.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

لعلهم يتضرعون

5733

الرقاق والأخلاق والآداب

آثار الذنوب والمعاصي

سليمان بن محمد الشتوي

المذنب

12/12/1428

جامع ابن رخيص

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الكفر والمعاصي سبب الشرور. 2- انتشار المصائب والكوارث في هذا الزمان. 3- مظاهر المنكر في هذا الزمان. 4- الحكمة من الابتلاء.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله حقَّ تقواه، فما من خير في الدنيا والآخرة ولا صلاح ولا متاع حسن ولا أمن وسَعة إلا وطريقها التقوى، هي وصية الله للأولين والآخرين: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا [النساء: 131]. بالتقوى تفتح أبواب السماء بالرزق والخير والبركات، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف: 96].

عباد الله، إخوة الدين والإيمان والعقيدة، إنه ما من شر ولا بلاء ولا فتنة ولا نقص في الأموال أو الأرزاق والثمرات أو المصائب ولا ضيق إلا وسببه الكفر فما دونه من المعاصي والذنوب، وما أنعم الله على قوم نعمة فنزعها منهم وغيّرها عليهم إلا بتغيُّرهم وكفرهم هذه النعم وجحودهم فضلَ النعم وخروجهم على أمره ومخالفتهم رسله، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30]، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال: 53].

يضرب الله لنا الأمثال في القرآن عظة وعبرة، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل: 112]، بما كسبت جوارحهم وعملت أيديهم.

عباد الله، إن ما نراه اليومَ في العالم من غلاءِ الأسعار وارتفاعٍ كبير في قيمة السّلع والحاجيات وانخفاض في القيمة الشرائية للعملات وانحباس الأمطار والجدب وقلّة البركات وانتشار للأمراض وللأوبئة وانهيار في الأسواق المالية وتتابع البلاء فضلا عن تسلّط أعداء الدين وضَعف كلمة المسلمين، إن ذلك كله أثر من آثار ابتعاد العباد عن ربهم، وكفرهم بنعمته، وغفلتهم عما خلقوا له من عبادة الله وطاعته، وانشغالهم بما كفوا مؤنته من طلب ما زاد عن الكفاف، وعمارتهم للدنيا عمارة من يخلد فيها، وتهاونهم بالآخرة تهاون من هو بها مكذب غير موقن، تفاخروا بالأحساب، وطعنوا بالأنساب، وأحيوا النعرات الجاهلية، ونفثوا بالقبلية، وهي من عادات الجاهلي، إسرافٌ وتبذير وتعالي، وبذل للأموال الطائلة في اجتماعات واحتفالات على غير طاعة، وبذل للأموال في مسابقات ولهو ولعب فيها الخسارة بلا شكّ في أوقات فاضلة، في وقتٍ بلادُنا الحبيبة ومكّة وطيبة يجتمع فيها ضيوف الرحمن، في جموع تغشاها الرحمة ويجلّلها الغفران، يجتمع الألوف من الشباب على كثبان الرمال على غير هدى وبلا هدف نبيل، وتصرف لهم الأعطيات والأموال والجوائز الهائلة الطائلة، في مقابل ذلك تئنّ المشاريع الخيرية والبرامج الدعوية من قلّة ذات اليد والتقصير في دعمها من أصحاب الأموال والثروات. لقد انتشرت الأطباق الفضائية، وعلت الأبنيةَ في البيوت والاستراحات، تسمّرت فيها الأعين، وشبعت الأفكار بما تلقيه من شبه، ومرضت القلوب بما يلقي فيها من شبهات وشهوات، وتشرّبت النفوس ما يعرض من فواحش ومنكرات. ولقد ولغ كثير من الناس الربا وأكل أموال الناس بالباطل، تهاونوا بحدود الله، وتجاوزوها بأدنى الحيَل، واسترخصوا لكلّ ذلِكم الفتاوى، قال سبحانه: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41]، وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف: 168].

والله سبحانه يغار على حرماته، وهو يمهل ولا يهمل، حتى إذا أخذ فإنّ أخذه شديد وعقابه أليم، وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا [فاطر: 45].

بارك الله لي ولكم في القرآن...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عبادة ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، وأشهد أن لا إله إلا الله التواب الرحيم وحده لا شريك له في ملكه ولا في أمره وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبيّنا محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فإن الله تعالى رحيم بعباده، لطيف بهم، عليم بما يصلحهم، ومن رحمته سبحانه بعبادة المؤمنين وإرادته الخير لهم ولطفه بهم أن يبتليهم بأنواع المصائب والابتلاءات؛ من تأخّر الغيث وفساد الثمار وغلاء الأسعار ونزع البركات وغير ذلك من المصائب؛ عظة وتذكيرا لهم وتنبيهًا لئلا يتمادوا في عصيانهم ويلجّوا في طغيانهم.

قد ينعم الله بالبلـوى وإن عظمت       ويبتلـي الله بعض النـاس بالنعم

وإن الله بحكمته البالغة يبتلي عباده ليبتهلوا إليه، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 42، 43]. إنّ ربنا جل شأنه يريد منا أن نتضرّع إليه ونبتهل وننكسر بين يديه.

إن تأخّر المطر والنقص في الأرزاق رحمةٌ من الله بعباده؛ حتى يرجعوا إليه ويتوبوا ويتضرّعوا ولا يطغوا، وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ [الأعراف: 94].

إن بسط الرزق على العباد قد يورثهم البغي والطغيان، قال الله تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ [الشورى: 27]، أي: لغفلوا عن طاعة الله، وأقبلوا على التمتّع بشهوات الدنيا، ويطغى بعضهم على بعض أشرًا وبطرًا. قال سبحانه: كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق: 6، 7]، قال قتادة: "خير العيش ما لا يلهيك ولا يطغيك"، ما لا يلهيك بطلبه، ولا يطغيك بكثرته.

والله أرسل لنا النذر والآيات تخويفًا وتنبيهًا؛ لنرجع إليه ونتوب. إننا منذ سنين نرى الآيات والنذر من حولنا وتحلّ قريبا من دارنا ثم هي قد نزلت بنا وربّنا يقول: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا [الإسراء: 59]، وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف: 27]، وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف: 130] بالقحط وقلة الأمطار، أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التوبة: 126] أي: يمتحنون ويختبرون.

انهارت سوق الأسهم والأسواق المالية في دوَل الخليج وكثير من الدول العربية، وجاءتنا رياح شديدة وعواصف مظلمة مخيفة وبرد شديد، أجدبت الأرض وغلت الأسعار وتأخرت الأمطار، وكلها نذر، هذه وغيرها نذر من الله عز وجل؛ لنتوب وتخشع القلوب ونتضرّع ونرجع إليه، أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 16].

إننا على خطر عظيم حين نصل إلى أعظم العقوبات وهي عدم الشعور بالعقوبة وعدم الاكتراث بالذنب، حينها تموت القلوب وقد تبسط علينا الدنيا استدراجًا، فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: 43، 44].

إنّ ربنا قد يبسط الرزق على الناس استدراجًا لهم حتى إذا أخذهم أخذَهم بعزّة واقتدار، وهو سريع الحساب أليم العقاب شديد العذاب.

نسأله أن يعاملنا برحمته ولطفه...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً