الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد: أيها المسلمون، هذا هو اعتقاد الشيعة في كتاب الله، من أجل هذا فإنّ الشيعة لا يهتمون بالقرآن ولا بقراءته، وهذه حقيقة قد أقر بها علماؤهم القدامى والمعاصرون، يقول الخامنئي: "مما يؤسف له أن بإمكاننا بدء الدراسة ومواصلتنا لها إلى حين استلام إجازة الاجتهاد من دون أن نراجع القرآن ولو مرة واحدة، لماذا هكذا؟ لأن دروسنا لا تعتمد على القرآن". ويقول آية الله محمد حسين فضل الله: "فقد نفاجأ بأن الحوزة العلمية في النجف أو في قم أو في غيرهما لا تمتلك منهجا دراسيا للقرآن".
وأما سبب بعدهم عن القرآن مع ما يعتقدونه من تحريف فهو ازدراؤهم لمن يهتم بالقرآن حفظا وتفسيرا، نقل صاحب كتاب ثوابت ومتغيرات الحوزة عن الخامنئي قوله: "إذا ما أراد شخص كسب أي مقام علمي في الحوزة العلمية كان عليه أن لا يفسر القرآن حتى لا يتهم بالجهل، حيث كان ينظر إلى العالم المفسر الذي يستفيد الناس من تفسيره على أنه جاهل ولا وزن له علميا، لذا يضطر إلى ترك درسه".
أيها الإخوة الكرام، أما مشكلة المشكلات والداهية الدهياء عند الشيعة عقيدة التقيا، جاء في لسان العرب مادة (وقى): اتَّقَيتُ الشيء وتَقَيُته أتقِيه وتِقاء: حَذِرته"، ويقول ابن حجر: "ومعنى التقية الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير". وهي رخصة يلجأ إليها المسلم إذا وقع تحت ظروف عصيبة جدا تصل إلى حد القتل والإيذاء العظيم، تضطره إلى إظهار خلاف ما يبطن، ودليلها من كتاب الله قوله سبحانه: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، وقوله جل وعلا: لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ، وفي الحديث عن النبي قال: ((إن الله وضع ـ وفي لفظ: تجاوز ـ عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)). والعلماء على خلاف في مسألة التقيا: هل هي صالحة لكل زمان خوفا من الضرر أم هي مؤقتة تتعلق بعزة الإسلام؟ وكلهم متفقون على أن التقيا تكون في الأقوال وليس في الأفعال كما حدث للصحابي الجليل عمار بن ياسر، يقول ابن كثير في تفسير الآيات: "أي: من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم ـ أي: الكافرين ـ فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته"، وقال الثوري: قال ابن عباس: (ليس التقية بالعمل، إنما التقية باللسان).
أيها الإخوة الكرام، إذا كانت التقيا عند العلماء تعني موافقة الكفار والمشركين على الظاهر مع بقاء الإخلاص في القلب عند الضرورة المفضية إلى الموت أو الهلاك، فالتقيا عند الشيعة هي النفاق بعينه، جاء في تفسير البيان للطوسي: "التقية الإظهار باللسان خلاف ما ينطوي عليه القلب للخوف على النفس إذا كان ما يبطنه هو الحق، فإن كان ما يبطنه باطلا كان ذلك نفاقا، والتقية عندنا واجبة عند الخوف على النفس". وقال في جوامع الجامع: "هذه رخصة في موالاتهم الكفار عند الخوف". والمراد بهذه الموالاة المخالفة الظاهرة والقلب مطمئن بالعداوة، ويقول الطباطبائي: "التقرب من الغير خوفا بإظهار آثار التولي ظاهرا من غير عقد القلب على الحب والولاية ليس من التولي في شيء". وعلى هذا المنوال سائر بقية المفسرين والعلماء من الشيعة في بيان المسألة، ويظهر مما سبق أنهم لا يختلفون مع أهل السنة والجماعة في مفهوم التقية كما مر ذكره، لكن من هنا يبدأ الخلاف، فالشيعة يعتقدون خلافا لما مر من أن التقية واجبة، لا يجوز تركها إلى يوم القيامة، وأن تركها بمنزلة من ترك الصلاة، وأنها تسعة أعشار الدين، ومن ضروريات مذهب التشيع، ولا يتم الإيمان إلا بها، وليست رخصة في حال الضرورة كما مر، بل هي ضرورة في ذاتها، وإنما تكون من مخالفيهم في المذهب، يقول الخميني: "وترك التقية من الموبقات التي تلقي صاحبها قعر جهنم، وهي توازي جحد النبوة والكفر بالله العظيم". ورووا أحاديث مكذوبة نسبوها إلى النبي منها: (التقية من دين الله، ولا دين لمن لا تقية له)، (والله لولا التقية ما عبد الله). وعن الصادق أنه قال: "إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له". وقوله: "يغفر الله للمؤمنين كل ذنب ويطهر منه الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين: ترك التقية، وتضييع حقوق الإخوان".
ولم يقتصر الأمر على هذا بل وضعوا روايات ترغب في العمل بالتقية، فعن علي أنه قال: (التقية من أفضل أعمال المؤمنين)، وعن زين العابدين أنه سئل: من أكمل الناس في خصال الخير؟ قال: أعملهم بالتقية، وعن الصادق أنه قال: ما عُبِدَ الله بشيءٍ أحب إليه من الخبء، قيل: وما الخبء؟ قال: التقية. وعن سفيان بن سعيد عن الصادق قال: "يا سفيان، عليك بالتقية فإنها سنة إبراهيم الخليل".
أيها الإخوة الأفاضل، إن شيعة الأمس واليوم يعتبرون التقية من أهم الفرائض والواجبات، ليس بينهم وبين الكفار والمشركين بل حتى بين الشيعة والسنة، فهم ينظرون إلى أهل السنة أنهم أقرب إلى الكفر منهم إلى الإسلام، لذلك ترى الشيعة يستخدمونها مع أهل السنة، فهم مثلا لا يسبون ولا يكفرون الصحابة أمام أهل السنة، بينما يكيلون لهم من الشتائم والتهم والسباب ما لا يعلمه إلاّ الله سبحانه، ويقرون بتحريف القرآن ويجهرون بينهم بتركه، بينما يعلنون تمسكهم به ويقيمون المجالس من أجل تلاوته، فهم يدعون خلاف ما يبطنون؛ ليغتر بهم من لا يعرف عقائدهم، وهذا الأمر جعل كثيرا من أهل السنة يزعم أن الخلاف بينهم في المسائل الفقهية فقط، وقد رأينا أن الخلاف بين الشيعة والسنة يشبه إلى حد ما الخلاف الموجود بين المسلم والكافر، لذلك قال الشوكاني في كتابه طلب العلم: "لا أمانة لرافضي على من يخالفه في الدين قط، بل يستحل دمه وماله عند أدنى فرصة تلوح له". فدماؤنا وأموالنا حلال عندهم، وهم الآن منبثون في العالم الإسلامي وغيره، فالخطر منهم أشدّ وأعظم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً.
اللهم ارزقنا محبة النبي واتباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفنا على ملته واحشرنا في زمرته واسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وعن أولاده الغر الميامين وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنا معهم وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين...
|