.

اليوم م الموافق ‏04/‏ربيع الأول/‏1446هـ

 
 

 

التآخي في الله

5207

الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب

الآداب والحقوق العامة, قضايا المجتمع

محمد بن سعد حجران الشهراني

خميس مشيط

جامع النور

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- من الأسس التي أساسها النبي عند وصوله المدينة التآخي بين أفراد المجتمع المسلم. 2- فضل الأخوة في الله. 3- حقوق وواجبات الأخوة في الله.

الخطبة الأولى

عباد الله، فعند الحديث عن تاريخ البشرية وعمرهم المديد عبر القرون على هذه البسيطة فإن التاريخ يتوقف عند فترة منه ليسطر بإعجاب وشموخ مجد البشرية وخيرها وفخرها ونورها ورقيها وهداها، ذلكم الخير والهدى الذي سطره محمد بهجرته الميمونة التي هجر فيها ديار الكفر والبغي ليقصد ديار الإيمان والهدى، تلكم الهجرة التي تعد الفتح الأكبر للإسلام وأهله والمجد الأعظم الذي به بدأت دولة الإسلام الأولى، هذه الهجرة التي انتقل بها الناس من شؤم الحياة ونكدها وشقائها إلى سعتها وسعادتها وهدوئها.

أيها الإخوة المؤمنون، النبي في الهجرة المباركة وضع معاني وأسسا وأصولا وقيما رائعة راقية، كانت للبشرية منارا وهداية وصلاحا وسعادة، وإن من أعظم ما أثبته النبي حال وصوله أرض المدينة النبوية التآخي بين أفراد المجتمع المسلم والتآزر بينهم والتعاضد بينهم؛ حتى يبقى ودهم، وتقوى شوكتهم، ويشتد ساعدهم، حتى يصرف الأسرة المسلمة عن أسباب الشقاق وشرار النزاع التي فيها ذهاب ريحهم واختلاف كلمتهم.

 قال ابن إسحاق رحمه الله: "وآخى رسول الله بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال فيما بلغنا ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل: ((تآخوا في الله أخوين أخوين))، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: ((هذا أخي))". وقال ابن هشام في سيرته رحمه الله: "ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، وكانوا تسعين رجلا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المواساة".

وقد بدا هذا واضحًا لَدَى الأنصار الذين آثروا المهاجرين على أنفسهم، فاستحقوا وصف الله لهم بقوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9]. قال ابن عمر رضي الله عنهما: أُهْدِيَ لرجل من أصحاب رسول الله رأسُ شاة فقال: أخي فلان أحوج مني إليه، فبعث به إليه، فبعثه ذلك الإنسان إلى آخرَ، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله سبعة.

أيها الإخوة المؤمنون، لقد كانت هذه المؤاخاة من أعظم النعم التي حضّ الله المؤمنين على تذكرها ثم شكرها وتقديرها، فقال سبحانه: وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 103].

ولما ثار اليهود في المدينة وأشعلوا الخلاف بين الأوس والخزرج ودسُّوا بينهم شابًا يهوديًا ذكَّرهم بمعركة بعاث التي حدثت بينهم وذكَّرهم بأحقادهم وعداواتهم القديمة فاستثاروهم، وقام شاب من الخزرج وسَلَّ سيفَه، وقام آخر من الأوس، فتواعدوا خارج المدينة، وتَهيئوا للقتال، فسمع رسول الله بخبرهم، فخرج من بيته وهو يقول: ((حسبي الله، لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو ربُّ العرش العظيم))، ويقال: إنه خرج حافيًا بلا نعلين، حتى وقف بين الصفين، وقال بأعلى صوته : ((يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمرَ الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّفَ بين قلوبكم؟!)) رواه الطبري. فلما سمع الصحابة ذلك عرفوا أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رسول الله سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدوهم، وأنزل الله تعالى قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ أي: كيف تقتتلون؟! وكيف تتناحرون؟! وكيف تتباغضون؟! وكيف تتقاطعون وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:100، 101]؟!

وقد كان النبي مع أصحابه مثلا رائعا للأخوة الصادقة الخالصة، فتراهم سعداءَ فَرِحينَ، وبإخوانهم مسرورين، وبمحبتهم مغتبطين، يتعاونون على البر والتقوى، ويتواصَوْن بالحق والصبر، يقضُون مصالحَ بعضهم، ويهتمُّون بأمور المؤمنين، يغفرون الزلات، ويسترون العورات، ويتجاوزون عن السيئات، ولذلك زكاهم الله في غير موضع من كتابه فقال: مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بينهم [الفتح: 29]، وقال: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9].

الأخوة في الله ـ أيها الإخوة في الله ـ أدب جليل من آداب هذا الدين، جعل الله جزاءه الفوز بدار كرامته، وأمانا واطمئنانا من الفزع الأكبر، في يوم تشخص فيه الأبصار وتختلف فيه الموازين.

عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله قال: ((يا أيها الناس، اسمعوا واعقلوا، واعلموا أن لله عز وجل عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء على منازلهم وقربهم من الله))، فجثا رجل من الأعراب من قاصية الناس، وألوى بيده إلى النبي فقال: يا رسول الله، ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله! انعتهم لنا، جلِّهم لنا، يعني: صفهم لنا، شكّلهم لنا، فسرّ وجه النبي بسؤال الأعرابي، فقال رسول الله : ((هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل، لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسون عليها، فيجعل وجوههم نورا، وثيابهم نورا، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) رواه أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" وهو في صحيح الترغيب والترهيب.

وعن أبي هريرة عن النبي قال: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ))، وذكر منهم: ((وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ)) متفق عليه. وفي الحديث القدسي: ((يقول الله عز وجل: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ)) رواه الإمام أحمد عن معاذ. وعن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول اللَّه يقول: ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ)) رواه الترمذي.

ويقول أمير المؤمنين علي : (عليكم بالإخوان؛ فإنهم عُدَّةٌ في الدنيا والآخرة، ألا تسمعون إلى قول أهل النار: فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ولا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء: 100، 101]؟!). وجاء عن أبي سليمان الداراني أنه قال: "لو أن الدنيا كلَّها لي فجعلتُها في فم أخٍ من إخواني لاستقللتُها عليه"، وقال: "إني لأُلْقِمُ اللقمة أخًا من إخواني فأجد طعمها في حلقي".

أيها الإخوة المؤمنون، للأخوة بين المؤمنين في الله حقوق عظيمة وثمرات كريمة، قد بينها الله ورسوله في الكتاب والسنة، ينبغي مراعاتها والقيام بها، ولا يحسن إهمالها والتهاون بها.

ومن هذه الحقوق الإصلاح بين المتخاصمين والمتنازعين والمتقاطعين، قال تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيء إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات: 9، 10].

ومن حقوق الأخوة بين المسلمين والمؤمنين تعظيم بعضهم لحرمات بعض، وعدم تنقص بعضهم لبعض، قال تعالى: يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْرًا مّنْهُمْ وَلاَ نِسَاء مّن نّسَاء عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11].

ومن حقوق الأخوة بين المؤمنين تجنب إساءة الظن فيما بينهم والتجسس من بعضهم على بعض واغتياب بعضهم لبعض وغش بعضهم لبعض والخداع والاعتداء على الحقوق والأعراض، قال تعالى: يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيرًا مّنَ الظَّنّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات: 12]، وعن أبي هريرة قال: قال : ((إياكم والظنَّ؛ فإن الظن أكذبُ الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمركم الله، المسلم أخو المسلم، لا يظلمُهُ، ولا يخذُلُه، ولا يَحْقِرُهُ، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا ـ وأشار إلى صدره ـ، بحسْبِ امرئٍ من الشرِّ أن يحقرَ أخاه المسلمَ، كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ؛ دمُه ومالُه وعرضُه)) رواه البخاري، وعن أبي برزة الأسلمي قال: قال : ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته)) رواه أبو داود.

ومن حقوق الأخوة الإيمانية والإسلامية التناصح بين المسلمين والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 71]، وفي الحديث الصحيح يقول النبي : ((الدين النصيحة)) ثلاث مرات، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).

ومن حقوق الأخوة الإسلامية والإيمانية أن يحب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه، كما قال : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، وعن أبي هريرة قال النبي : ((إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون لجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)).

ومن حقوق المسلمين بعضهم على بعض التزاور فيما بينهم وإفشاء السلام وقضاء حوائجهم والرفق بضعفائهم وتوقير كبارهم ورحمة صغارهم وعيادة مرضاهم واتباع جنائزهم، قال : ((حق المسلم على المسلم خمس: عيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس)) متفق عليه.

ومن حقوق المسلمين دعاء بعضهم لبعض، قال تعالى لما ذكر المهاجرين والأنصار: وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإَيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: 10]، وقال تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد: 19].

وفي الجملة إخوة الإيمان، الأخوَّة بيننا يجب أن تقوم وتستمر على الثوابت التي أسس عليها المصطفى المجتمع الإسلامي، مجتمعا واحدا كالجسد الواحد، يتآلف ويتعاون ويترابط، يظهر فيه الإيثار والمحبة، وتسوده المودة والألفة والعفو عن الزلات والصفح عن الأخطاء والهفوات وحسن الظن، ويزول منه الحسد والقطيعة والشحناء والضغينة والاحتقار والسخرية والبغضاء والخديعة، وتختفي منه الأنانية وحب الذات.

هذه هي مقتضيات الأخوة ولوازمها، نلتزم بها ظاهرا وباطنا قولاً وفعلاً وسلوكًا وتعاملاً.

 

الخطبة الثانية

عباد الله، إن من حقّ المسلم على أخيه المسلم أن يفرّج كربته ويغيث لهفته ويقضي حاجته ويلبّي دعوته، يحبّ له من الخير ما يحبّه لنفسه، ويقدّم له الخير بيمينه، ويدفع عنه الشرّ والأذى بشماله.

ومن حق المسلم على أخيه المسلم أن يحفظ سرّه ويستر عيبه ويعوده إذا مرض ويشيّع جنازته إذا مات ويحفظ عرضه إذا سافر وينصره إذا ظُلِم وينصحه إذا اعْوَجّ، ((ومن كان في حاجة أخيه المؤمن كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كُرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة))، وقال : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).

 عباد الله، المسلمون أمة واحدة وإن تباعدت ديارهم وتباينت ألوانهم واختلفت ألسنتهم، يجمعهم القرآن، ويوحّد أهدافهم الإسلام، ربهم واحد، ودينهم واحد، ونبيهم واحد، وقبلتهم واحدة، هدفهم إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه، شعارهم الأخوة الصادقة والمودة الخالصة، أخوّة الإيمان ورابطة الإسلام.

على هذا كان المسلمون الأوّلون، يُسرّون إذا أصاب إخوانَهم في أي مكان من الدنيا خيرٌ، ويحزنون إذا أصابهم شرٌّ، وسرورهم وحزنهم لم يكن كلامًا ولا بكاءً، وإنما كان عملاً وإغاثةً وتلبيةً للنداء، فإذا سمع المسلم أن إخوانه المؤمنين في دولة مسلمة تسومهم دولة ظالمة سوء العذاب تقتل رجالهم وتستبيح أعراضهم سارع إلى نجدتهم، وعمل على نصرهم وإهلاك عدوّهم، هذه هي أخوة الإسلام، ومن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم.

وإنا لنسأل الله العلي القدير أن يفرج عن إخواننا كربهم ومآسيهم، وأن يرفع عنهم ضيقهم وهمهم، وأن يبدل حزنهم فرحا.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً