.

اليوم م الموافق ‏04/‏ربيع الأول/‏1446هـ

 
 

 

بعض الدروس المستفادة من الأحداث

5707

موضوعات عامة

جرائم وحوادث

سعد بن عبد الله العجمة الغامدي

الطائف

16/2/1424

سعيد الجندول

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- هزيمة طاغية العراق البعثي. 2- انتشار بعض ألفاظ الشرك الخفي. 3- ضرورة التوكل على الله. 4- عبرة من عابثة الطغيان. 5- سنة الله تعالى في الظالمين. 6- ظهور عوار القومية والعصبية.

الخطبة الأولى

أما بعد: فالحمد والشكر لله فاطر السماوات والأرض على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة التي إِنْ حَاوَلَ عَدَّهَا أَحَدٌ من البشر فلنْ يستطيعَ إِحْصَاءَهَا كما قال عز وجل: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: 34]، وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النحل: 18]، فنحمده سبحانه ونشكره على ما مَنَّ به علينا وعلى المسلمين حيث كفانا عَزَّ وجَلَّ شَرَّ أولئك الأشرار الظلمة الفجار الذين خطّطوا ودبروا ليلاً ونهارًا والمسلمون آمنون مطمئنون، لا يفكرون في لحظة من اللحظات بأنه سيأتيهم من بني جلدتهم مَنْ يقفُ غُصَّةً في حلوقهم يُهَدِّدُ أَمْنَهُمْ ويُخَوِّفُهُمْ سِنِينَ طويلةً، يستبيحُ بَيْضَتَهُمْ ويَهْتِكُ أعراضَهم وينهب أموالهم ويستحلّ ديارهم باسم الإسلام، بل كان المسلمون على العكس من ذلك الذي حصل، حيث وصل بهم الحدّ من السذاجة في التفكير والبعد عن كتاب الله عز وجل وسنة رسوله وعدم تحكيمهما في الصغير والكبير من الأمور، وصل بهم الأمر إلى أنْ ألَّهُوا ذلك الطاغيةَ البعثِيَّ العلمانيَّ وسَتَرُوا عليه وغَطَّوْا جرائمه التي ارتكبها مع المسلمين هو وحزبه وجنوده، وهذه مصيبة عظمى حلّت بديار المسلمين ومن ينتسبون إليه على مستوى الفرد والجماعة والدولة، حيث لا يستطيعون الْجَهْرَ بكلمة الحق ورَفْعَ الظلم عن المظلومين ونصرتهم والوقوف إلى جانبهم، ولكن إذا غفل العباد عن المظلومين ونصرتهم وعن الظالمين وفسقهم وفجورهم وستروا عليهم أو ساعدوهم أو أعانوهم ولو بكلمة واحدة، إذا فعل العباد ذلك وغفلوا فإن الله عز وجل بالمرصاد للجميع، يجازي كلاً منهم على قدر ما ارتكب، فمنهم من يفضحه على رؤوس الخلائق في الدنيا والآخرة، ومنهم من يؤخر عقوبته في الآخرة، ومنهم من يُعَجِّلُهَا له في الدنيا، قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ [الفجر: 14]، وقال عز وجل: وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأبْصَـٰرُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [إبراهيم: 42، 43].

فالله تبارك وتعالى يستجيبُ دعاءَ المظلومين وينصرُهم ولو بعد حين، ويُذِلُّ الْعُصَاةَ والظالمين والطُّغَاةَ والجبابرة والمتكبرين وينزل بهم الذُّلَ والصَّغَارَ والْهَوَانَ، فلا يرتفع ويطغى أحد ويتجبر ويتكبر ويَشْمَخُ بِأَنْفِهِ ويفسق ويفجر إلا أذله الله وأخزاه ووضعه في المكان الحقير؛ لأنه نازع الله كبرياءه وعظمته، فأنزله إلى درجة الذل والمهانة والصغار التي يستحقها جزاء ما ارتكبه واقترفته يداه.

ولا أستطرد في التقديم أكثر من ذلك، ولكن أعود لأخْتَصِرَ وأَذْكُرَ بعضًا مما يحضرني مما ينبغي أن نستفيد منه مما حَلَّ بساحة المسلمين والناس أجمعين منذ اعتداء العراق على الكويت عام1411هـ وحتى حرب الكفار لحزب البعث في العراق في 17 المحرم من عام 1424هـ:

فمنها: أَمْرُ العقيدة التي تزعزعت في نفوس كثير من المسلمين، حتى آل بطلبة العلم والمتعلمين منهم إلى حالِ عامَّةِ الناسِ في كثير من الأمور، وانتشرت ألفاظ الشرك الخفيِّ كَدَبِيبِ النمل على الصفاة الملساء في الليلة الظلماء في المجالس والشوارع والصحف والمجلات والإذاعات والتلفاز.

وأولُ شيءٍ الإيمانُ بقضاء الله وقدره، فالذي قدره الله عز وجل سوف ينفذ وفق إرادته ومشيئته سبحانه وتعالى، سواء رضي العباد أم سخطوا، وسواء صبروا أم جزعوا وتضجروا، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وما أصاب العبادَ والمخلوقات جميعًا لم يكن ليخطئها، وما أخطأها لم يكن ليصيبها، ويجب أنْ يُفَرِّقَ المسلمُ بين أفعاله الاختيارية من أكل وشرب ونوم وكلام وصلاة وصيام وحج وصدقة وجميع الأعمال الصالحة وغير الصالحة مما له اختيار فعله أو عدمه من خير أو شرّ ومما له مشيئة وإرادة فيه لا تخرج عن إرادة الله عز وجل ومشيئته، يفرق بين ذلك وبين المصائب والنكبات والموت والحياة والمرض والرزق والخلق والأجل وغير ذلك مما ليس له فيه مشيئة ولا إرادة بل ذلك خارج عن إرادة العبد ومشيئته، وما عليه إلا أن يبذل ما أمره الله به من أسباب ليرفع عنه ما نزل به، ومنها الدعاء الذي قال الله تعالى فيه: وَقَالَ رَبُّكُمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ [غافر: 60]، وقال عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186]، ومنها ما ورد عن رسول الله : ((إن الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والأرض))، وقد سبق بيان ذلك وإيضاحه في خُطْبَتَيْنِ عن الدعاء وعن القضاء والقدر.

ومنها صدق توجه المؤمنين إلى ربهم بالتوكل والدعاء والإيمان بالقدر وحسن الظن بالله عز وجل وبنصره، والإنابة إليه سبحانه والرجوع إليه تعالى بالتوبة الصادقة، وردّ كل شيء وعرضه على الكتاب والسنة، فالمؤمنون الصادقون إذا حلّت الفتن ونزلت البلايا والمحن بهم أو بغيرهم يَزِنُون الأمورَ بميزان الشرع وبما يفتح الله عليهم به من نور البصيرة التي يهديهم الله عز وجل بها إلى طريق الخير والصلاح والتوفيق والسداد لما فيه صلاح البلاد والعباد والاستقامة على شرع الله سبحانه وتعالى، فهم لا يَتِيهُونَ ولا يَتَخَبَّطُونَ في دياجير الظلم كعامة الناس؛ لأنهم متمسكون بالنور المبين وسائرون على الصراط المستقيم، لا يعتقدون ولا يتكلّمون ولا يفعلون شيئًا مما يخالف شرع الله فيما يعلمون، وإن زلّت بهم قدم فهم يتوبون إلى الله ويستغفرونه ويسألونه العفو والعافية ورضاه عز وجل. أما ضعاف الإيمان والنفوس فهم على العكس من ذلك، وأول ما يَقُضُّ مضاجِعَهم ويخوِّفُهم هو حُبُّهُمْ الحياة وكراهية الموت والسعي للتزوّد والتخزين لحطام الدنيا، فهم كَثِيرُو التفكير، كثيرو التساؤلات، قَلِقُونَ، لا تتعدّى نظرتهم وتفكيرهم هذه الأرض والحياة عليها: ماذا نفعل؟ ماذا نأكل؟ كيف نشرب؟ كيف وكيف... إلى آخر تلك التساؤلات التي تَبِيتُ معهم إذا ناموا وتُعَكِّرُ عليهم نَوْمَهُمْ بالأحلام، وإذا صَحَوْا رجعت إليهم مرة أخرى.

وهكذا من ألفاظهم الشركية التي عليهم أن يبتعدوا عنها وينزهوا ألسنتهم عن قولها ويستغفروا ربهم مما كان منهم، منها قول بعضهم: لولا فلان لما كان كذا وكذا، ولم يحصل ذلك إلا بفضل فلان، أو بفضل التعاون، أو بفضل الحكمة والحنكة، وغير ذلك من الألفاظ التي يجب أن يَردُّوهَا إلى الله عز وجل، فلولا الله تبارك وتعالى لما كان ذلك الخير وصَرْف تلك الشرور عنهم وعن غيرهم. ومنها: شاءتْ إرادةُ الله، أو: شاءتِ الظروفُ، أو: شاءتِ الأقدارُ، وغيرها مما ينبغي أنْ تُنْسَبَ إلى الله مباشرة لا إلى صفة من صفاته عز وجل، فالصحيح أنْ يُقَالَ: شاءَ اللهُ عز وجل، أو قَدَّرَ اللهُ عز وجل كذا وكذا، فالإرادة والأقدار والظروف ليست لها مشيئة ولا إرادة. وأيضًا من أساليبهم اللجوء إلى الله عز وجل وقت الشدة والإقلاع عن بعض المعاصي، فإذا شَعرُوا بالأمان عادوا إلى سابق عهدهم من المبارزة لله بالمعاصي والمنكرات. فالواجب على المسلمين في دول العالم عامة وفي دول الخليج خاصة أن يرجعوا إلى ربهم ويتمسكوا بإسلامهم ويعملوا به ويحكِّموه ويتحاكموا إليه، وأن لا يرضوا بديلاً عنه من أحكام عُرْفِيَّةٍ وقوانينَ وَضْعِيَّةٍ، ويطالبوا قادتهم بتحكيم الكتاب والسنة في كل شؤون حياتهم، والمثل قائم في هذه البلاد الطاهرة حيثُ الأمنُ والأمانُ والراحةُ والاستقرارُ عندما يطبق شرع الله، فلا تجد أحدًا يُقْدِمُ على أمرٍ مخالفٍ نهايته أنْ يُقَدِّمَ رقبتَه أو يدَه وغيرَها للقصاص وإقامة الحدّ الشرعي، بينما تجد الفوضى والمظاهرات والاضطرابات والصراعات في دول الكفر التي يصفونها بالتحضّر، وفي الدول المتسمية بالإسلام ولا تحكم بالإسلام ولا ترضى به، فَالْبَوْنُ شَاسِعٌ والأمر واضح لكل ذي لُبٍّ وعقلٍ. عليهم أن يقيموا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقوموا بها وبالدعوة إلى الله عمومًا على علم وبصيرة، وعليهم أن لا يسكتوا على المنكرات ولا يسمحوا لها بالانتشار في مجتمعهم، وإلا سوف يعمّ العقاب الجميع الصالح والطالح، وعليهم أن يحافظوا على نعم الله الكثيرة بشكره عز وجل والثناء عليه وتَرْكِ الأَشَرِ والبطر والبذخ والإسراف مع عدم صرف الأموال في وجوه الباطل والزور والحرام، وعليهم عدم الاستعلاء على عباد الله والكبر والنظرة إليهم بِازْدِرَاءٍ واحتقارٍ، فالأيام يداولها الله عز وجل ويضع المتكبرين ويذلّهم ويخزيهم، قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7]، وقال سبحانه: وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [النحل: 112].

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده عز وجل وأشكره كَتَبَ الْعِزَّةَ لمن أطاعه واتبع أمره واجتنب نهيه، وكتب الذل والهوان والصغار على من عصاه وخالف أمره وارتكب نهيه واتبع هواه وما تُسَوِّلُ له به نفسه من الموبقات والمحرمات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله.

أما بعد: فسنة الله في الطغاة والظالمين والمتكبرين جارية لا تتخلف عنهم، كما أنها في غير ذلك سنة كونية منه عز وجل كما هي مقررة في الكتاب والسنة، قال الله تعالى: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب: 62]، وقال سبحانه: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر: 43].

وقد ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم ما يشفي ويكفي بشأن الطغاة والجبابرة ومصيرهم في الدنيا والآخرة؛ لكي نَتَّعِظَ ونعتبرَ ونرجعَ عن الْغَيِّ والْبَغْيِ والفسادِ والطُّغْيَانِ، وفي آيات مختصرة في أول سورة الفجر يذكرنا الله عز وجل بمصير أقوام طغوا وبغوا وتجبروا، فكان العقاب الدنيوي نهايتهم المخزية، وفي الآخرة أشد وأنكى، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر: 6-14].

وقال عز وجل عن فرعون وطغيانه: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ [القصص: 4]، وعن ادِّعَائِهِ الأُلوهِيَّةِ قال الله عز وجل: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنْ الْمَقْبُوحِينَ [القصص: 38- 42]، ولننظر إلى نهايته في الدنيا قبل الآخرة، قال تعالى: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ءَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس: 90-92].

وعن قارون الذي طغى وبغى وهو من قوم موسى، لننظر إلى ما كان فيه وإلى نهايته، قال الله عز وجل: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ [القصص: 76-78]، إلى أن قال عز وجل: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ [القصص: 81]، وفي نهاية قصته قال عز وجل: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [القصص: 83، 84].

والآيات كثيرة في حال الأفراد والأمم السابقة ممن طغوا وبغوا وفسقوا وفجروا وكفروا ولم يؤمنوا بالله رب العالمين، وقد بين الله ذلك في القرآن الكريم لأخذ العبرة والعظة والابتعاد عن أفعالهم وما كانوا عليه، قال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 36، 37]، وقال عز وجل: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102]، وقال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ [القصص: 58-60]، وقال عز وجل: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا، وقال عز وجل: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا [الإسراء: 16، 17].

وفي عصرنا الحاضر لننظر إلى الجبابرة والطغاة والظالمين، سواء على مستوى القادة والرؤساء والزعماء أو الأمراء والوزراء أو رؤساء العشائر والقبائل أو الأفراد في أي مكان من العالم من عشرات السنين إلى الآن، لينظر وليتأمل كلُّ شخصٍ ما وصلوا إليه من البطش والطغيان والظلم والتكبر وارتكاب المحرمات والشعور بالأبَّهَةِ والعظمة والتسلط والقهر لعباد الله إلى غير ذلك من أنواع الفساد في الأرض، ثم ماذا كانت نهاية الواحد منهم؟ إنها نهايات مظلمة مؤلمة تقشعر منها الأبدان وترتجف لها قلوب المؤمنين وتَرْتَعِدُ فَرَائِصُهُمْ مِنْ هَوْلِ ما حَلَّ بهم في الدنيا، فما بَالُنا بالآخرة التي يَشِيبُ لها الْوِلْدَانُ؟! فلنتأمل ما وصل إليه طاغية العراق منذ سنوات وما حَلَّ به وبِحِزْبِهِ البعثِيِّ الآن من الذل والمهانة والفضيحة بين الناس أجمعين، وقبله بسنوات طاغية القرن الإفريقي الذي أحرق علماء المسلمين، ماذا كانت نهاية طاغية الصومال؟ وقبلها شاه إيران، وغيرهم مما لا يتسع المقام لذكرهم.

فعلى كل مسلم أن يحاسب نفسه ويعتبر ويتعظ بما يمرّ به في حياته ويستفيد الدروس الكثيرة مما يقع عليه أو على من حوله، وفي حال الفتن عليه أن يرسخ رسوخ الجبال ويثبت في أمره كله، وأن لا يخوض مع الخائضين ويتيه مع التائهين، ولا يحكِّم رأيه وهواه، ولا يقدمهما على شرع الله، بل تكون صلته بالله عز وجل قوية وصلبة، يفزع إلى الله عز وجل، ويصلح ما فسد من العمل؛ حتى تكون نهايته إن شاء الله نهاية طيبة بإذن الله. وعلى المسلمين أن ينبذوا القوميات والعصبيات وعدم التجمع حول ذلك، والدرس المستفاد من القومية العربية قائم ولا زال، أما التجمع حول الإسلام فهذا هو المطلوب والمنصور بإذن الله عز وجل، ويجب على المسلمين أن يتعاونوا على البر والتقوى، ويبنوا قوتهم الجهادية، ويعدوا العدة، ويأخذوا حِذْرَهُمْ وحَيْطَتَهُمْ من أعدائهم أعداء دينهم في الداخل والخارج بناء على أحكام الشريعة الإسلامية، وعليهم أن لا يتخاذلوا، بل يبذلوا قصارى جهدهم في الالتفاف حول كتاب الله وسنة رسوله محمد ، فإنه لا فلاح لهم ولا نجاح ولا انتصار ولا عزة لهم ما لم يتمسكوا بالكتاب والسنة ويعملوا بهما، فمن ابتغى العزة في غيرهما أذله الله تبارك وتعالى.

وأَهَمُّ الدروس المستفادة من وراء النظام البعثي الْمُنْهَارِ فَجْأَةً ذلك الانْهِيَارُ الذي أَذْهَلَ العالمَ بأسره هو ذلك التفرقُ السريعُ من حول الطاغية وحزبه ممن كانوا يحرسونهم ويدافعون عنهم وقد أعدوهم إعدادًا قويًا منذ عشرات السنين لحمايتهم وحماية كراسيهم، واعتقدوا بأنهم بَنَوْا بناءً لا مثيل له، وإذا به ينهار من تحتهم وحولهم في لحظة سريعة لم يسبق لذلك الانهيار في التاريخ مثيل، قال الله جل جلاله: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام: 129]؛ لأن ذلك البناء والأساس لم يكن على كتاب الله وسنة رسوله محمد ، وما لم يكن على هذه القاعدة فإنه سريع الانهيار في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة: 109].

إذًا على القادة والزعماء في الدول الإسلامية أن يحكموا بالقرآن الكريم والسنة المطهرة ويعملوا بهما ويتقوا الله فيمن ولاهم الله أمرهم ويهتموا بشعوبهم والعدل فيما بينهم، وإن اهتمام القادة بأمر شعوبهم والحرص على حل مشاكلهم صغيرها وكبيرها والقيام بذلك وغيره بكل أمانة يقرِّبُ الْهُوَّةَ الحاصلة بين القادة والشعوب، وما لم يكن الالْتِفَافُ بين الراعي والرعية مبنيًا على قواعد الإسلام النزيهة الصريحة فإن مصير الطغاة والظالمين مؤلم في الدنيا والآخرة، في الدنيا بمثل تلك الفضائح على مرأى ومسمع في كل زاوية من هذه الأرض، والله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ومهما طال ليل الظالمين فإن نور الصبح مشرق وشمس النهار واضح للعيان لا محالة، وفي الآخرة العذاب الأليم، ولا يتسع المقام لذكر مصير الظالمين في الدار الآخرة وماذا ينتظرهم جزاء ما اقترفوه في الحياة الدنيا، قال تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ [إبراهيم: 42، 43].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً