.

اليوم م الموافق ‏22/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

رسالة للقائمين على التعليم

5805

العلم والدعوة والجهاد

التربية والتزكية

هتلان بن علي الهتلان

الظهران

18/10/1429

جامع محمد بن عبد الوهاب

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل أهل الإسلام. 2- فئات المعلمين. 3- المدرس الذي نريده. 4- فضل التعليم والمعلمين. 5- التعليم تربية ودعوة. 6- هدي المصطفى في التعليم. 7- وصايا مهمة للمدرسين. 8- التحذير من خيانة وظيفة التعليم.

الخطبة الأولى

إن أهل الإسلام ـ أيها الإخوة ـ هم معقل الحق ومأزر الإيمان، رسالتهم عالمية، أكرمهم الله بها، وحملهم أمانة المحافظة عليها وتبليغها في كل عصر وفي كل مصر، وبنظرة فاحصة في واقع الأمة في ناشئتها وأبنائها تبين أن الأمة أي أمة إنما تبقى محافظة على كيانها مدركة لمستوياتها ثابتة في موقعها حين يربي صغارها ليكونوا ورثة صالحين للإسلام أمناء على الميراث، يصاغون في قوالب عقائد الأمة ومناهج حياتها، عليها تتربى ومن أجلها تكافح، ومن ثم تنقلها صافية إلى الأجيال المتعاقبة، وإن القائمين على التربية والتعليم والتوجيه في الأمة ليضطلعون بدور ريادي ويؤدون واجبًا عظيمًا في هذا المجال.

وللأسف هناك فئة من العاملين في قطاع التعليم قد امتهن هذه الوظيفة الشريفة وأهانها حين اتخذها وسيلة للثراء والكسب المادي، فهو لا ينظر لهذا العمل إلا من خلال هذه الزاوية المادية. إن وظيفة التعليم أسمى وأعلى من أن تكون وظيفة رسمية أو صيدًا لكسب الرزق، إنها إعداد للأجيال وبناء للأمة، ومن حق كل فرد أن يتطلع لعيشة هنية ويتحصل على مصدر شريف لكسب الرزق، لكن هذه صورة غير تلك التي يمتهن صاحبها التدريس، فلا يختاره إلا لما يدره من مال، فهل يؤتمن من هذه نظرته وغاية تطلعه؟! هل يؤتمن مثله على رعاية الجيل وإعداد النشء؟!

وهناك فئة تشكو دهرها وتندب حظها؛ فإجازاته ليست بيده، والطلاب أحالوا شعره إلى بياض، والآباء يتمون ما عجز عنه أبناؤهم، فالمدرس عند هؤلاء أسوأ الناس حظًا، فأقرانه حاز بعضهم على مراتب عالية، وأسوؤهم حالاً من يستأذن متى أراد ويأتي متى أراد، والشك أن هذا لم يدرك شرف التعليم ولم يرتق لأهلية التوجيه.

وفئة من المدرسين الواحد منهم متبلد الإحساس فاقد الغيرة، يرى أبناء المسلمين يتهافتون على الفساد ويقعون في شباك الرذيلة ولا يحرك الأمر لديه ساكنًا أو يثير عنده حمية، فهذا ليس من شأنه، فشأنه تدريس الفاعل والمفعول أو توضيح المركبات وقوانينها أو حل المعادلات الرياضية، بل قد يتبوأ تدريس العلم الشرعي والتربية الإسلامية ومع ذلك فواقع الشباب لا يعنيه بقليل ولا كثير! ولست أدري أي عقلية تحكم هذا النوع من الناس؟! ولا أعلم من أيهما أعجب: من واقع الشباب أم من سلبية هذا الصنف من المدرسين.

فما هو المدرس الذي نريده؟ لسنا نريد ذاك الذي رمى الدنيا وراء ظهره وطلقها ثلاثًا فلم يعبأ بها، أو ذاك الذي لا يفارق محرابه، أو الذي لا تند منه شاردة ولا واردة، إنها صور ساحقة ولا شك، لكنها ليست لكل الناس.

فنحن نريد المدرس البشر الذي يتطلع كغيره لتحصيل مورد لرزقه، ويرى أن من حقه كغيره أن يتمتع بمزايا إدارية ووظيفية، لكن كل تطلعاته تلك لم ترق إلى أن تكون الهدف الأول والأساس والمقياس الأوحد والحامل الأهم في اتخاذ قراره بسلوك طريق التعليم، فقد اختار هذا الطريق ليخدم الأمة من خلاله ويعد الجيل ويربي النشء، إنه يحترق على واقع الشباب، ويعدهم أبناءه، ويعتبر إصلاحهم من أولويات وظيفته، وتربيتهم من مسؤوليته، وهو مع ذلك سيحصل ما يحصله غيره من مزايا مادية ويعيش عيشة مستقرة هنيئة.

أيها الإخوة في الله، حين يموت الإنسان ويفضي إلى ما قدم ينقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له، والمدرس يجمع بين الثلاث كلها كما بين ذلك الحافظ بدر الدين بن جماعة.

والمدرس هو اللبنة الأولى في كل شيء، فهل رأيت العالم الداعية الذي يجعل الهم دينه وتلف حوله الجماهير ويثني الناس ركبهم لديه، أم أبصرت القاضي الذي يحكم في دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، أم قابلت الجندي الذي يقف في الميدان حاميًا لعرين الأمة وحارسًا لنفوذها، ولا بد أنك قابلت الطبيب الذي يفزع إليه الصغير والكبير والذكر والأنثى والوزير والمسؤول والموظف، كل أولئك إنما جازوا من قنطرة التعليم وعبروا بوابة الدراسة، وقد كان ولا شك معلمون وأساتذة، ولم يعدموا مدرسًا ناصحًا وأستاذا صادقًا. فهو أنت أيها المدرس، تدرس الصغير والكبير، وتعدّ الجميع وتهيئهم ليصل بعضهم إلى ما لم تصل إليه، لكنك صاحب اللبنة الأولى وحجر الأساس.

أرأيت ـ أخي ـ حجم مسؤوليتك، وأدركت موقفك من المجتمع، وعلمت مكانك بين الناس؟ فذاك الرجل الطاعن في السن وتلك المرأة الضعيفة قد علقوا آمالهم بعد الله عليك في استنقاذ ابنهم وحمايته، والصالحون والغيورون يعدونك من أكبر آمالهم في استنقاذ المجتمع.

وما أغناك ـ أخي المدرس ـ عن أن أحدثك عن الواقع المرير لأمتنا أو عن التآمر على شباب المسلمين، أنسيت ما فعل وثلوب وأذنابه؟! أنسيت ما بذل جيل المسخ ليحول بينك وبين كلمة الحق الصادقة إلى القلوب المتعطشة؟! ألست داعيًا؟! ألم يقل الرسول : ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))؟! ألست ترى المنكر؟! ألم تسمع قوله : ((من رأى منكم منكرا فليغيره...))؟! وهل وصل بك الأمر إلى أن لا تطيق أن تحمل همّ الإصلاح والتربية مع أن الإدارة التي تتبعها اسمها: "إدارة التربية والتعليم"؟! فالتربية والتوجيه والإرشاد أولاً والتعليم ثانيًا.

وعند الترمذي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها ليصلون على معلم الناس الخير))، أي منزلة يبلغها المدرس أن يصلي عليه الله سبحانه وملائكته الكرام الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. وفي صحيح مسلم يقول : ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا))، والمدرس ولا شك له نصيب من هذه الفضائل، فهو ممن يدعو إلى الهدى ويسن السنة الحسنة.

معاشر المدرسين، ما أحوجنا جميعًا إلى معرفة هديه في التعليم، وقد وصفه معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قائلاً: فبأبي وأمي رسول الله، ما رأيت معلمًا أحن تعليمًا وتأديبًا منه. بل وهل يظن مسلم أن يوجد أسمى وأعلى وأشرف منه معلمًا ومربيًا؟! بل وهل يظن ظان أنه سيرد مشرب التعليم والتربية من غير حوض أو يدخل إلى ساحة البناء من غير باب؟! فما أحوجنا معاشر المعلمين والمربين إلى التماس هديه في التعليم والتأسي به، فإليك بعض معالم هديه في ذلك:

أولاً: ترغيبه أصحابه في العلم: ولا شك أن لذلك أثرا كبيرًا في إيجاد الحماس لدى طلاب العلم للتعلم والاستزادة من ينابيعه، فحين جاء ثلاثة نفر وهو جالس مع أصحابه فجلس أحدهم خلف الحلقة والآخر رأى فرجة فجلس فيها وأما الثالث فأعرض، فقال : ((أما أحدهما فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا من الله فاستحيا منه الله، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه)).

ثانيًا: جمعه بين التربية والتعليم: فقد وصفه الله بذلك فقال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ [الجمعة: 2]؛ ولذا لم يكن يخرج أقوامًا يحفظون المسائل فقط، بل ربى أصحابه تربية علمية وتربية جهادية وقيادية وإدارية، وقبل ذلك تربية إيمانية، فهذا حنظلة رضي الله عنه يحكي عن رسول الله أنه كان يشهد معه مجالس التذكير والعلم فكأنه يرى الجنه والنار.

ثالثًا: عنايته بتعليم المنهج العلمي: فربى علماء ومجتهدين وحملة العلم للبشرية، ولقد ظهر في آثار هذه التربية على صحابته في مواقفهم بعد وفاته من حادثة الردة وجمع القرآن والخراج وغير ذلك. ومن معالم تعليم المنهج العلمي أنه كان يعودهم على معرفة العلة ومناط الحكم وعلى منهج السؤال وآدابه: ((إن الله كره لكم القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)). ولا يقتصر في إجابته على مواضع السؤال، بل يجيب بقاعدة عامة، فلما سئل عن الوضوء بماء البحر قال: ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)). كما كان يربي أصحابه على منهج التلقي: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي))، ويربيهم على منهج التعامل مع النصوص وتعويدهم على الاستنباط.

رابعا: من معالم هديه في التعليم ((بلغوا عني ولو آية)).

خامسًا: يشجع الطالب ويثني عليه: فلما سأله أبو هريرة يومًا: من أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال: ((لقد ظننت أن لا يسأل أحد عن هذا الحديث أول منك لما علمت من حرصك على الحديث)). فنتصور كيف يكون أثر هذا الشعور دافعًا لمزيد من الحرص والاجتهاد.

سادسًا: كما كان يعتني بالسائل ويدرك قدرات تلاميذه وإدراكهم العقلي، ويراعي الفروق الفردية.

سابعًا: التوجيه للتخصيص المناسب، فقد استقرأ عليه السلام زيد بن ثابت فقال له: ((إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا علي أو ينقصوا، فتعلم السريانية))، فتعلمها في سبعة عشر يومًا. والأمة أحوج ما تكون إلى طاقات أبنائها وقدراتهم، فبدلاً من تشتيتها وبعثرتها أليس من حق الطالب على أستاذه أن ينصح له ويوجهه لما يناسبه حين يبدع في فن دون غيره؟!

ثامنًا: الجمع بين التعليم الفردي والجماعي، وشواهد ذلك كثيرة من سيرته.

عاشرًا: التشويق والتنويع في عرض المادة، فأحيانًا يطرح المسألة على أصحابه متسائلاً: ((أتدرون ما الغيبة؟))، ((أتدرون من المفلس؟))، وأحيانا يغير نبرات صوته، وأحيانًا يغير جلسته كما في حديث: ((أكبر الكبائر)) وكان متكئًا فجلس فقال: ((ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور)).

حادي عشر: استغلال المواقف في التعليم.

ثاني عشر: استعمال الوسائل التعليمية، فتارة يشير بيده، وتارة يضرب المثل، وتارة يستعمل الرسم التوضيحي، فقد خط خطًا مستقيمًا وإلى جانبه خطوط وقال: ((هذا الصراط، وهذه السبل))، ورسم مربعا وقال: ((هذا الإنسان))، وأحيانا يحكي قصة واقعية من الأمم السابقة.

ثالث عشر: تأكيد ما يحتاج إلى تأكيد، فقد حلف على مسائل كثيرة تزيد على الثمانية: ((والله لا يؤمن))، ((والذي نفسي بيده)).

رابع عشر: مراجعة العلم والحفظ، فقد أوصى حفاظ القرآن بتعاهده والعناية به فقال: ((تعاهدوا القرآن؛ فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عقلها))، وكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان.

أيها المدرس الفاضل، وهذه وصايا مهمة ينبغي العناية بها:

أولا: الإخلاص لله وحده بأن يستشعر الإخلاص لله وحده ويستحضر النية الصالحة ويتفقد ذلك كل فترة، فالأعمال بالنيات، قال الحافظ ابن جماعة في أدب العالم مع طلبته: "الأول: أن يقصد بتعليمه وتهذيبه وجه الله تعالى ونشر العلم ودوام ظهور الحق وخمول الباطل ودوام خير الأمة بكثرة علمائها واغتنام ثوابهم وتحصيل ثواب من ينتهي إليه علمه". وحين يصلح المدرس نيته ويحسن طويته يتحول عمله إلى عبادة لله وحده، ويكتب له نصبه وجهده وكل ما يلاقيه حسنات عند الله.

ثانيًا: كسب طالب ولو واحد: قال ابن جماعة: "واعلم أن الطالب الصالح الذي يتلقى عنك توجيهاتك أعود على العالم بخير الدنيا والآخرة من أعز الناس عليه وأقرب أهله إليه؛ ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يلقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم ومن بعدهم، ولو لم يكن للعالم إلا طالب واحد ينتفع الناس بعلمه وهديه وإرشاده لكفاه ذلك الطالب عند الله تعالى، فإنه لا يصل شيء من علمه إلى أحد فينتفع به إلا كان له نصيب من الأجر".

ثالثًا: الاعتناء بالمظهر بما لا يخرجه عن حد الاعتدال، وكثيرًا ما يذكر السلف في مؤلفاتهم: "باب: إصلاح المحدث هيئته وأخذه لرواية الحديث زينته"، وغني عن التأكيد القول بأن من تمام حسن المظهر وأولوياته الالتزام بالضوابط الشرعية، فإسبال الثياب أو لبس المخالف منها أو حلق اللحية مما يخل بالمظهر.

رابعًا: حفظ اللسان: فالمنطق واللسان يعد معيارًا من معايير تقويم الشخصية؛ فلذا على المدرس أن يحفظ منطقه ولسانه، فلا يسمع منه الطلاب إلا خيرًا، وحين يعاتب أو يحاسب فلا يليق به أن يتجاوز ويرمي بالكلمات التي لا يبالي بها، وكم تصفع الكلمات الطيبة في نفس الطالب وتؤثر فيه.

خامسًا: أن تكون قدوة صالحة للآخرين: فكم هم الأستاذة الذين يدعون بأعمالهم وسلوكهم ويرى فيهم الطالب القدوة الحسنه؟ فيجدر بك ـ أخي المدرس ـ أن تكون قدوة صالحة لأبنائك في عبادتك وتعاملك وسلوكك، وإن التناقض بين القول والعمل والظاهر والباطن وازدواجية التوجيه وتناقضه كل هذا من أكبر مشاكل الجيل المعاصر، وذلك نبات بذرة خبيثة واحدة، ألا وهي عدم العمل بالعلم.

 

الخطبة الثانية

إن مناهج التربية وطرائق العلوم يجب أن تكون عائدة إلى الإيمان قاصدة إصلاح الأنفس وتهذيب الأخلاق. إن مظاهر القوة المادية وحدها لا تعني شيئًا إذا تداخلت في العقول الثقافات المتناقضة والعلوم المتنافرة، فتفرقت بطلابها السبل وتنازعتها التيارات والأهواء. ليس مقياس النجاح مجرد معرفة القراءة والكتابة، وليس دليل التفوق كثرة دور العلم وأفواج الخريجين.

أيها المسلمون، لا فائدة في علم لم يكس بخلق، ولا جدوى من تربية لا تثمر عملاً صالحًا، ولا خير في معارف تورث بلبلات فكرية، ولا نفع في ثقافات تشكك في الصحيح من المعتقدات وتستخف بالدين ومستوثقات التاريخ. ومن هنا كان لازمًا على القائمين على التربية والتعليم ـ وهم يشرفون على أجيال الأمة ويقومون بالعملية التعليمية التربوية ـ أن يوجهوا الجيل وجهة حسنه وينشئوه النشأة الصالحة، مستلمين العقائد والمرتكزات والثوابت من ديننا الحنيف، ومستهدين بأخلاق وسيرة سيد المرسلين. ولا شك أن الكلمة مهما كانت لها وقعها وأهميتها في توجيه أفكار الطلبة وتصوراتهم واهتمامهم كما أن التلقي فرع عن المحبة.

فاحرص ـ أيها المدرس ـ على تربية النشء واستصلاحه؛ ولهذا يقول المربي محمد قطب: "والضمان لذلك هو الحب، فما لم يشعر المتلقي أن مربيه يحبه ويحب له الخير فلن يقبل على التلقي منه ولو أيقن أن عنده الخير كله، بل لو أيقن أنه لن يجد الخير إلا عنده، وأي خير يمكن أن يتم بغير حب؟!".

ولا ننسى أن الاقتصاد في الموعظة وعدم الإكثار من بيان الأخطاء أمر له أهميته في قبول الوعظ والتوجيه، والواقعية وخطاب الناس بما يطيقونه بالتنزل للطلبة كثيرًا والذين يحتاجون للحديث عن أضرار المعاصي وعن الخوف من الله تعالى ومراقبته والمحافظة على الصلاة مع الجماعة ولتنويع أساليب الخطاب والموعظة الأثر البالغ في استجابة الطلبة.

وهكذا التضحية الخاصة والخلق الحسن وتوقير الطالب وتقديره والثناء عليه حين يحسن والعدل بين الطلاب وعدم الجفاء حين يقع الطالب في خطأ وعدم المبالغة في العتاب والمؤاخذة والاعتدال في ذلك والاهتمام بالطالب وعدم الوقوع في مواضع التهم وضبط النفس وعدم سرعة الانفعال ولغة التهديد والحذر من السخرية من الطالب واحتقاره وعدم التركيز على النقد، كل ذلك آداب ووصايا يجب على المعلم الأخذ بها لينجح في عمليته التربوية والتعليمية.

أيها الإخوة في الله، إن المدارس ودور التعليم في كافة مستوياتها هي محاضن الجيل، وهي الحصن الحصين، تكمن فيها حماية الأمة والحفاظ على أصالتها وبقائها ونقائها. إن هذه الدور تحتوي أثمن ما تملكه الأمة، تحتضن الثروة البشرية ورجال الغد وجيل المستقبل، ثروة تتضاءل أمامها كنوز الأرض جميعها.

وشر ما يقع على هذه المعاقل والحصون أن تؤتى من قبل من وكل إليهم رعايتها وصيانتها، وتكون الخيانة العظمى حين يفتحون الأبواب الخلفية وغير الخلفية ليتسلل المتلصصون ليلاً ونهارًا في غفلة من الحماة الصادقين، فتقع الواقعة وتحل الكارثة.

فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله يا رجال التربية، واعلموا أنه إذا حفظت العقول والأخلاق وأحيطت بسياج الدين المتين وربطت برباط العقيدة الوثيق فلسوف تصح المناهج وينقح التعليم وتثبت الأصالة وينقح السبيل وترتفع الراية ويحصل التمكين.

فاتقوا الله وعوا مسؤولياتكم، فإن صلاح الأمة في صلاح أعمالها، وصلاح أعمالها في صحة علومها، والتربية الصحيحة الجارية على السنن المستقيمة تنتج رجالاً أنقياء أوفياء ذوي نصح وإخاء، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف: 21].

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً