أمَّا بَعدُ: فَقَدْ أوصَاكُمُ الله تَعَالَى بِتَقْواهُ إنْ كُنتُم تُرِيدُونَ الفَوْزَ بِجَنَّتِهِ، فاتَّقُوا الله جَميعًا ـ أيُّها النَّاسُ ـ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
عباد الله، إنَّ مِنْ جَوَامِعِ الكَلِمِ الَّتي أُوتيهَا نَبيُّنَا مُحمدٌ والَّتي جَاءَتْ بألْفَاظٍ قَليلَةٍ غَيرَ أنَّهَا تَحملُ مَعَاني كَبيرَة مَا رَوَاهُ الإمَامُ أحمدُ فِي مِسْنَدِه بِسَنَدٍ صَحيحٍ عَنْ جُبَيرِ بنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قامَ فِينَا رَسُولُ الله بالخَيفِ مِنْ مِنَى فَقَال: ((نَضَّر الله امْرءًا سَمِعَ مَقَالَتي، فَوَعَاهَا ثُمَّ أدَّاها إلى مَنْ لم يَسْمِعْهَا، فُرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لا فِقْهَ لَهُ، ورُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أفْقَهُ مِنهُ، ثَلاثٌ لا يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ المُؤمِنِ: إخْلاصُ العَمَلِ لله، والنَّصِيحَةُ لِوَليِّ الأمْرِ ـ وفِي رِوَايةٍ: طَاعَةُ ولِيِّ الأمْر ـ ولُزُومُ الجَماعَةِ، فَإنَّ دَعْوَتَهُمْ تَكُونُ مِنْ وَرَاءِهِ))، وفِي لَفْظٍ: ((فإنْ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ بهِمْ مِنْ وَرائِهِم)).
يَقُولُ شَيخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّة رَحِمَهُ الله: "وهَذِهِ الثَّلاثُ المَذْكُورَةُ فِي الحَدِيثِ تَجمَعُ أُصُولَ الدِّينِ وقَوَاعدَهُ، وتَجمَعُ الحُقُوقَ الَّتي لله والتِي لِعِبَادِه، وتَنْتَظِمُ مَصَالِح الدُّنْيَا والآخِرَةِ".
وابْتَدَأ الشَّيْخُ مُحمدُ بنُ عَبدِالوَهَّاب رَحِمهُ الله كِتَابَهُ الذِي جَمَعهُ فِي المَسَائِلِ الَّتي خَالَفَ فِيهَا رَسُولُ الله أهلَ الجَاهِلِيَّةِ، ابْتَدَأهُ بِهَذِه الثَّلاثَةِ الأمُورِ المَذْكُورَةِ في الحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ: "ولَمْ يَقَعْ خَلَلٌ فِي دينِ النَّاسِ ودُنْياهُمْ إلاَّ مِنَ الإخْلالِ بِهذِهِ الوَصِيَّةِ".
وقَدْ جَمَعَ هَذَا الحَدِيثَ مَرَاتِبَ الِفقْهِ والعِلْمِ مَعَ مَرَاتِبِ الدِّينِ، وقَدْ أوضَحَهَا ابنُ القَيِّم، يَقُولُ رَحِمَهُ الله: "وَلَو لَمْ يَكُنْ فِي فَضْلِ العِلْمِ إلاَّ هَذَا الحَديث وَحْدَهُ لَكَفَى بهِ شَرَفًَا، فإنَّ النَّبيَّ دَعَا لِمَنْ سَمِعَ كَلاَمَهُ ووَعَاهُ وحَفِظَهُ وبَلَّغَهُ، وهَذِهِ هِيَ مَرَاتِبِ العِلْمِ".
فأبْلَغ شَيءٍ فِي هَذَا الحَدِيثِ أنَّ النَّبيَّ دَعَا لِمَنْ سَمِعَ هَذِهِ النَّصَائِحَ الثَّلاث وفَهِمَهَا ثُمَّ أدَّاهَا إلى غَيرِهِ بأنْ يَجعَلَهُ الله نَضِرًا، فَمَراتِبُ العِلمِ هِيَ سَمَاعُهُ وعَقْلُهُ، فإنَّهُ إذَا سَمِعَهُ عَقَلَهُ قَلبُهُ واسْتَقَرَّ فيهِ كمَا يَسْتَقِرُّ الشيءُ فِي الوِعَاءِ، ثُمَّ تَعَاهَدَهُ بَعدَ ذَلِكَ حَتَّى لا يَنْسَاهُ فَيَذْهَبَ، ثُمَّ بَعدَ ذَلِكَ يُبَلِّغُهُ ويَبُثُّهُ في الأمَّةِ لتَحْصُلَ الثَّمَرةُ المقْصُودَةُ، فَمَنْ قَامَ بِهَذِهِ المَرَاتِبِ الأرْبَع دَخَلَ تَحْتَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ النَّبَوِيَّةِ المُتَضَمِّنَةِ جَمَالَ الظَّاهِرِ والبَاطِنِ، فَإنَّ النَّضْرَةَ هِيَ البَهْجَةُ والحُسْنُ الذي يُكْسَاهُ الوَجْهُ مِنْ آثَارِ الإيمَانِ، وابْتِهَاجُ البَاطِنِ بهِ وفَرَح القَلْبِ وسُرُورهِ والْتِذَاذهِ بهِ، كَمَا جمَعَ الله بَينَ النّضْرَةَ والسُّرُورِ في قولِهِ سُبْحَانَهُ: فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [الإنسان: 11]. ولِذَلِكَ تَجِدُونَ أكثَرَ النَّاسِ انْشِراحًا وتَلَذُّذًا بالحَيَاةِ هُمْ أكثرُ النَّاسِ تَمَسُّكًا بِهَدْيِ النَّبيِّ .
ثُمَّ إنَّ هَذَا الحَدِيثَ ـ عِبادَ الله ـ قَدْ جَمَعَ أُصُول الدِّينِ الذِي بِهِ تَسْتَقِيمُ حَيَاةُ النَّاسِ فِي جَميعِ أُمُورِهِمْ، ولِذَلِكَ فَإنَّ مَنْ جَمَعَ هَذِهَ الأمُورَ خَلا قَلْبهُ عَنِ الغِلِّ فَلَمْ يَحمِلْهُ، فَإنَّهَا تَنْفِي الغِلَّ والغِشَّ وفَسَادَ القَلْبِ وسَخَائِمَهُ، يَقُولُ ابنُ عَبدِ البَرِّ شَارِحًا قَولَهُ : ((ثَلاَثٌ لا يُغَلُّ عَلَيهِنَّ)): "مَعْنَاهُ: لا يَكُونُ القَلْبُ عَلَيهِنَّ ومَعَهُنَّ غَليلاً أبَدًا، فَلا يَقْوَى فِيهِ مَرَضٌ ولا نِفَاقٌ إذَا حَقَّقَ هَذِهِ الثَّلاثَةَ"، وقَالَ ابنُ الأثِيرِ: "والمَعْنَى أنَّ هَذِهِ الخِلالَ الثَّلاثَ تُسْتَصْلَحُ بِهَا القُلُوبُ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا طَهَّر قَلْبَهُ مِنَ الخِيَانَةِ والدَّغَلِ والشَّرِّ".
ثُمَّ فِي قَولِهِ : ((فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أفْقَهُ مِنْهُ)) تَنْبيهٌ دَقِيقٌ لِكُلِّ دَاعٍ إلى الخَيرِ ومُبَلِّغٍ لَهُ قَدْ يَنْقُلُ كَلامًا يَفْهَمُهُ المُبَلِّغُ أكْثرَ مِنْ فَهْمِ النَّاقِلِ، فيَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِ تِلكَ الدَّعْوَةِ الخيرُ الكَثِيرُ، فَلا عَلَيهِ بعدَ ذَلِكَ تَكْرَارَ الدَّعْوَةِ للنَّاسِ، ولا يَلْتَفِتُ إلَى المَوَانِعِ والصَّوَادِّ.
عِبادَ الله، الإخْلاصُ لله تَعَالَى فِي جَميعِ العِبَادَةِ هُوَ سَبِيلُ الخَلاَصِ، والإسْلامُ مَركَبُ السَّلامَةِ، والإيمَانُ خَاتَمُ الأمَانِ، فَمَنْ أخْلَصَ لله فِي عِبَادَتِهِ فَإنَّ إخْلاصَهُ يَمْنَعُ غِلَّ قَلْبِهِ ويخْرِجُهُ ويُزِيلُهُ جُمْلَةً؛ لأنَّ القَلْبَ مُنْشَغِلٌ بالله سُبْحَانَهُ، فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ لأحَدٍ غَيرِه شَيئًا، يَقُولُ الله عَنْ يُوسُفَ: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 24]. فَلمَّا أخْلَصَ لِرَبِّهِ صَرَفَ عَنْهُ دَوَاعِي السُّوءِ والفَحْشَاءِ، ولمَّا عَلِمَ إبْليسُ أنَّهُ لا طَرِيقَ لَهُ عَلَى المُخْلِصينَ لله فِي عِبَادَاتِهمْ قَالَ: فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:39، 40]، ويَقولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ [الحجر: 42].
فمَنْ دَخَلَ فِي صَلاةٍ مَثلاً وجَعَلَ قَصْدَهُ الله سُبْحَانَهُ وانْشَغَلَ بِصَلاتِهِ فلا يَسْتَطِيعُ الشَّيْطانُ أنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ، واسْتَمْتَعَ المُصَلِّي بِهذِهِ الصَّلاَةِ سَاجِدًا ورَاكِعًا، كَيْفَ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الصَّلاةُ رَابِطَةً بَيْنَ العَبدِ وبَينَ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ؟! لِذَلِكَ قَالَ لبِلالٍ: ((أَرِحْنَا بالصَّلاةِ يا بِلالُ)). فالمُؤْمِنُ يَجِدُ في الصَّلاةِ لَذَّةً تُكْسِبُهُ بَعدَ ذَلِكَ نَضْرَةً وجَمَالاً، وقَدْ أوضَحَ ذَلِكَ قَولُ النَّبيِّ فِي الحديثِ الآخَرِ: ((يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأسِ أحَدِكُمْ إذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإذَا قَامَ فَذَكَرَ الله انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وإذَا تَوضَّأ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإذَا قَامَ فَصَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ الثَّلاثُ، وأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وإلاَّ أصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
فَهَذِهِ ثَمَرَة العِبَادَةِ الخَالِصَةِ لله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، تُورِثُ نَشَاطًا في الدُّنْيَا وفَلاحًا في الآخِرَةِ.
أمَّا الثَّانِيَةُ الَّتِي إذَا فَعَلَهَا المُؤمِنُ زَالَ غِلّ قَلْبِهِ وَغِشُّهُ فَهِيَ النَّصِيحَةُ، النَّصِيحَةُ لا تُجَامِعُ الغِلّ أَبدًا، هِيَ ضِدُّهُ، فَمَنْ نَصَحَ الأمَّةَ والأئِمَّةَ فَقَدْ بَرِئ مِنْ الغِلِّ، وتَزْدَادُ أهميةُ النَّصِيحَةِ بأهميَّةِ المُنْتَفِعِ مِنْهَا، ولِذَا نَصَّ في بَعْضِ رِوَاياتِ الحَديثِ عَلَى إمَامِ المُسْلِمينَ؛ لأنَّ صَلاحَهُ صَلاحٌ لِكُلِّ مَنْ تحتَ يَدِهِ.
كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ إذَا سَمِعَ مِثلَ هَذِهِ الأحَاديثِ وهِيَ النُّصْحُ لِوَليِّ الأمْرِ انْطَلَقَ فَهْمُهُ إلَى الإمَامِ الأعْظَمِ أو خَلِيفةِ المسلِمينَ، ثُمَّ قَعَسَتْ نَفْسُهُ عَنِ النَّصِيحَةِ؛ بأنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ الوُصُولَ إليهِ، ثُمَّ إنَّهُ يَخْشَى بَطْشَ الحَاكِمِ وأذِيَّتَهُ إذَا مَا قِيلَ لَهُ: إنَّك عَلَى خَطأ، وهَذَا فَهمٌ غيرُ صَحِيحٍ، فإنَّ النَّبيّ لمَّا سُئِلَ عَنِ النَّصِيحَةِ: لِمَنْ تَكُونُ؟ قَالَ: ((للهِ ولِكِتَابهِ ولِرَسُولِهِ ولأئِمَّةِ المُسلِمينَ وعَامَّتِهِمْ))، وقَالَ أيْضًا: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))، وقَالَ: ((مَنْ اسْتُرعِيَ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهمْ بِنَصِيحَةٍ لم يَجِدْ رِيحَ الجَنَّةِ، ورِيحُهَا يُوجَدُ مِنْ مَسيرَةِ خَمسِمائَةِ عَامٍ)). فَكلّ مَنْ تَولَّى أمرًا مِنْ أمورِ المُسْلِمينَ حَتَّى وإنْ كَانَ صَغِيرًا فَيَجِبُ عَلَى مَنْ دُونَهُ مُنَاصَحَتُهُ والأخْذُ عَلَى يَدَيهِ؛ بِعَدَمِ السُّكُوتِ عَلَى خَطَئهِ، فالمُدِيرُ فِي عَمَلٍ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ دُونَهُ مِنْ مَوظَّفِيهِ مُنَاصَحَتُهُ والأخْذُ عَلَى يَدَيهِ، وإلاَّ أثِمُوا بِتَقْصيرهِم؛ لأنَّهُمْ لم يُؤَدُّوا مَا أمَرَهُمُ الله بِهِ، ثُمَّ تَجِدُ مِصْدَاقَ قَولِ النَّبيِّ ، فَتَجِدُ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَى ذَلِكَ المَسؤُولِ عَنْهُمْ مِنَ الغِلِّ والحِقْدِ شَيئًا كَبيرًا، يَزُولُ عَنْهُمْ ويَذْهَبُ لَو أنَّهُمْ أبْدَوا إليْهِ نُصْحًا وأرْشَدُوهُ.
يَقُولُ أنَسَ بنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: كَانَ الأكَابِرُ مِنْ أصْحَابِ رَسُولِ الله يَنْهَونَنَا عَنْ سَبِّ الأمَرَاءِ. وقَالَ أبُو الدَّرْدَاءُ رَضِيَ الله عَنْهُ: (إنَّ أوَّلَ نِفَاقِ المَرْءِ طَعْنُهُ عَلَى إمَامِهِ). وقَالَ أبُو إسْحَاقُ: "مَا سَبَّ قَوْمٌ أميرَهُمْ إلاَّ حُرِمُوا خَيرَهُ". وقَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ الله عَنْهُ: (إذَا كَانَ وَالِي القَومِ خَيْرًا مِنْهُمْ لَم يَزَالُوا فِي عَلْيَاءَ، وإذَا كَانَ وَاليهِمْ شَرًّا مِنْهُمْ ـ أو قَالَ: شَرّهُمْ ـ لَم يَزْدَادُوا إلاَّ سَفَالاً).
وَثَمَّةَ أمْرَانِ ـ أيُّهَا الإخْوَةُ ـ لاَ بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا فِي هَذَا البَابِ:
أمَّا أوَّلُهُمَا: فَهُوَ أنَّ الحَاكِمَ والملِكَ إنَّمَا بُويعَ اسْتِجَابَةً لأمرِ الله تَعَالى بالبَيْعَةِ، ثُمَّ لِتَسْتَقِيمَ أمُورُ النَّاسِ بذَلِكَ، فَتَسْتَقِيم عِبَادَاتُهُمْ، لم نُبَايعِ المَلِكَ لِيُعْطِينَا المَالَ، فإنْ كَانَ أحَدٌ قَصَدَ إلى ذَلِكَ فَقَدْ جَرَّ عَلَى نَفْسِهِ خَطَرًا كَبيرًا، فَقَدْ أخْرَجَ عَبدُ الرَّزَّاقِ وأحْمَدُ ومُسْلِم وغَيْرهُم عَنْ أبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله : ((ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمْ الله يَومَ القِيَامَةِ ولا يَنْظُرُ إليْهِمْ ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ: رَجُلٌ مَنَعَ ابنَ السَّبِيلِ فَضْلَ مَاءٍ عِنْدَهُ، ورَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ كَاذِبًا فَصَدَّقَهُ فاشْتَرَاهَا بِقَوْلِهِ، ورَجُلٌ بَايعَ إمَامًا فَإنْ أعْطَاهُ وَفَّى لَهُ وإنْ لَم يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ)).
فاتَّقِ الله يَا عبدَ اللهِ، ولا يَكُنْ شُغْلُكَ الشَّاغِلَ لَكَ أكلَ فُلانٌ مِنْ أمْوَالِ الدَّولَةِ كَذَا وأكلَ فُلانٌ كَذَا، سَألَ رَجُلٌ عُمَر بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله عَنْهُ: أن لا أخَافَ في الله لَومَةَ لائِمٍ خَيرٌ لِي أمْ أقبِلُ عَلَى أمْرِي؟ فَقَالَ: أمَّا مَنْ وَلِي مِنْ أمرِ المُسْلِمينَ شَيئًا فَلا يَخَفْ في الله لَومَةَ لائِمٍ، ومَنْ كَانَ خِلْوًا فَلْيُقْبِلْ عَلَى نَفْسِهِ وليَنْصَحْ لأميرهِ.
أمَّا الثَّاني: فَهُوَ أنَّ ذِمَّة الإنْسَانِ تَبرأ بإنْكَارِ المُنْكَرِ والخَطأ، فَإنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ النُّصْحَ كَأنْ يَكُونَ أكِيلَهُمْ وشَرِيبَهُمْ أو ذَا كَلِمَةٍ مَسْمُوعةٍ نَصَح وبَرَأتْ ذِمَّتُهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الأمْرِ شَيءٌ فَيُنْكِرُ بِقَلبِهِ ويَدْعُو لَهُ بالصَّلاحِ، فَهَذَا مِنَ النَّصِيحَةِ، سُئِلَ مَالكُ بنُ أنسٍ: أيَأتِي الرَّجُلُ إلَى السُّلْطانِ فَيَعِظُهُ ويَنْصَحُ لَهُ ويَنْدُبُهُ إلى الخَيرِ؟ فَقالَ: إذَا رَجَا أنْ يَسْمَعَ مِنْهُ، وإلاَّ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
أقُولُ هَذَا القَولَ، وأسْتَغْفر الله لِي ولكم فاسْتَغْفِرُوهُ.
|