.

اليوم م الموافق ‏26/‏ذو الحجة/‏1445هـ

 
 

 

وظيفة المرأة

5240

الأسرة والمجتمع

المرأة

عبد الباري بن عوض الثبيتي

المدينة المنورة

3/2/1427

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تكريم الإسلام للمرأة. 2- المرأة في الإسلام. 3- حفظ الإسلام لحقوق المرأة. 4- انخداع المسلمين بدعوات تحرير المرأة. 5- إهانة الحضارة الغربية للمرأة. 6- مفهوم الحرية في الإسلام. 7- إبطال دعوى المساواة. 8- عمل المرأة. 9- الإشادة بموقف الشورى من قيادة المرأة للسيارة.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فأوصيكُم ونفسي بتقوَى الله عزّ وجلّ، قالَ تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة: 197].

نالَتِ المرأة في ظلِّ الإسلام كرامةً لا تُجارَى، وبلغت بشرائِعه شأوًا عظيمًا، أقرَّ لها الإسلام منزلةً عاليةً، فهي أمٌّ لها حَقّ البرّ والإحسان، وهي زَوجة لها حقُّ المعاشرة بالمعروفِ، وهي ابنةٌ لها حَقُّ التربية والنفَقَة، هي إنسانٌ كالرجل قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى [الحجرات: 13].

حَفِظ الإسلام عِرضَ المرأة وشرَّفها، وحذّر من المسَاسِ به بل من تدنِيسِه، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ [النور: 4].

أعلَى الإسلام مقامَ وِلادة الأنثى ووعَد بالأجر الجزيل على من أحسن تربيتَهنّ، قال رسول الله : ((من عالَ جارِيَتَين حتى تبلُغا جاء يومَ القيامة أنا وهو)) وضمّ أصابعه. أخرجه مسلم. وفي حَجّة الوداع ذلك التجمُّع الإسلامي الكبير أرسى رسولُ الهدى في وصيَّتِه الخالدة حقوقُ المرأة فقال: ((اتَّقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهنّ بأمانة الله)) أخرجه أبو داود.

المرأةُ في الإسلام أوّل قلبٍ آمن بالرسول خديجةُ بنتُ خويلد، وهي أوّل شهيدةٍ قدَّمت دمَها وحياتها في سبيل الله سميّة أمّ عمار بن ياسر، وهي أسماءُ بنت أبي بكر ذات النطاقين، وهي أمّ سليم سَهلة عرضَ عليها زوجها قبل أن يسلِم ذهبًا وفضّة فقالت له: لا أريدُ صفراء ولا بيضاءَ، يكفيني إسلامُك مهرًا. والمرأة هي أمُّ سلمة التي أنقَذت الموقفَ في صلح الحديبية برأي سديدٍ ومشورة حكيمة. والمرأة في الإسلام هي الزاهِدَة العالمة المربّية للأجيال صانعةُ التأريخ رضي الله عنهنّ أجمعين.

أرسى الإسلام حقوقَ المرأة التي لا تخفَى على أساس الدين والفضيلة والخلُق القويم، فعزّ مقامها، وعلت منزلتها، وحُقَّ للمرأة المسلمة أن تشعرَ بالعزة لجلال التشريعِ الربانيّ الذي منحَها حقوقها منذ أربعةَ عشر قرنا، بلغَت به مرتبةَ عفافٍ وطهر لا تُبارى ولا تُجارى، قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 228].

غَفَتِ الأمّة الإسلامية دهرًا من الزمن، وغطّت في سباتٍ عميق، فلمّا أفاقت من رَقدتها بدأت تتلمّس الطريقَ، ما الذي جعلها تتأخّر عن ركبِ الحضارة؟!

خُدِعت بعضُ الأقلام بزخرف الحضارةِ المادية، فظُنَّ أنَّ محورَ التقدّم ومفتاحَ الحضارة تحريرُ المرأة، وقد تلحَظ في لحنِ القول من يزعم أنّ حقوقَ المرأة مرتبطة بتحرُّرها من الدين شأنَ الضعيف المغلوب.

الحضارة المادّيّة المعاصرة المزعومةُ أدخلتِ المرأة المجتمعَ بطريقةٍ مريبة، فبدلاً من أن تحصّن أنوثتها ضدّ العبث تعمّدَت إطلاقَ الجانب الحيوانيِّ في البشر، وجعَلَت من أنوثةِ المرأة فتنةً تُبعثرُ الإثم في كلّ مكان. أخرجوها من البيت باسم الحرية والتحرّر، خلعوا عنها حجابها، وكشَفوا عن موطن الزينة والفتنةِ فيها، تركوها تختلط، بل أرغَموها على الاختلاط بالرّجال والخَلوة بهم، فقضوا بذلك على عِفّتها وكرامتها وحيائِها باسم الحريّة والتحرّر، وقضَوا على رسالتِها الأساسيّة في المجتمع، وهي الزوجيّة والأمومة، أخذوا منها كلّ شيء باسم الحرية، ولم يعطوها إلاَّ أقلّ القليل.

المرأةُ في الحضارة المزعومة تتألمّ وتئِنّ، فمع تحمّلها ظُلمَ الرجل وصعوبةَ الحياة تحمل على أكتافها طفلاً حُرم حنانَ الأبوّة، ثمّ هي تُستغَلّ في الدِّعاية للسّلَع والمنتوجات، فهي تعيش حريّةً جوفاء، لا مضمونَ لها، ولا ضابط يحفظ حدودها، حريّةً يفسّرها كلّ قوم حسبَ أهوائهم.

أمّا الحرية في الإسلامِ فهي مستمَدَّة من العبودية المطلَقَة لله وحده، وإذا استشعَر الإنسان هذه العبوديةَ تحرّر من كلّ عبوديّةٍ سواها، حريّة قاعدتها طاعةُ الزوج والوليّ وإقرارٌ بمشروعيّة قَوامته، حرية تجعل المرأة تتدفّق حياء وتشرِقُ طُهرًا، حرّيّة ميدانها الفسيح اللّبنةُ الأساس في المجتمع الأسرة، ترعَى شؤونها، تربّي صغارَها، تفيض عليها سكينة ومودة ورحمة.

السياجُ الآمن للحرّيّة حجابٌ شرعيّ يستُر مفاتنَ المرأة ويقضِي على مسارِب الشيطان في النفس والمجتمع، أما التحريرُ المزعوم الذي ترسمه أهواءُ البشر للمرأة فهو مسخٌ لها ومسخ للرجل ومسخٌ للمجتَمَع ومسخ للأجيال، قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33].

ينادِي دُعاة تحريرِ المرأة بالمساواةِ بين الرجلِ والمرأة، يوهمون المرأةَ بأنَّ ذلك من حقوقِها وتكريمٌ لها، والحقيقة أنّه ظلم لها وعدوان على حقوقِها، وقد أثبتَتِ البحوث العلميّة أن المرأة تختلف عن الرجل في بنائها الجسديّ وتكوينها الجسمانيّ، هكذا أبدَعها بارئها بما يلائم وظيفَتَها الفطرية وطبيعتَها الأنثوية، قال تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران: 36].

وبمساواتهم المرأةَ بالرجل في الأعباءِ والحقوق حمَّلوها أكثر مما حمَّلوا الرجل، فمع ما خُصِّصت له المرأة من الحمل والولادةِ والإرضاع وتربيّة الأطفال، ومع ما تتعرَّض له في حياتها وما تعانِيه من آلام الحيضِ والحمل والولادة، ومع قيامِها على تنشئَةِ أطفالها ورعاية البَيت والأسرة، مع تحمُّلها لهذا كلِّه تحمّلونها زيادةً على ذلك مثلَ ما يحمل الرجل، فكيف تحمِل التِزاماتِها الفطريّة ثم تخرج من البيت كالرجل لتعانيَ مشقّةَ الكسب وتكون معه على قدَم المساواة في القيام بأعمال الصناعة والمِهَن والتجارة والأمن؟! وهل يُنتظر منها أن تساوِيَ الرجل في الإنتاج؟!

لقد أقحَمَت الحضارةُ المادية المزعومة المرأةَ بسبب هذه الدَّعاوى التي لم تُبنَ على أسُسٍ شرعية أو علميّة في مجالاتِ العَمَل المختَلِفة [المناقضة] لخصائصها، فقضَوا بذلك على أنوثتِها وعلى الأسرة والبيت.

للمرأةِ أن تعملَ في وظائفَ مناسبة وفي ظروفٍ خاصة، لكن على أساسِ أنَّ عملها الجليل العتيدَ أن تكونَ ربّةَ بيت وسيدةَ أسرة، وأن يكون جوّ العمل نقيًّا. وظيفةُ المرأة في الإسلام أكبرُ وأعظم وأجلّ وأسمى.

إنّ إقفارَ البيوت من النساء لِيزاحمن الرجال في أعمالهم هو إضرارٌ بالرجال وتقليصٌ لفُرَص عملهم، ولا ربحَ هناك إلا انهيار روابط الأسرة والسّماح بالفوضى الخُلُقيّة.

إنَّ بناء الإنسان الصّالح الذي يحمِل قيَمًا ومبادئَ وأخلاقا ومُثُلا لا يتحقّق إذا دُمِّرت الأسرة، إذًا لمن تكون وظيفة ربّة البيت؟! إنّ هذه الوظيفةَ مِن أرقى الأعمالِ لو عقَلنا. إنَّ المرأة التي تقدّم للمجتمع أبناء أقوياء متعلّمين على خُلُق ودينٍ خيرٌ من التي تدير آلةً وتحضِّر نتاجًا علميًّا، ولا تتمكّن الخادِمَة ولا مربّية الأولاد الموظّفَة في دور الحضانة أن تقومَ بالمهمات التربوية التي تقوم بها الأمُّ بحنانها وعطفِها وإخلاصها وصدقها.

يؤدّي عملُ المرأة في أعمالِ الرجال إلى انتشار البطالة بين صفوفِ الرجال ومزاحمِتهم في ميدانِ نشاطهم الخاصّ بهم، وهم يتطلّعون لتحمُّل مسؤولياتهم في الحياة، وقد ركّب الله في المرأةِ مِيزاتٍ فطريةً أخرى تؤهّلها للقيامِ بما خُلِقت من أجله، وهو الأمومةُ ورعاية البيت وشؤونِه الداخليّة، قال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء: 34].

بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذّكرِ الحكيم، أقولُ قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرّحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله الذي منَّ علينا بمنّة الإسلام، أحمده سبحانَه وأشكره على نِعمٍ ترادفت على التَّمام، وأشهَد أن لا إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له مدبّر الأمرِ في الأرض والسّماء وللأنامِ، وأشهَد أنَّ سيدنا ونبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله عرِج به حتى سمع صريفَ الأقلام، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِه عدَدَ حبات المطرِ التي تتساقط من الغمام.

أمّا بعد: فأوصيكُم ونفسي بتقوَى الله تبارك وتعالى، قالَ الله عزّ وجلّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].

الشرعُ الحنيف حِصنٌ حَصين للمرأة وخيرٌ مكين لها، في ظلّه سَعادتُها، وفي نهجِه نجاتها. وقد أحسَنَ الشورى صنعًا في مسألة قيادةِ المرأةِ للسيّارة حين أذعَن لحكم الشرع واستجابَ لصَوت العقل المتجرّد من الهوى، في موقفٍ تاريخيٍّ يسجَّل لرجالِ هذه البلاد، أساسُه وأسُّه احترامُ قولِ العلماء الذين هم سِياجُ [الأمّة] وبهم حَياتها، العلماءُ أقدرُ على تقدير المصالح والفاسِد في النوازل والمستجدّات، وهذا من سماتِ المجتمع المسلم الذي لا يصادِم الشرعَ ويسير وفقَ فتوَى العلماء، قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [النور: 51].

ألا وصلّوا ـ عبادَ الله ـ على رَسولِ الهدى، فقد أمَرَكم الله بذلك في كتابِه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللّهمّ صلّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمّد، وارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً