.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

البلاء يشن

5082

الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد, موضوعات عامة

الأبناء, الإعلام, التربية والتزكية, الترفيه والرياضة, قضايا المجتمع

عبد الله بن محمد البصري

القويعية

3/11/1427

جامع الرويضة الجنوبي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- نعمة الإسلام والإيمان. 2- حسد أعداء الإسلام للمسلمين. 3- حرب الأعداء وبغضهم للإسلام والمسلمين. 4- انتشار لعبة خطيرة من لعب البلاي ستيشن. 5- واجبنا تجاه هذا الأمر. 6- مفاسد القنوات الفضائية وأجهزة اللهو. 7- وجوب العناية بالأولاد وصيانتهم. 8- الغزو الفكري.

الخطبة الأولى

أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم ـ أَيُّها النَّاسُ ـ ونَفسِي بِتَقوَى اللهِ عز وجل، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤتِكُم كِفلَينِ مِن رَحمَتِهِ وَيَجعَلْ لَكُم نُورًا تَمشُونَ بِهِ وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِئَلاَّ يَعلَمَ أَهلُ الكِتَابِ أَلاَّ يَقدِرُونَ عَلَى شَيءٍ مِن فَضلِ اللهِ وَأَنَّ الفَضلَ بِيَدِ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، نِعمَةُ الإِسلامِ أَجَلُّ نِعمَةٍ، وَمِنَّةُ إِرسَالِ محمدٍ أَعظَمُ مِنَّةٍ، وَلَو جُمِعَت كُلُّ نِعَمِ الدُّنيا في كِفَّةٍ وَنِعمَةُ الإِسلامِ في أُخرَى لَمَالَت كِفَّةُ الإِسلامِ وَلَرَجَحَت، ذَلِكَ أَنَّ الدُّنيا كُلَّهَا فَانِيَةٌ وَجميعَ نِعَمِهَا زَائِلَةٌ، أَمَّا نِعمَةُ الدِّينِ وَالإِيمانِ فَمُمتَدَّةٌ مَعَ صَاحِبِها مَا تمسَّكَ بها، وَأَثَرُهَا مُتَّصِلٌ بِدَارِ الآخِرَةِ دَارِ النَّعِيمِ المُقِيمِ، وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعقِلُونَ؛ وَلِهَذَا يُقَرِّرُ اللهُ جل وعلا تمامَ نِعمَتِهِ على عِبَادِهِ بِإِكمَالِ الدِّينِ وَرِضَاهُ الإِسلامَ لهم دِينًا، وَيَمتنُّ عَلَيهِم بِبِعثَةِ محمدٍ خَيرِ الأَنَامِ نَبِيًّا رَسُولاً، قال سبحانَه: اليَومَ أَكمَلْتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمْتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلاَمَ دِينًا، وقال جَلَّ ذِكرُهُ: لَقَد مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِن أَنفُسِهِم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. وَإِذَا كَانَ الأَعدَاءُ مِنَ اليَهودِ وَالنَّصارَى وَالمُشرِكِينَ وَالمُنَافِقِيَن يحسدُونَنَا عَلى كُلِّ شَيءٍ ممَّا أَنعَمَ اللهُ بِهِ عَلَينَا، فَإِنهم لا يحسدُونَنَا عَلَى شَيءٍ مِثلِ تَمَسُّكِنَا بهذا الدِّينِ وَتَشَبُّثِنَا بِالعُروَةِ الوُثقَى، وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لأَنَّ هذا الدِّينَ القَوِيمَ جَعَلَ مِنَّا نحنُ المُسلِمِينَ قُوَّةً عَظِيمَةً عَظِيمَةً، رُوحُها وَلُبُّها الإِسلامُ، وَوَقُودُها وَمُشعِلُها العَقِيدَةُ، وَبَاعِثُها وَمُحَرِّكُها ابتِغَاءُ الأَجرِ وَالثَّوَابِ، وَحَادِيهَا الأَمَلُ في دُخُولِ الجَنَّةِ وَبُلُوغُ النَّعِيمِ المُقِيمِ. نَعَم أَيُّهَا الإِخوَةُ، لَقَد أَثبَتَ التَّأرِيخُ لهؤلاءِ وَغَيرِهِم أَنَّ المُسلِمِينَ مَهمَا تمسَّكُوا بِدِينِهِم وَعَضُّوا عَلَى عَقِيدتِهِم بِالنَّوَاجِذِ فَإِنهم قُوَّةٌ عَجِيبَةٌ عَجِيبَةٌ، لا تُقَاسُ بِمَقَايِيسِ البَشَرِ، وَلا تُوزَنُ بِمَوَازِينِ القُوَى، قُوَّةٌ لا تُهزَمُ بِكَثرَةِ عَدَدٍ وَلا تُقهَرُ بِاكتِمَالِ عُدَّةِ، وَلا يَقِفُ أَحَدٌ مَهمَا بَلَغَ في وَجهِها ولا يَستَطِيعُ إِيقَافَ مَدِّهَا.

وَمِن هُنَا فَإِنَّ هؤلاءِ الأَعدَاءَ لم تُتَحْ لهم فُرصَةٌ لِلنَّيلِ مِن هَذَا الدِّينِ إِلاَّ اغتَنَمُوها، ولا وَجَدُوا فُرجَةً لإِضعافِهِ إِلاَّ وَلَجُوهَا، وَلَن يَكسَلُوا وَلَن يَتَوَانَوا عَن حَربِ هَذَا الدِّينِ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ وَالكَيدِ لَهُ بِكُلِّ أُسلُوبٍ، غَزوًا وَقِتَالاً، وَحَربًا فِكرِيَّةً وَتَضيِيقًا اقتِصَادِيًّا، وَشِرَاءً لِلعُقُولِ وَاستِمَالَةً لِلقُلُوبِ، وَقَصدًا لِلكِبَارِ وَالصِّغَارِ، وَعَمدًا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، قال تعالى: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّىَ يَرُدُّوكُم عَن دِينِكُم إِنِ استَطَاعُوا. نَعَمْ أَيُّها الأَحِبَّةُ، لا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَنَا لِيَصُدُّونَا عَن الدِّينِ الحَقِّ، وَلَن يَرضَوا دُونَ كُفرِنا وَاتِّبَاعِنا مِلَّتَهُم شَيئًا، قال جل وعلا: وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم.

وَلَقَد تَكَاثَرَتِ الآيَاتُ البَيِّنَاتُ وَتَظَاهَرَتِ النُّصُوصُ الوَاضِحَاتُ على ما تُخفِي صُدُورُ هَؤُلاءِ وَمَا تَحمِلُهُ قُلُوبُهُم مِن حَسَدٍ لَنَا وَغَيظٍ عَلَينَا وَابتِغَاءِ البَلاءِ لَنَا وَالفَسَادِ في مُجتَمَعَاتِنَا، قال سُبحانَهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعدَ إِيمَانِكُم كَافِرِينَ، وقال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِن أَهلِ الكِتَابِ لَو يَرُدُّونَكُم مِن بَعدِ إِيمَانِكُم كُفَّارًا حَسَدًا مِن عِندِ أَنفُسِهِم مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ، وقال جل وعلا: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهلِ الكِتَابِ وَلاَ المُشرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيكُم مِن خَيرٍ مِن رَبِّكُم، وقال جَلَّ ذِكرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِن دُونِكُم لاَ يَألُونَكُم خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّم قَد بَدَتِ البَغضَاء مِن أَفوَاهِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم أَكبَرُ قَد بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُم تَعقِلُونَ، وقال تعالى: إِن يَثقَفُوكُم يَكُونُوا لَكُم أَعدَاء وَيَبسُطُوا إِلَيكُم أَيدِيَهُم وَأَلسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَو تَكفُرُونَ، وقال سُبحانَهُ: فَمَا لَكُم في المُنَافِقِينَ فِئَتَينِ وَاللهُ أَركَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهدُوا مَن أَضَلَّ اللهُ وَمَن يُضلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً وَدُّوا لَو تَكفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً.

وَلَكِنَّ هَؤُلاءِ المَخذُولِينَ مَهمَا يَفعَلُوا وَيُدَبِّرُوا وَيُخَطِّطُوا فَإِنَّ كَيدَهُم مُنتَهٍ بِالخَسَارِ، وَتَخطِيطَهُم آيِلٌ إِلى تَبَارٍ، إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ مَشرُوطٌ بِشَرطَينِ عَظِيمَينِ لا بُدَّ مِن تَحقِيقِهِما، قال رَبُّنَا سُبحَانَهُ: إِن تَمسَسْكُم حَسَنَةٌ تَسُؤْهُم وَإِن تُصِبْكُم سَيِّئَةٌ يَفرَحُوا بِهَا وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُم كَيدُهُم شَيئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطٌ، فَصَبرٌ مِنَّا على مَكرِ هَؤُلاءِ وَتَقَوَى للهِ وَإِيمانٌ بِمَوعُودِهِ كَفِيلانِ بِإِذنِ اللهِ بِأَن لاَّ يَضُرَّنَا كَيدُهُم شَيئًا.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، نُشِرَ في إِحدَى صُحُفِنَا الجُمُعَةَ المَاضِيَةَ خَبرٌ مَفَادُهُ أَنَّهُ انتَشَرَت مُؤَخَّرًا لُعبَةٌ عَلَى الأَجهِزَةِ المُسَمَّاةِ بِالـ" بلاي ستيشن " تَدعُو إِلى تَطهِيرِ المُدُنِ مِنَ الإِرهَابِيِّينَ وَالمُلتَحِينَ وَالمَشَايَخِ وَعُلَمَاءِ الدِّينِ، وَتُجبِرُ هَذِهِ اللُّعبَةُ لاعبِيهَا عَلى فِعلِ ذَلِكَ لِلاستِمرَارِ في التَّقَدُّمِ مِن مَرحَلَةٍ إِلى أُخرَى وَتحقِيقِ الفَوزِ وَالنَّصرِ، بِرَميِ القَذَائِفِ عَلَى المَسَاجِدِ وَتَمزِيقِ القُرآنِ وَتَنثِيرِهِ، وَفي أَثنَاءِ قَصفِ المَسَاجِدِ تُوجَدُ أَصوَاتٌ لِلأَذَانِ وَتَكبِيرٌ وَتهلِيلٌ، تَتَلاشَى وَتَضعُفُ كُلَّمَا رَمَى اللاَّعِبُ المَسَاجِدَ وَاقتَحَمَهَا وَمَزَّقَ كِتَابَ اللهِ وَقَتَلَ جمِيعَ المُسلِمِين الذِينَ يَظهَرُونَ عَلَى شَخصِيَّةِ رِجَالٍ مُلتَحِينَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُسَجِّلَ نُقَاطًا أَكبرَ فَعَلَيهِ تَدمِيرُ مَسَاجِدَ أَكثَرَ وَقَتلُ مُلتَحِينَ، كَمَا يَجِبُ أَن لاَّ يمنَعَهُ صَوتُ الأَذَانِ أَو دُخُولُ خَصمِهِ المَسجِدَ مِن مُلاحَقَتِهِ وَقَتلِهِ دَاخِلَ المَسجِدِ لِيُحَصِّلَ نُقَاطًا أَعلَى.

هَذَا مُلَخَّصُ الخَبرِ، وَلا نَدرِي ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَنَعجَبُ أَم نَبكِي؟! أَمَّا العَجَبُ فَمِن غَفلَتِنَا نحنُ الآبَاءَ وَالأَولِيَاءَ وَالمُرَبِّينَ، إِذ نمنَحُ الثِّقَةَ المُطلَقَةَ لِعَدُوِّنَا لِيَصنَعَ أَلعَابَ أَبنَائِنَا، وَأَمَّا المُبكِي فَحَالُ الرَّقَابَةِ الرَّسمِيَّةِ لَدِينَا، إِذْ كَيفَ تَسمَحُ لِمِثلِ هَذِهِ الحَربِ الصَّرِيحَةِ أَن تُبَاعَ في أَسواقِنَا وَعَلَى فَلَذَاتِ أَكبَادِنَا؟! أَيُّ تَشوِيهٍ لِدِينِ الإِسلامِ هَذَا؟! وَأَيُّ حَربٍ لِلتَّسَامُحِ هَذِهِ؟! بَل وَأَيُّ مَسحٍ لِكَرَامَةِ الدِّينِ وَهَدمٍ لِعَقِيدَةِ المُسلِمِينَ يُرِيدُهُ هَؤُلاءِ؟! وَأَيَّ إِرهَابٍ يَصنَعُهُ أُولَئِكَ الحُسَّادُ؟! وَأَيَّ عَدَاءِ يَدعَونَ إِلَيهَ؟!

وقَبلَ أَن نُطَالِبَ الجِهَاتِ الرَّسمِيَّةَ بِمَنعِ دُخُولِ مِثلِ هَذِهِ الأَلعَابِ التي مِن شَأنِهَا أَن تُفسِدَ عَقَائِدَ أَطفَالِنَا وَتَهدِمَ أَخلاقَهُم، وَقَبلَ أَن نُفَكِّرَ في رَدٍّ مُنَاسِبٍ عَلى الشَّرِكَةِ المُصَنِّعَةِ لِهَذِهِ اللُّعبَةِ أَو نُدَبِّرَ أَمرَ مُقَاطَعَتِهَا، فَإِنَّنَا نَقُولُ: إِنَّ هَذَا الإِجرَاءَ المَهِينَ وَالغَزوَ الخَبِيثَ جُزءٌ مِن الحَربِ الصَّلِيبِيَّةِ المُوَجَّهَةِ ضِدَّ الإِسلامِ، وَالتي لا يَشُكُّ عَاقِلٌ في أَنَّ الأَعدَاءَ يُعَبِّئُونَ لها لَيلَ نَهَارَ، وَيَبذُلُونَ في سَبِيلِها الغَاليَ وَالنَّفِيسَ، وَيُعِدُّونَ لها الخِطَطَ العَسكَرِيَّةَ القَرِيبَةَ المَدَى وَالبَعِيدَةَ، وَيُقِيمُونَ مِن أَجلِها على مجتمعاتِنَا الدِّرَاسَاتِ النَّفسِيَّةَ وَالفِكرِيَّةَ وَالاقتِصَادِيَّةَ وَالاجتِمَاعِيَّةَ، فَنَسأَلُ اللهَ أَن يُبطِلَ كَيدَهُم وَيَجعَلَ تَدبِيرَهُم تَدمِيرًا عَلَيهِم.

في الخَبرِ الذي أَشَرتُ إِلَيهِ وَنَقَلتُ مُلَخَّصَهُ آنِفًا طَالَبَ مُواطِنُونَ الجِهَةَ المَسؤُولَةَ بِمَنعِ دُخُولِ هَذِهِ الأَلعَابِ، وَرَأَى آخَرُونَ أَنَّ عَلَينَا أَنَّ نُوَاجِهَ الإِعلامَ الغَربيَّ الذي صَوَّرَ لِلعَالمِ أَنَّ الإِسلامَ دِينٌ إِرهَابيٌّ بِأُسلُوبِ الحِكمَةِ، مِثلِ تَبنِّي أَلعَابٍ مُمَاثِلَةٍ تُبَيِّنُ الوَجهَ الحَقِيقِيَّ لِدِينِنَا الإِسلامِيِّ بِتَعَالِيمِهِ السَّمحَةِ، وَاكتَفَى بَعضٌ بِإِبدَاءِ حَنَقِهِ وَغَيظِهِ مِن هَذِهِ الأَلعَابِ، وَأَشَارَ بَعضٌ إِلى مَا يَعتَرِيهِ مِن غُصَّةٍ وَهُوَ يَرَى الأُمَّةَ الإِسلامِيَّةَ تَرَى وَتَسمَعُ وَلَكِنْ لا تَتَكَلَّمُ، أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ:

يَا عِبَادَ اللهِ، وَيَا أُمَّةَ الإِسلامِ، قَبلَ أَن نُطَالِبَ الآخَرِينَ بِعَمَلِ شَيءٍ أَو تَبَنِّي رَدِّ فِعلِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّ عَلَينَا أَنْ نَسأَلَ أَنفُسَنَا بِصِدقٍ وَصَرَاحَةٍ: مَاذَا عَمِلنَا نحنُ وَمَاذَا نحنُ فَاعِلُونَ؟! وَإِلى متى سَنَظَلُّ سُوقًا يُرَوِّجُ فِيهَا أُولَئِكَ الكَفَرَةُ ما يُنتِجُونَهُ مِن أَلعَابٍ مُوَجِّهَةٍ وَأَفلامٍ مُدَمِّرَةٍ وَغَزوٍ فِكرِيٍّ مَدرُوسٍ؟! بَلْ إِلى متى سَنَظَلُّ نَسمَحُ لأَجهِزَةِ الفَسَادِ أَن تَختَرِقَ الحُجُبَ في بُيُوتِنَا، فَتَقتُلَ كُلَّ مَا يَمُتُّ لِلدِّينِ وَالخَيرِ بِصِلَةٍ، تَهُزُّ عَقَائِدَنَا، وَتُزَعزِعُ إِيمَانَنَا، وَتُمِيتُ غَيرَتَنَا، وَتَئِدُ مِن قُلُوبِ نِسَائِنَا وَبَنَاتِنَا الحَيَاءَ وَالفَضِيلَةَ، وَتَبني في نُفُوسِهِنَّ الوَقَاحَةَ وَالرَّذِيلَةَ؟! إِلى متى يَظَلُّ أَحَدُنَا مُنَفِّذًا لِخِطَطِ أَعدَاءِ اللهِ وَأَذنَابِهم مِنَ المُنَافِقِينَ شَعُرَ أَو لم يَشعُرْ؟! أَوَكُلَّمَا جَاءَ هَؤُلاءِ بِفِتنَةٍ بَذَرنَاهَا في بُيُوتِنَا؟! أَوَكُلَّمَا أَشعَلُوا نَارًا لِحَربِ الدِّينِ وَالفَضِيلَةِ وَالأَخلاقِ تَكَفَّلنَا بِإِيقَادِهَا وَجَعَلنَا أَهلِينَا وَأَولادَنَا حَطَبًا لها؟! أَيَحفِرُونَ لَنَا الحُفَرَ المُظلِمَةَ فَنَقَعَ فِيهَا؟! أَيَسُوقُونَنَا إِلى المُستَنقَعَاتِ الآسِنَةِ فَنَنسَاقَ وَرَاءَهُم؟! عَجَبًا وَاللهِ ثم عَجَبًا عَجَبًا، نَعرِفُ الخَيرَ وَأَهلَهُ وَأَمَاكِنَهُ وَأَجهِزَتَهُ وَأَدَوَاتِهِ ثم نُعرِضُ عَنهُ وَعَنهُم وَعَنهَا، وَنَتَيَقَّنُ بِالبَاطِلِ وَأَهلِهِ وَتُبَيَّنُ لَنَا خِطَطَهُم وَيَظهَرُ لَنَا بَعضُ مَا يُبطِنُونَ ثم نَثِقَ فِيهِم وَنُسلِّمَهُم زِمَامَ أَنفُسِنَا وَعُقُولَ أَهلِينَا وَأَفئِدَةَ أَبنَائِنَا، وَنُدخِلَ أَجهِزَتَهُم بُيُوتَنَا، وَنُسقِطَ مَن تحتَ أَيدِينَا في حَمأَةِ فَسَادِهِم وَمُستَنقَعَاتِ بَاطِلِهِم!

 حَدِّثُوني بِاللهِ عَلَيكُم عِبادَ اللهِ: كَم نِسبَةُ البُيُوتِ التي سَلِمَت مِن قَنَوَاتِ اللَّهوِ وَالبَاطِلِ؟! كَم عَدَدُ الذينَ مَا زَالُوا إِلى الآنَ لم يَرفَعُوا أَطبَاقَ الشَّرِّ فَوقَ أَسطُحِ مَنَازِلِهِم؟! إِنهم يُعَدُّونَ عَلَى الأَصَابِعِ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، أَمَّا مَا يُسمَّى بِالبلاَي ستيشن، فَبَلاءٌ يُشَنُّ، بَلْ حَربٌ تُشَنُّ، وَدَعوَةٌ إِلى الضَّيَاعِ وَالعُهرِ وَالكُفرِ، كَانَت في بِدَايَاتِها قتلاً لِلوَقتِ وَتَضيِيعًا لأَعمَارِ أَطفَالِنَا فِيمَا لا فَائِدَةَ مِنهُ وَلا نَفعَ وَرَاءَهُ، وَتَعوِيدًا لهم على السَّهَرِ الطَّوِيلِ وَتَركِ الصَّلَوَاتِ وَهَجرِ المَسَاجِدِ وَالجَمَاعَاتِ، ثم لمَّا وَجَدُونَا غَافِلِينَ مُتَسَاهِلِينَ لم يَزَالُوا بها حتى أَدخَلُوا فِيهَا صُوَرًا لِعَارِيَاتٍ وَمَقَاطِعَ لِمُومِسَاتٍ تُؤَجِّجُ الغَرَائِزَ وَتُثِيرُ الشَّهَوَاتِ، وَضَمَّنُوهَا أَفعَالاً مَشِينَاتٍ وَتَصَرُّفَاتٍ طَائِشَاتٍ، تُعَلِّمُ أَطفَالَنَا التَّمَرُّدَ عَلَى الأَنظِمَةِ المُقَرَّرَةِ وَالآدَابِ المُتَّبَعَةِ، وَتُغَذِّيهِم بِالحِقدِ عَلَى رِجَالِ الأَمنِ وَالانتِقَامِ مِنهُم، حتى إِذَا وَثِقُوا مِن بَلادَتِنَا وَتَأَكَّدُوا مِن مَوتِ غَيرتِنَا جَعَلُوهَا تَعلِيمًا لِحَربِ الإِسلامِ، جَعَلُوهَا تَغذِيَةً لِكُرهِ الإِسلامِ، جَعَلُوهَا جُرعَةً لِلنَّيلِ مِن مَعَاقِلِ الإِسلامِ، جَعَلُوهَا تَحرِيضًا على رِجَالِ الإِسلامِ، يُعَلِّمُونَ أَطفَالَنَا حَربَ الدُّعَاةِ وَالمُلتَحِينَ، وَيَغرِسُونَ فِيهِمُ الاستِهَانَةَ بِالمَسَاجِدِ وَالمَصَاحِفِ، وَيَزرَعُونَ في عُقُولِهِم أَنها مَعَاقِلُ وَمَصَادِرُ لِلإِرهَابِ، يُوحُونَ لأَبنَائِنَا أَنَّ الانتِصَارَ هُوَ قَتلُ المُلتَحِينَ وَمُطَارَدَةُ أَهلِ الدِّينِ، وَأَنَّ الفَوزَ وَالظَّفَرَ هَدم المَسَاجِدِ وَإِخفَاتُ أَصوَاتِ المُؤَذِّنِينَ.

أَوَبَعدَ هَذَا يَشُكُّ عَاقِلٌ في حَسَدِ هَؤُلاءِ الكَفَرَةِ الفَجَرَةِ لَنَا وَحِقدِهِم عَلَينَا؟! أَوَبَعدَ هَذَا يُكَذِّبُ مُبصِرٌ بِبُغضِهِم لِلسَّلامِ وَحُبِّهِم لِلإِرهَابِ وَرَغبتِهِم في التَّدمِيرِ وَابتِغَائِهُمُ التَّخرِيبَ؟! إِنَّ المَاضِيَ الغَابِرَ وَالوَاقِعَ الحَاضِرَ لَيَشهَدُ بِعَدَاوَةِ الكُفَّارِ وَالمُشرِكِينَ وَحَسَدِ اليَهُودِ المُغتَصِبِينَ وَحِقدِ النَّصَارَى الصَّلِيبِيِّينَ، الحُرُوبُ الصَّلِيبِيَّةُ تَشهَدُ، وَالاستِعمَارُ الهَدَّامُ يُصَدِّقُ، وَاحتِلالُ المَسجِدِ الأَقصَى يُؤَيِّدُ، وَمَا يَحدُثُ الآنَ في العِرَاقِ وَأَفغَانِستَانَ وَالشِّيشَانِ وَغَيرِها مِن بِلادِ الإِسلامِ يُوَضِّحُ أَنْ لا سَلامَ يُرجَى مِن عُدُوٍّ كَاشِحٍ، وَلا نَقُولُ إِلاَّ حَسبُنا اللهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ. تُغزَى أَفكَارُ أَبنَائِنَا في عُقرِ دِيَارِنَا، وَيُحَارَبُ دِينُنَا بِأَموَالِنَا، وَتُهدَمُ أَسوَارُنَا بِسَوَاعِدِنَا، وتُخرَبُ بُيُوتُنَا بِأَيدِينَا، فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَشكُو إِلَيكَ ضَعفَ قُوَّتِنَا وَقِلَّةَ حِيلَتِنَا وَهَوَانَنَا على النَّاسِ.

أَيُّها المُسلِمُونَ، إِنَّ شَرَّ هَذِهِ الأَجهِزَةِ لم يَعُدْ خَافِيًا فَيُدفَنَ، وَلا ضَرَرُ هَذِهِ القَنَوَاتِ بِسِرٍّ فَيُكتَمَ، زَعزَعَتِ العَقَائِدَ وَأَفسَدَتِ التَّصَوُّرَاتِ، وَأَضعَفَتِ الدِّينَ وَقَضَت عَلَى المُرُوءَاتِ، وَأَفقَدَت كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ حَسَنَ السَّجَايَا وَكَرِيمَ الصِّفَاتِ، عَلَّمَت مُشَاهِدِيهَا المِرَاءَ بِالبَاطِلِ، وَعَوَّدَتهمُ الجَدَلَ العَقِيمَ لِرَدِّ الحَقِّ، وَجَرَّأَتهم على العُلَمَاءِ وَالوُلاةِ وَالمُرَبِّينَ، وَكَم نَسمَعُ وَنَقرَأُ في كُلِّ يَومٍ مِنَ القصصِ المُبكِيَةِ وَالمَوَاقِفِ المُحزِنَةِ التي سَبَّبَتهَا هَذِهِ القَنَوَاتُ، فَهَذَا أَبٌ وَقَعَ على ابنتِهِ، وَهَذَا وَلَدٌ زَنى بِأُمِّهِ، وَذَاكَ شَابٌّ مَارَسَ الجِنسَ معَ أُختِهِ، وَهَؤُلاءِ أَطفَالٌ يَفعَلُونَ الفَاحِشَةَ وَهُم في سِنٍّ لم يَبلُغُوا فِيهِ شَهوَةً، وَهُنَا شَبَابٌ يُمَارِسُونَ السَّرِقَةَ بِطُرُقٍ مُلتَوِيَةٍ لا تَخطُرُ على بَالٍ، وَآخَرُونَ يَقُودُونَ سَيَّارَاتِهِم بِسُرعَةٍ جُنُونِيَّةٍ وَتَهَوُّرٍ عَجِيبٍ، وَيَعتَدُونَ عَلى رِجَالِ الأَمنِ وَيَتَخَلَّصُونَ مِن مُطَارَدَاتِهِم بِطُرُقٍ احتِرَافِيَّةٍ، وَكُلُّهَا نَتَائِجُ وَاقِعِيَّةٌ وَتَطبِيقَاتٌ عَمَلِيَّةٌ لِمَا رَأَوهُ وَيَرونَهُ في هَذِهِ القَنَوَاتِ وَمَا يُمَارِسُونَهُ في تِلكَ الأَجهِزَةِ، فَلِمَاذَا ـ يَا أُمَّةَ الإِسلامِ ـ نَترُكُ هَذِهِ القَنَوَاتِ الهَابِطَةَ وَتِلكَ الأَجهِزَةَ المُدَمِّرَةَ تُرَبِّي أَبنَاءَنَا وَبَنَاتَنَا؟! هَل عَجَزنَا نحنُ عَن تَربِيَتِهِم، أَم أَنَّنَا رَاضُونَ بِهَذِهِ التَّربِيَةِ الغَربِيَّةِ البَهِيمِيَّةِ الحَيَوَانِيَّةِ؟!

لَقَد كَانَ التَّربَوِيُّونَ ـ مُعَلِّمِينَ وَمُدِيرِي مَدَارِسَ وَمُرشِدِينَ ـ يَطمَعُونَ في أَن يَتَعَاوَنَ الآبَاءُ مَعَهُم في تَربِيَةِ أَبنَائِهِمُ التَّربِيَةَ الصَّحِيحَةَ وَتَحلِيَتِهِم بِمَكَارِمِ الأَخلاقِ وَمحمُودِ الصِّفَاتِ، وَلَقَد أَصبَحُوا الآنَ يَرضَونَ مِن أُولَئِكَ الآبَاءِ بِأَنْ يُمسِكُوا الشَّرَّ عَن أَبنَائِهِم وَيَمتَنِعُوا عَن جَلبِ أَجهِزَةِ الفَسَادِ في مَنَازِلِهِم وَبِأَموَالِهِم.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّها المُسلِمُونَ ـ فِيمَن تحتَ أَيدِيكُم، وَارعَوا أَمَانَاتِكُم وَلا تُضيعُوا وِلايَاتِكُم، لَقَد مَضَى العَصرُ الذِي يَتَلَقَّى فِيهِ النَّاسُ كُلَّ جَدِيدٍ بِالقَبُولِ دُونَ تَمحِيصٍ وَلا تَدقِيقٍ، وَآنَ الأَوَانُ لِتَفَحُّصِ كُلِّ مَا يَدخُلُ إلى البُيُوتِ مِن أَجهِزَةٍ وَأَدوَاتٍ وَمُختَرَعَاتٍ، وَإِذَا كُنَّا ـ وَلا سِيَّمَا الشُّيُوخُ مِنَّا وَالكُهُولُ ـ لا نَعِي مَا تحمِلُهُ هَذِهِ الأَجهِزَةُ مِنَ الآفَاتِ وَالشُّرُورِ وَلا نَعلَمُ كَيفَ تَعمَلُ وَلا نَتَصَوَّرُ مَخَاطِرَهَا المُحتَمَلَةَ فَلْنَعلَمْ أَنَّ دَرءَ المَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلى جَلبِ المَصَالحِ، وَالتَّخلِيَةَ أَولى مِنَ التَّحلِيَةِ، وَالوِقَايَةَ خَيرٌ مِنَ العِلاجِ، وَالسَّلامَةَ لا يَعدِلُهَا شَيءٌ، فَامتَنِعُوا عَن شِرَاءِ هَذِهِ الأَجهِزَةِ لأَبنَائِكُم، مِن دُشُوشٍ وَجَوَّالاتٍ وَمَا يُسَمَّى بِالبلاي ستيشن. نَعَمْ، امتَنِعُوا عَن شِرَائِهَا وَجَلبِهَا لأَطفَالِكُم وَإِدخَالِها بُيُوتَكُم؛ لِئلاَّ تَكُونُوا مَعَاوِلَ هَدمٍ في دِينِهِم وَأَخلاقِهِم وَقِيَمِهِم وَأَنتُم لا تَشعُرُونَ، فَتَندَمُوا يَومَ لا مَندَمَ، وَلا يَقُولَنَّ قَائِلٌ: إِني أَقدِرُ عَلَى تَقنِينِ استِعمَالِ أَبنَائِي أَو بَنَاتي أَو أَهلِي لِهَذِهِ الأَجهِزَةِ وَضَبطِ أُمُورِهِم حِيَالَهَا، فَوَاللهِ إِنَّ هَؤُلاءِ الشَّبَابَ وَالشَّابَّاتِ لَيَعلَمُونَ مِن أَسرَارِ هَذِهِ الأَجهِزَةِ مَا لا تَعلَمُونَ، وَيُحسِنُونَ مِن تِقنِيَاتِهَا مَا لا تُحسِنُونَ، وَيَستَخدِمُونها في الشَّرِّ بِمَا لا يَخطُرُ لأَحَدِكُم عَلى بَالٍ، يَظهَرُ أَحدُهُم أَمَامَكُم بِمَظهَرِ المُسَالِمِ الوَدِيعِ الذِي لا يَستَخدِمُ الجَوَّالَ إِلاَّ لِلمُهَاتَفَةِ النَّافِعَةِ وَالمُكَالَمَةِ المُفِيدَةِ، وَلا يَنظُرُ في القَنَوَاتِ إِلاَّ لِلأَخبَارِ وَالبرَامِجِ العَادِيَّةِ، فَإِذَا مَا غِبتُم عَنهُم أَو غَابُوا عَنكُم تَفَنَّنُوا في إِشبَاعِ شَهَوَاتِهِم بِهَذِهِ الأَجهِزَةِ، أَنتُم تُسلِمُونَ أَعيُنَكُم لِلنَّومِ مُتعَبِينَ مِن أَعمَالِكُم وَمَعَاشِكُم، وَهُم يَتَسَمَّرُونَ أَمَامَ هَذِهِ الأَجهِزَةِ مِن وَرَائِكُم، يُقَلِّبُونَ النَّظَرَ فِيمَا يُسخِطُ اللهَ ولا يُرضِيهِ، وَيَتَنَاقَلُونَ مَا يُمَزِّقُ لحمَ الوُجُوهِ، فَاتَّقُوا اللهَ ثم اتَّقُوا اللهَ ثم اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ إِنَّ جُزءًا كَبِيرًا بَل هُوَ الأَكبرُ مِنَ المَسؤُولِيَّةِ لَيَقَعُ عَلَى عَوَاتِقِكُم. صَحِيحٌ أَنَّكُم سَتُوَاجَهُونَ بِأُمَّهَاتٍ جاهِلاتٍ وَنِسَاءٍ نَاقِصَاتٍ، يَتَّهِمْنَكُم بِالتَّحجِيرِ وَالتَّضيِيقِ عَلَى أَبنَائِهِنَّ وَعَلَيهِنَّ، أَو يَلُمْنَكُم عَلَى أَنَّكُم لم تُوَاكِبُوا العَصرَ ولم تَفعَلُوا كَمَا يَفعَلُ النَّاسُ، وَقَد يَكُونُ أَبنَاؤُكُم هُم مَصدَرَ الضَّغطِ عَلَيكُم لِيَكُونُوا كَزُملائِهِم وَأَقرَانِهِم، أَلا فَلا يَكُونَنَّ كلُّ هَذَا عَائِقًا لَكُم دُونَ تَحَمُّلِ أَمَانَاتِكُم وَرِعَايَتِهَا، وَوِقَايَةِ مَن تحتَ أَيدِيكُم مِنَ النَّارِ، وَالعَمَلِ عَلى نجاتِكُم وَنجاتِهِم، وَتَذَكَّرُوا مَا صَحَّ عنه حَيثُ قال: ((مَن أَرضَى النَّاسَ بِسَخَطِ اللهِ وَكَلَهُ اللهُ إلى النَّاسِ، وَمَن أَسخَطَ النَّاسَ بِرِضَا اللهِ كَفَاهُ اللهُ مَؤُونَةَ النَّاسِ))، وَمَا صَحَّ عنه أَنَّهُ قال: ((مَا مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يموتُ يَومَ يموتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ)). أَفَلَيسَ مِنَ الغِشِّ لِلرَّعِيَّةِ أَنْ يُوَفَّرَ الجَوَّالُ لِطِفلٍ لا يَتَجَاوَزُ خمسَ عَشرَةَ سَنَةً؟! أَلَيسَ مِنَ الغِشِّ إِدخَالُ القَنَوَاتِ الهَابِطَةِ في المنزِلِ؟! أَلَيسَ مِنَ الغِشِّ تَوفِيرُ أَجهِزَةِ البلاي ستيشن دُونَ رَقَابَةٍ وَفِيهَا مَا فِيهَا مِنَ الشَّرِّ وَالبَاطِلِ؟! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولاَدُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ.

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تعالى وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ، فَقَدِّمُوا مَا يَسُرُّكُم وَيُنجِيكُم يَومَ تَلقَونَهُ.

أَيُّها المُسلِمُونَ، إِنَّ أَعدَاءَنَا لا يَمَلُّونَ مَا بَينَ آوِنَةٍ وَأُخرَى مِن تَوجِيهِ ضَرَبَاتٍ قَاسِيَةٍ إِلى مَقَاتِلَ في مجتَمَعِنَا عَامَّةً، وفي صُفُوفِ النِّسَاءِ وَالشَّبَابِ وَالأَطفَالِ خَاصَّةً، ضَرَبَاتٌ لَيسَ سِلاحُهَا الصَّوَارِيخَ وَلا المَدَافِعَ وَلا الطَّائِرَاتِ، فَتِلكَ جَرَّبُوهَا فَلَم يُفلِحُوا ولم يَنجَحُوا في إِخراجِ النَّاسِ بها مِن دِينِهِم وَلا صَدِّهِم عَن مُعتَقَدَاتِهِم، وَلَكِنَّهَا ضَرَبَاتٌ مَعنَوِيَّةٌ فِكرِيَّةٌ، قَصدُها إِبعَادُ المجتَمعِ المُسلِمِ عَن دِينِهِ وَهَدمُ عَقِيدَتِهِ، وَتَجهِيلُهُ بِحَقِيقَتِهِ وَتَضِييعُ هُوِيَّتِهِ، وَمَسحُ مَبَادِئِهِ وَإِلغَاءُ قِيَمِهِ، وَمَسخُهُ إِلى مجتَمَعٍ مَفتُوحٍ عَلى كُلِّ الثَّقَافَاتِ، دُونَ احتِفَاظٍ بِشَخصِيَّةٍ مُستَقِلَّةٍ وَلا تَمَيُّزٍ مُعَيَّنٍ، وَإِذَا كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ الخَطرَ الغَربيَّ عَسكَرِيٌّ محضٌ وَنقصُرُ خَطرَهُ على مَا عِندَهُ مِن سِلاحٍ نَوَوِيٍّ أَو قَنَابِلَ عُنقُودِيَّةٍ أَوِ انشِطَارِيَّةٍ فَإِنَّنَا نَرتَكِبُ خَطَأً جَسِيمًا، وَنَستَجِيبُ لِغَفلَةٍ حَضَارِيَّةٍ خَطِيرَةٍ، ذَلِكُم أَنَّ التَّأثِيرَ في القِيَمِ أَو نَسفَهَا وَتَغييرَ المَبَادِئِ أَو وَأدَهَا أَكثرُ خُطُورَةً مِنَ التَّهدِيدِ العَسكَرِيِّ؛ لأَنَّ التَّهدِيدَ العَسكَرِيَّ لا يَلبَثُ أَن يَنهَارَ أَو يَسقُطَ يَومَ أَن تَنتَفِضَ عَلَيهِ الشُّعُوبُ الحُرَّةُ، وَلَكِنَّ الخُطُورَةَ كُلَّ الخُطُورَةِ في التَّأثِيرِ الذي يُلبَسُ أَثوَابَ التَّسلِيَةِ وَالتَّرفِيهِ وَهُو يَسرِي في العُقُولِ كَالسُّمِّ في العَسَلِ، فَالحَذرَ الحَذرَ، فَإِنَّ المُخطَّطَ كَبِيرٌ وَالغَزوَ مُستَمِرٌّ، وَالحِملَ كَبِيرٌ وَالمُسؤُولِيَّة عَظِيمَةٌ، وَالانتِبَاهَ وَاجِبٌ وَاليَقَظَةَ إِيمَانٌ، وَ((لا يُلدَغُ المُؤمِنُ مِن جُحرٍ مَرَّتَينِ))، وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً