أما بعد: فعلينا أن نتقي الله تعالى ونكون مع الصادقين الذين صدقوا الله؛ حيث صدقوا في النية وصدقوا في القول وفي العمل، علينا أن نحقق هذا الصدق بالقيام بما أوجب الله علينا من نُصْرة دينه وتقديمه على هوى النفس وشهواتها، فالجهاد جهادان: جهاد النفس، وجهاد العدو، ومرتبة جهاد النفس قبل جهاد العدو.
فيا أمة محمد ، إن دين الإسلام هو الدين الذي جمع بين العزيمة والقوة والشهامة والكرامة والغيرة، جمع بين خَيْرَيِ الدنيا والآخرة. إن دين الإسلام له أعداء يتربصون به الدوائر، ويتحينون الفرص، فيغزونه من كل وجه، يغزونه من ناحية العقيدة والفكر، فيغيّرون العقيدة الصحيحة والأفكار القويمة إلى عقائد فاسدة وأفكار عوجاء، ويغزونه من ناحية الأخلاق، فيفتحون لأبنائه كلّ باب يغير الأخلاق الفاضلة والمثل العليا، ويغزونه من الناحية العسكرية لِيُوهِنُوا أبناءَه ويُشرِّدُوهم ويُمزِّقُوهم شرَّ مُمَزَّقٍ.
والعداوة للمسلمين من اليهود والذين أشركوا والنصارى والملحدين وجميع ملل ونحل الشرك والكفر، ولكن العداوة الشديدة والكره والبغض للمسلمين تكون من اليهود والذين أشركوا أكثر من غيرهم، قال تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ [المائدة : 82]. مع أن النصارى عامة أقرب وأكثر موالاة لليهود لأسباب هم يعلمونها في القديم والحديث، فَفَرْقٌ بَيْنَ الْقِسِّيسِين والرُّهْبَان الذين يؤمنون برسالة رسولنا محمّد وبين أولئك الْمُعَادِينَ من عموم النصارى.
وجاء التحذير للمؤمنين في آيات تتلى إلى يوم القيامة بعدم اتخاذهم أولياء، فالفرق بين الموالاة والمحبة وبين التعامل معهم ومعاملة عامتهم بالتي هي أحسن والعدل معهم وبِرّهم والإحسان إليهم الفرق واضح، مع أن المنافقين يسارعون إليهم وإلى مودتهم وموالاتهم، ويأتي الكلام عن هذا في حينه إن شاء الله تعالى، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51]. وفي المقابل نرى هذا التوجيه الإلهي الكريم حول التعامل معهم، قال تعالى: لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [الممتحنة: 8، 9].
لقد واجه اليهود الإسلام بالعداء منذ اللحظة الأولى التي قامت فيها دولة الإسلام بالمدينة النبوية، وكَادُوا للأمة المسلمة منذ اليوم الأول الذي أصبحت فيه أمة، وقد تضمن القرآن الكريم من التقريرات والإشارات عن هذا العداء وذلك الكيد ما يكفي وحده لتصوير تلك الحرب المريرة التي شَنَّهَا اليهودُ على الإسلام وعلى رسول الله محمد وسوء أدبهم معه حتى في الألفاظ والمخاطبة الملتوية التي فيها التَّوْرِيَةُ، وكذلك على المسلمين في تاريخهم الطويل والتي لم تَخْبُ لحظةً قرابة أربعة عشر قرنًا وما تزال حتى اللحظة يَسْتِعِرُ أوَارُهَا في أرجاء الأرض جميعًا.
أولئك اليهود الذين وصفوا الله سبحانه وتعالى بالنقص، تعالى الله عن ذلك وعما يقول الظالمون عُلُوًّا كبيرًا، قالوا لعنهم الله: يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة: 64] أي: يبخل لا ينفق، فقال الله عز وجل ردًا عليهم: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ طُغْيَـٰنًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَادًا وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ [المائدة: 64]. فَغَلَّ اللهُ أيديَهم معنويًا بحيث كانوا أبخل الناس وأحرصهم على الحياة، لا يبذلون الأموال إلا إذا كانوا يرجون من ورائها أكثر مما بذلوا.
أولئك اليهود الذين نقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران: 187]، وقال عز وجل: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ءايَـٰتٍ بَيِّنَـٰتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ ٱلْفَـٰسِقُونَ أَوَكُلَّمَا عَـٰهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [البقرة: 99-101].
ولقد استخدم اليهودُ المكرَ والخداعَ في فجر الإسلام، ولا زالوا ولن يزالوا على مكرهم حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام قبل قيام الساعة، فيختفي اليهودُ خَلْفَ الحجرِ والشجرِ، فينطق الحجرُ والشجرُ إلا شجرةَ الْغَرْقَد يقول: يا مسلم، تَعَالَ فإنّ ورائي يهوديًا فَاقْتُلْهُ.
لقد استخدم اليهود كلّ الأسلحة والوسائل التي تَفَتَّقَتْ عنها عبقريةُ المكر اليهودية.
أولئك اليهود الذين قتلوا أنبياء الله بغير حقّ، وسعوا في الأرض فسادًا، والله لا يحب المفسدين، قال تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [آل عمران: 112]، وقال تعالى: كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ [المائدة: 70].
وكما قتلوا الأنبياء وغَدَرُوا بهم فإنهم ينقضون العهد والميثاق، ولا يهمهم ذلك، فهو أبسط عندهم وأسهل من أيّ شيء في حسابات الآخرين، ويعتبر ذلك شيئًا عاديًا لديهم، وإن كانت أي دولة أو أمة أو جماعة التزمت معهم بذلك فإنّ اليهود بعد ساعات ينقضون كل المواثيق والاتفاقيات مهما كانت، ولا أَدَلَّ على هذه الطباع اللئيمة فيهم مما يشاهده ويلمسه العالم في هذا العصر ويعلمونه ويعيشونه واقعًا مشاهدًا وملموسًا أمام أعينهم مع تلك العصابة اللئيمة التي لا ترقب في مؤمن إِلاً ولا ذِمَّةً، قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 13].
وقد نقضوا الميثاق مع الله جل جلاله، فكيف بالبشر؟! قال عز وجل عنهم: وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمْ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمْ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 154، 155].
والقرآن الكريم مَلِيءٌ بأخبارهم، وفيه من قصصهم الشيء الكثير، وأكثر ما يختلفون فيه موجود لدينا في القرآن الكريم وفي سيرة رسول الله معهم، وما كان من أمرهم في المدينة النبوية وما جاورها، قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل: 76].
أولئك اليهود الذين غدروا بخاتم النبيين محمد ونقضوا عهده، فإنه لما هاجر إلى المدينة قدمها وفيها ثلاث قبائل من اليهود، فعقد معهم العهد أن لا يخونوا ولا يؤذوا، ولكن أَبَى طَبْعُهُمُ اللئيمُ وسَجِيَّتُهُمُ السَّافِلَةُ إلا أن ينقضوا العهد ويغدروا، فأظهر بنو قينقاع الغدر بعد أن نصر الله نبيه في بدر، فأجلاهم الرسول من المدينة على أن لهم النساء والذرية، ولرسول الله أموالهم. وأظهر بنو النضير الغدر بعد غزوة أحد، فحاصرهم الرسول ، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وخَرَّبُوا بُيُوتَهمْ بأيديهم، وطلبوا من رسول الله أنْ يُجْلِيَهُمْ على أن لهم ما تحمله إِبِلُهُمْ من أموالهم إلا آلة الحرب، فأجابهم إلى ذلك، فنزل بعضهم بخيبر وبعضهم بالشام. وأما قُرَيْظَةُ فنقضوا العهد يوم الأحزاب، فحاصرهم الرسول ، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، فَحَكَمَ فيهم بِقَتْلِ رجالهم وقَسْمِ أموالهم وسَبْيِ نسائهم وذرياتهم.
ومن ألوان غدرهم وخيانتهم بخاتم الأنبياء أنه لما فتح خيبر أَهْدَوْا له شاةً مسمومةً، فأكل منها ولم يحصل مُرَادهُمْ ولله الحمد، ولكنه كان يقول في مرض الموت: ((ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر، وهذا أَوَانُ انقطاع أبهري)).
ولقد قالوا عن مشركي قريش بأنهم أهدى من الرسول ومن المؤمنين حينما سألهم أبو سفيان عن ذلك، وبعد أن سجدوا لأصنامهم وكفروا بما في التوراة، فأنزل الله عز وجل قوله عنهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـؤُلاء أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا [النساء: 51، 52].
ولما غلبهم الإسلام بقوة الحق يوم أن كان الناس مسلمين حقًا اسْتَدَارَ اليهود يكيدون للإسلام بِدَسِّ المفتريات في كتبه ومصنفاته، ولم يسلم من هذا الدس حتى كتاب الله القرآن الكريم الذي تكفّل بحفظه سبحانه، فقال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ [الحجر: 9]. مع أنهم يطبعون ملايين من نسخ القرآن الكريم ليحرّفوا آية أو كلمة، قاتلهم الله ولعنهم. ومنها ما عملوه قبل أكثر من خمس وثلاثين سنة حين طبعوا القرآن وحذفوا منه لفظة (غير) أي: ثلاثة حروف فقط قبل كلمة الإسلام في قوله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ [آل عمران: 85]. فحذفوا كلمة (غير) حتى يصبح المعنى ومن يبتغ الإسلام دينًا فلن يقبل منه، قاتلهم الله ولعنهم، ولكن الله حافظ كتابه، ولا يزال اليهود الغادرون على هذه الطباع اللئيمة، وآخر ما عملوه أيضًا في عام ألف وأربعمائة واثنين وعشرين هجرية من إقدامهم على طبع ترجمة القرآن والتحريف فيها، وسمعنا ما قامت به رابطة العالم الإسلامي حول ذلك.
ولا يزال اليهود ومعهم النصارى يتربصون بالمسلمين، ولن يرضوا عنا أبدًا إلا باتباع ملتهم، نعوذ بالله من ذلك، ونسأل الله الثبات على دين الإسلام.
ولنتأمل قول الله عز وجل الذي بدأه بـ(لن) التأبيدية، والتي تفيد عدم رضا اليهود والنصارى عن الرسول محمد وأتباعه ما داموا متمسكين بالإسلام، قال تعالى: وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة: 120]، وقال عز وجل: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ [البقرة: 217]، وقال سبحانه وبحمده: وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ [البقرة: 109].
لقد انتهى المطاف باليهود في هذا العصر الأخير إلى أن يكونوا هم الذين يقودون الحرب والمعركة ضِدَّ الإسلام والمسلمين في كل شبر على وجه الأرض، وهم الذين يستخدمون الصليبية والوثنية والشيوعية في هذه الحرب الشاملة.
إن الذي ألَّبَ الأحزاب على الدولة الناشئة في المدينة النبوية وجمع بين اليهود من بني قريظة وغيرهم وبين قريش والقبائل الأخرى في الجزيرة العربية هم اليهود، والذي ألّبَ الْعَوَامَّ وجمعَ الشَّرَاذِمَ وأطلق الشائعات في فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وما تلاها من النكبات هم اليهود، والذين قادوا حملة الوضع والكذب في أحاديث رسول الله وفي الروايات والسِّيَرِ هم اليهود. ثم إن الذين كانوا وراء إثارة النعرات القومية في دولة الخلافة الأخيرة ووراء الانقلابات التي ابتدأت بعزل الشريعة الإسلامية عن الحكم واستبدال القوانين الوضعية أو ما يسمى بـ(الدستور) بدلاً من الشريعة في عهد السلطان عبد الحميد ثم انتهت بإلغاء الخلافة على يدي أتاتورك كان وراء ذلك اليهود. وعلى المسلمين أن يتأملوا واقعهم اليوم وما يجري في العالم الإسلامي والعربي: مَنِ الذي وراء هذه الحروب وإثارة الفتن بين الدول المتجاورة أو القيام بِشَنِّ الحروب على الدول الإسلامية من أجل إِحْلالِ أنظمتهم وقوانينهم الوضعية بدلاً من تعاليم الإسلام وخاصة عندما تستلم تلك الدول جماعاتٌ يعلمون أنها سوف تطبق كتاب الله وسنة رسوله محمد على أي دولة؟ فكل مسلم يعلم أن اليهود ومعهم النصارى يساندونهم ويدعمونهم هم وراء كل حرب ضد الإسلام والمسلمين حتى لا تقوم لهم قائمة، ولو استعرض المسلم ما حصل منذ عشرات السنين وإلى يومنا هذا في الدول العربية والإسلامية من حروب لا زالت مشتعلة وتزداد يومًا بعد يوم، لو استعرض من الذي خلفها ويُؤَجِّجُ شرارتَها ويصبّ ما استطاع على نارها حتى تزيد اشتعالاً لَعَلِمَ أنهم اليهود وإلى جانبهم النصارى، ولو تأمل المسلمون كيف استطاع اليهود بخبثهم وتخطيطهم اللئيم أن يستنزفوا ثروات الدول الإسلامية ويُبْقُوا شعوبَها في غاية الفقر والبطالة، اليهود والنصارى هم المستفيدون من وراء تلك الحروب، كيف ذلك؟ إنه بِتَصْنِيعِ الأسلحةِ بشتى آلياتها واحتياجاتها ثم بَيْعها على المسلمين ومن ثم إِيقَاد الحرب بين دولتين متجاورتين، أو إيجاد الصراع الداخلي والنعرات القومية في أي دولة حتى تقوم الحرب لعشرات السنين، ثم الاستفادة المالية ثانيًا عندما تنتهي الحرب حيث يقومون بجمع الأموال من الدول المغلوبة على أمرها لما يسمّونه: إِعْمَار ما تمَّ تَدْمِيرُهُ في تلك الدول، وهم الذين يصنعون جميع احتياجاته إلا ما ندر، أو عندما يُؤَلِّبُونَ جماعاتٍ معارضةً على حكام تلك الدول ويحمونهم سنين طويلة، وبعد إعدادهم وغسل أدمغتهم يقومون بإسقاط تلك الحكومات لتحلَّ المعارضةُ محلَّ التي لم تَسِرْ على مُبْتَغَى تلك الدول الكافرة، ومِنْ ثَمَّ تدور رحى الحرب بين أبناء تلك البلاد حتى يتم تدمير ممتلكاتها ويموت كثير من شعبها، ثم تبدأ في الإعمار لما تم تدميره على حساب تلك الدول والشعوب الضعيفة. وهكذا نجد أن المسلسل لا ينتهي، ومع غفلة المسلمين عن هذا التخطيط الصهيوني الصليبي لا نجد حروبًا بين تلك الدول الكافرة المصنِّعة للأسلحة والتي تبيعها على الدول المستضعفة ثم تثير الفتن بين أبنائها أو بينها وبين جيرانها أو تقوم هي بها. فهل يفيق المسلمون من رقادهم وسُبَاتِ نومهم الذي طال حتى أدرك الخطرَ الفعليَّ غيرُ المسلمين؟ إنا لنأمل أن يفيق الجميع وينتبهوا لما يُحَاكُ ضدهم وضد إسلامهم ومُقَدَّرَاتِ شعوبهم ويستدركوا ما بقي، ويَقُوا أمتهم شرور اليهود والنصارى والكفار جميعًا ومخططاتهم اللئيمة، والذي كان وراء النزعة المادية الإلحادية والنزعة الحيوانية الجنسية وأفلام الجنس الخاصة أو العامة المنتشرة اليوم بشكل مخيف عبر القنوات الفضائية وشبكة المعلومات المسماة بالإنترنت، ووراء النظريات الهدامة لكل المقدسات والضوابط الذي وراء ذلك هم اليهود، وهم الذين وراء البنوك الربوية التي انتشرت انتشارًا فظيعًا وأصبحت دعاياتها وإعلاناتها تعلو المباني التي ترتفع أكثر من المآذن في المساجد حتى أصبح المسلمون هم الذين يعلنون الحرب فيها على الله ورسوله، ونخاف أنْ يَعُمَّ عقابُ الله ولا يختص بأصحاب الشر والفتنة، وصدق الله العظيم القائل: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ [المائدة: 82].
|