما يمتُّ للإسلامِ بصلةٍ، لا لشيء إلا لأن بعض أبناء شعبها بدؤوا يفكرون جديًا بالتخلي عن نصرانيتهم واعتناق الإسلام كغيرهم من شعوب العالم، فهي تريد بخبثٍ ثني شعبها عن اختيار الدين الحق عبر حركة تشويه متعمد لشخص الرسول .

والعجيب أنه كلما كثر الطعن فيه كثُرَ الإقبالُ على دينه ورغبةُ الناسِ في معرفة هديه وسيرته ، والطريف أن الأخبار جاءت بأن فنادقَ الدانمرك باتت ترفضُ استقبالَ الرسّام المجرم المعتدي على سيد الأنامِ؛ لأنه بات خطرًا على بقيةِ النزلاءِ، حتى بات يتمنى كوخًا آمنًا يؤويه بين الجبال، ناهيك عن الخوف والهلع اللذين يتقلب على جمرهما، ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ربِ العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على النبي الأمين.

أما بعد: فمع هذه الآياتِ والأحاديثِ والقصصِ لعلنا نقف وقفاتٍ سريعةً نستنبطُ الفوائدَ والدروسِ:

ومن ذلك أن مقامَ النبيِّ وجميعِ الأنبياءِ والمرسلينَ عليهم السلامُ أسمى وأرفعُ من أن تنالَ الرسومُ المسيئةُ منهم، وأنَّ مثلَ هذه الإساءات التي توجهُ ضدَّ الإسلامِ ومقدساتِه لا تزيدُ المسلمين إلا تمسكًا بدينهم ونصرةً ومحبةً لنبيهم، كما تزيدُ عددَ الباحثينَ عن حقيقةِ الإسلامِ ومعرفةِ شخصيةِ الرسولِ .

ومن الفوائد أنه يجب علينا تفقُدُ محبةِ الرسولِ في قلوبنا وقلوبِ أهلينا، فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا يؤمن أحدُكم حتى أكونَ أحبَ إليه من والده وولده والناسِ أجمعين)) رواه مسلم. ومن علامات الحبِ الصادقِ لرسول الله طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر.

يا مدعي حبَّ أحمد لا تخالِفهُ    الخُلْفُ يحرمُ في دنيا المحبينا

ومن علامات حبه اتباع سنته وعدم الاعتراضِ على شريعته أو الاستهانةِ بشيء من سنته، كإعفاء اللحيةِ وتقصيرِ الثيابِ والسواكِ وغيرِ ذلك. ومن علاماتِ حبه كثرةُ الصلاةِ والسلامِ عليه في الصباحِ وفي المساءِ وعند ذكرِهِ.

ومن علامات حبه نصرته، قال الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَّنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَّأَصِيلاً. قال قتادة رحمه الله: وَتُعَزِّرُوهُ أي: تنصروه، وَتُوَقِّرُوهُ أي: تعظموه. النصرةُ بحسب الاستطاعة، وأقلُّ ذلك الغضبُ على تلك الفعلةِ النكراءِ، والدعاءُ على من استهزأ به، ومقاطعةُ البضائعِ الواردةِ من تلك الدولةِ الصليبيةِ الحاقدةِ، كما دعا إلى ذلك سماحة الشيخ صالح اللحيدان وغيرُه من العلماء.

ومن فوائدِ ما سبق تفقُد عقيدةِ الولاءِ والبراءِ في نفوسِنا وأهلينا، تلك العقيدةُ التي كادت أن تذوبَ في قلوبِ كثيرٍ من المسلمين، يحرضهم على ذلك زمرةٌ من المنافقين تسنّموا منابرَ الإعلام، داعين إلى تقارب الأديان والتقاءِ الثقافات واستبدال لفظِ "الكافرِ" بلفظِ "الآخر".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ.

اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ عليٍ، والصحابةِ أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين، من اليهود والنصارى وسائر المشركين والمنافقين، اللهم عليك بمن استهزأ بنبيك ، اللهم اكفناه بما شئت، واجعله عبرةً للمعتبرين، يا رب العالمين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً