.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى

5650

الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

الزكاة والصدقة, الكبائر والمعاصي

سعد بن عبد الله العجمة الغامدي

الطائف

8/9/1422

سعيد الجندول

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تفاوت الناس في الأرزاق. 2- حث الإسلام على طلب الرزق والتكسب. 3- الترهيب من المسألة. 4- تربية الرسول أصحابه على العفة والعفاف. 5- وجوب الإنفاق على الفقراء وتفقد أحوالهم.

الخطبة الأولى

 أما بعد: فمن حكمة الله عز وجل أن جعل الناس درجات متفاوتين في الأرزاق والأعمال وغيرها في الدنيا وفي الآخرة، ومن ذلك التفاوت في الأرزاق ليخدم بعضهم بعضًا وإن لم يشعروا بهذا، ومن أجل الامتحان والابتلاء والاختبار لكيلا يطغى صاحب المال وليستعف المحروم، ولولا ذلك لما نجح أحد في الامتحان الذي فيه ومعه وبعده رفع الدرجات أو هبوط الدركات، قال تعالى: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَـٰكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [الأنعام: 165].

ولكي يتربى المسلم على الطاعات وفعل الخيرات فتح الله له أبوابًا كثيرة من الخير وإن كان فقيرًا، ويتساوى فيها الفقير مع الغني، وقد يسبق الفقيرُ الغنيَّ وينافسه ويكون أعلى منه درجة في كل أبواب الخير والعمل الصالح إلا عندما يكون مُعْدَمًا لا مال له وسبقه الغني بإنفاق المال سواء كان فرضًا أو نفلاً زكاة أو صدقة عامة إلى جانب أعماله الصالحة، عندها يدرك المسلمُ الحكمةَ من وجود المال في يده أو عدمه.

والإسلام لا يحب لأهله الذلة والخضوع والمسكنة لغير الله والهوان ومسألة الناس، وإنما حَثَّ على التكسب والسعي في الأرض لطلب الرزق الحلال، وجَعَلَ السعي على الأهل والأولاد والعيال من أفضل الأعمال التي يُثاب عليها المسلم، وتعتبر عبادة متى نوى بذلك التقرب إلى الله عز وجل ممتثلاً أمر الله جل جلاله في طلب الحلال والإنفاق منه في الحلال أيضًا وأداء ما أوجب الله فيه من حق لأهله المستحقين له، قال تعالى: هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ [الملك: 15]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحًا إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون: 51]. وقد أمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة: 172]، وقال تعالى: فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـلاً طَيّبًا وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [النحل: 114]. وقال مرغبًا في النفقة على أهل الشخص ومن يعول: ((دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك)) رواه مسلم، وقال رسول الله : ((أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله)) رواه مسلم.

ووردت أحاديث كثيرة في الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى، كما جاءت بالترغيب في التعفف والقناعة والأكل من كسب اليد؛ ليرتفع المسلم عن كل ما يشِينُهُ أو يَحُطُّ من كرامته، وليبقى عزيزًا رافع الرأس، ولكن مع تغافل الناس وغفلتهم وقلة عنايتهم بإسلامهم وعدم معرفتهم لأحكام دينهم أو لتهاونهم في التطبيق يكون الإفراط أو التفريط، وكلا الأمرين مذمومٌ سلوكُ طريقِهِما وغير محمود، فلا أصحاب المال يؤدون ما أوجب الله عليهم في الوجوه التي أُمروا بأدائها فيها أَيْ: في الأصناف الثمانية، لم يُؤَدُّوا زكاة أموالهم في مصارفها الشرعية، ولم يتصدقوا من فضول أموالهم، وإلا لما بقي سائل يسأل أو فقير في مجتمعات المسلمين لو أديت الزكاة كما يجب، ولا الفقير أو صاحب الحاجة يعرف المسألة الشرعية ويكفّ عما زاد عن ذلك.

وأَخُصُّ بالذكر أولئك الذين اتخذوا المسألة مهنة شَبُّوا وشابوا عليها ورَبَّوْا أولادَهم ومن تحت أيديهم على ذلك حتى صارت تلك عادتهم التي لا يستطيعون الخلاص منها، وأذكر ما تيسر من أحاديث رسول الله حول ذلك، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مُزْعَةُ لحم)) رواه البخاري ومسلم والنسائي، مزعة أي: قطعة. وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إنما المسائل كُدُوحٌ يُكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بُدّا)) رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال رسول الله : ((من فتح على نفسه باب مسألة من غير فاقة نزلت به أو عيال لا يطيقهم فتح الله عليه باب فاقة من حيث لا يحتسب)) رواه البيهقي، وقال : ((من سأل مسألة وهو عنها غني كانت شَيْنًا في وجهه يوم القيامة)) رواه أحمد والبزار والطبراني، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من سأل الناس تكثّرًا فإنما يسأل جمرًا، فَلْيَسْتقِلَّ أو لِيَسْتكثرْ)) رواه مسلم وابن ماجة، وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من سأل الناس عن ظَهْر غِنَى استكثر بها من رَضْف جهنم))، قالوا: وما ظهر غنى؟ قال: ((عشاء ليلة)) رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند والطبراني في الأوسط وإسناده جيد، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من سأل الناس لِيُثْرِيَ مالَه فإنما هي رَضْفٌ من النار مُلْهَبَةٌ، فمن شاء فَلْيُقِلَّ، ومن شاء فَلْيُكْثِرْ)) رواه ابن حبان في صحيحه، والرضف: الحجارة المُحْمَاة.

وقد أثَّرَتْ تلك التربية النبوية في أصحاب رسول الله حتى بلغ بهم الأمر إلى أبعد من ذلك مع الحاجة إلى المال والنفقة في ضروريات الحياة أو المسألة التي نراها عادية لدينا وهي كذلك. عن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: ((ألا تبايعون رسول الله ؟)) وكنا حديثي عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فقال: ((ألا تبايعون رسول الله ؟)) فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فَعَلامَ نبايعك؟ قال: ((أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتطيعوا))، وأَسَرَّ كلمة خفية: ((ولا تسألوا الناس))، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدًا يناوله إياه. رواه مسلم والترمذي والنسائي.

وفي إحدى الروايات عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي قال: ((ستة أيام ثم اعقل ـ يا أبا ذَرٍّ ـ ما يُقال لك بَعْدُ))، فلما كان اليوم السابع قال: ((أوصيك بتقوى الله في سرّ أمرك وعلانيته، وإذا أسأت فأحسن، ولا تسألن أحدًا شيئًا وإن سقط سوطك، ولا تقبضنّ أمانة)) رواه أحمد ورواته ثقات، ((لا تقبضن أمانة)) أي: لا تحجبها ولا تمنعها صاحبها.

ووصل الأمر بأبي بكر رضي الله عنه إلى أنه ربما يسقط خطام الناقة من يده فيضرب ذراع الناقة فيُنِيخُهَا فيأخذه لئلا يطلب من أحدٍ أن يناوله إياه، فيقولون له: أفلا أمرتنا فَنُنَاوِلَكَهُ؟! قال: إن حِبِّي أمرني أن لاَّ أسال الناس شيئًا.

وهذا حكيم بن حزام رضي الله عنه يروي ما جرى له فيقول: سألت رسول الله فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: ((يا حكيم، إن هذا المال خَضِرٌ حُلْوٌ، فمن أخذه بسخاوة نفس بُورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى))، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أَرْزَأُ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين، أُشهدكم على حكيم أني أَعْرِضُ عليه حقّه الذي قسم الله له في هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، ولم يَرْزَأ حكيمٌ أحدًا من الناس بعد النبي حتى توفي رضي الله عنه. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي رحمهم الله. يرزأ أي: يأخذ.

وعن قبيصة بن المخارق رضي الله عنه أنه قال: تحمّلت حمالة فأتيت رسول الله أسأله فيها، فقال: ((أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها))، ثم قال: ((يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمَّل حَمَالَةً فحلّت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش ـ أو قال: سدادًا من عيش ـ، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الْحِجَى من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقةٌ، فحلّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش ـ أو قال: سدادًا من عيش ـ، فما سواهن من المسألة ـ يا قبيصة ـ سُحْتٌ يأكلها صاحبُها سحتًا)) رواه مسلم وأبو داود والنسائي، والحمالة: الدية يتحملها قومٌ عن قومٍ، وقيل: هي ما يتحمله المصلح بين فئتين في ماله ليرتفع بينهم القتال والفتنة، والجائحة: الآفة تصيب الإنسان في ماله، والفاقة: الفقر والحاجة، والسِّداد بكسر السين: ما يسدّ الحاجة ويكفيه، والقِوام بكسر القاف وفتحها: ما يقوم به حال الإنسان من مال غيره، والحِجَى بكسر الحاء: هو العقل.

 

الخطبة الثانية

 الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده عز وجل وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.

 أما بعد: فلقد جاء الترغيب في التعفف عما في أيدي الناس والقناعة بالرزق الحلال مهما كان قليلاً، ورفع الإسلام من مكانة ودرجة من كانت القناعة والتعفف وغنى النفس خلقًا له، ولقد رأينا في الأحاديث السابقة كيف كان حال الصحابة رضي الله عنهم في الابتعاد عن سؤال الناس، ليس المال وإنما سقوط سوط أحدهم على الأرض أو خِطَام الدابة وهو عليها فينزل ليأخذه لئلا يسأل أحدًا ويطلبه ليرفعه له.

وأذكر عدة أحاديث متنوعة في هذا الباب للانتفاع ونشرها بين عامة المسلمين وإن كانت معلومة لدى بعضهم، قال رسول الله : ((لأَنْ يأخذَ أحدُكم أَحْبُلَه فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكفَّ بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أَعْطَوْهُ أَمْ مَنَعُوه)) رواه البخاري وابن ماجة وغيرهما، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدَّ فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل)) رواه أبو داود والترمذي، وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها)) رواه مسلم وغيره، وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((اليد العليا خير من اليد السفلى، وابْدَأْ بمن تَعُول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله)) رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يُفْطَنُ له فَيُتَصَدَّق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس)) رواه البخاري ومسلم، وقال رسول الله : ((لا تُلْحِفُوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئًا فَتُخْرِج له مسألتُه مني شيئًا وأنا له كاره فيُبارك له فيما أعطيتُهُ)) رواه مسلم والنسائي والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله يعطيني العطاء فأقول: أَعْطِهِ من هو إليه أفقر مني، قال: فقال: ((خُذْهُ، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مُشْرِفٍ ولا سائل فَخُذْهُ فَتَمَوَّله، فإن شئتَ كُلْهُ، وإن شئت تصدق به، ومَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نفسَك))، قال سالم بن عبد الله: فَلأَجْلِ ذلك كان عبد الله لا يسأل أحدًا شيئًا ولا يردُّ شيئًا أُعْطِيَهُ، رواه البخاري ومسلم النسائي، وقال : ((من عُرض له من هذا الرزق شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس فليتوسع به في رزقه، فإن كان غنيًا فليوجهه إلى من هو أحوج إليه منه)) رواه أحمد والطبراني والبيهقي رحمهم الله تعالى.

فعلى المسلمين القيام بالواجب عليهم في هذا الباب وغيره من دين الإسلام، على الأغنياء سواء كانوا أصحاب أموال كثيرة أو قليلة أن يُؤَدُّوا زكاةَ أموالهم في مصارفها الشرعية طيبةً بها نفوسُهم، ولا يتركوا الفقراء والمساكين والمحتاجين يتخدّعونهم ويستخرجون منهم حقوقهم وهم في غاية الذلة والمسكنة، عليهم أن يتقوا الله تعالى ويرفعوا من قدر إخوانهم المحتاجين المستحقين لها دون إلحاق الحرج والضرر بهم، وعليهم الابتعاد عن الحِيَلِ الشيطانية والفتاوى التي لا تستند إلى دليل شرعي، كما أنَّ عليهم أنْ يتصدقوا من فضول أموالهم غير الزكاة الواجبة التي ليس لهم فيها فضل ولا منّة؛ ليفوزوا بِرِفْعَةِ الدرجات في الجنة، ولِيَقُوا بها أنفسهم من عذاب النار، قال رسول الله : ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)). عليهم أولاً وأخيرًا أن يؤدّوا الزكاة الواجبة في أموالهم؛ لأن كثيرًا من المسلمين يبخلون بها ولا يؤدونها إما بالتحايل في إيجاد الطرق الملتوية لئلا يدفع أحدهم الزكاة كما هو الحال فيمن له ديْن على شخص أو أشخاص أو أي جهة أخرى ثم لا يدفع الزكاة بحجة هذا الدين وبحجة أن له دينًا على الناس تهرُّبًا أو تحايلاً لئلا يدفعها لأهلها المستحقين لها، وقد يأخذ بعضهم بقولٍ لا يستند على دليل صحيح، فيجب على صاحب الدَّيْنِ أن يُخرج الزكاةَ عن دَيْنه الذي له على أي شخص أو أي جهة كانت، وعلى أصحاب الديون التي لهم عليه أو على غيره أن يؤدوا زكاة ديونهم ويدفعوها للأصناف الثمانية الذين ورد ذكرهم في الكتاب والسنة، ومنها قول الله جل جلاله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60]، وقال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما بعثه لليمن من ضمن وصاياه له: ((فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة في أموالهم تُؤخذ من أغنيائهم فتُردُّ على فقرائهم)).

كما أن على الفقراء والمساكين ومن نزلت بهم حاجة وفاقة أن يلتزموا حدود الله ويعلموا حرمة المسألة من غير حاجة، وعليهم القناعة والتعفف عما في أيدي الناس ولا يذلوا أنفسهم فتكون أيديهم السفلى، بل عليهم السعي للتكسب والعمل من الحلال، وخاصة من يقدر على العمل فإنه لا تحل له المسألة كما ورد بذلك الخبر عن سيد البشر محمد أنه قال: ((لا تحل لقوي مكتسب)).

وعلى المسلمين عمومًا في أي بلد أن يَتَفَقَّدُوا الفقراء منهم لأنهم في ازدياد وكثرة، وحاجتهم وفاقتهم أكثر نظرًا لمتطلبات العصر الذي نعيشه ومواجهة نفقاته، فقضاء حاجاتهم والاهتمام بهم وبشؤونهم خير للجميع في الدنيا والآخرة بدلاً من تركهم وإهمالهم الذي قد يؤدي بهم إلى الكفر والعياذ بالله، كما هو الحال في استغلال النصارى لحاجات الفقراء في كثير من الدول والوقوف إلى جانبهم ومن ثم دخولهم في النصرانية، ولا يظن أحدٌ أنَّ الفقرَ خاصٌّ بالدول الفقيرة التي ظاهرها الفقر، بل هو موجود في كل بلاد المسلمين بدون استثناء، ولا أدخل في التفاصيل ولكن اللبيب بالإشارة يفهم. فواجب الأغنياء أن يتقوا الله تعالى في إخوانهم الفقراء والمساكين من المسلمين، ويعطوهم الزكاة المفروضة عليهم في أموالهم، ويسدوا حاجتهم حتى لو أدى الأمر إلى الصدقة من فضول أموالهم، قال تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج: 24، 25]، وقال عز وجل: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات: 19]. وعلى المسلمين عمومًا أن يساعدوا إخوانهم بكل طريقة ممكنة وتفقد أحوالهم، وعلى الحكومات أيًا كانت تفقّد حال شعوبها ومواطنيها وخاصة الفقراء والمساكين، ولا يتركوهم لذل الحاجة والمسألة أو العيش في الفقر والمسكنة، فالجميع مسؤولون أمام الله عز وجل عن هذا وغيره، فلنتق الله ونحذره ونعدّ العدة يوم العرض عليه، فَالْعَقَبَةُ كَؤُودٌ، والصعود إلى أعلاها صعب المنال، والخروج من مغاراتها وكهوفها في غاية الشدة والكرب والهمِّ يوم الفزع الأكبر، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة: 18].

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً