أما بعد: -
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعرفوا نعمة الله عليكم بهذا الدين القويم الجامع بين الرحمة والحكمة رحمة في إصلاح الخلق وحكمة في اتباع الطريق الموصل إلى الهدف الأسمى.
أيها الناس: إن من طبيعة البشر أن يكون لهم نزعات متباينة فمنها نزعات إلى الخير والحق ومنا نزعات إلى الباطل والشر كما قال الله تعالى: إن سعيكم لشتى [الليل:4].
ولما كانت الشريرة والنزعات الخاطئة والأعمال السيئة لا بد لها من رادع يكبح جماحها ويخفف من حدتها شرع رب العباد وهو الحكيم العليم الرؤوف الرحيم حدودا وعقوبات متنوعة بحسب الجرائم لتردع المعتدي وتصلح الفاسد وتقيم المعوج وتكفر عن المجرم جريمته إذ لا يجمع الله عليه بين عقوبة الدنيا والآخرة، فأوجب إقامة الحدود على مرتكبي الجرائم كل بحسب جريمته.
فالسارق تقطع يده، لأنه يسرق بها غالبا، وقطاع الطريق إذا قَتلوا قُتلوا، وإن أخذوا المال فقط قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، لأنهم يستعينون على قطع الطريق بأرجلهم وأيديهم فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف نكالا وجزاء من جنس العمل، وقاذف المحصنات والمحصنين يجلد ثمانين جلدة حتى لا تنتهك الأعراض، وشارب الخمر عقوبته يحصل بها الردع عند تناول هذا الشراب الذي وصفه النبي بأنه أم الخبائث ومفتاح كل شر.
أما جريمة فساد الأخلاق وانهيار المجتمع تلك الجريمة التي تكمن في فعل الزنى واللواط فإنها جريمة عظيمة رتب الشارع عليها عقوبة أكبر، فالزاني الذي يطأ فرجا حراما.
إما أن يكون محصنا وإما أن يكون غير محصن، فالمحصن هو البالغ العاقل الذي تزوج امرأة ووطئها بنكاح صحيح فإذا زنى فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت ثم يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين إذا كان مسلما، وأما غير المحصن وهو من لم يتزوج على الوصف الذي ذكرنا فإنه إذا زنى جلد مائة جلدة ويُسَفَّرُ عن البلد سنة كاملة.
أيها المسلمون: وإذا كان الزنى بالفرج موجبا لهذه العقوبة فإن هنا زنى آخر دون ذلك يوجب الإثم والعقوبة الأخروية وربما كان سببا للوقوع في الزنى الأكبر ألا وهو زنى الجوارح الأخرى وهو ما أشار إليه النبي بقوله: ((العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى)).
أما اللواط وهو وطء الذكر الذكر، فذلك الفاحشة الكبرى والجريمة النكراء إنه مفسدة الدنيا والدين إنه هدم للأخلاق ومحق للرجولة إنه فساد للمجتمع وقتل للمعنويات إنه ذهاب الخير والبركات وجالب للشرور والمصيبات إنه معول خراب ودمار وسبب للذل والخزي والعار، والعقول تنكره والفطر السليمة ترفضه والشرائع السماوية تزجر عنه وتمقته، ذلكم بأن اللواط ضرر عظيم وظلم فاحش، فهو ظلم للفاعل بما جر إلى نفسه من الخزي والعار وقادها إلى ما فيه الموت والدمار، وهو ظلم للمفعول به حيث هتك نفسه وأهانها ورضي لها بالسفول والانحطاط ومحق رجولتها فكان بين الرجال بمنزلة النسوان، لا تزول ظلمة الذل من وجهه حتى يموت، وهو ظلم للمجتمع كله بما يفضي إليه من حلول المصائب والنكبات.
ولقد قص الله علينا ما حصل لقوم لوط حيث أنزل عليهم رجزا من السماء، أي عذابا من فوقهم أمطر عليهم حجارة من سجيل فجعل قريتهم عاليها سافلها، وقال بعد أن قص علينا عقوبتهم وما هي من الظالمين ببعيد [هود:83].
أيها المسلمون: متى فشت هذه الفاحشة في المجتمع ولم يعاقبه الله بدمار فإنه سيحل به ما هو أعظم من ذلك، سيحل به انتكاس القلوب وانطماس البصائر وانقلاب العقول حتى يسكت على الباطل أو يزين له سوء عمله فيراه حسنا، وأما إذا يسر الله له ولاة أقوياء ذوي عدل أُمَناء يقولون الحق من غير مبالاة وينفذون الحد من غير محاباة فإن هذا علامة التوفيق والصلاح. أيها المسلمون: ولما كانت هذه الجريمة أعني جريمة فاحشة اللواط من أعظم الجرائم كانت عقوبتها في الشرع من أعظم العقوبات فعقوبتها القتل والإعدام قال النبي : ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به))، واتفق جمهور الصحابة أو كلهم على العمل بمقتضى هذا الحديث، قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: لم يختلف أصحاب رسول الله في قتله سواء كان فاعلا أم مفعولا به ولكن اختلفوا كيف يقتل فقال بعضهم يرجم بالحجارة وقال بعضهم يلقى من أعلى مكان في البلد حتى يموت وقال بعضهم يحرق بالنار، فالفاعل والمفعول به إذا كان راضيا كلاهما عقوبته الإعدام بكل حال سواء كانا محصنين أم غير محصنين لعظم جريمتها وضرر بقائها في المجتمع فإن بقاءهما قتل معنوي لمجتمعهما وإعدام للخلق والفضيلة ولا شك أن إعدامهما خير من إعدام الخلق الفضيلة.
أيها المسلمون: إن علينا كمجتمع إسلامي قوامه الدين والأخلاق ولله الحمد أن نجتهد بقدر ما نستطيع على التمسك بديننا والتخلق بالأخلاق الفاضلة، وأن يسعى كل منا من الولاة فمن دونهم لمنع الفساد والمفسدين وإصلاح المجتمع وأن نتخذ الحيطة ونتبع مواقع الفساد لتطهيرها. على كل منا أن يراقب حال أولاده وأهله الذكور والإناث فيمنع نساءه من الخروج متبرجات بثياب الزينة والطيب وغيره مما يلفت النظر، ويتفقد أولاده أين ذهبوا وأين غابوا ومن أصحابهم ومن جلساؤهم، وأن يمنعهم من مخالطة السفهاء ومعاشرة من يخشى الفساد بمعاشرتهم، وعلى كل أهل حارة ومحلة أن يتفقدوا محلتهم وحارتهم ويتعاونوا على منع الشر والفساد، فإذا أصلح الرجل أهله وأصلح أهل الحارة جيرانهم وحرص الولاة على إصلاح بلدهم حصل بذلك من الخير ما يكفل السعادة للمجتمع وإن أهمل الناس واجبهم في هذا فاتهم من الخير بقدر ما فوتوا من الواجب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين [الأعراف:170].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. . . |