الحمد لله يربي العباد بالتشريع كما يربيهم بالنعم، أحمده سبحانه يقبل التوبة من عباده ويزيل عنهم النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله سيد الثقلين وأفضل الخلق من عرب ومن عجم، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام، ذكرنا بأن الإنجليز توصّلوا إلى أساليب الخداع والكذب وعدم الوفاء بالعهود، وأضافوا عليه أسلوبا آخر وهو تشكيل اللجان لتقصّي الحقائق، وهو في الحقيقة لإطالة أمد هذه اللجان وإعطاء اليهود فرصة للتوسع والسماح لوصول مزيد من المهاجرين من أوروبا لكي ينتشروا في قرى ومدن فلسطين، ووصلت اللجنة الأولى وتسمّى "لجنة بل الملكية" للتحقيق والبحث عن حقيقة الصراع، وأعدت تقريرًا ينادي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود وفرض وصاية أو انتداب على منطقة القدس، فرفضتها الجماهير وطالبت باستقلال فلسطين، وذهبت هذه اللجنة وجاءت لجنة أخرى تسمى "لجنة جون وودهيد"، فقاطعها العرب مقاطعة تامة، فعادت من حيث أتت، فإمعانًا في الغدر والخداع تظاهرت بريطانيا بأنها تراجعت عن قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود واقترحت عقد اجتماع في لندن وأعلنت فيه أنها عازمة على إعلان استقلال فلسطين بعد عشرة سنوات أي: في عام 1948م، وهو العام التي أعلن فيه قيام دولة إسرائيل، واشترطوا على أن تستمر الهجرة اليهودية إلى فلسطين للسنوات الخمس القادمة، وهذه أيضًا لعبة إنجليزية أخرى لتمرير المخطّط الكبير وهو أن يكون اليهود أغلبية حين يعلن عن مولد الدولة اليهودية، والذي كان معلومًا لديهم تاريخه إلا أن الصهيونية العالمية شعرت بضعف بريطانيا في الإسراع بتهويد فلسطين أمام الجهاد الإسلامي العنيف، فرأت أنه من الضروري جدًا إشراك أمريكا مع بريطانيا ليتم الإسراع في تحقيق الهدف وهو الاستيلاء على فلسطين، وهكذا تقوَّى دور أمريكا في المنطقة وتقلَّص دور بريطانيا، والقضية ما هي إلا أدوار توزّع حسب ما يتم من المراحل المرسومة سلفًا. وعقد مؤتمر في يالتا عام 1945م بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بين بريطانيا وأمريكا وروسيا، واتفقوا على اقتسام مناطق النفوذ في العالم كله، وتمخض اجتماعهم عن تشكيل هيئة الأمم المتحدة وتضم جميع أنظمة الحكم في العالم، إلا أن السلطة الفعلية فيه أعطيت لخمس دول تسمى الدول العظمى وهي: أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، هذه الدول فقط هي التي لها حق الفيتو أو النقض لأي قرار لا يناسبهم ويتمشى مع أهدافهم. وأوصى اليهود لعملائهم أن تعرض قضية فلسطين على هيئة الأمم المتحدة، وكان ذلك لأول مرة في عام 1947م، واقترحت هيئة الأمم أن تقسم فلسطين بين العرب واليهود، واستصدروا قرارًا بذلك، فرفض الفلسطينيون هذا العرض وأعلنت بريطانيا بأنها سوف تنسحب من فلسطين في عام 1947م، وبمجرد البدء بالخروج من فلسطين أعلن اليهود قيام دولتهم على جزء من أرض فلسطين.
وللحديث بقية.
واعلموا أن الله صلى وسلم على نبيه قديما، فقال تعالى ولم يزل قائمًا عليمًا وآمرًا حكيمًا تنبيهًا لكم وتعليمًا وتشريفًا لقدر نبيه وتعظيمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
لبيك اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر من نصر الدين، ودمر أعداء الدين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان...
|