.

اليوم م الموافق ‏24/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

عيد الفطر 1413هـ

5652

الرقاق والأخلاق والآداب

مواعظ عامة

سعد بن عبد الله العجمة الغامدي

الطائف

1/10/1413

سعيد الجندول

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل التمسك بالإسلام الصحيح. 2- تدهور حال المسلمين عندما تخلوا عن دينهم. 3- ضرورة التمسك بما كان عليه السلف الصالح. 4- وجوب أداء حقوق الله تعالى وحقوق العباد. 5- التحذير من بعض المعاصي والمنكرات. 6- موعظة للنساء.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن التمسك بالإسلام يكفل للمسلمين السعادة والسيادة والعز والتمكين والنصر المبين والرفعة والكرامة، وحظُّهم من ذلك وغيره بقدر تمسكهم أو تفريطهم، فبالإسلام الصحيح وتطبيقه في حياة الأفراد والجماعات تصفو النفوس وتتّحد القلوب وتقوى الأمة وتُهاب بين الأمم وينتشر الأمن ويعم الرخاء ويسعد الجميع بتطبيق شرع الله في أرض الله على عباد الله، وعندما يتخلى الجميع أو الأفراد أو الحكومات يكون العكس من ذلك، قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد: 11]، وقال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال: 53].

إن الله تعالى يذكِّر عباده المؤمنين بنعمه عليهم الظاهرة والباطنة، ومنها نعمة الهداية للإسلام واجتماع الكلمة وعدم الاختلاف والتفرق حيث كانوا قبل الإسلام ضُلاَّلاً وأعداءً متفرقين، ثم صاروا بالإسلام إخوة متحابين، آمنوا بالله ربًا وإلهًا معبودًا وبِنَبِيِّهِ محمدٍ رسولاً مطاعًا وقدوة متبعًا، وبالإسلام دينًا وشريعة ومنهجًا وطريق حياة حقيقية في الدنيا والآخرة، قَبِلُوا نعمة الإسلام التي أنعم الله بها عليهم وشكروه عليها وعلى جميع النعم الأخرى، وامتثلوا أمر الإسلام وعملوا به دين توحيد وفطرة وتعاون على الخير والهدى والمحبة وعلى البر والتقوى عمومًا، عرفوه وطبَّقوا أوامرَه، وابتعدوا عن نواهيه واتخذوها حدودًا لا تُنتهك، فيه كل شيء وكل خير وسعادة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 38]، فالإسلام دين ودولة، عقيدة وشريعة، مصحف وسيف، إسلام قائم في كل زمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولو كره الكافرون، الإسلام هو دين الله عز وجل، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران: 19]، إسلام لن يقبل الله من أحد دينًا سواه بعد أن بلغته رسالة النبي محمد ، قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85]. فالإسلام محفوظ في كتاب الله وسنة رسوله محمد إلى قيام الساعة، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9]، فلله سبحانه وتعالى الحمد والشكر، وله الفضل والمنّة، ومنه الرحمة والمغفرة.

عندما فهم الإسلامَ سلفُنا الصالحُ من صحابة رسول الله ومن تبعهم على نهجهم واقتفى أثرهم الفهم الصحيح والإيمان العميق والتطبيق السليم والدعوة الصادقة عندها انشرحت صدورُهم هُمْ أنفسُهم قبل غيرهم وفتح الله لهم القلوب والأمصار، وقَبِلَ الإسلامَ خلقٌ كثير ودخلوا في دين الله أفواجًا، وزكت نفوس الجميع عندما آمنت فكانت لها العزة بالإسلام والإيمان الصادق، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]. فحينما مَنَّ الله على السلف الصالح بالتمسك بدين الإسلام وقاموا بواجبه خير قيام وطبقوه على أنفسهم وعلى غيرهم لا فرق بين الفقير والغني والشريف والوضيع والحاكم والمحكوم عندها شرفهم الله عز وجل فأصبحوا قادة العالم في العز والكرامة والعلم والحضارة والأمن والسعادة والأخلاق السامية والقيم الرفيعة، وصاروا أهل السيادة على العالم بعدلهم وإنصافهم للمظلوم من الظالم مهما علا شأن الظالم وتسلطه، ونالوا الخيرية الموعودة عندما قاموا بالواجب عليهم في كل شؤونهم، ومن ذلك قيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عمومًا مع الإيمان بالله أولاً وآخرًا، قال الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110]، ونالوا الخيرية المذكورة في هذه الآية الكريمة عندما اعتصموا بحبل الله جميعًا ولم يتفرقوا وقاموا بالواجب عليهم في ذلك وفي غيره، وقد جاء هذا في الآيات التي سبقت هذه الآية السابق ذكرها في قول الله جل جلاله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران: 102-105]. عندما قاموا بالواجب عليهم مَكَّنَ الله لهم في الأرض ونصرهم وحقق لهم الأمن ولشعوبهم ومن تحت رعايتهم، وحكموا الممالك والشعوب بصدق ووفاء وعِفَّةٍ وأمانة وعدل وإنصاف، فنصرهم الله عز وجل كما قال تعالى: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج: 40، 41]، وقال عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور: 55، 56]، وقال سبحانه وبحمده: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: 81، 82]، وقال تعالى: إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128]، وقال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105]، وقال عز وجل: وَلَنُسْكِنَنَّكُمْ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ [إبراهيم: 14].

فهذه سنة كونية قائمة؛ عندما أقامت الأمةُ وقادتُها العدلَ وامتثالَ أمر الله جل جلاله كانت لها السيادة والريادة في العالم لأنها حَكَمَتْ بشرع الله عز وجل، ولكن عندما انحرفت أكثر القيادات وجمهرة الشعوب في الماضي والحاضر في البلاد الإسلامية عن حقيقة الإسلام وعن المنهج النّبوي والهدي المحمدي أصبح واقع المسلمين في غاية الألم والحسرة بسبب الإعراض عن حقيقة الإسلام ونهج سلف هذه الأمة في تطبيق شرع الله، وخاصة في هذا الزمان حيث اكتفى كثير من المسلمين بالتَّسَمِّي بالإسلام وقد لا يؤدي كثير منهم الصلاة فضلاً عن الشعائر الأخرى، والانتسابُ للإسلام لا يُسْمِنُ ولا يغني من جوع، والأسماء لا تُجْدِي شيئًا عن الحقائق ولا تغير من الواقع شيئا، والله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم السِّرَّ وأخفى.

فلما عدلت تلك القيادات عن تحكيم شريعة الله ولما أُلْجِمَ العلماءُ وأُخْرِسُوا عن بيان الحق أو داهنوا وكتموا ورضوا بالحياة الدنيا نتج التفكك في قيادة الأمة الإسلامية وشعوبها وأصبح بَأْسُهم بينهم لعدم الوِئَام بين الحكام والمحكومين ولعدم تطبيق تعاليم الإسلام وشريعته في المجتمع، فانتشر بينهم التفرق والاختلاف والعداوة والبغضاء وكلُّ ما يندى له الجبين ويحزن له الصديق ويرضى به العدوُّ ويَشْمت، وهذه سنة الله في خلقه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)، قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [المائدة: 45]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ [المائدة: 47]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 159، 160]، وقال : ((من كتم علمًا ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار)) رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم.

ولو أن أولئك أصحاب آراءٍ سديدةٍ وعقول مفكرة وقلوب واعية لأخذوا المثل القائم أمام أعينهم في تطبيق الإسلام وتعاليمه على تَقْصِيرٍ في ذلك، لأخذوا المثل من هذا البلد المبارك، البلد الآمن الذي منّ الله عليه بقادة وعلماء وأمة راضية بالشرع الحنيف والدين القويم حيث قام كلٌّ بدوره، ونريد المزيد إن شاء الله تعالى، فعندما حكَّم ولاةُ الأمر شرعَ الله وتمّ تطبيقه على الشعب المسلم المغتبط بذلك انتشر العدل في ربوع البلاد وعمّ الأمنُ أرجاءَ الوطن وارتاحت النفوس المؤمنة واطمأنت، وسكنت النفوس الشريرة التي تسوّل لها شياطين الإنس والجن بإحداث الفتن حتى لو كان المرضُ حالاًّ بها فإنها ترتدع عن الإقدام على أي جريمة لما تعلمه من العواقب المؤلمة التي هي حدود الله التي وضعها لتستقيم حياة العباد في الأوطان والبلاد. وساق الله لبلاد الحرمين الأرزاق والخيرات من كل أقطار الدنيا التي معظم شعوبها محرومون من خيراتها، وإن في ذلك لعبرة حيث هذه النعم والخيرات تأتي من عشرات الدول من العالم وتُسَاق إلى هذه الأرض الطيبة المباركة وخاصة تلك الخيرات والثمار والفواكه المستمرة طوال العام، وتحققت دعوة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام في جلب الأرزاق والثمرات لمكة وما حولها، وأصبحت المملكة عامة تتمتع وتنعم ببركة ذلك، المسلمُ والكافرُ في ذلك على حد سواء من حيث النعمة والمقام، كما قال تعالى عن دعاء إبراهيم عليه وعلى رسولنا وجميع الأنبياء والرسل الصلاة والسلام: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [البقرة: 126]، وكما ورد في سورة إبراهيم: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم: 37].

إننا نحمد الله عز وجل على ما مَنَّ به على هذه البلاد وعلى حكامها وعلمائها ومحكوميها على اختلاف أجناسهم من تطبيقٍ لشرع الله، وإننا لنرجو الله عز وجل أن يوفق الجميع إلى المزيد من التطبيق الأمثل والتحقيق الأصْوَب لتعاليم الإسلام في جميع مجالات الحياة، إن الله على كل شيء قدير.

إن المسلمين اليوم في كل المجتمعات والبقاع في أمَسِّ الحاجة إلى إيمان كإيمان السلف الصالح، إيمانٍ واعٍ متكامل لهذا الدين الإلهي والتشريع الحكيم، وبحاجة إلى روابط متينة تربط بينهم وتشدّ وثاق تفككهم وانحرافهم عن النهج القويم من أجل أن يحفظ الله عليهم حياتهم ويحميهم من العبث والفوضى والفساد ليعيشوا في دنياهم في سلام وأمن واطمئنان، ولتتحقق لهم السعادة الحقيقية في الآخرة بإذن الله عز وجل.

إن الأمل والرجاء أن نكون شيبًا وشبانًا ذكورًا وإناثًا على الفهم الصحيح للإسلام والتطبيق الشامل لتعاليم الإسلام إيمانًا وعملاً ودعوة وصبرًا وصدقًا وإخلاصًا ومتابعة، وعلينا أن نعلم بأن المحرمات والوقوع فيها يضعف الإيمان ويُمرض النفوس فتفسق عن طاعة الله، وعندها تكون المخالفة والضعف والفساد والضلال. إنه لا مخرج ولا نجاة من الضياع والفساد في العقيدة والسلوك إلا بتطبيق الإسلام قولاً وعملاً واعتقادًا؛ لأن الإسلام كلٌّ لا يتجزأ، وإلا كان النقص والضعف في الإيمان وغيره بقدر ما يُنقص منه.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون، علينا أن لا نقلد في ديننا إلا من نرضى أمانته وعلمه وصدقه وإخلاصه وبصيرته في الإسلام، وكل البشر يؤخذ من أقوالهم ويُردّ إلا رسول الله ، وعلينا أن نتوب إلى ربنا ونرجع إليه ونلتزم بالإسلام إخلاصًا وصوابًا، ونطلب بعد ذلك القبول من الله تعالى.

علينا أن نؤدي الصلوات الخمس المفروضة عن إيمان وخشوع في أوقاتها، يؤديها الرجال مع جماعة المسلمين حيث يُنادى لها في بيوت الله، وتؤديها النساء غير المعذورات في أوقاتها حيث تيسّر لهنّ، وبيوتُهنَّ خيرٌ لهنَّ. وعلينا أن نؤدي زكاة أموالنا على أحسن وجه طيبة بها نفوسنا، فهي كالصلاة والصيام والحج من حيث فرضيتها، نؤديها في وقتها المفروض ويجوز تقديمها، ويلحق الإثم من أخّرها، يجب تأديتها لمستحقيها فهي تزكي النفوس وتطهّر الأموال وتزيدها نماءً وبركة وتحفظها من الآفات، ولو أدّى المسلمون زكاة أموالهم كما يجب لما بقي في مجتمعاتهم فقير واحد، خاصة في هذا العصر حيث تبلغ الزكاة آلاف الملايين، ولكنه التقصير وعدم صرفها في مصارفها الشرعية للأصناف الثمانية الوارد ذكرهم في قول الله عز وجل: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60].

وعلينا تأدية زكاة الجاه في نفع إخواننا المسلمين في الإصلاح والشفاعة الحسنة، فهي مطلوبة ممن يستطيعها وأعطاه الله جاهًا ومكانة يستطيع بها إيصال الخير لأهله، وليس المقصود بذلك الوساطات والشفاعات السيئة التي تضيّع الحقوق وتنصر الظالم وتؤيده وتقلب الحق باطلاً والباطل حقًّا أو تُسقط حدًّا من حدود الله، بل هي الشفاعة الحسنة المعروفة.

كما أنه يجب علينا بِرُّ الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الفقراء والمساكين ومساعدة المحتاجين من العجزة والأرامل واليتامى، واجتناب الزور والغش والخداع في شتى أنواع المعاملات، والبعد عن أكل أموال الناس بالباطل وخاصة في البيع والشراء، والتعامل بالربا الذي فشا وانتشر وعظم خطره وضرره بسبب تهاون المسلمين وتعاملهم به وتساهلهم في أمر تحريمه لدرجة استحلال بعضهم له مع علمهم بالوعيد الشديد للمتعاملين به، قال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 275]، ثم قال عز وجل بعد آيتين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة: 278، 279]، وقال : ((لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه)).

يجب علينا أن لا نبخس الناس أشياءهم، ونجتنب الظلم في جميع أشكاله وصوره، فالظلم ظلمات يوم القيامة، وعلينا توقير اليمين بالله في الخصومات، ويجب علينا اجتناب الكبر وبطر الحق وغمط الناس واحتقارهم والخيلاء والإسبال في الثياب بالنسبة للرجال الذين عكس أكثرهم التطبيق هم والنساء حيث أطال الرجال ثيابهم وسراويلهم وبُشُوتَهُم إلى ما تحت الكعبين وجَرُّوها إما كبرًا وخيلاء أو عنادًا ومكابرة وعدم اتباع لهدي الرسول محمد ، وبعض النساء رفعن وقصّرن ملابسهن مع أن المشروع أن يُرخين ويغطّين أقدامهن لئلا تنكشف ويراها الرجال، ويحصل هذا من الجنسين كثيرًا في الأعياد والمناسبات، قال تعالى: وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الإسراء: 37]، وقال رسول الله : ((ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم))، قال أبو ذر: فقرأها رسول الله ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: ((المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)) رواه مسلم، وفي رواية: ((المسبل إزاره)). وأما النساء فقالت أم سلمة رضي الله عنها لرسول الله : فكيف يصنع النساء بذيولهن؟! قال: ((يُرْخِين شِبْرًا))، قالت: إذًا تنكشف أقدامهن، قال: ((فيرخينه ذراعًا لا يَزِدْنَ)) أي: عن نصف الساق الذي هو الحدُّ لإزْرَة الرجل، ولا حرج عليه فيما بين نصف الساق والكعبين، أما ما هو أسفل الكعبين فهو في النار بالنسبة للرجل، أما المرأة فترخي ملابسها لتغطي أقدامها فضلاً عمَّا فوق ذلك.

ويجب علينا الابتعاد عن قول الزور وشهادة الزور والظن الآثِم والتجسس والغيبة والنميمة والبهتان واللعن والسب والشتم وقذف المؤمنين والمؤمنات، قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان: 72]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12]، وقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور: 23-25]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 58]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج: 10].

أيها المسلمون، مُرُوا أولادكم وأهليكم ومن تحت أيديكم بالصلاة، ومروا المكلفين من الذكور بتأديتها مع جماعة المسلمين في المساجد، ومروا الجميع بالالتزام بشرع الله القويم والبعد عن المحرمات واجتنابها وعدم الوقوع فيها، قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه: 132]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6]. إن الخدم رجالاً كانوا أو نساءً وسائقي سيارات وممن هم تحت أيدينا من العمال الآخرين في المهن الأخرى جميعهم أمانة في أعناقنا، نحن مسؤولون عنهم يوم القيامة، فعلينا أن نتقي الله ونحذر عقابه.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 

الخطبة الثانية

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله.

أما بعد: فعلينا أن نتقي الله تعالى حق التقوى ونشكره على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة التي لا تعد ولا تحصى، ونتذكّر إخواننا المسلمين الفقراء والمساكين والمرضى والعاجزين والأرامل والأيتام والمجاهدين في سبيل الله في كل مكان، نتذكرهم ونمدّ لهم يد العون والمساعدة بالمال الذي هو أقل ما نفعله مع الدعاء الصادق لهم، ولا ننساهم في بهجة العيد وفرحته، ولا تستبدّ بنا المشاعر فننسى واجب الشكر والاعتراف بالنعم ويدفعنا لبس الجديد والإعجاب بالنفس وامتلاك الدرهم والدينار إلى أن نبلغ درجة المخيلة والتباهي والتعالي والكبر. إن العيد مناسبة لإطلاق الأيدي الخيّرة في مجال الخير والتسابق والتنافس في جميع وجوه البر والإحسان، نتذكر إخواننا المسلمين في كل مكان ونمدهم بما نستطيع بعد البذل لذوي القربى والأرحام؛ فالأقربون أولى بالمعروف.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

وأخص النساء بالوعظ والتذكير حيث خصّهن رسول الله بذلك في خطبة العيد، وإنْ كُنَّ في كل ما تقدم مشتركات إلا فيما اخْتُصَّ به الرجال مما هو معلوم، فعلى المرأة المسلمة أن تتقي الله تعالى وتحافظ على ما أوجب الله عليها في دينها وما استرعاها الله عليه، وتؤدي حقوق زوجها وأولادها وأهل بيتها وأهلها وأقاربها وذوي رحمها وجيرانها، وتحفظ لسانها من الوقوع في أعراض الناس بالغيبة والنميمة والبهتان والقذف وقول الزور والسباب والشتم واللعن وغير ذلك مما هو منهي عنه، وعليها أن تحافظ على كرامتها وعِفَّتِها وعِرْضِها وكل ما يُدَنِّسُها، وتبتعد عن الاختلاط والسفور ومزاحمة الرجال في الأسواق والمتاجر والمتنزهات ولو في أماكن العبادة لأنها فتنة كما أخبر بذلك رسول الله بقوله: ((ما تركت فتنة بعدي أضرّ على الرجال من النساء)). وعليها أن لا تسرف في حفلات الزواج والأفراح وفي جميع وجوه النفقة، ولا تكلف الزوج ما لا يطيق من النفقة والكسوة والزيارات والأسفار، فالله لا يحب المسرفين. وعليها أن تحافظ على حق زوجها في المال والأولاد والنفس والفراش لتحصل لها السعادة في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى، والمرأة إذا صَلَّتْ خَمْسَهَا وصامت شهرها وأطاعت زوجها وحفظت فرجها يقال لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت.

أما عن زكاة الفطر والتكبير وصلاة العيد فإن الوقت المناسب للتذكير بها في خطب الجمعة، وكذلك صيام الست من شوال، وهذا يتكرر كل عام ويعرفه الخاص والعام.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وآله...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً