أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون، لقد احتلَّ اليهودُ المسجدَ الأقصى عام ألف وثلاثمائة وسبعة وثمانين هجرية، وعاثوا به إفسادًا وفيه فسادًا وبأهله عذابًا وتنكيلاً. والمسجد الأقصى هو الذي يقع في الشام أو ما يسمّى الآن بأرض فلسطين، هو المسجد الذي أُسْرِيَ إليه برسول الله محمد بن عبد الله من المسجد الحرام في مكة المكرمة، وعُرِجَ به من هناك إلى السماوات الْعُلَى جسدًا وروحًا عليه الصلاة والسلام، وأُنْزِلَ في ذلك قرآنٌ يُتْلَى إلى يوم القيامة، وفيه الربطُ الواضحُ بين المسجدَيْنِ القديمَيْنِ والإشارة إلى المسجد الجديد الثالث ضمنًا في هذه الآية الكريمة التي وصفت مسجد بيت المقدس بالأقصى أي: الأَبْعَد عن المسجد الحرام، أي: أن مسجدًا أقرب إليه سوف يكون في مستقبل الأيّام، أي: بعد هجرته عليه الصلاة والسلام، وكان فعلاً ذلك المسجد الأقرب للمسجد الحرام وهو مسجده عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة بعد استقراره في المدينة وإلى أن تقوم الساعة بإذن الله، حيث كان الإسراء والمعراج وفرضية الصلاة في تلك الليلة وهو في مكة قبل أن يهاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، قال تعالى: سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأقْصَى ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـٰتِنَا إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ [الإسراء: 1].
وحقًا، فإن الأرضَ المجاورةَ للمسجد الأقصى أرضَ الشامِ أرضٌ مباركةٌ، فهي أرض خير وبركة، وفيها حول المسجد الأقصى بُعِثَ أكثرُ الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن أجلها تَأَصَّلَتْ عداوةُ اليهود للمسلمين وغيرهم، وفيها سوف تكون نهايتهم، وعندها تكون الملحمة العظمى ومناصرة اليهود للدجال ونهايته وبنزول عيسى عليه السلام وعلى يده، وبعدها بسنواتٍ اللهُ أعلمُ بها تقوم الساعة بإذن الله عز وجل.
فالمسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع في الأرض لعبادة الله وتوحيده؛ لأن الكعبةَ بُنِيَتْ قبله بأربعين سنة، ففي الصحيحين من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ مسجد وُضِعَ في الأرض أَوَّل؟ قال: ((المسجد الحرام)) قلت: ثم أي؟ قال: ((المسجد الأقصى))، قلت: كم بينهما؟ قال: ((أربعون سنة)). وهو أحد المساجد الثلاثة التي يجوز للمسلم أنْ يَشُدَّ الرِّحَالَ إليها لطاعة الله وطلب المزيد من فضله وكرمه ومضاعفة الأجر والثواب، وما عدا هذه الثلاثة المساجد لا يجوز شد الرَّحْل إليها للصلاة والاعتكاف، قال رسول الله : ((لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا)) أيْ: مسجد الرسول في المدينة النبوية. وقال في فضل الصلاة في هذه المساجد عن غيرها: ((الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة مما سواه، وصلاة في مسجدي هذا بألف صلاة، وصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة)). والأحاديث قد وردت بروايات متعددة كان هذا مفادها.
وبالمناسبة لا ينبغي للمسلم أن يطلق هذه العبارة التي درجت على ألسنة كثير من المسلمين حول المسجد الأقصى حيث يقولون عنه: ثالث الحرمين الشريفين! فالمسجد الأقصى هو ثاني المساجد الثلاثة من حيث الأقدمية، وثالثها من حيث أفضلية الصلاة، وأولى القبلتين، وليس بثالث الحرمين الشريفين، حيث لا يوجد له حرم حوله من الأرض يَحْرُمُ فيه حمْل السلاح والقتال وتنْفير الصيد وعضْد الشجر واخْتلاء الخلاء والْتقاط اللقطة وغير ذلك مما هو خاص بحرم مكة الذي حرمه الله سبحانه وتعالى منذ عهد أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأما حرم المدينة ما بين لابَتَيْهَا فَحَرَّمَهُ رسولُ الله ، ولا يتسع المقام للتوسع أكثر من هذا، فالمسجد الأقصى ليس له حرم حوله كما هو الحال لمكة والمدينة، ولكنه أول قبلة حيث صلّى رسول الله إلى بيت المقدس وهو في مكة، حيث كان يصلي بين الركنين حتى تكون الكعبة بين يديه لكي يتسنى له الجمع بينهما، ولكنه تعذر عليه الجمع بعد ذلك عندما هاجر إلى المدينة حيث كان يصلي إلى بيت المقدس بِضْعَةَ عشر شهرًا أي: ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، ثم أُمِرَ بالتوجه إلى الكعبة المشرفة.
والآيات العشر في سورة البقرة توضح بجلاء ذلك الموقف الذي تعرض له رسول الله من اليهود في المدينة ومن المشركين أيضًا، وقبلها آيات كثيرة تبين وتكشف موقف اليهود وطباعهم في القديم والحديث وأخلاقهم وما جُبِلُوا عليه، قال تعالى: سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَاء مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّـٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لّلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَآء إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَاء فَلَنُوَلّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ بِكُلّ ءايَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ [البقرة: 142-145]. وبعدها بآيتين نزل قول الله تعالى: وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيهَا [البقرة: 148]. وفي بداية الآيتين التي تليها النصّ نفسه يُكَرَّرُ مرتين: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ [البقرة: 149، 150].
ولا أستطرد في هذا لأن البيان والتوضيح يحتاج إلى خطب متعددة، وأعود لأقول بأن المسجد الأقصى أُولَى القبلتيْن وثالثُ المسجدَيْن من حيث أفضلية الصلاة، والثاني في البناء، وإليه أُسْرِيَ بالرسول محمد ، ومنه عرج به إلى السماء حيث وصل إلى السماوات العلى إلى سدرة المنتهى، وفرضت عليه الصلوات الخمس التي يؤديها المسلمون كل يوم وليلة، والتي راجع فيها ربَّنا عز وجل حتى وصلت إلى هذا العدد بعد أن كانت خمسين صلاة، فبقيت خمسين في الميزان من حيث الأجر والثواب، وخمسًا في الأداء والأفعال، ثم عاد بقدرة الله تبارك وتعالى من السماء إلى المسجد الأقصى بيت المقدس ثم إلى مكة في نفس الليلة عليه الصلاة والسلام.
وكما تمت الإشارة إليه بأن الأقصى هو الذي يقع في الأرض المباركة مقر أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام وإسحاق ويعقوب، إلى أن خرج منها يعقوب وبنوه إلى يوسف في أرض مصر، فبقوا هناك حتى صاروا أمة بجانب الأقباط الذين ساموهم سوء العذاب، حتى خرج بهم موسى عليه الصلاة والسلام فرارًا منهم. وقد ذكّر اللهُ جل جلاله بني إسرائيل بهذه النعمة الكبيرة، وذكّرهم موسى بتلك النعمة وبغيرها من النعم حيث جعل فيهم أنبياء وجعل منهم ملوكًا وآتاهم ما لم يؤتِ أحدًا من العالمين في زمنهم ذلك وليس في جميع الأزمان كما يظنه من يقرأ النص القرآني ويأخذه على ظاهره ويستدلون هم به ويعلنون أنهم الأمة المختارة المفضلة على جميع الأمم، لذلك أمرهم موسى عليه الصلاة والسلام بجهاد الجبابرة الذين استولوا على الأرض المقدسة، لكنهم تخلوا عن الجهاد، وقد ذكر الله عنهم ذلك في القرآن الكريم حيث قال عز وجل: قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دٰخِلُونَ [المائدة: 22]، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة: 24-26].
وهكذا اليهودُ جُبَنَاءُ في كل زمان ومكان، فبسبب إعراضهم ونُكُولِهِمْ عن الجهاد حرم الله عليهم الأرض المقدسة وتَاهُوا في الأرض ما بين الشام ومصر أربعين سنة لا يهتدون سبيلاً، حتى مات أكثرهم أو كلهم إلا من وُلِدَ في التِّيهِ، ومات هارون وموسى عليهما السلام، وخَلَفَهُمَا يوشع فيمن بقي من بني إسرائيل من النَّشْءِ الجديدِ، وفتح الله عليهم الأرض المقدسة وبقوا فيها حتى آل الأمر إلى داود وسليمان عليهما السلام، فَجَدَّدَا بناءَ بيتِ المقدسِ، وقد كان يعقوب قد بناه قبل ذلك، فلما عَتَا بَنُو إسرائيل عن أمر ربهم وعصوا رسله سلط الله عليهم ملكًا من الفرس يقال له: بختنصَّر، فدمَّر بلادَهم وبدَّدَهم قتلاً وأسرًا وتشريدًا وخرب بيت المقدس للمرة الأولى، واقتضت حكمة الله عز وجل بعد انتقامه من بني إسرائيل أن يعودوا إلى الأرض المقدسة وينشؤوا نشأة جديدة، وأمدّهم بأموال وبنين وجعلهم أكثر نفيرًا، فنسوا ما جرى عليهم وكفروا بالله ورسله كما قال تعالى عنهم: لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ [المائدة: 70]، فسلط الله عليهم بعض ملوك الفرس والروم مرة ثانية واحتلوا بلادهم وأذاقوهم العذاب وخربوا بيت المقدس بسبب المعاصي وكفرهم بالله عز وجل وبرسله، قال تعالى: وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ فِى ٱلْكِتَـٰبِ لَتُفْسِدُنَّ فِى ٱلأرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَآء وَعْدُ أُولَـٰهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلَـٰلَ ٱلدّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَـٰكُم بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَـٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لاِنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا [الإسراء: 4-7].
ثم بقي المسجد الأقصى بيد النصارى من الروم من قبل بعثة النبي محمد بنحو ثلاثمائة سنة، حتى أنقذه الله منهم بالفتح الإسلامي على يد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السنة الخامسة عشرة من الهجرة، وبقي في أيدي المسلمين حتى استولى عليه النصارى أيام الحروب الصليبية في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة من الهجرة، وبقي نحو تسعين سنة في أيدي النصارى حتى أنقذه الله من بين أيديهم على يد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله في سنة خمسمائة وثلاث وثمانين من الهجرة، وعاد إلى النصارى نحو ست وعشرين سنة، ثم بقي في أيدي المسلمين من عام اثنين وأربعين وستمائة من الهجرة إلى سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية الشريفة، حيث احتله اليهودُ أعداءُ الله ورسوله بمساعدة أوليائهم من النصارى الصليبيين المناصرين بعضهم لبعض.
ولا يزال باقيًا تحت احتلال اليهود إلى أن يشاء الله تعالى، ونسأل الله تعالى أنْ يُهَيِّئَ له من يعيده إلى المسلمين ليصلي فيه المسلمون ويطهروه من رجس الصهاينة اليهود وغيرهم من أعداء الإسلام والمسلمين، وإذا أراد المسلمون أن يعود إليهم فعليهم أن يكون هدفهم الأول والأخير إعلاء كلمة الله، وعندها سوف يكون النصر حليفهم بإذن الله تعالى، وهذا وعد من الله تعالى لن يتخلف إذا هم تمسكوا بدين الله ظاهرًا وباطنًا قولاً وعملاً واعتقادًا، ثم أخذوا بإعداد القوة المعنوية والحسية، فسوف ينتصرون إن شاء الله تعالى، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: 7]، فَنَصْرُ اللهِ سبحانه لن يتحقق إلا إذا نصر المؤمنون دين الله وأقاموه في أنفسهم وبلادهم عقيدة وقولاً وعملاً وسلوكًا ونظامًا وشريعة لمنهج حياتهم في كل الأمور، يخضعون له، ويطبقونه، ويرضونه، ولا يجدون أدنى حرج في تحكيمه، ولا يجدون غضاضة في ذلك كله، بل يعتزون به لأنه دين الله الذي لا يرضى الله من أحد دينًا سواه بعد بعثة محمد إلى أن تقوم الساعة، قال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ [آل عمران: 85]، وقال تعالى: فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء: 65]، وقال تعالى: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ [المائدة: 51]، وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [البقرة: 120].
|