.

اليوم م الموافق ‏23/‏ذو الحجة/‏1445هـ

 
 

 

حر الصيف وتذكيره بعذاب النار

5314

الرقاق والأخلاق والآداب, موضوعات عامة

الجنة والنار, مخلوقات الله

صالح بن عبد الله الهذلول

البدائع

28/5/1425

جامع الدهامي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- أزمان وأمكنة وأوقات تذكر بالدار الباقية. 2- حكم البروز للشمس في شدة حرها تعبّدًا. 3- شدة الحر فيها تذكير بشدة الموقف يوم القيامة.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها المسمون، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب، أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم)).

لقد جعل الله تعالى وتقدس في هذه الدار الفانية دار الدنيا أزمانًا وأمكنة وأوقاتًا تذكّر بالدار الباقية دار الآخرة، فمن الأزمان فصل الربيع الذي يذكّر طيبه بنعيم الجنة وطيبها، ومن الأوقات وقت السحر الذي يذكّر برده ببرد الجنة، وفي الحديث الذي خرجه الطبراني: ((إن الجنة تفتح في كلّ ليلة في السحر، فينظر الله إليها، فيقول لها: ازدادي طيبًا لأهلك، فتزداد طيبًا، فذلك برد السحر الذي يجده الناس)). وروى سعيد الجريري عن سعيد بن أبي الحسن أن داود عليه السلام قال: يا جبريل، أي الليل أفضل؟ قال: ما أدري غير أن العرش يهتز إذا كان من السحر. تلكم ـ عباد الله ـ تذكِّر بنعيم الجنة.

وأما ما يذكر بالنار وحرها وزمهريرها ـ أجارنا الله منها ـ فقد جعل الله تعالى في الدنيا أشياء كثيرة أيضًا تذكر بالنار المعدة لمن عصاه وما فيها من الآلام والعقوبات، من أماكن وأزمان وأجسام وغير ذلك.

أما الأماكن فكثير من البلدان مفرطة الحرّ أو البرد، فبردها يذكّر بزمهرير جهنم، وحرّها يذكر بحر جهنم وسمومها. وأما الأزمان فشدّة الحر والبرد يذكر بما في جهنم من الحر والزمهرير، قال الحسن: "كلّ برد أهلك شيئًا فهو من نفَس جهنم، وكل حر أهلك شيئًا فهو من نفَس جهنم". وفي الحديث الصحيح أيضًا عن النبي قال: ((إذا أشتد الحر فأبردوا عن الصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم))، وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه النسائي والترمذي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : ((من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهم أجره من النار)).

عباد الله، إن اتقاء حرِّ الشمس أمرٌ فطري، والتعرضَ لَها والوقوف فيها غير مشروع إلا لحاجة، أما البروز للشمس في شدة حرها تعبدًا فمنهي عنه، إلا إذا كان للجهاد في الصيف مثلاً، قال الله جل شأنه معاتبًا من ينهى عن ذلك: وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [التوبة: 81].

وكذلك المشي إلى المساجد للجمع والجماعات وشهود الجنائز ونحوها من الطاعات، فكلها مأجور المسلم على فعلها ولو كان الحر شديدًا، ولو استدعى ذلك الانتظار في الشمس الحارة، ولعل الرجوع من الجمعة في حر الظهيرة يذكر بانصراف الناس من موقف الحساب فريق إلى الجنة وآخر إلى النار، فإن الساعة والقيامة تقوم يوم الجمعة، ولا ينتصف ذلك النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، قال ذلك ابن مسعود، ثم تلا قوله تعالى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً [الفرقان: 24].

أيها المسلمون، ينبغي لمن كان في حرّ الشمس أن يتذكّر حرها في الموقف، فإن الشمس تدنو من رؤوس العباد يوم القيامة ويُزاد في حرها، وينبغي لمن لا يصبر على حر الشمس في الدنيا أن يجتنب من الأعمال ما يستوجب صاحبه به دخول النار، فإنه لا قوة لأحد عليها ولا صبر. قال قتادة وقد ذَكر شراب أهل جهنم، وهو ماء يسيل من صديدهم من الجلد واللحم، فقال: "هل لكم بهذا طاقة أم لكم عليه صبر؟! طاعة الله أهون عليكم يا قوم، فأطيعوا الله ورسوله".

نسيت لظـى عند ارتكانك للهوى      وأنت توقى حرّ شمس الهواجر

كأنك لَم تدفن حميمًـا ولَم تكـن      له في سياق الموت يومًا بحاضر

رأى عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى قومًا في جنازة قد هربوا من الشمس إلى الظل، وتوقّوا الغبار، فبكى ثم أنشد:

من كان حين تصيب الشمس جبهته      أو الغبار يخـاف الشين والشعثـا

ويألف الظل كي يبقـى بشاشتـه       فسوف يسكن يومًا راغمًا جدثًـا

فِي ظـل مقفـرةٍ غبْراءَ مظلمـةٍ       يطيل تحت الثرى فِي غمها اللبثـا

تجـهـزي بجهـاز تبلغيـن بـه        يـا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثًا

والشيء الذي يفضل عمله من الطاعات في الأيام الحارة لمن لا يتضرر به الصيام لما فيه من ظمأ الهواجر. ووصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه عبد الله فقال له: عليك بخصال الإيمان، وسمى أولها: الصوم في شدة الحر في الصيف.

نزل الحجاج في بعض أسفاره بماءٍ بين مكة والمدينة، فدعا بغدائه ورأى أعربيًا، فدعاه إلى الغداء معه، فقال: دعاني من هو خير منك فأجبته، قال: ومن هو؟ قال: الله تعالى، دعاني إلى الصيام فصمت، قال: في هذا الحر الشديد؟! قال: نعم، صمتُ ليوم أشدّ منه حرًّا، قال: فأفطر وصم غدًا، قال: إن ضمنت لي البقاءَ إلى غدٍ، قال: ليس ذلك إليَّ، قال: فكيف تسألني عاجلاً بآجل لا تقدِر عليه؟!

وفي الصحيحين عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا مع رسول الله في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد الحر، وإنَّ الرجل ليضع يده على رأسه من شدّة الحر، وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله وعبد الله بن رواحة.

نفعنا الله بهدي الكتاب وسنّة الهادي والأصحاب، أقول قولي هذا وأستغفر الله...

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً