أما بعد:
أيها الناس: اتقوا ربكم وحاسبوا أنفسكم ماذا عملتم في شهركم الكريم، فإنه ضيف قارب الزوال وأوشك على الرحيل عنكم والانتقال، وسيكون شاهدا لكم أو عليكم بما أودعتموه من الأعمال، فابتدروا رحمكم الله ما بقي منه بالتوبة والاستغفار والاستكثار من صالح الأقوال والأفعال والابتهال إلى ذي العظمة والجلال لعل ذلك يجبر ما حصل من التفريط والإهمال.
لقد كانت أيام هذا الشهر معمورة بالصيام والذكر والقرآن، ولياليه منيرة بالصلاة والقيام وأحوال المتقين فيه على ما ينبغي ويرام، فمضت تلك الأيام الغرر، وانتهت هذه الليالي الدرر، كأنما هي ساعة من نهار، فنسأل الله أن يخلف علينا ما مضى منها بالبركة فيما بقي وأن يختم لنا شهرنا بالرحمة والمغفرة والعتق من النار والفوز بدار السلام وأن يعيد أمثاله علينا ونحن نتمتع بنعمة الدين والدنيا والأمن والرخاء إنه جواد كريم.
عباد الله، إن ربكم الكريم شرع لكم في ختام هذا الشهر عبادات جليلة يزداد بها إيمانكم وتكمل بها عباداتكم وتتم بها نعمة ربكم.
شرع الله لنا زكاة الفطر والتكبير وصلاة العيد، أما زكاة الفطر فقد فرضها رسول الله صاعا من طعام، ففي صحيح البخاري عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)).
وفي صحيح البخاري أيضا عن أبي سعيد الخدري قال: ((كنا نخرج في عهد رسول الله يوم الفطر صاعا من طعام وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر)).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ((فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)).
فأخرجوا أيها المسلمون زكاة الفطر مخلصين لله ممتثلين لأمر رسول الله ، فقد فرضها رسول الله على جميع المسلمين صغيرهم وكبيرهم حتى من في المهد، أما الحمل في البطن فلا يجب الإخراج عنها إلا تطوعاً إلا أن يولد قبل ليلة العيد فيجب الإخراج عنه.
أخرجوها صاعا عن كل شخص مما تطعمون من البر أو الرز أو التمر أو غيرها من طعام الآدميين، أخرجوها طَيّبة بها نفوسكم، واختاروا الأطيب والأنفع، فإنها صاع واحد في الحول مرة، فلا تبخلوا على أنفسكم بما تستطيعون.
أخرجوها مما فرضه رسول الله من الطعام ولا تخرجوها من الدراهم ولا من الكسوة، فمن أخرجها من ذلك لم تقبل منه، ولو أخرج عن الصاع ألف درهم أو ألف ثوب لم يقبل، لأنه خلاف ما فرضه رسول الله ، وقد قال : ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)). ادفعوها إلى الفقراء خاصة، والأقارب المحتاجون أولى من غيرهم، ولا بأس أن تعطوا الفقير الواحد فطرتين أو أكثر، ولا بأس أن توزعوا الفطرة الواحدة على فقيرين أو أكثر، ولا بأس أن يجمع أهل البيت فطرتهم في إناء واحدة بعد كيلها ويوزعوا منها بعد ذلك بدون كيل .
وإذا أخذ الفقير فطرة من غيره وأراد أن يدفعها عن نفسه أو عن أحد من عائلته فلا بأس لكن لابد أن يكيلها خوفا من أن تكون ناقصة إلا أن يخبره دافعها بأنها كاملة فلا بأس أن يدفعها بدون كيل إذا كان يثق بقوله.
أيها المسلمون: أخرجوا زكاة الفطر يوم العيد قبل الصلاة إن تيسر لكم فإنه أفضل، ولا بأس أن تخرجوها قبل العيد بيوم أو بيومين، ولا يجوز تقديمها على ذلك، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد إلا من عذر مثل أن يأتي خبر ثبوت العيد فجأة ولا يتمكن من إخراجها قبل الصلاة.
ومن دفع زكاة الفطر إلى وكيل الفقير في وقتها برئت ذمته، ومن دفعها إلى وكيله هو ليدفعها للفقير لم تبرأ ذمته حتى يدفعها وكيله في وقتها إلى الفقير أو وكيله، والأفضل إخراج الفطرة في المكان الذي أنتم فيه في وقتها سواء كان بلدكم أو غيره من بلاد المسلمين لا سيما إذا كان مكانا فاضلا كمكة والمدينة، ولا بأس أن توكلوا من يخرجها عنكم في بلدكم إذا سافرتم إلى غيره. هذه زكاة الفطر.
أما التكبير فقد شرع الله لنا التكبير عند إكمال العدة فقال تعالى: وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].
فكبروا الله من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، كبروا الله في المساجد والبيوت والأسواق.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
اجهروا بذلك تعظيما لله وإظهارا للشعائر، إلا النساء فيكبرن سرا.
وأما صلاة العيد فقد أمر بها رسول الله الرجال والنساء حتى العواتق وذوات الخدور اللاتي ليس لهن عادة بالخروج وحتى الحيض يشهدن دعاء الخير ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى، فلا يجلسن في مصلى العيد لأن مصلى العيد مسجد يثبت له جميع أحكام المساجد.
وفي الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها قالت: ((أمرنا رسول الله أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، وفي لفظ المصلى، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين فقلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب قال: لتلبسها أختها من جلبابها)).
فاخرجوا أيها المسلمون إلى صلاة العيد رجالا ونساء صغارا وكبارا تعبدا لله عز وجل وامتثالا لأمر رسول الله وابتغاء للخير ودعوة المسلمين، فكم في ذلك المصلى من خيرات تنزل وجوائز من الرب الكريم تحصل ودعوات طيبات تقبل.
وليخرج الرجال متنظفين متطيبين لابسين أحسن ثيابهم غير أنه لا يجوز لهم لبس الحرير ولا شيء من الذهب فإنهما حرام على الذكور. وليخرج النساء محتشمات غير متطيبات ولا متبرجات بزينة.
والسنة أن يأكل قبل الخروج إلى صلاة العيد تمرات وترا ثلاثا أو خمسا أو أكثر إن أحب يقطعهن على وتر قال أنس بن مالك كان النبي : ((لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا)).
وقد قال الله عز وجل: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلاْخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
وأما الخروج بالتمر إلى مصلى العيد وأكله هناك بعد طلوع الشمس فإنه من البدع وكل بدعة ضلالة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. . .
|