أما بعد: أيها الناس، فاتقوا الله تعالى، واستغنوا بما أباح لكم من الطعام والشراب عما حرمه، فإنه ما من شيء ينفع الخلق من ذلك إلا أباحه فضلا منه وإحسانا، وما من شيء يضرهم إلا حرمه عليهم رحمة منه وامتنانا، فلله النعمة فيما أباحه من الطيبات، وله النعمة بما حرمه من الخبائث والمضرات، وعلى العباد أن يشكروا نعمته في الحالين، فيتناولوا ما أباحه لهم فرحين مغتبطين، ويتجنبوا ما حرمه عليهم سامعين مطيعين.
أيها الأحبة، موضوعنا هذا اليوم موضوع شائك، والحديث عنه ليس بالأمر السهل، ووالله لقد تردّدتُ كثيرًا في الحديث عنه وأجّلته أكثر من مرة، وما ذلك إلا تهيبًا أن لا نعطيه حقه من البيان والتجلية للناس.
حديثنا هذا اليوم عن الإرهاب، ليس الإرهاب الذي يتحدّث عنه الناس صباح مساء، بل هو أخطر، ومع تحذيرنا من الإرهاب الفكري والأمني إلا أننا أشدّ تحذيرًا من هذا الذي نحن بصدد الحديث عنه اليوم، إنه الإرهاب الصحيّ الذي يفتك بالشعوب ويهلك الأمم ويخلّف البلاد ويقتل العباد، هل عرفتم عمَّ نتحدث؟! إنه حديث عن التدخين والمعسّل والجراك أجلكم الله. وإنا لنعتذر لإخواننا المدخنين، فوالله إنا لا نتحدث استهزاء ولا شماتة بهم، بل والله إنا لنشفق على كلّ من ابتلي بهذه البلية ونتحسّر على صحتهم ومالهم ودينهم.
أيها المؤمنون بربهم، وليس قولنا هذا من المبالغات في شيء، بل هي الحقيقة المرة التي لا مهربَ منها حتى ولو لم تظهر لأهل الشهوات والنزوات، وهل تصدقون أن القنبلة الذرية التي ألقِيت على هيروشيما لم تفعل بالناس مثلما يفعل التدخين؟! يقتل التدخين 4 ملايين شخص كل العام، وتقدِّر منظمة الصِّحّة العالمية أن يصل العدد إلى 10 ملايين شخص يتوفّون سنويا بحلول عام 2020م. وبالمقارنة فإن القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناكازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945م قتلت مباشرة 140 ألفًا ثم مات بعد ذلك عدد آخر بسبب الأشعة القاتلة، فيقدَّر العدد الإجمالي لضحايا القنبلتين الذريتين بربع مليون شخص، فكيف يمكن أن نقارن ضحايا التدخين ـ أربعة ملايين شخص يتوفون سنويا ـ بضحايا القنابل الذرية؟!
أخِي المسلم، حينَما أتحدَّث معك عن دَاءِ التّدخين وعن أضرارِه ومَساوئِه وآثارِه القبيحة على الفردِ والمجتمَع بل حتى البيئةِ فذاك نتيجةٌ لما توفَّر وعُرِف حَقًّا ما فيه من الضّرَرِ والبلاء، مما لا يبقِي شكًّّا لدى عاقلٍ أنَّ شريعةَ الإسلام تقِف من هذا الدّاء موقفَ التحريم والمنعِ والحَظرِ على المسلم أن يتعاطاه.
أيّها المسلم، إنَّ هذا الداءَ خبيثٌ بمَعنى الكلمة، والله يقول: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، ويصِف نبيَّه بقولِه: وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ. نَعم، إنّه خَبيثٌ بكلّ ما تحمِلُه الكلِمةُ من مَعنى؛ خبيثٌ في الرائحة، خبيث في الآثارِ على الإنسانِ عمومًا لو عادَ الإنسان إلى عَقلِه وفكّر وتأمَّل.
أما ضرره على البدن فإنه يضعف البدن ويضعف القلب ويحدث مرض السرطان والسلّ والسعال ويفضي إلى الموت، فكم من إنسان أنهك جسمه وأفسد صحته وقتل نفسه بما تعاطاه من هذا الدخان، ولا تغترّوا بما يُرى من بعض الناس الذين يشربونه وأجسامهم سليمة؛ فإن هؤلاء المدخنين ليسوا بحسب مظهرهم، واسألهم: ماذا يحدث لهم من قلة الشهية وكثرة السعال والنزلات الصدرية والفتور العام حتى في علاقته الجنسية مع زوجته؛ مما جعل التدخين سببا ضمن قائمة أسباب ظاهرة الطلاق والتعب الشديد عند أقل عمل وكلفة.
وهنا سؤال ورد على بعض الأطباء قد يجهله كثير من الذين يتعاطون الشيشة ويرون أنها أهون من تعاطي الدخان، يقول السائل: ما أثر تعاطي الشيشة؟ وهل تعاطيها أكثر من مرة في اليوم يزيد الضرر؟ وهل تؤثر على تناول الطعام أم أنها تفتح الشهية وتجعل الفرد يأكل كثيرًا؟ أجاب الدكتور: آثارها خطيرة وكثيرة ولو لمرة واحدة، فالدخان الجانبي منها يحتوي على 72 ملجرام أول أكسيد الكربون السام، علما بأن عادم السيارات به 45 ملجرام، ومبيد الحشرات به 55 ملجرام من هذا الغاز السام. وهذا يدلنا على أن ضرر الشيشة أشد من ضرر عادم السيارات والمبيدات الحشرية، هذا بالإضافة إلى أضرار الشيشة الاجتماعية التي ينتجها تعاطيها في أماكن مشبوهة لا يكاد يدخلها إلا من قلّ حياؤه فترك أهله وذهب ليسهر لوقت متأخّر من الليل.
أيها الأحبة، أما ضرر التدخين والشيشة في المال فاسأل من يشربه: ماذا ينفق كل يوم في شربه؟ ولو كان ينفق هذا المال فيما يعود عليه وعلى أهله بالنفع من الطعام الطيب والشراب الحلال واللباس المباح لكان ذلك خيرًا له في دينه ودنياه، ولكنه ينفق الكثير في هذا الدخان الذي لا يعود عليه إلا بالضرر العاجل والآجل، فنسأل الله لنا وله الهداية. أما من يتاجر به ويتكسّب به حتى صاروا بعد الإعواز واجدين وبعد الفقر مغتنين فلبئس ما كسبوا حرامًا واكتسبوا آثامًا، وإنهم لأغنياء المال فقراء القلوب، واجدون في الدنيا معدمون في الآخرة، وإنهم إن تصدّقوا به لم يقبل منهم، وإن أنفقوه لم يبارك لهم فيه، وإن خلّفوه كان زادًا لهم إلى النار.
أيها العقلاء، استمعوا إلى ما ذكرته صحيفة الشرق الأوسط حيث قالت: "وفي الوقت الذي يتناقص عدد المدخنين في الدول المتقدمة وهي الدول الأكثر إنتاجا للتبغ، فإن معدلات استهلاك السجائر في الدول النامية في ارتفاع مستمر... وتشير الدراسات والتقارير التي تناولت خطورة التدخين في المملكة إلى أن عدد الوفيات في المملكة والتي يكون التدخين من بين مسبِّباتها الرئيسية تقدر بنحو 23 ألف فرد في السنة، أي: بمتوسط 63 فردا يوميا" اهـ.
أيها الفضلاء، وفي المملكة العربية السعودية تعتبر هذه المشكلة أكثر استفحالاً وخطورة حيث أثبتت الدراسات أن ما يقارب 30 في المائة من سكان المملكة العربية السعودية يمارسون هذه العادة القاتلة، أي: ما يقارب ستة ملايين نسمة يعرِّضون أنفسهم للموت المحتّم إن لم يقلعوا عن هذه العادة.
ولو افترضنا أن الواحد من هؤلاء يدخن علبةَ دخانٍ بسعر خمسة ريالات يوميًا لعلمنا أنهم يدخنون يوميًا بثلاثين مليون ريال، ثم إذا ضربتَها في عدد أيام السنة لوجدتها ما يقرب من المليارين ريال سنويًا، وهذا على أقل التقديرات، ولو أنّ هذه المليارات صرفت فيما يعود بالنفع علينا وعلى وطننا الغالي لرأينا عجبًا، ولكنها تصرف لدول تعمل ليل نهار على تدمير الوطن والمواطن، فأين حبنا لديننا؟! وأين وطنيّتنا التي ندعيها؟!
وفي إحصائية نشرتها مجلة البيان الإسلامية في ملحقها السنوي عام 1423هـ، وهي نسبة تعدّ قديمة، قالت الإحصائية: "إنّ السعودية تحتلّ الرقم 23 في الترتيب العالمي للدول الأكثر استهلاكًا للسجائر، والترتيب الرابع في عدد المدخّنين.
فهل يكفي هذا ليكون رادعًا خاصة إذا علمنا أن التدخين صار ظاهرة بين طلاب المدارس بل وطالباتها فضلاً عن المعلمين والمعلمات الذين باعوا دينهم وصحتهم لسيجارة ومعسّل سمي معسلاً زورًا وبهتانا؟!
بل إن التدخين سبب من أسباب الوقوع في المخدّرات التي صارت وباء منتشرًا في المجتمعات، فأهلكت العباد وأنهكت البلاد وعطّلت التنمية في كثير من المجالات.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه، إنه كان غفارا.
|