عباد الله، فكرت في موضوع لمقامي هذا، فوجدت موضوعا خطيرا ومرضا جسيما استحييت من طرحه، ولكن عندما رأيت المرض قد استشرى والخطر قد عظم وتاه كثير من الآباء عن الأبناء وكثُر من أحبَّ الفاحشة وظهورَها والمعصية والمجاهرةَ بها وقلَّ الوازع الديني والخوف من الله وقلّ الزواج المبكّر وكثرت الشهوة المحرمة استعنتُ بالله، وقد شدَّ من أزري تحذيرُ الله في كتابه ومحمد في سنته، فقلت:
عباد الله، احمدوا الله ربكم واشكروه على نعمه، فأنتم تتقلبون في خير مدرار ونعم غزار، لا يحصيها محصٍ ولا يعدها عادّ ما تعاقب الليل والنهار، واتقوه سبحانه فهو أهل التقوى وأهل المغفرة، عز جاهه وتباركت أسماؤه.
أيها المسلمون، إن رأس المال الذي لا غنى عنه لعبد في كل وقت تحقيق العبودية وتمحيص التوحيد لله سبحانه، فعلى ذلك فطر الله الناس، وبذلك أمرهم، ولأجل ذلك بعث المرسلين في كل أمة وجدت على وجه البسيطة، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ [النحل: 36]، ولذا كان كل نبي يبعثه الله إلى قوم يبادر إلى أمرهم بتوحيد الله وإخلاص العبادة له قائلاً لهم: ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون: 23]. وبعد بيان ذلك وإقامة البراهين عليه يعرج كل نبي على أبرز المعاصي والمخالفات التي يقع فيها قومه، فيحذرهم منها، ويبين لهم عاقبتها وخطورة أمرها، فمن تاب وأناب تاب عليه ربه وأنجاه، وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ [فصلت: 18]، ومن كفر واستكبر وطغى وتجبر وعصى المرسلين واستمر في غيّه وعدوانه حاق به العذاب الأليم بصنوفٍ وأشكال يقدرها الله القوي العزيز، وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]، فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40].
وقد حكى الله تعالى لأمة محمد في القرآن الكريم قصص أولئك الأقوام الذين عصوا ربهم واستكبروا لتحذر ذلك المصير وتأخذ العظة والعبرة، ومن أولئك الأقوام العصاة الذين نزل بهم بأس الله الشديد قوم كفروا بربهم، وزادوا على الكفر ارتكاب فاحشة لم يسبقوا إليها، خالفوا فيها الفطرة التي فطر الله الخلق عليها، فوقعوا في تلك الفاحشة العظيمة والفعلة القبيحة التي تأنف منها المخلوقات، حتى البهائم والعجماوات لم تصنع كصنيعهم، ولم يزل نبيهم عليه الصلاة والسلام يحذرهم وينذرهم ويذكرهم بربهم ويبين لهم شناعة ما اقترفوه وولغوا فيه، فمرة يقول لهم: أَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن ٱلْعَـٰلَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرّجَالَ شَهْوَةً مّن دُونِ ٱلنّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ [الأعراف: 80، 81]، ومرة يقول: أَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ أَءنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرّجَالَ شَهْوَةً مّن دُونِ ٱلنّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [النمل: 54، 55]، ولكنهم لم ينتهوا، بل طغوا واستكبروا وتحدوا، فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءالَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل: 56]، فلما نكصوا على أعقابهم وأصروا على كفرهم ومعصيتهم جاء القدر المقدور والأمر الذي لا يُردّ من رب العالمين، فعذِّبوا وأهلكوا بعذاب لم يسبق مثله لأمة من الأمم جزاءً لهم على كفرهم وفعلهم هذه الفاحشة التي لم يسبقوا إليها، فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ مَّنْضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبّكَ، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى: فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً من طين معدة لذلك قوية شديدة، يتبع بعضها بعضًا في نزولها عليهم".
عباد الله، وإن مما قدره الله تعالى أن أناسًا من هذه الأمة يقعون في تلك الفعلة العظيمة والفاحشة الشنيعة، ولما كان فعل قوم لوط أعظم الفواحش وأضرها على الدين والمروءة والأخلاق فهو داء عضال متناه في القبح والشناعة، وهو شذوذ عن الفطرة وانحراف عن الجادة، يمجّه الذوق السليم، وتأباه الفطرة السوية، وترفضه وتمقته الشرائع السماوية، لما له من عظيم الأضرار وما يترتب عليه من جسيم الأخطار، فآثاره السيئة يقصر دونها العدّ، وأضراره المدمرة لا تقف عند حد، فشأنه خطير، وشره مستطير، يفتك بالأفراد، وينهك المجتمعات، ويمحق البركات والخيرات، ويتسبب في وقوع العقوبات وحلول النكبات، لما كان الأمر كذلك فإنه ليس من بدع القول أن يتكلم فيه خطيب أو يتحدث في خطره داعية، فنصوص القرآن والسنة جاءت فيه محذرة ومن عقوبته منذرة، كما تكلم في ذلك السلف الصالح وألف فيه العلماء مؤلفات وكتبًا، ويكفي من ذلك كله أن القرآن الكريم أشار إلى ذلك الفعل وذكر عقوبة من وقع فيه في آيات عدة تتلى إلى يوم القيامة، ومن هنا ـ أيها المسلمون ـ لا غرو ولا عجب في طرح مثل هذا الموضوع بيانًا وتحذيرًا، والله تعالى أعلم وأحكم بما يصلح لعباده.
عباد الله، فلعن الله من عَمِلَ عمل قوم لوط وركب المردَ والغلمان وسبّب الفساد ودعا إليه وأنفق ماله فيه، تلك الفاحشة الكبرى والجريمة النكراء التي هي مَفسدةٌ للدين والدنيا وهدم للأخلاق ومحق للرجولة وفساد للمجتمع وقتل للمعنويات وذهاب للخير والبركات وجلب للشرور والمصائب، إنها معول هدم وخراب ودمار وسبب للذل والخزي والعار، والعقول والفطر السليمة تنكره وترفضه، والشرائع السماوية تزجر عنه وتمقته، ذلك لأن اللواط ضرر عظيم وظلم فاحش، فهو ظلم للفاعل بما جرّ إلى نفسه من الخزي والعار، وقادها إلى ما فيه الموت والدمار، وهو ظلم للمفعول به حيث هتك نفسه وأهانها ورضي لها بالسفول والانحطاط ومحق رجولتها، فكان بين الرجال بمنزلة النساء، لا تزول ظلمة الذل من وجهه حتى يموت، وهو ظلم للمجتمع كله بما يفضي إليه من حلول المصائب والنكبات، ومتى فشت الفاحشة في مجتمع من المجتمعات ولم يعاقبهم الله بدمار الديار فإنه سيحل بهم ما هو أعظم من ذلك، سيحل بهم انتكاس القلوب وانطماس البصائر وانقلاب العقول، حتى يسكتوا على الباطل، ويزين لهم سوء عملهم فيروه حسنًا، وكذلك تفشو فيهم الأمراض التي لم تكن في أسلافهم.
ولما كانت جريمة فاحشة اللواط من أعظم الجرائم كانت عقوبتها في الشرع من أعظم العقوبات، فعقوبتها القتل والإعدام، قال رسول الله : ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به))، واتفق جمهور الصحابة أو كلهم على العمل بمقتضى هذا الحديث، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لم يختلف أصحاب رسول الله في قتله سواء كان فاعلاً أو مفعولاً به، ولكن اختلفوا كيف يقتل، فقال بعضهم: يرمى بالحجارة، وقال آخرون: بل يلقى من أعلى مكان في البلد حتى يموت، وقال بعضهم: يحرق بالنار"، فالفاعل والمفعول به إذا كان راضيًا كلاهما فعقوبتهما الإعدام بكل حال، سواء كانا محصنين أم غير محصنين لعظم جريمتهما وضرر بقائهما في المجتمع؛ لأن بقاءهما قتلٌ معنوي لمجتمعهما وإعدام للخلق والفضيلة، ولا شك أن إعدامهما خير من إعدام الخلُق والفضيلة.
وأي معصية يعافها الذوق وتنفر منها الطباع السليمة مثل اللوطية التي لا تفعلها الحمير، ولا ترضى بها الكلاب ولا الخنازير؟! فكيف يرضى بها بشر سوي منحه الله عقلاً يفكِّر به؟! فداء اللوطية داء عضال، والمصاب بها عضو مسموم في جسم الأمة، يجب قطعه قبل أن يسري منه الداء إلى غيره، وهي نتيجة الترف والتمادي في الشهوات، قال الفضيل بن عياض: "لو أن لوطيا اغتسل بكل قطرة من السماء لقي الله غير طاهر"
و مما قيل في ذم هذه الجريمة:
كلـوا واشربـوا و أكثـروا فإنْ نَّ لكم زفـا إلى نـاره الكبْرى
فإخوانكم قد مهـدوا الدار قبلكم وقـالوا: إلينـا عجلوا البشرى
وها نحن أسلاف لكم فِي انتظاركم سيجمعنا الجبار فِي ناره الكبْرى
ولا تحسبـوا أن الذين نكحتمـوا يغيبـون عنكم بل ترونهم جهرا
ويلعن كل منكم لِخليله ويشقـى به المحزون فِي الكرة الأخـرى
يعذب كل منهم بشريـكه كمـا اشتركـا فِي لذة توجب الوزرا
عباد الله، وما كنا لنصدق زفاف الرجال على الرجال وعقد القران عليهم إلا في هذا الزمن الذي كثر شر أهله، ويشك كثير من أهل الفطر السليمة وجود هذا في مجتمعات اليوم التي تدّعي التحضر والمدنية، ولولا الدعوة الصريحة لذلك في مؤتمرات الانحطاط العالمية مؤتمرات السكان وحقوق الإنسان التي تنعقد على مرأى ومسمع الجميع والدعوة بالسماح للجنس الثالث بممارسة تلك الفاحشة وزواج الرجال من بعضهم ويعتبرون ذلك من حقوقهم كما يزعمون ويخدعون وبئس ما يقولون، لولا تلك الدعوات والمؤتمرات لما تمّ تصديقه، وقال عز وجل: فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأبْصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ [الحج: 46].
والمسلم يصدّق بوقوع ذلك لأنه هو الواقع والمطالب به، ويصدق خبر رسول الله حين أخبر بأن من علامات الساعة اكتفاء الرجال بالرجال باللواط والنساء بالنساء بالسحاق وزفاف الغلمان من الرجال على الرجال من جنسهم كما تزف المرأة في ليلة زفافها وزواجها، وهذا واقع الآن في بعض البلاد الكافرة، ولم يعد الأمر خافيًا على أحد، بل أصبح علنًا والمطالبات به على مرأى ومسمع من العالم بأسره من خلال وسائل الإعلام والاتصالات المختلفة والمؤتمرات المعلومة، وقد ذكر وقوع زلزال في دولة غربية منحطة عندما احتفلوا بعقد قران رجل على رجل في ليلة من تلك الليالي، فأذاقهم الله العذاب العاجل قبل الآجل، ونسمع عن أشياء يندى لها الجبين ويتنزه عنها المقام من الذين خرجوا عن الفطرة حتى صاروا أخس من العجماوات والحيوانات التي تطلب إناثها بدافع الشهوة، ولكنها تطلب النسل الذي به يحفظ كل نوع منها، فصار أولئك القوم أحط منها، نسأل الله العافية مما ابتلاهم.
عباد الله، ومما يجدر التنبيه له أن من اللواط والجرم الكبير الذي استهان به بعض الناس إتيان المرأة في دبرها، فبعض الشاذين من ضعاف الإيمان لا يتورع عن إتيان امرأته في دبرها، وهذا من الكبائر، وقد لعن النبي من فعل هذا، فعن أبي هريرة مرفوعا: ((ملعون من أتى امرأة في دبرها))، بل إن النبي قال: ((من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد))، نسأل الله العفو والعافية.
اللهم إنا نعوذ بك من المعاصي ومن شر المعاصي وأن نكون من أهل المعاصي.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، استغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|