أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأدوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم التي رزقكم الله تعالى فقد أخرجكم الله من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا، ولا تملكون لأنفسكم نفعا ولا ضرا، ثم يسر الله لكم الرزق وأعطاكم ما ليس في حسابكم، فقوموا أيها المسلمون بشكره، وأدوا ما أوجب عليكم لتُِبَّرؤوا ذممكم وتطهروا أموالكم، واحذروا الشح والبخل بما أوجب الله عليكم فإن ذلك هلاككم، ونزع بركة أموالكم.
ألا وإن أعظم ما أوجب الله عليكم في أموالكم الزكاة التي هي ثالث أركان الإسلام وقرينة الصلاة في محكم القرآن، وجاء في منعها والبخل بها الوعيد بالنيران. قال الله عز وجل: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير [آل عمران:180]. وقال تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون [التوبة:34-35].
وقال النبي في تفسير الآية الأولى: ((من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع، وهي الحية الخالي رأسها من الشعر لكثرة سمها، مُثَّل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه، يعني شدقيه، يقول أنا مالك أنا كنزك)) [رواه البخاري].
وقال في تفسير الآية الثانية: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد)) [رواه مسلم]. وحق المال هو الزكاة.
أيها المسلمون: إنه والله لا يحمى على الذهب والفضة في نار كنار الدنيا إنما يحمى عليها في نار أعظم من نار الدنيا كلها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا.
أيها المسلمون: إنه إذا أحمي عليها لا يكوى بها طرف من الجسم متطرف، وإنما يكوى بها الجسم من كل ناحية الجباه من الأمام والجنوب من الجوانب والظهور من الخلف.
أيها المسلمون: إنه إذا كوي به الجسم لا تترك حتى تبرد وتزول حرارتها، ولكنها كلما بردت أعيدت فأحميت.
أيها المسلمون: إن هذا العذاب ليس في يوم ولا في شهر ولا في سنة: ولكن في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
فيا عباد الله يا من آمنوا بالله ورسوله، يا من صدقوا بالقرآن وصدقوا بالسنة، ما قيمة الأموال التي تبخلون بزكاتها، وما فائدتها، إنها تكون نقمة عليكم وثمرتها لغيركم.
إنكم لا تطيقون الصبر على وهج النار، فكيف تصبرون على نار جهنم، فاتقوا الله.
عباد الله وأدوا الزكاة طيبة بها نفوسكم.
أيها المسلمون: إن الزكاة واجبة في الذهب والفضة على أي حال كنا سواء كانت جنيهات أو ريالات أم قطعا من الذهب والفضة أم حليا من الذهب والفضة للبس أو للبيع أو للتأجي،ر فالذهب والفضة جاءت نصوص الكتاب والسنة خاصة في إيجاب الزكاة في الحلي فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن امرأة أتت النبي ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال: ((أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسروك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟)) فخلعتهما فألقتهما إلى النبي وقالت: هما لله ورسوله. قال في بلوغ المرام [رواه الثلاثة وإسناده قوي].
لكن لا تجب الزكاة في الذهب والفضة حتى يبلغا نصابا، فنصاب الذهب وزن أحد عشر جنيها سعوديا وثلاثة أسباع جنيه، فما دون ذلك لا زكاة فيه إلا أن يكون للتجارة.
ونصاب الفضة وزن ستة وخمسين ريالا سعوديا، فما دون ذلك لا زكاة فيه، أما مقدار الزكاة في الذهب والفضة فهو ربع العشر.
وتجب الزكاة أيضا في الأوراق النقدية إذا بلغت ما يساوي ستة وخمسين ريالا سعوديا من الفضة وفيها ربع العشر.
وتجب الزكاة في الديون التي للإنسان وهي الأطلاب التي له على الناس إذا كانت من الذهب أو الفضة أو الأوراق النقدية وبلغت نصابا بنفسها أو بضمها إلى ما عنده من جنسها سواء كانت حالة أو مؤجلة، فيزكيها كل سنة إن كانت على غنى، لكن إن شاء أدى زكاتها قبل قبضها مع ماله، وإن شاء انتظر حتى يقبضها فيزكيها لكل ما مضى.
أما إن كانت الديون على فقير فلا زكاة على من هي له حتى يقبضها فيزكيها سنة واحدة عما مضى لأنها قبل قبضها في حكم المعدوم.
وتجب الزكاة في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصابا بنفسها أو بضمها إلى ما عنده من الدراهم أو العروض وهي كل مال أعده مالكه للبيع تكسبا وانتظارا للربح من عقار وأثاث ومواشي وسيارات ومكائن وأطعمة وأقمشة وغيرها، فتجب عليه الزكاة فيها وهي ربع عشر قيمتها عند تمام الحول، فإذا تم الحول وجب عليه أن يثمن ما عنده من العروض ويخرج ربع عشر قيمتها سواء كانت القيمة مثل الثمن أو أقل أو أكثر، فإذا اشترى سلعة بألف ريال مثلا وكانت عند الحول تساوي ألفين وجب عليه زكاة ألفين، وإن كانت لا تسوي إلا خمسمائة لم يجب عليه إلا زكاة خمسمائة.
ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، فلو تلف المال قبل تمام الحول أو نقص النصاب فلا زكاة فيه، ولو مات المالك قبل تمام الحول فلا زكاة عليه ولا على الورثة، فلو روث الشخص مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول عنده.
ويستثنى من ذلك ربح التجارة ففيه الزكاة إذا تم حول رأس المال، وإن لم يتم الحول على الربح.
ويستثنى من ذلك عروض التجارة فإن حولها حول عوضها إذا كان نقدا أو عروضا، فإذا كان عند الإنسان دراهم يتم حولها في رمضان فاشترى بها في شعبان مثلا شيئا للتكسب والتجارة فإنه يزكيه في رمضان وإن كان لم يمض عليه إلا شهر واحد، ولا يجوز أن يؤجل زكاته إلى شعبان من السنة الثانية. ويستثنى من ذلك الأجرة فإن زكاتها تجب وقت قبضها إذا كان قد مضى على عقد الإجارة حول.
وإذا كان الشخص يملك المال شيئا كالرواتب الشهرية فلا زكاة على شيء منه حتى يحول عليه الحول، وإذا كان يشق عليه ملاحظة ذلك فليزك الجميع في شهر واحد من السنة كل عام فما تم حوله فقد زكي في وقته وما لم يتم حوله فقد عجلت زكاته ولا يضر تعجيل الزكاة وهذا أربح وأسلم من الاضطراب.
وإذا كان للإنسان عقار يسكنه أو سيارة يركبها أو مكينة لفلاحته فلا زكاة عليه في ذلك لقول النبي : ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)).
وإذا كان له عقار يؤجره أو سيارة يكدها في الأجرة أو معدات يؤجرها فلا زكاة عليه فيها وإنما الزكاة فيما يحصل منها من الأجرة.
واعلموا أيها المسلمون أن الزكاة لا تنفع ولا تبرأ منها الذمة حتى توضع في الموضع الذي وضعها الله فيه مثل ذوي الحاجة من الفقراء والمساكين والغارمين الذين عليهم أطلاب لا يستطيعون وفاءها.
فلا تحل الزكاة لغني ولا لقوي مكتسب، وإذا أعطيتها شخصا يغلب على ظنك أنه مستحق فتبين فيما بعد أنه غير مستحق أجزأت عنك والإثم عليه حيث أخذ مالا يستحق، ويجوز أن تدفعه إلى أقاربك الذين لا تنفق عليه إذا كانوا مستحقين لها، ويجوز أن تدفعها لشخص محتاج للزواج إذا لم يكن عند ما يتزوج به، ولا يقضي بالزكاة دين على ميت ولا يسقط بها دين على معسر ولا تصرف عن واجب سواها.
وفقني الله وإياكم لأداء ما يجب علينا من مال وعمل على الوجه الذي يرضاه بدون عجز ولا كسل وزادنا من فضله ما نزداد به قربة إلى ربنا ورفعة في درجاتنا إنه جواد كريم، وصلى الله عليه وعلى نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |