.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

اغتنام الأوقات

5133

الرقاق والأخلاق والآداب

اغتنام الأوقات

عايض بن سعيد الرشيد

الرياض

4/1/1427

جامع الأميرة فهدة الشريم

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- أهمية الوقت. 2- واجبنا تجاه الوقت. 3- الأسباب المعينة على حفظ الوقت من الهدر والضياع. 4- مجالات استثمار الوقت. 5- آفات وعوائق تضيِّع على المسلم وقته.

الخطبة الأولى

عباد الله، إن هذا الوقت والزمن والعمر عرضةٌ للصرف والبذل، فإما أن يكون بفائدة وإما أن يكون في غير ما فائدة. وبما أن الوقت هو أغلى ما يملك الإنسان فإن الإسراف في بذله في غير ما فائدة هو من أعظم الخسران.

فمن تتبع أخبار الناس وسبر أحوالهم وعرف كيف يقضون أوقاتهم وكيف يمضون أعمارهم عَلِمَ أن أكثر الخلق يهدرون أوقاتهم، محرومون من نعمة استغلال العمر واغتنام الوقت. ويزداد العجب عجبا من فرح هؤلاء بمرور الأيام وتوالي الأعوام، وهم في غفلة معرضون وفي غمرة ساهون. يقول ابن الجوزي: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل".

ولقد عني القرآن الكريم والسنة المطهرة بالوقت من نواحٍ شتى وبصور عديدة، فقد أقسم الله بالوقت في مطالع سور عديدة مثل: الليل والنهار والفجر والضحى والعصر، ومعلوم أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه دلَّ ذلك على أهمية وعظمة ذلك المقسم به، وليلفت الأنظار إليه وينبه على جليل منفَعته.

وجاءت السنة لتؤكد على أهمية الوقت وقيمة الزمن، وتبين أن الإنسان مسؤول عنه يوم القيامة، روى الترمذي عن معاذ بن جبل أن رسول الله قال: ((لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ و عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟))، وروى البخاري عن ابن عباس أن النبي قال: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)). قال ابن الجوزي: "قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش, وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا, فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون".

أيها المسلمون، إذا علمنا وأدركنا أهمية الوقت وجب علينا أمور كثيرة، لكي نستفيد ونستثمر وندخر هذا الوقت. ومن هذه الأمور:

أولاً: الحرص على استثمار هذا الوقت الثمين وعدم التفريط في لحظة واحدة منه، يقول الحسن البصري: "أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم".

ثانيًا: تنظيم الوقت، فيقدَّم من الأعمال والأقوال الأهمُ فالمهم، بحيث لا يطغى بعضها على بعض، خاصة إذا تعددت مسؤولياته بين حق الله وحق الوالدين وحق الزوجة والأولاد وحق عامة الناس، وفي الحديث: ((إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولزوجك عليك حقا، فآت كل ذي حق حقه)).

ثالثًا: اغتنام وقت الفراغ، فالفراغ نعمة يغفل عنها كثير من الناس فلا يؤدون شكرها، ولا يقدرونها حق قدرها، فقد روى البخاري عن ابن عباس أن النبي قال: ((نعمتان من نعم الله مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)). وقد حث النبي على اغتنام وقت الفراغ فقال : ((اغتنم خمسًا قبل خمس)) وذكر منها: ((فراغك قبل شغلك)).

عباد الله، لا بد من اتخاذ الأسباب المعينة على حفظ الوقت من الهدر والضياع، ومن تلك الأسباب:

أولاً: محاسبة النفس فيما يتعلق بصرف الوقت، وهي من أعظم الوسائل التي تعين المسلم على اغتنام وقته في طاعة الله.

ثانيًا: تربية النفس على علو الهمة، فمن ربَّى نفسه على التعلق بمعالي الأمور والتباعد عن سفاسفها كان من أحرص الناس على اغتنام وقته، ومن عَلَت همته لم تقنع بالدون، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

إذا ما عَلا المرءُ رام العلا       ويقنعُ بالدُّونِ من كان دُونَا

ثالثًا: مصاحبة المحافظين على أوقاتهم، فإن صحبة هؤلاء ومخالطتهم والحرص على القرب منهم والتأسي بهم تعين على اغتنام الوقت، وتقوي النفس على استغلال ساعات العمر في طاعة الله.

رابعًا: معرفة حال السلف مع الوقت، فإن معرفة أحوالهم وقراءة سيرهم أكبرُ عون للمسلم على حسن استغلال وقته، فهم خير من أدرك قيمة الوقت وأهمية العمر، وقد ضربوا أروع الأمثلة في اغتنام دقائق العمر واستغلال أنفاسه في طاعة الله، قال ابن مسعود: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي)، وقال عمر بن عبد العزيز: "الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما"، وقال موسى بن إسماعيل: "لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا قط صدقتكم، كان مشغولا بنفسه؛ إما أن يُحدِّث، وإما أن يقرأ، وإما أن يسبح، وإما أن يصلي، كان قد قسم النهار على هذه الأعمال"، وقال ابن القيم: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها". وأما الإمام ابن عقيل ففي أخباره العجب، حتى كان يقول: "إني لا يحلّ لي أن أُضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة وبَصَري عن مطالَعة أعملت فكري في راحتي وأنا مُنطرِح، فلا أنهض إلا وقد خَطَرَ لي ما أُسطِّره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة".

خامسًا: تنويع ما يُستغل به الوقت، فإن النفس بطبيعتها سريعة الملل وتنفر من التكرير، وتنويع الأعمال يساعد النفس على استغلال أكبر قدر ممكن من الوقت وينشطها إلى ذلك.

سادسًا: إدراك أن ما مضى من الوقت لا يعود ولا يُعوَّض، فكل يوم يمضي وكل ساعة تنقضي وكل لحظة تمر ليس في الإمكان استعادتها، وبالتالي لا يمكن تعويضها.

سابعًا: تذكُّر الموت وساعة الاحتضار، وتذكُّر السؤال عن الوقت يوم القيامة حين يستدبر المرء الدنيا ويستقبل الآخرة ويتمنى لو مُنح مهلة من الزمن ليصلح ما فسد ويتدارك ما فات، ولكن هيهات هيهات، فقد انتهى زمن العمل وحان زمن الحساب والجزاء.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وعلى حسن عبادتك.

أقول ما تسمعون...

 

الخطبة الثانية

أيها المسلمون، إن مجالات استثمار الوقت كثيرة، وللمسلم أن يختار منها ما هو أنسب وأصلح له، ومن هذه المجالات:

أولاً: حفظ كتاب الله تعالى وتعلُّمه، وهذا خير ما تعمرُ به الأوقات وتقضى فيه اللحظات، وقد حثَّ النبي على تعلم كتاب الله، فقال : ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) رواه البخاري.

ولو حفظ المسلم في كل يوم آية واحدة من كتاب الله وحديثا واحد من أحاديث النبي فإنه في سنة واحدة فقط يُتِمُّ حفظَ سورةَ البقرة ونصفَ سورة آل عمران، ويحفظُ كتابَ عمدةِ الأحكامِ كاملا. ولو حفظ في كل يوم أربع آيات من كتاب الله فإنه يتم حفظ القرآن في خمس سنوات. وانظروا كم من سنة تضيع دون محاولة حفظِ آية من كتاب الله أو حديث من أحاديث المصطفى .

ثانيًا: طلب العلم الشرعي، فقد كان السلف الصالح أكثر حرصًا على استثمار أوقاتهم في طلب العلم وتحصيله؛ وذلك لأنهم أدركوا أن حاجتهم إليه أكبر من حاجتهم إلى الطعام والشراب. واغتنام الوقت في تحصيل العلم وطلبه له صور، منها: حضور الدروس المهمة، والاستماع إلى الأشرطة النافعة، وقراءة الكتب المفيدة. فلا تقل: لا زلت في مرحلة الشباب، ولا تقل: تقدم عمري ولم أعد أستطيع التحصيل والمراجعة، ولكن بادر الآن واستغل وقتك فهو عمرك وسوف تسأل عنه.

إذا كان يؤذيكِ حرّ المصيف    ويُبسُ الخريف وبَرْدُ الشتاء

ويُلهيكِ حسنُ زمانِ الربيع     فأخذك للعلم قُل لي: متى؟!

ثالثًا: ذكر الله تعالى، فليس في الأعمال شيء يسع الأوقات كلها مثل الذكر، وهو مجال خصب وسهل لا يكلف المسلم مالاً ولا جهدًا، وقد أوصى النبي أحد أصحابه فقال له: ((لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله)) رواه أحمد. فما أجمل أن يكون قلب المسلم معمورًا بذكر مولاه، إن نطق فبذكره، وإن عمل فبشكره.

رابعًا: الإكثار من النوافل، وهو مجال مهم لاغتنام أوقات العمر في طاعة الله، وعامل مهم في تربية النفس وتزكيتها، علاوة على أنه فرصة لتعويض النقص الذي يقع عند أداء الفرائض، وأكبر من ذلك كله أنه سبب لحصول محبة الله للعبد، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: ((ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه)) رواه البخاري.

خامسًا: الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة للمسلمين.

سادسًا: زيارة الأقارب وصلة الأرحام، فهي سبب لدخول الجنة وحصول الرحمة وزيادة العمر وبسط الرزق، قال النبي : ((من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه)) رواه البخاري.

سابعًا: اغتنام الأوقات اليومية الفاضلة، مثل بعد الصلوات، وبين الأذان والإقامة، وثلث الليل الأخير، وعند سماع النداء للصلاة، وبعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس. وكل هذه الأوقات مقرونة بعبادات فاضلة ندب الشرع إلى إيقاعها فيها، فيحصل المسلم بها على الأجر الكبير والثواب العظيم.

عباد الله، هناك آفات وعوائق كثيرة تضيِّع على المسلم وقته، وتكاد تذهب بعمره كله إذا لم يفطن إليها ويحاول التخلص منها، ورأس تلك العوائق وأسها الغفلة والتسويف، فهما سلاحان ماضيان من أسلحة الشيطان تفتك بالإنسان.

فبادر ـ أيها المسلم ـ باغتنام أوقات عمرك في طاعة الله، واحذر من التسويف والكسل، فكم في المقابر من قتيلِ سَوفَ.

نسأل الله صلاحـا عاجلا      إنما الغافل في البلـوى هلك

وكفانا ما مضى من بؤسنا       ربنا اكشف ما بنا فالأمر لك

 

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً