ففي مدينة فرانكفورت الألمانية وفي مصرف ربوي وبالتحديد في عام 1859م اجتمع ثلاثة عشر رجلاً من سادة الذهب المسيطرين على مؤسسات وشبكات مالية عالمية الانتشار، ووضعوا مخططًا عسكريًا لإقامة ثلاث حروب عالمية وثلاث ثورات كبرى في العالم بهدف هدم الأديان وتقويض صرح المجتمعات وكسب الأموال. هل تعلمون من هؤلاء المجتمعون؟ إنهم يهود.
وبعدها بدأت مؤامرات كبار أحبار اليهود لتنفيذ هذا المخطط لإثارة الحروب وسفك دماء الألوف بل الملايين من الأبرياء، وقرروا الإطاحة بالأنظمة الملكية في أوربا والقضاء على جميع الحكومات القائمة في العالم، ونحن في هذه الأعصار المتأخرة والأزمان المتأخرة في زمن استنوقت فيه الجمال واستنسرت فيه البغاة إعلام الغرب وفكره وأدبه يصور العدو صديقًا والناصح شريرًا والرافض للانحلال رجعيًا.
فلنتقلّب معًا ـ أيها الأحباب ـ لنقلب صفحات التاريخ الأسود لليهود مما جاء في القرآن والسنة النبوية والتاريخ القديم والحديث. وإن في التاريخ لعبرة وعظة لمن ألقى السمع وهو شهيد، وهي معالم سوداء تبين خطرهم على المسلمين جميعًا، وإن نظرة فاحصة في القرآن الكريم تبين لنا التركيز الواضح على اليهود، فقد تكرر ذكرهم وبيان حالهم في أكثر من ثلث سور القرآن بسطًا وإجمالاً وتصريحًا وتلميحًا. فها هي أول سورة في القرآن الكريم فاتحة الكتاب يرد البيان الإلهي عن انحراف اليهود والنصارى، ويلتجئ المسلم إلى الله أن لا يسلك طريقهم: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الآية، وأول سورة بعد الفاتحة سورة البقرة وهي بقرة بني إسرائيل، وتسمى السورة الثالثة: سورة آل عمران، وآل عمران لأسرة فاضلة من أسر بني إسرائيل وإن كانت تختلف عنها في توحيدها وعبادتها لربها فاصطفاها الله، وتسمّى السورة الرابعة: سورة المائدة وهي المائدة التي طلبها بنو إسرائيل، بل خصّص سورة بأكملها وهي سورة الإسراء والتي تسمى: سورة بني إسرائيل، ناهيك عن قصص موسى عليه السلام مع اليهود وقصصهم مع الأنبياء من بعده، وكل ذلك يدل على أن الصراع مع بني إسرائيل سيستمر إلى قيام الساعة، وكلما خمدت جذوة الصراع في منطقة أو عصر من العصور فإنها سوف تتجدد في منطقة أخرى حتى يأتي الموعد، يوم يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود. وهذا الحديث يفسر زرعَ اليهود للغرقد اليوم في فلسطين، ومن تموت له شجرة يجب عليه أن يزرع بدلا منها أخرى وإلا تقطع الكهرباء عن منزله.
إن عداوة اليهود تشهد بخسّتها القرون الغابرة، وتؤكّدها الأعصار اللاحقة، لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ [المائدة:82]. فقد حاولوا أكثر من مرة قتل المصطفى ولكنهم لم يفلحوا، سموا الطعام الذي قدموه للنبي ولكنهم لم ينجحوا، جمعوا عليه الأحزاب يوم الخندق ولكنهم لو يوفّقوا، بل أعلنوها كراهية حتى الممات، فهذا حيي بن أخطب زعيم يهود بني النضير لما قدم الرسول للمدينة قال أخوه أبو ياسر: أهو هو؟ قال: نعم والله إنه محمد، أعرفه وأثبته أنه نبي الله المنتظر، فقال أبو ياسر: إذًا ما عزمت في نفسك؟ قال: عداوته والله ما بقيت. وحين أمكن الله من عدو الله حيي بن أخطب وجيء به مجموعةً يداه إلى عنقه قال له النبي: ألم يمكِّنّي الله منك يا عدو الله؟ قال: بلى، أبى الله إلا تمكينك مني، أما والله ما لمت نفسي ولم أتحسّر يومًا في عداوتك، ولكن من يخذل الله يخذل.
واستمرت عداوة اليهود للإسلام والمسلمين، فبعد وفاة النبي وفي عهد الخلفاء الراشدين خرج ذلك القرد القذر عبد الله بن سبأ اليهودي ليشعل نار الفتنة ويبذر الخلاف بين المسلمين.
ثم دعونا نتجاوز الزمن قليلاً ونقف عند دولة الخلافة، عند الدولة العثمانية، فقد حاول اليهود واجتهدوا مع الدولة العثمانية ليسمح لهم بالهجرة إلى أرض فلسطين، فأصدر السلطان عبد المجيد خان أمرًا بمنع اليهود القادمين لزيارة بيت المقدس أكثر من ثلاثة أشهر، وتكللت جهودهم بالفشل الذريع، ولكن اليهود لم يستسلموا ولم ينثنوا عن عزمهم. ثم يعيدون الكرة مع السلطان عبد الحميد الثاني برئاسة أبي الصهيونية والذي كان السبب الرئيسي في المأساة التي نتجرّع آلامها ونتذوق مرارتها إلى يومنا هذا "تيودور هرتزل"، فقد وعد هذا الصهيوني الخبيث سلطان المسلمين عبد الحميد الثاني بتسديد ديون الدولة العثمانية وتقديم القروض الإنمائية لتطوير الزراعة والاقتصاد وإنشاء جامعة في إستانبول لتغنيَ الطلبة المسلمين عن السفر إلى أوروبا، كل هذه الوعود ـ أيها الأحباب ـ مقابل ماذا؟ مقابل إنشاء مستعمرة قرب القدس، فغضب السلطان عبد الحميد غضبًا شديدا ورد عليهم بقوله: "لا أقدر أن أبيع ولو قدمًا واحدًا من البلاد، لأنها ليست لي بل لأمّتي، لقد حصلت أمتي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائها، وسوف تحميها بدمائها قبل أن تسمح لأحد باغتصابها منا، ليحتفظ اليهود بملايينهم، فإذا قسمت الإمبراطورية فقد يحصل اليهود على فلسطين دون مقابل، إنها والله لن تقسم إلا على جثثنا".
عندها استعان اليهود بالدول الكبرى في إسقاط الخلافة العثمانية، ووضعوا بدلاً منه العميل اليهودي مصطفى كمال أتاتورك الذي أعلن العلمانية ومزق العمامة وأسكت المنارة، فقد قام بإلغاء الخلافة العثمانية، وفصل المعقل الإسلامي الكبير تركيا عن باقي دول العالم الإسلامي، فحطم الدولة الإسلامية العظيمة، وقام بمنع الزي الإسلامي، وحرم الأذان والصلاة، ومنع الحروف العربية، واستبدلها بالحروف اللاتينية، وحول جامع أيا صوفيا إلى متحف.
ولم ينته الحد عند هذا، بل إن عداوتهم عقيدة راسخة يلقنها الآباء للأبناء، فهذا مناح بيجن يقول: "أنتم أيها الإسرائيليون لا يجب أن تشعروا بالشفقة حتى تقضوا على عدوكم، ولا عطف ولا رثاء حتى تنتهوا من إبادة ما يسمى بالحضارة الإسلامية التي سنبني على أنقاضها حضارتنا"، ويقول ديفيد بن جوريون: "نحن لا نخشى الاشتراكيات والثوريات ولا الديمقراطيات، نحن فقط نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلاً وبدأ يتململ"، وعندما سئل عن عودة اللاجئين إلى أراضيهم قال: "إن عقارب الساعة لا ترجع الوراء، والحل العاجل هو إسكان الفلسطينيين في الدول المجاورة"، ويقول إسحاق شامير في حفل استقبال اليهود الذين هاجروا من الاتحاد السوفيتي إلى إسرائيل: "إن إسرائيل الكبير من البحر إلى النهر، وهي عقيدتي وحلمي شخصيا، وبدون هذا الكيان لن تكتمل الهجرة والصعود إلى أرض الميعاد، ولن يتحقق أمننا ولا سلامنا"
وهذا يفسر أنه حينما أراد العدو الصهيوني إقامة سفارة له في القاهرة أصرّ اليهود على أن يكون موقع السفارة على الجهة الغربية من النيل، لماذا؟ لأن حدودهم تنتهي عند الضفة الشرقية، ولذلك رفض اليهود إقامة السفارة على الضفة الشرقية، وأصروا على أن تكون على الضفة الغربية احترامًا لعقيدتهم في أن حدود إسرائيل الكبرى تنتهي عند الجهة الشرقية من النيل، فهكذا يخططون، وهكذا يأمّلون ويتمنون، ويأبى الله أن يحقق لهم ما يريدون.
أيها الأحباب، إن نقض العهود معلم بارز من معالم اليهود، قال الله مجلِّيا هذه الحقيقة: الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ الآية [الأنفال:56]. ولقد عاهدهم الرسول وكتب بينه وبينهم كتابا حين وصل إلى المدينة، فهل التزم اليهود العهد؟ هل احترموا الميثاق؟ هل نفّذوا بنود السلام؟ كلا، فقد غدر يهود بني قينقاع بعد غزوة بدر ولم يمض على المعاهدة أكثر من سنة، ثم غدر يهود بني النضير بعد غزوة أحد، ثم يهود بني قريضة غدرت بالرسول في أشد الظروف وأحلكها على المسلمين يوم الأحزاب، يقول عبد الله بن سلام الصحابي الجليل الذي كان يهوديا ثم أسلم رضي الله عنه: قوم بهت خونة.
فإذا كان هذا حالهم مع من يعدونه نبيًا فكيف يكون حالهم مع من يعدونه ذنبًا؟! إذا كان هذا حالهم في وقت عز المسلمين فكيف يكون حالهم في وقت ضعفهم وتفرقهم؟! نسأل الله أن يعز دينه وجنده.
دعونا نقلب صفحة الحاضر بعد أن رأينا ماضيهم الأسود في الخيانة، فعندما اندلع القتال بين اليهود والعرب عام 1948م سعت الجمعية العامة ومجلس الأمن إلى إيقافه، واستطاعتا ذلك على أن لا يتجاوز أي من الطرفين حدود الأراضي التي احتلها عند توقف القتال، ولكن إسرائيل ولكن اليهود كلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم، ففي عام 1967م هاجمت إسرائيل كلا من مصر وسوريا والأردن، واحتلت الضفّة الغربية وقطاع غزة وصحراء سيناء والقدس بكاملها ومرتفعات الجولان ومنفذ خليج العقبة، وضربت بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن عرض الحائط، وسمي ذلك الزمن نكسة 67م.
عباد الله، إن اليهود ينظرون إلى العهود والمواثيق التي يوقعونها أنها للضرورة أو لأغراض مرحلية أو مصلحة آنية، فإذا استنفدوا كل ذلك نقضوا الميثاق من غير استشعار لا بقيم أدبية ولا باعتبارات أخلاقية ولا بمواثيق دولية، ولنا في صفحات التاريخ عبرة، ففي عام 1973م قامت القوات المصرية بهجوم مفاجئ على إسرائيل، وعندما أدرك اليهود أن الخطر أحدق بهم وأن الهزيمة حالة بدولتهم لجأ رئيس القرود الإسرائيلية آنذاك مناحم بيجن إلى اتفاقية مع رئيس مصر آنذاك أنور السادات، فإنما هم يلجؤون إلى المعاهدات في الحالات الاضطرارية.
إن التفرق والشتات ماض فيهم إلى يوم القيامة، وَقَطَّعْنَاهُم فِي الأَرْضِ أُمَمًا، وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى. نعم أيها الأحبة، هذه حقيقة يعرفها من سبر تاريخ اليهود، ففي دولة ما تسمى بإسرائيل يوجد من التفرقة العنصرية بينهم ما الله به عليم، فاليهود الذين جاؤوا من الشرق يعادون ويكرهون اليهود الذين جاؤوا من الغرب، ويهود أوروبا ينظرون إلى يهود العراق واليمن نظرة دونية، فكيان دولتهم أوهن من بيت العنكبوت، وَإِنَّ أَوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.
|