.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

ماذا ينقمون من أبي هريرة رضي الله عنه؟!

5437

سيرة وتاريخ, قضايا في الاعتقاد

الصحابة, تراجم

عبد الله بن سعد قهبي

جدة

جامع أم القرى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- دعاء النبي لأبي هريرة وأمه رضي الله عنهما. 2- اشتغال أبي هريرة بحفظ حديث رسول الله . 3- أبو هريرة أحفظ الصحابة لحديث النبي . 4- تفنيد شبهات الطاعنين في أبي هريرة رضي الله عنه. 5- حفظ الله تعالى للوحي. 6- جزاء المفترين على الله تعالى.

الخطبة الأولى

أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَخْرٍ، الإِمَامُ الفَقِيْهُ المُجْتَهِدُ الحَافِظُ، صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ ، سَيِّدُ الحُفَّاظِ الأَثْبَاتِ، دعا له النبي ولأمه، فقال عليه الصلاة والسلام: ((اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ المُؤْمِنِيْنَ، وَحَبِّبْهُمْ إِلَيْهِمَا)).

يقول أبو هريرة رضي الله عنه: قال لي النبي يوما: ((أَلاَ تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟)) قال: فقُلْتُ له: يا رسول الله، أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ، فلم يكن لأبي هريرة في الدنيا مطمع، بل كان همه الآخرة، والآخرة خير وأبقى، كان يقول رضي الله عنه: إِنَّ إِخْوَانِي المُهَاجِرِيْنَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَ إِخْوَانِي مِنَ الأَنْصَارِ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرًَا مِسْكِيْنا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ، أَلْزَمُ رَسُوْلَ اللهِ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ، وَأَعِي حِينَ يَنْسَونَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ يَوْما: ((إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِي جَمِيعَ مَقَالَتِي ثُمَّ يَجْمَعُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِلاَّ وَعَى مَا أَقُوْلُ))، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ، حَتَّى إِذَا قَضَى رسول الله مَقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ، ثم يقول: ولولا آية أنزلها الله في كتابه ما حدّثت الناس شيئا أبدا، وهي قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ [البقرة: 159].

عباد الله، لقد ظل أبو هريرة رضي الله عنه يحدث الناس سبعًا وأربعين سنة بعد وفاة النبي ، على مرأى ومسمع من كبار الصحابة والتابعين، ويبلغ الآخذون عنه كما ذكر ذلك البخاري ثمانمائة من أهل العلم، ولا يعرف أن أحدًا من الصحابة بلغ مبلغه في الآخذين عنه، وكلهم يجمع على جلالته والثقة به، حفظ الكثير من الأحاديث، وآتاه الله قلبا واعيا وحفظا دقيقا، وعرف بالصدق والإيمان والتقوى والمروءة والأخلاق، وكان يتحمل ألم الجوع حتى لا يفوته شيء من حديث رسول الله .

يقول الإمام البخاري في صحيحه: قال أبو هريرة رضي الله: (والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد على الأرض بكبدي من الجوع، وأشد الحجر على بطني)، كل ذلك حرصا على العلم وتحصيله، بل شهد له النبي ببروعه في العلم، وأمّن عليه الصلاة والسلام على دعاء أبي هريرة رضي الله عنه حين قال: اللهم إني أسألك علما لا ينسَى، فقال النبي : ((آمين)).

إن أبا هريرة رضي الله عنه محفوف بالعناية الإلهية والدعوات النبوية الكريمة، فيا عجبا كيف يستكثر المنافقون على أبي هريرة رضي الله عنه حفظَ بضعة آلاف من أحاديث النبي لم تبلغ العشرة آلاف حديث؟! أوَمَا يعلم هؤلاء أن أبا هريرة رضي الله عنه أصبَح بعد دعوة الحبيب مهيّئا لحفظ ما شاء من العلوم ببركة دعوة الحبيب عليه الصلاة والسلام؟! أوَما يعلم هؤلاء أن صغارَ المسلمين اليوم يحفظون من الأحاديث أكثر مما حفظ أبو هريرة رضي الله عنه وهو محفوف بدعوة نبوية كريمة؟! بل إن كثيرا من العلماء المعاصرين والسابقين حفظوا من مشكاة الوحي والسنة النبوية أضعاف أضعاف ما حفظه أبو هريرة رضي الله عنه من الأحاديث، فهل نستكثر عليهم ذلك وقد وهبهم الله من فضله ورحمته؟! فكيف نستكثر ونستكبر على أبي هريرة ما حفظ من السنة؟! ولكن ما نقول إلا كما قال الله في كتابه: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46].

عباد الله، إن حفظ القرآن لو قيس بعدد أحاديث السنّة لبلغ مئات الآلاف من الأحاديث، ومع ذلك نجد من أبناء المسلمين اليوم من يحفظه وهو لا يتجاوز الرابعة من عمره، ألا فلعنه الله على من يلمزون أصحاب محمد خير القرون المفضلة الذين زكاهم الله جملة بقوله: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، ورضي عنهم بقوله: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 100].

يقول طلحة بن عبيد الله وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة والملقب بطلحة الخير: لا أشك بأن أبا هريرة رضي الله عنه سمع من رسول الله ما لم نسمع، وشهد له عبد الله بن عمر فقال: يا أبا هريرة، أنت كنت ألزمنا لرسول الله وأحفظنا لحديثه، قال الشافعي رضي الله عنه: "أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في عصره".

ومن هنا فإني أحذر الذين يطعنون في هذا الصحابي الجليل بأن الطعن به طعن بالنبي الذي وثّقه، وطعن بكبار الصحابة والتابعين الذين روَوا عنه ووثّقوه، وتطاول على السنة الشريفة، قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65، 66]. يقول الإمام القرطبي رضي الله عنه: "إن الطاعن في رواية هذا الصحابي طاعن في الدين خارج عن الشريعة مبطل للقرآن".

ثم نقول للمنافقين وأشباههم: ألم يتكفل الله تعالى بحفظ القرآن في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9]؟! أوَليس من الحفظ للقرآن حفظ السنة لأن السنة مبينة للقرآن؟! وهل يتبين لنا فهم القرآن إلا بما رواه الصحابة عن نبينا ؟! ولو لم يحفظ الله لنا السنة لكان ذلك سببا في عدم حفظ القرآن، لكن الله بين لنا بيانا جليا بحفظ الوحي، والوحي يشمل الكتاب والسنة، قال : ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)) أي: من السنة، وكلاهما وحي نطق به محمد بعد أن لقنه جبريل عليه السلام ذلك، قال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3، 4]، ولو لم تكن السنة محفوظة لما علمنا كيف نصلي وكيف نصوم وكيف نزكي، قال الله جل ذكره وتقدست أسماؤه لنبيه محمد : وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44]، وقال أيضًا جل ذكره: وَمَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: 64]؛ ولهذا قال رسول الله : ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)) يعني: السنة.

والسنة أيضا تنزل على النبي بالوحي كما ينزل القرآن تماما، إلا أنها لا تتلى كما يُتْلَى القرآن، قال الشافعي رحمه الله: "كل ما حكم به رسول الله فهو مما فهمه من القرآن"، وقال الأوزاعي رحمه الله عن حسان بن عطية رحمه الله: "نزل جبريل بالسنة على قلب محمد كما نزل بالقرآن"، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أما الرسول فينزل عليه وحي القرآن ووحي الحكمة، والحكمة هي السنة المذكورة في قوله سبحانه: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة: 129]، وكقوله سبحانه: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب: 34]، وصدق النبي حين قال: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)).

عباد الله، لو افترى أبو هريرة رضي الله عنه على وحي السنة لكان الله له بالمرصاد، تأملوا معي ماذا يقول الله تعالى لنبيه ، قال تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [الحاقة: 44-47]، قال ابن كثير رحمه الله: لو كان مُحَمَّد كَمَا يَزْعُمُونَ مُفْتَرِيًا عَلَيْنَا فَزَادَ فِي الرِّسَالَة أَوْ نَقَصَ مِنْهَا أَوْ قَالَ شَيْئًا مِنْ عِنْده فَنَسَبَهُ إِلَيْنَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَعَاجَلْنَاهُ بِالْعُقُوبَةِ، فكيف بمن هو أدنى منزلة من الرسول وتقوّل على شرع الله وسنة رسول الله ؟! وحاشا رسول الله وحاشا صاحب رسول الله أن يتقولوا على الله شيئا لم يأمر الله به. فاللهم عليك بمن سب أصحاب نبيك .

 عباد الله، وفي عصر العلم الحديث وفي هذا القرن تسبق وتنير روايات أبي هريرة رضي الله عنه لعلماء هذا العصر الطريق للغوص في لجج العلم المتفرّق سواء في الأرض أو في السماء أو في الفضاء أو في البحار أو في الطب أو في النباتات أو الجبال وعدّد ما شئت، روايات صحيحة صريحة شهد لها الأعداء من أهل العلم بصدق دلالاتها العلمية، وأعلنوا ذلك في مؤتمراتهم الإسلامية والعالمية علانية وسرّا، ومن شاء أن يتبين من ذلك فليراجع مواقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ليرى ويسمع من كبار علماء الغرب التصريح الصريح في إنارة روايات أبي هريرة رضي الله عنه لبحوثهم العلمية السابقة والمستقبلية التي أفنوا فيها عشرات السنين من أعمارهم، فماذا يدل ذلك أيها المكابرون؟! وماذا يدل ذلك أيها المعاندون؟! وماذا يدل ذلك أيها المستهزئون؟!

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65، 66]، والحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً