.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

البيوع: بيع النخل والتمر

5285

الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

البيوع, الزكاة والصدقة, الصلاة, فضائل الأزمنة والأمكنة

صالح بن عبد الله الهذلول

البدائع

22/4/1422

جامع الدهامي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- مسائل في بيع النخل والتمر. 2- زكاة الثمر. 3- حكم مسألة المصالحة عن المؤجل ببعضه حالاً. 4- فضل يوم الجمعة. 5- حكم الاستماع لخطبة الجمعة.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها المسلمون، في هذه الأيام يقترب موسم بيع ثمر النخل، ومن شكر نعمة الله علينا أن نسير في بيعها وشرائها وفق شرعنا المطهر؛ امتثالاً لأمر الله تعالى واتباعًا لسنة رسوله وطلبًا لثواب الله ورجاءً للخير والبركة وشفقة من عقاب الله وعذابه.

لقد بين رسول الله متى تباع هذه الثمار وكيف تباع، فقال: ((لا تتبايعوا هذه الثمار حتى يبدو صلاحها، ولا تبيعوا التمر بالتمر)). فنهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها؛ لأنها قبل صلاحها تكون أكثر عرضة للآفات وأزيد نموًا. ونهى عن بيع التمر بالتمر؛ لأن ذلك ربًا أو سيلة إليه. وعلامة صلاح ثمر النخل أن يحمر أو يصفر.

ولا يجوز إبدال ثمرة نخلة بثمرة نخلة أخرى، سواء كانت من نوعها أو لا، وسواء كانت أقل منها أم أكثر، وسواء كان مع أحدهما زيادة دراهم أم لا؛ لأنه لا يجوز بيع التمر بالتمر خرصًا.

وإذا حدث عيب في الثمرة بعد بيعها؛ فإن كان بسبب من المشتري فلا ضمان على البائع، مثل أن يكون المشتري غير عارفٍ بالخرف، فيخرفها فتموت ثمرتها، أو يؤخر جَدَّها عن وقته فيصيبها مطر أو غيره، فلا ضمان على البائع. فإن كان العيب مجرد قضاء وقدر لا يد ولا سبب للعبد فيه كالغبير والموت الحاصل من شدة الحر فضمان نقصها على البائع؛ لقوله : ((إذا بعت من أخيك ثمرة فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟!)). فيقوم النقص على البائع ويسقط من الثمن.

وإذا حدث العيب في الثمرة وأحب المشتري أن يردها ويأخذ الثمن فله ذلك، إلا أن يكون قد شُرط عليه عند العقد أنه إن حدث بها عيب تثمّن بدون ردٍّ، فحينئذٍ يثمن له ولا يردها؛ لأن المسلمين على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً. وإذا كان العيب موجودًا عند البيع ورضي به المشتري فلا شيء له على البائع، ولو زاد العيب فيما بعد؛ لأن المشتري دخل على بصيرة، وإذا كانت الثمرة سليمة عند البيع فشرطَ على المشتري أنه إن حدث بها عيب فالبائع بريء منه فالشرط باطل ولا تبرأ ذمة البائع به؛ لأن هذا الشرط غرر وجهالة، ومصادم للنص الشرعي.

معاشر المسلمين، اعملوا أن لله سبحانه حقًا في ثمرتكم، أوجب عليكم إخراجه لمستحقيه حين جذاذ الثمرة؛ فمن كان عنده نخل في بيته أو استراحته أو مزرعته وبلغ النصاب وجب عليه إخراج الزكاة، والنصاب ما يعادل ستمائة كليو جرام، فمن كان مجموع ثمرة نخلة ستمائة كليو جرام فأكثر وجبت عليه الزكاة، حتى لو كان ثمره للادخار ولاستهلاك البيت. ومقدار الزكاة نصف العشر في مثل حالنا بهذه البلاد التي تسقى الزراعة فيها بمؤنة وليست من المطر. ولا يجزي إخراج الزكاة من الرديء ولا من الرخيص، بل من أوسطه وصفًا وثمنًا.

أيها الإخوة، مسألة من مسائل المعاملات المالية اختلف أهل العلم فيها، والصحيح جوازها كما قرر ذلك العلماء المحققون؛ وهي المصالحة عن المؤجل ببعضه حالاً، كما لو كان لرجل عند آخر ألف ريالٍ مؤجلة بعد سنة، وبعد مضي ستة أشهر قال: أعطني تسعمائة الآن وأُسقط عنك الباقي، فلا بأس في ذلك.

واستمعوا إلى ما قاله الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: "الصحيح جواز الصلح عن المؤجل ببعضه حالاً؛ لأنه لا دليل على المنع، ولا محذور في هذا، بل في ذلك مصلحة للقاضي والمقتضي؛ فقد يحتاج من عليه الحق إلى الوفاء قبل حلوله، وقد يحتاج صاحب الحق إلى حقه لعذر من الأعذار، وفي جواز هذا مصلحة ظاهرة. وقد ورد أن يهود بني النضير في المدينة لما أراد النبي أن يجليهم عنها ذكر له الصحابة أن بين اليهود وبين الناس ديونًا، فأمرهم النبي أن يضعوا ويتعجلوا. وأما قياس المانعين لهذه المسألة بمسألة قلب الدين بالربا فهذا القياس بعيد، وبين الأمرين من الفرق كما بين الظلم المحض والعدل الصريح".

وقال ابن قاسم رحمه الله: "قال بهذا ـ أي: بالمصالحة عن المؤجل ببعضه حالاً ـ ابن عباس، ورواية عن أحمد وأحد قولي الشافعي، وقال به الإمام ابن تيمية وابن القيم رحم الله الجميع".

ومعلوم أن ديننا مبني على اليسر والسهولة، والأصل في المعاملات الحلّ، وفي هذا العمل تيسير للناس وإبراء لذمة الغريم وتعجيل بالمال لصاحبه، وكل هذه مصالح يسعى الشرع إليها، وليس ثمة دليل يحرم هذا أو يمنع منه.

أيها الإخوة، وملحظ مهم يتعين التنبيه عليه في هذا الأمر؛ وهو أن النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها لا يقتصر على التمر والعنب فقط، بل يشمل كافة الثمار من فواكه وخضار ونحوها.

 

الخطبة الثانية

أما بعد: أيها المسلمون، فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي رسول الله.

ومن هديه تعظيم يوم الجمعة وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره، ومن ذلك الإكثار من الصلاة فيها وفي ليلتها على النبي ، ومن فضائل الجمعة وخصوصياته استحباب التبكير بالذهاب لصلاة الجمعة ماشيًا إن أمكن، فإن للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر صيام سنة وقيامها؛ لما رواه الإمام أحمد بسند صحيح وابن خزيمة وصححه عن رسول قال: ((من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ودنا من الإمام فأنصت كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها))، وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن: 7]، فما أعظم هذا الأجر أخي المسلم، وما أعظم خسارتنا حين فرطنا فيه.

وإضافة إلى ما سبق ذكره من الآجر الجزيل فإن المبكر للجمعة إذا دخل المسجد فاشتغل بالصلاة والذكر وقراءة القرآن حصل على خيرات كثيرة، ولا تزال الملائكة تستغفر له طيلة بقائه في المسجد، ويكتب له أجر المصلي ما دام ينتظر الصلاة. فبادروا ـ رحمكم الله ـ إلى اغتنام الخيرات، ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين.

ثم اعلموا ـ رحمكم الله ـ أنه يحرم الكلام والتشاغل أثناء الخطبة، نص على ذلك الشافعي، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في أرجح الروايتين عنه؛ لقوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف: 204]. قال كثير من المفسرين: نزلت في الخطبة، وسميت الخطبة قرآنًا لاشتمالها على القرآن الذي يتلى فيها، ولحديث: ((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت فقد لغوت)). فالكلام أثناء الخطبة محرم لكل من حضر الجمعة، سواء كان يسمعها أم لا، وسواءً كان يفهمها أم لا. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول قال: ((من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له: أنصت لا جمعة له)) رواه أحمد وابن أبي شيبة والبزار والطبراني. والنهي عن الكلام عام يشمل كل كلام، فلا يُشمت عاطس ولا يردُّ السلام.

عباد الله، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: "أفضل العبادة العمل على مرضاة الله عز وجل في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فمثلاً أفضل العبادات في وقت الجهاد هو الجهاد وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، بل ومن ترك إتمام الصلاة المفروضة مع الإمام، والأفضل وقت الأذان تركُ ما هو فيه من الأوراد ومتابعة المؤذن بما يقول"، وهكذا فالأفضل إذًا في حال الجمعة والإمام يخطب الاسمتاع إلى الخطبة، فعلى الداخل للمسجد والمؤذن يؤذّن الأذان الثاني الأفضل له أن يشرع في أداء ركعتي تحية المسجد، ولا يقف ينتظر حتى ينتهي المؤذّن؛ لأن المؤذن إذا انتهى بدأ الإمام يخطب، والأفضل للمصلي في هذه الحالة الاستماع للخطبة، فتعين إذًا أداء تحية المسجد خفيفة أثناء الأذان إذا دخل والمؤذن قد شرع فيه حتى يتفرغ المصلي لاستماع الخطبة.

ابن آدم، اعمل ما شئت فإنك مجزيّ به، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه، وكن كما شئت فكما تدين تدان.

وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبد الله رسول الله .

اللهم صل وسلم على نبينا محمد.

اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والنفاق، وانشر رحمتك وعافيتك على كل المسلمين، اللهم انصر المجاهدين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً