أما بعد: أيها الناس، فاتقوا الله، واعلموا أن جميع ما يتقلب فيه الإنسانُ طول عمره إنما هو بمحض قضاء الله وقدره.
ألا وإنه قد دخل عليكم شهر مباركة أوقاته ميمونة ساعاته، لا ينسب إليه شر ولا ضير، بل هو صفر الخير، وقد كانت الجاهلية يتشاءمون به وهو مبارك، ويتطيرون منه وليس لله جل جلاله في مشيئته وتقديره بمشارك، وإنما هو إلى شركهم وشرّهم وسخافة عقولهم ومحض كفرهم، وكيف ينسب فعل إلى شهر أو زمان والله خالق الزمان والمكان؟!
وقد بطل التطير والتشاؤم ولم يبق له أثر بما رواه البخاري في صحيحه عن رسول الله سيد البشر أنه قال: ((لا عدوى، ولا طيرة، ولا صفر))، وعن رسول الله أنه قال: ((إذا ظننتم فلا تحقِّقوا، وإذا حسدتم فلا تبغوا، وإذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا))، وعن النبي أنه قال: ((إن سبعين ألفًا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب))، فسُئل عنهم فقال: ((هم الذين لا يَكْتَوُونَ، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون))، وقال : ((الطيرة شرك)).
فمن اعتقد ما يتشاءم به سببًا مؤثِّرًا في حصول المكروه فقد أشرك، ولعقيدة التوحيد والموحدين ترَكَ؛ إذ لا فاعل إلا الله، ولا مؤثِّر في الكائنات سواه، وإنما الزمان ليالٍ وأيام، تختلف بتقدير العزيز العلام، فلا شؤم لصفر، ولا جمود لجمادَى، ولا بلاء ولا نحس ليوم أربعاء، بل ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ [التغابن: 11]، وقال جل جلاله: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ [التوبة: 51].
|