.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الاحتباس الحراري

5722

موضوعات عامة

مخلوقات الله

محمد بن عبد الله الصواط

الطائف

22/10/1428

جامع الأمير سعد الفيصل

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- انتشار الفساد في البر والبحر. 2- معنى الاحتباس الحراري. 3- مظاهر ظاهرة الاحتباس الحراري ومفاسدها. 4- وقفات مع هذه الظاهرة. 5- دعوة للتوبة والرجوع إلى الله تعالى.

الخطبة الأولى

أما بعد: فاتقوا الله ربكم وأطيعوه، وراقبوه دوما ولا تعصوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

عباد الله، ونحن نعيش في عصر محتدمٍ بالكشوفات والمخترعات، وملتهب بالصراعات والتوسعات، عصر كثرت فيه ضروب الفساد وعمّت، وانداحت كرب الشرّ وطمّت، تنظر يمينًا وشمالا فلا ترى إلا حروبا مهلكة وزلازل مدمرة وأعاصير مزمجرة وفيضانات مفرّقة مغرقة، قد خلّفت وراءها نساء ثكالى وأطفالا يتامى ومشرَّدين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وهذه المصائب والكوارث ما هي إلا بعض جزاء لما اقترفته أيدي بني آدم من الذنوب والمعاصي، كما قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41].

عباد الله، ومن هذا الفساد الذي ظهر بسبب طغيان بني آدم ما سأحدّثكم عنه اليوم من قضية تنادى لها العالم شرقا وغربا، ورصدت لأجلها ملايين الدولارات، واستنفرت لها الجهود والأبحاث من مختلف الأصقاع والبلدان؛ لما لها من آثار سيئة على العالم كلّه على المدى القريب والبعيد، إنها ظاهرة "الاحتباس الحراري"، فما المقصود بها؟ وما آثارها؟ وما علاقة الإنسان بها؟

الاحتباس الحراريّ معناه باختصار: هو الزيادة التدريجية لدرجة حرارة الأرض نتيجة لزيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو فوق النسبة الطبيعية، ومن عجيب صنع الله أن هذا الغاز السام يلعب دورا مهما في تدفئة الأرض، فبدونه قد تصل درجة حرارة الأرض إلى تسع عشرة درجة تحت الصفر، وزيادته فوق نسبته الطبيعية تجعل الحياة على الأرض جحيما لا يطاق، ولذلك كان من حكمة الله تعالى وبديع صنعه أن جعل لهذا الغاز نسبة معينة في الجو لا يزيد ولا ينقص عنها، إلا أنه مع تقدم الصناعة وتطوّر وسائل المواصلات والاعتماد على الفحم والبترول والغاز الطبيعي كمصدر أساسي للطاقة وما ينتج عن ذلك من انبعاث كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو بنسبة كبيرة فوق ما يحتاجه الغلاف الجوي للحفاظ على درجة حرارة الأرض أدى ذلك إلى زيادة معدّل درجة حرارة الأرض خلال السنوات الأخيرة بشكل متسارع، مما ينذر بحدوث كوارث طبيعية على المدى القريب والبعيد.

أيها الإخوة، إن من أهم مظاهر هذه الظاهرة كما يقول المختصّون ما يلي:

1- ارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل متصاعد في العقود الأخيرة بنسبة 1.5 درجة مئوية عن مستويات عام 1990م، وهذا سيجعل نحو ثلث الأنواع الحيوانية والنباتية معرّضة للانقراض في الأربعين عاما المقبلة إذا استمرّت وتيرة هذا التصاعد.

2- ذوبان مساحات شاسعة من جبال القطب المتجمد، وهذا أدى إلى ارتفاع مستوى مياه البحر، وبالتالي غرق مناطق ساحلية شاسعة ذات كثافة سكانية عالية، كما أدى إلى ضعف خصوبة التربة وتدني الإنتاج الزراعي، فضلا عن الانهيارات الثلجية وانزلاق الصخور.

3- ذوبان الثلوج في المناطق الجبلية كجبال الهملايا والأنديز، وهذه الجبال تعمل بقدرة الله كخزانات طبيعية للمياه، حيث تتجمع بها مياه الأمطار وثلوج الشتاء، ثم تبدأ بالذوبان تدريجيا في الصيف لتمدّ الأرض بالمياه العذبة في صورة جداول وأنهار، وذوبانها بسرعة أكبر يجعل المناطق الواقعة تحتها عرضة للجفاف وشحّ المياه.

4- كثرة ظهور الأعاصير بمعدلات لم تكن معروفة من قبل، وظهورها في أماكن لم تكن تظهر فيها من قبل، وهذا يرجع لوجود تيارات ساخنة في المحيطات مما أثّر على التوازن الحراري فيها، وأنتج بقدرة الله هذه الأعاصير.

هذا بعض ما قاله المختصّون حول هذه الظاهرة, ولنا مع ذلك كله وقفات:

الوقفة الأولى: أن المسلم يعلم علم اليقين أن ما يكون في هذا الكون من خير أو شر أو نفع أو ضر أو صلاح أو فساد فهو بإذن الله وقدره ومشيئته، كما قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: 22]؛ ولذلك فإنّ نسبة هذه الظواهر إلى غير الله شرك، كما قال فيما يرويه عن ربه: ((أصبح منك اليوم مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فهو كافر، ومن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن)).

الوقفة الثانية: أن كل ما يحدث في هذه المعمورة من فساد وخلل فهو نتاج سيئ لذنوب بني آدم وخطاياهم، فالذنوب لها آثار سيئة ومدمّرة على الإنس والجن والحيوان والنبات والفيافي والبحار، بل امتدّ أثرها إلى الهواء الذي نستنشقه، فانظر إلى المعصية وشؤمها كيف يعمّ الأخضر واليابس، وصدق الله حيث يقول: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41]، فبيّن جل شأنه أن المعاصي سبب لظهور الفساد في برّ الأرض وبحرها وجوّها، قال أبو العالية رحمه الله: "من عصى الله في الأرض فقد أفسَد الأرض؛ لأنّ صلاح الأرض والسماء بالطاعة". فالذنوب ـ عباد الله ـ لها آثار سيّئة ليس على الإنسان فحسب، بل على كل ما حوله من أشجار ودواب وأنهار وغيرها، سمع أبو هريرة رضي الله عنه رجلا يقول: الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال: (لا والله والذي نفسي بيده، إنّ الحبارى لتموت هزلا في وكرها بظلم الظالم).

الوقفة الثالثة: في ظاهرة الاحتباس الحراري مثال حيّ واضح لما للحضارة الغربية المادية من آثار سيئة على الأفراد والمجتمعات عندما تجردت عن القيم والأخلاق والآداب ورمتها خلفها، فأصبح همّ دهاقنتها زيادة أرباحهم ولو كان ذلك على حساب حياة غيرهم من الشعوب، فلا يهمّ من يعيش ومن يموت ومن يتضرّر ومن يهلك ما دام ذلك يحقق أرباحا لهم ويسهم في رفاهيتهم؛ ولذلك امتنعت أمريكا عن التوقيع على اتفاقية "كيوتو" للحدّ من انبعاث الغازات السامة، ودافع الرئيس الأمريكي عن ذلك بأن اقتصاد أمريكا معرّض للخطر إذا هي وقّعت على هذه الاتفاقية، فالأهم في نظرهم هو اقتصادهم ودولارهم، غير عابئين بما يحصل للبشرية من كوارث جراء تصرفاتهم الرعناء وسعارهم المحموم، ولسان حالهم يقول: ليمت من يمت وليكن ما يكون من كوارث المهمّ أن لا ينقص من أموالنا شيئا، وكأن باقي البشر عندهم قطعان من الماشية يضحّون بها إذا لزم الأمر.

أيّ صلف هذا؟! وأي غرور هذا الذي نراه ونشاهده من قطب العالم الأوحد؟! ولكن الله لهم بالمرصاد، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف: 21].

ورد في بعض التقارير أن مجموع سكان أمريكا يصل إلى 4 في المائة من سكان الأرض، ومجموع ما ينبعث من مصانعها من غازات سامة يصل إلى 20 في المائة من مجموع ما تنتجه شعوب الأرض قاطبة!

قارن بين هذا وبين ما كان عليه المسلمون أيام مجدهم وعزِّهم وحضارتهم , فتحوا القلوبَ قبل أن يفتحوا البلدان، وأناروا العقول وحرّروها من عبادة الأوثان، كانوا في أعلى قِمم الإنسانيّة وهم في أشدّ لحظات الحرب ضراوة وشراسة، ها هو يقف ويوصي أصحابه قبل انطلاقهم للغزو ويقول: ((انطلقوا باسم الله، وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة))، كان ينهى عن قتل الدواب وقطع الأشجار والرمي بالنار بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه، كان ينهى عن الضرر أيا كان وممن صدر فيقول: ((من ضارّ ضارّه الله، ومن شاقّ شق الله عليه))، كان ينهى عن قضاء الحاجة في طرق الناس العامة فيقول : ((اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل))، فسماها: ملاعن؛ لأنها سبب للَعن الله ومقته، بل ويبلغ الأمر مداه أن جعل إماطة الأذى عن الطريق درجة من درجات الإيمان، فأين ذلك ممن يعيث اليوم في الأرض فسادا باسم الحضارة والتقدم؟! ينهب ويسلب ويقتل ويسرق خيرات الشعوب باسم إرساء الديمقراطية تارة ومحاربة الإرهاب تارة أخرى.

قـد كـانت الأيام قبل وجودنـا      ليـلا لظـالمهـا وللمظـلـوم

لَمـا أطـلّ مُحمّد زكـت الربَى       واخضـرّ فِي البستان كل هشيم

وأذاعت الفردوس مكنـون الشذا      فـإذا الورى فِي نضـرة ونعيم

.......

من كان يهتف باسم ذاتك قبلنا؟!!       من كان يدعو الواحد القهـارا؟!

عبدوا تماثيـل الصخور وقدسـوا       من دونك الأحجار والأشجـارا

هـل أعلن التوحيـد داع قبلنـا       وهدى الشعوب إليك والأنظارا؟!

كنّـا نقدّم للسيـوف صدورنـا       لم نَخش يومـا غاشِمـا جبـارا

ندعو جهـارا لا إلـه سوى الذي      صنـع الوجـود و قدّر الأقدارا

ورؤوسنا يـا رب فـوق أكفّنـا        ترجـو ثوابك مغنمـا و جوارا

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [يونس: 23].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

الخطبة الثانية

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن المعاصي ما حلّت في ديار إلا خرّبتها، ولا في قلوب إلاّ أعمتها، ولا في أجساد إلا عذبتها، ولا في أمة إلا أذلتها، ولا في نفوس إلا أفسدتها، ولا في مجتمعات إلا دمرتها.

واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، ولا استدفعت نقم الله وعقوبته بمثل التوبة والعمل الصالح، فلتلهج الألسنة بالاستغفار والتوبة النصوح؛ لعل الله يعفو ويتوب ويتجاوز، إنه خير مسؤول وأعظم مأمول.

ثم صلوا وسلموا على خير الورى...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً