الحمد لله منّ علينا بإكمال شهر الصيام، وجعله ماحيًا للذنوب والآثام. وأشهد أن لا إله إلا الله ذو الفضل والإنعام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، عبد ربه حتى أتاه الحِمام، صلى الله عليه وعلى آله الكرام وأصحابه الأعلام، وسلم تسليمًا كثيرًا على الدوام.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله واخشوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، فيجازي كلاً بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
عباد الله، إن مما شرع الله لكم في ختام هذا الشهر صلاة العيد، فقد أمر الله بها، وأمر بها رسوله ، أمر بخروج الناس إليها حتى النساء، فاخرجوا إليها صغارًا وكبارًا، رجالاً ونساءً، اخرجوا في أحسن هيئة، اغتسلوا وتطيبوا وتجملوا، ولتخرج النساء غير متجملات ولا متطيبات.
والسنة أن يأكل الإنسان قبل خروجه إلى الصلاة تمرات وترًا، ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا ونحوها من الوتر.
امشوا وعليكم السكينة والوقار، خاشعين لله سبحانه، معظمين له، ترجون رحمته، وتخافون عذابه.
أظهروا شعائر الإسلام بالخروج لهذه الشعيرة العظيمة، أروا الله من أنفسكم خيرًا، غضوا أبصاركم، احفظوا ألسنتكم عن اللغو والرفث وقول الزور، احفظوا سمعكم عما حرم الله من القيل والقال وسماع الأغاني والمعازف، احذروا مما يغضب الله في أيام الأعياد، فإن الطاعة تتبع بالطاعة لا بالمعصية، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا، وإن من علامة قبول الحسنة الحسنة بعدها.
بروا والديكم، وأطيعوا من ولاه الله أمركم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين، وصلوا أرحامكم.
وأخيرًا، لا بد من النظر والتأمل في سير الصالحين من سلفنا الصالح، فهذا نبينا محمد كان يذكر الله في كل أحيانه، وطلب منه رجل الوصية فقال: ((لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله)). وأبو بكر كان يأخذ بلسانه ويبكي ويقول: (هذا الذي أوردني الموارد)، وابن مسعود يقول: (والله الذي لا إله إلا هو، ما على الأرض أحق بطول سجن من لسان)، وعمر يقول: (من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به)، ولما سأل معاذ النبي : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!)) وفي الحديث: ((لا يستقيم إيمان امرئ حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)).
واعلموا أن كثرة الكلام تعمي القلب، وأبعد القلوب من الله القلب العاصي، و((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وأجارنا من زلات اللسان وعثراته، وهدانا صراطه المستقيم، وغفر لنا إنه هو الغفور الرحيم.
|