.

اليوم م الموافق ‏04/‏ربيع الأول/‏1446هـ

 
 

 

جذور الصراع الإسلامي اليهودي (3)

5280

الإيمان, العلم والدعوة والجهاد

المسلمون في العالم, الولاء والبراء

صالح بن عبد الله الهذلول

البدائع

14/8/1421

جامع الدهامي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تعاطف الدول النصرانية مع اليهود. 2- اليهود والنصارى أعداءٌ منذ قام هذا الدين العظيم. 3- المعركة بين المعسكر الإسلامي ومعسكري اليهود والنصارى معركة عقيدة. 4- اللاهثون وراء السلام. 5- ماذا عساه أن يفعل المسلمون وهم في حالة ضعف؟

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها المسلمون، فقد سبق بيان أن أصوات النصارى في أوربا وأمريكا بدأت منذ مئات السنين تنادي بوجوب توطين اليهود في فلسطين، ثم بدأ هذا الشعور يتنامى ويزداد ويرتقي من مستوى أفرادٍ إلى مستوى منظمات وحركات ومؤسسات تبنت هذا الأمر، ورأت أنه دينٌ يجب المصير إليه والسعي فيه. واستمر الأمر يأخذ مجراه التصاعدي حتى قبلت معظم الكنائس النصرانية الغربية ذلك، نتيجةً لذلك احتل اليهود فلسطين، وكان الاحتلال قبل خمسين عامًا من الآن.

لم يقف تعاطف الدول النصرانية مع اليهود عند هذا الحد، بل إن مجلس الكنائس العالمي وهو أعلى سلطة ومرجعية دينية في أوربا الغربية وأمريكا، وهو الذي يرعى شؤون النصارى البروتستانت، في حين أن الفاتكان يرعى شؤون النصارى الكاثوليك، ذلك المجلس أصدر وثيقة عام 1961م، أي: بعد احتلال اليهود لفسلطين بثلاث عشرة سنة، تلكم الوثيقة تبرئ اليهود من دم المسيح كما يعتقد النصارى، وفيها بنود أخرى أيضًا غير هذه، كلها دعمٌ للموقف اليهودي وتعاطف معه، الأمر الذي جعل دعم اليهود ليس فقط على المستويات الرسمية التي تمتلك القرار، وإنما توسع ليشمل كافة أفراد شعوب تلك الدول.

معاشر المسلمين، إن اليهود والنصارى أعداءٌ تقليديون منذ قام هذا الدين، وهم كذلك أعداءٌ إلى يوم الدين، إلى أن ينزل المسيح عيسى ابنُ مريم ويقتل الخنزير ويكسر الصليب، وهي أبرز رموز النصارى وشعاراتهم، وفي هذا دليل قاطع على براءة ابن مريم عليه السلام من دين النصارى المحرف الآن. ومن يظن أن هذا العداء يمكن أن يزول أو يذوب بتأثير دعاوى تقارب الأديان السماوية أو تحت مظلات الأمم المتحدة أو غير ذلك فهو يغالط نفسه ويصادم السنن ويجدف ضد التيار ويكذب التاريخ، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51].

إذا كانوا ينادون بتقارب الأديان السماوية التقارب فقط فعقيدتنا نحن وحدة الأديان السماوية، لكن دينها الإسلام وتوحيد الله بالعبادة، قال الله جل وعز: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران: 67]، وقال سبحانه عن الأنبياء كلهم من آدم إلى محمد : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25]، فكل رسول إنما أتى بـ"لا إله إلا الله"، وقال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36]، اعبدوا الله لا عزيرًا ولا المسيح ولا الملائكة ولا غيرهم، فإبراهيم عليه السلام إنما جاء بالإسلام، وكل الأنبياء قبله وبعده كذلك بما فيهم موسى وعيسى، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الأنعام: 85]. أما ما أحدثه اليهود والنصارى بعد أنبيائهم فهو شركٌ لم يأت به الأنبياء، ووثنياتٌ حاشا لأنبياء الله ورسله أن يأتوا به، ويدعوا الناس إليه.

أيها المسلمون، أيها المؤمنون بالله ورسله وكتبه، إن الحديث عن اليهود والنصارى شغل مساحة كبيرة من القرآن، وعليه فالواجب أن نهتم بما اهتم به القرآن، ولا نستكثر أو نستوحش من ذلك ولا نستغرب، خاصة في هذا الزمن الذي أصبح الحل والعقد والغلبة لهم في نواحي الدنيا.

وأختتم هذا الموضوع بقراءة تصريحات في هذا الشأن لبعض النصارى المعاصرين، ويحتلون مواقع مؤثرة في المجتمع الغربي، لتعلموا أن الفكرة والمعتقد الذي كان قبل مئات السنين هو اليوم نفسُه، ولتتبينوا أن القرار السياسي أو العسكري الصادر من مؤتمراتهم أو منظماتهم وسائر دوائرهم الرسمية إنما يعبر عن إيمانهم بعقيدتهم، وأنهم لن يتخلوا عنها، وهم مصرون على الدفاع عنها، لكن الشيء الذي يجب عدم إغفاله أنهم أساطين السياسة، فيصوغون قناعاتهم الدينية ومبادئهم العقدية على شكل مواقف سياسية، يخدعون بها الدهماء من الناس، ويضحكون على الشعوب المغلوبة على أمرها، وعلى رأس أولئك أول رئيس لأمريكا سنة 1789م، أي: قبل أكثر من مائتي سنة، كان يوصف بأنه شديد التدين، وكان إذا أقسم أقسم بالذي خلص العبرانيين من مضطهديهم وزرعهم في أرض الميعاد. واستمر كل من جاء بعده على هذا المنهج حتى الرئيس الحالي، أقسم في حملته الانتخابية الأولى أنه لن يخيب أمل إسرائيل أبدًا، و55 في المائة من مستشاريه يهود، وعدد من وزرائه كذلك، أبرزهم وزير الدفاع ووزيرة الخارجية، والسلسة في هذا طويلة لا تنتهي، وما بين أول رئيس إلى آخر رئيس كلهم كذلك، والورقة الرابحة التي يلوحون بها وينالون بها أكبر كسب انتخابي هي دعم اليهود والدفاع عنهم.

وكنت ناويًا ـ أيها الإخوة ـ أثناء إعداد هذه الخطبة نقل عدد من التصريحات لعددٍ من المفكرين والسياسيين الغرب، لتوثيق هذا الكلام أكثر، ولما رجعت إلى المصادر المعنية بهذا الشأن وبمثل هذه القضايا وجدتني أمام كم هائل يؤلف كتبًا بكاملها، فاكتفيت بالمثالين السابقين.

والحقيقة أنا نحن المسلمين لسنا بحاجة إلى مثل هذه التوثيقات، فكلام ربنا أوثق مصدر عندنا، وهو يغنينا عن غيره، والله عز وجل يقول: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة: 120]. ليس الذي ينقصهم هو البرهنة على أن الفلسطينيين وهم الكنعانيون هم أهل فلسطين وسكانُها قبل أن يدخلها بنو إسرائيل، فهذا يثبته التاريخ وهم يعلمونه، وليس الذي ينقصهم الاقتناع بأنك يا محمد وأمتك على الحق، لأنهم يعلمون أن الذي جاءك من ربك الحق، كل هذا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، لكن لو قدمتَ إليهم ما قدمت ولو توددت إليهم ما توددت لن يرضيهم من هذا كله شيء إلا أن تتبع ملتهم وتترك ما معك من الحق. هذه عقيدتهم، وهي حقيقة المعركة التي يشنها اليهود والنصارى في كل أرض وفي كل وقت على المسلمين، إنها معركة العقيدة هي المشبوبة بين المعسكر الإسلامي ومعسكري اليهود والنصارى اللذين قد يتخاصمان فيما بينهما، وقد تتخاصم شيع الملة الواحدة فيما بينها، ولكنها تلتقي دائمًا ضد الإسلام والمسلمين.

إنها معركة العقيدة في صميمها وحقيقتها، ولكن المعسكرين العريقين في العداوة للإسلام والمسلمين يلونانها بألوان شتى، ويرفعان عليها أعلامًا شتى، في خبث ومكر وتورية.

إن اليهود والنصارى جربوا المسلمين، وجسوا نبضهم في الانتفاضة الأولى، وهم الآن كذلك، ويبدو أن تقديراتهم وتقييمهم للوضع الإسلامي لا يزال فيه تخوف من الإقدام عليهم، لذا تلحظون مما تنقله وسائل الإعلام أن مواقفهم في الأيام الأخيرة فيها شيء من التراجع؛ المتمثل مرة في لغة الخطاب الأقل حِدَّةً من سابقه، وأحيانًا يظهر تراجعهم في فتح مطار غزة وبعض الممرات، وهم يراوغون في كل ذلك، وهذا طبعهم لم يغيروه، فيتقدمون خطوات، ثم لا مانع لديهم أن يرجعوا خطوة واحدة أو خطوتين، للتظاهر بحسن النية، وليُلقوا في روع المخدوعين الغافلين أنهم يريدون السلام، وليس لديهم نوايا توسيع العدوان ليأمنوا جيشان العقيدة وحماستها، والتي ظهرت في مدن العالم الإسلامي من الشرق إلى الغرب، بينما هم في قرارة نفوسهم لا تزال الحرب قائمة؛ لتحطيم صخرة الإسلام العاتية التي طالما نطحوها فأدمتهم جميعًا.

إن الثمن الوحيد الذي يرتضونه اتباعُ ملتهم، وما سواه فمرفوضٌ ومردود، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء: 87].

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، الحكيم العليم، القوي العزيز وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فإن من المؤسف أن قطاعًا كبيرًا من المسلمين لا يدرك عداوة اليهود والنصارى للمسلمين، وينخدع بالشعارات التي تطرح وجمعيات الصداقة التي تقام ومؤتمرات السلام ونحو ذلك، ولقد وقفت على تصريحات كثيرة جدًا لأبرز علمائهم ومفكريهم وساستهم، خلاصتها تجتمع في كلمة ألقاها الواعظ السياسي النصراني جيمي سويغارت من أمريكا، وكان يتحدث عن مؤتمرات السلام حينما بدأت بين اليهود وبعض العرب، يقول: "كنت أتمنى أن أستطيع القول: إننا سنحصل على السلام، ولكنني أؤمن بأن معركةً فاصلة مقبلة". ثم يؤكد على ذلك ويقول: "إنها قادمة وسيخاض غمارها في أحد أودية فلسطين". ويضيف قائلاً: "إنهم يستطيعون أن يوقِّعوا على اتفاقيات السلام التي يريدون، لكن ذلك لن يحقق شيئًا، هناك أيام سوداء قادمة، لكن تلك المعركة تنعش روحي". يقول هذا الكلام ونحوه عبر شبكات التلفزة، ويسمع لكلماته الوعظية الأسبوعية أو اليومية الملايينُ من البشر داخل أمريكا وخارجها.

أيها المسلمون، اليهود ما دخلوا فلسطين واحتلوها من خلال بوابات مؤتمرات السلام، ولا بواسطة ما يسمى بالشرعية الدولية أو قرارات الأمم المتحدة، كما لم يدخلوها رجاءً وأماني، وإنما عن طريق التخطيط والقوة، ولن يخرجهم منها إلا القوة، ولا قوة لنا إلا بالإسلام.

عشر سنوات يلهث اللاهثون وراء السلام، ينتقلون من عاصمة لأخرى، ومن كامب لآخر، ويتقاطرون أفرادًا وجماعات في زيارات متتالية لدولة اليهود، وسفارات تفتح ومكاتب رعاية مصالح، ومعارض مشتركة ومؤتمرات تعقد، تضم الفرقاء كافةً باسم معالجة مشكلة المياه مرةً، ومحاربة الإرهاب أخرى، ونحو ذلك، وكأن ملف الحرب بين العرب واليهود طُوي، وفُتحت صفحةٌ جديدة من التعاون المشترك والبناء، إلى غير ذلك من العبارات الاستهلاكية المخدِّرة.

قد يقول قائل: وماذا عساه أن يفعل العرب وهم في حالة ضعف إلا الموافقة مكرهين على الجلوس مع اليهود على طاولة المفاوضات حتى يتقووا؟!

والجواب على ذلك: إن العرب والمسلمين أيام الحروب الصليبية كانوا في منتهى الضعف والتمزق والانحطاط كما يسميه المؤرخون، وبقيت الكيانات الصليبية داخل جسم الأمة الإسلامية مائتي سنة؛ من عام 491هـ حتى عام 690هـ، لكنها بقيت جزرًا معزولة في المنطقة، تستمد قوتها من أوربا، كما لم يقلل ذلك من محاولات الجهاد المتواصل ضدهم، ولم يثن عزم المصلحين، وظَل الرفض للصليبيين الغرباء حيًا في نفوس المسلمين.

وهكذا يجب أن يبقى الوعي في أذهان الشعوب الإسلامية حيًا؛ أن اليهود غرباء على المنطقة، ويجب علينا إزالتهم وجهادهم حتى ولو بالحجارة؛ لأنا لا نملك حيلةً غيرها الآن، وإذا علم الله سبحانه صدق النوايا وحسن العمل رمى بها الله وهو القوي العزيز، وإذا رمى بها الله أصابت المقتل، وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال: 17].

إن واقع المسلمين اليوم والعرب منهم خاصة بما فيه من الضعف والتفكك ليس مبررًا أن توقف عملية الجهاد أو تؤجل، بل يجب أن تستمر إذ بدأت، وعلى المخلصين والمعنيين بها مباشرة أن يحذروا من أن تُسرق كما سرق غيرها، أو أن تباع كما بيعت الانتفاضة الأولى.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً