أما بعد:
اتقوا الله عباد الله وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين.
إن حديثي في هذا اليوم سوف يكون عن الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام وعموده الذي به يرتكز هذا الدين وبدون الصلاة ليس لنا فضل وليس لنا أي قيمة تذكر لأنه لا خير في أي أحد كان إذا ترك الصلاة.
وهي أول ما أوجبه الله من العبادات، تولى إيجابها بمخاطبة رسوله ليلة المعراج بغير واسطة.
وهي أول ما يحاسب عليها العبد يوم القيامة.
وهي آخر وصية وصى بها رسول الله أمته عند مفارقة الدنيا جعل يقول وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة: ((الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)) وهي آخر ما يفقد من الدين فإن ضاعت ضاع الدين كله.
وقد بلغ من عناية الإسلام بالصلاة أن أمر بالمحافظة عليها في الحضر والسفر، والأمن والخوف بل وأمر بها حسب حالة الإنسان الصحية حيث قال : ((صل قائما فإن لم تستطع فصل قاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب))، الله أكبر ما أعظم شأن هذه الصلاة التي هي غذاء الروح وقوة البدن التي لولاها لما شعر المسلم بالصلة القوية بينه وبين ربه ولهذا كان لابد من الإتيان بها في وقتها حسب حالة الإنسان.
أيها الإخوة: إن ميزان الصلاة في الإسلام عظيم ومنزلتها عند الله عالية فهي عمود الدين كما ذكرت، ومفتاح الجنة وخير الأعمال.
وقد جعلها الرسول الدليل الأول على التزام عقد الإيمان والشعار الفاصل بين المسلم والكافر فقال: ((بين الرجل والكفر والشرك ترك الصلاة )) رواه مسلم.
تلك هي مكانة الصلاة في الإسلام ولهذه المكانة كانت بعد الشهادتين في المرتبة وكانت أول عبادة فرضت على المسلمين.
إخوة الإيمان: إن الصلاة التي يريدها الإسلام ليست مجرد حركات جسم بلا روح وليست مجرد أقوال يلوكها اللسان وحركات تؤديها الجوارح، بلا تدبر من عقل ولا خشوع من قلب ليست تلك التي ينقرها صاحبها نقر الديكة، ويخطفها خطف الغراب، ويلتفت فيها التفات الثعلب.. كلا، فالصلاة المقبولة هي التي تأخذ حقّها من التأمل والخشية واستحضار عظمة المعبود جل جلاله.
وذلك لأن القصد الأول من الصلاة بل من العبادات كلها هو تذكير الإنسان بربه الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدّر فهدى.
هذه هي الصلاة التي كانت قرة عينه عليه الصلاة والسلام، والتي كان يحن إليها ويتلهف عليها ويقول لبلال: أرحنا بها يا بلال هذه هي صلاة الأنس والحب لا صلاة النقر والخطف التي يؤديها كثير من المسلمين اليوم.
فمثل هذه الصلوات تشبه أن تكون وجبات روحية دسمة ضخمة توجه الإنسان طول يومه إلى أن يبقى في طاعة ربه وإلى أن يتقيه ويخشاه.
ومع هذا فالصلاة في الإسلام ليست عبادة روحية فحسب، بل إنها أيضا نظافة وتطهر وتزين وتجمل، اشترط الله لها تطهير الثوب والبدن والمكان من كل خبث مستقذر وأوجب التطهر بالغسل والوضوء لأن مفتاح الصلاة الطهور ولهذا أمر المسلم أن يأخذ زينته للصلاة يذهب إلى المسجد طيب الرائحة حسن الملبس مجتنبا لكل ما يؤذي إخوانه من الروائح الكريهة والثياب المستقذرة، وهكذا كان المسلمون الأولون يفعلون، كان الحسن البصري إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه فسئل عن ذلك فقال: إن الله جميل يحب الجمال وهو تعالى يقول: خذوا زينتكم عند كل مسجد .
والصلاة تغرس في مقيمها النشاط والحيوية وتقوي عضلات بدنه فهي تتطلب اليقظة المبكرة والنشاط الذي يستقبل اليوم من قبل طلوع الشمس وهي بكيفيتها المأثورة عن رسول الله أشبه التمرينات الرياضية التي يقوم بها الرياضيون المحدثون اليوم وكما قال أحمد شوقي: لو لم تكن من أفضل العبادات لعُدّت من صالح العادات رياضة أبدان وطهارة أردان وشتى فضائل يشب عليها الجواري والولدان أصحابها هم الصابرون وعلى الواجب هم القادرون عودتهم البكور وهو مفتاح باب الرزق وأفضل ما يتوجه به العبد إلى الخالق.
فالصلاة الحقيقة التي يريدها الإسلام تمد المؤمن بقوة روحية نفسية وبدنية تعين المسلم على مواجهة متاعب الحياة ومصائب الدنيا ولذا قال تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون .
في الصلاة يفضي المؤمن إلى ربه بذات نفسه يدعوه ويشكو إليه بثه وحزنه ويستفتح باب رحمته وفي الصلاة يشعر المؤمن بالسكينة والرضا والطمأنينة إنه يبدأ بالتكبير فيقول: الله كبر فيحس بأن الله أكبر من كل ما يخوفه في هذه الدنيا، ويقرأ فاتحة الكتاب فيجد فيها تغذية للشعور بنعمة الله وعظمته وعدله وتغذية للشعور بالحاجة إلى هداية الله اهدنا الصراط المستقيم .
فلا عجب أن تمد الصلاة المؤمن بحيوية هائلة وقوة نفسية فياضة وفي هذه القوة مدد أي مدد لضمير المؤمن يقوده إلى فعل الخير وترك الشر ومجانبة الفحشاء والمنكر ومقاومة الجزع عند الشر والمنع عند الخير فهي تغرس في القلب مراقبة الله تعالى ورعاية حدوده والحرص على المواقيت والدقة في المواعيد والتغلب على نوازع الكسل والهوى وفي هذا يقول الله عز وجل: إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ، وقال: وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ، ولهذا ورد عن ابن مسعود بإسناد صحيح أنه قال: (من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهاه عن المنكر لم يزدد بها إلا بعدا)، وما نرى من مصلين اليوم قد ضعفت أخلاقهم أو انحرف سلوكهم إلا لأن صلاتهم جسد بلا روح وحركات جسم بلا حضور عقل ولا خشوع قلب وإنما الفلاح للمؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون .
أيها المسلمون: إن الصلاة شأنها عظيم وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة منها ما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: ((أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس، يمحوا الله بهن الخطايا))، وعن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله يقول: ((لا يتوضأ رجل فيحسن وضوءه ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينهما وبين الصلاة التي تليها)) رواه البخاري ومسلم وروى الطبراني بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : ((تحترقون تحترقون، (أي تقعون في الهلاك بسبب كثرة الذنوب) فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العشاء غسلتها ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا)).
أيها الاخوة: إنها نار موقدة تطلع على الأفئدة وتلفح القلوب والعقول والصلاة هي مضخة الإطفاء التي تخمد هذه النار وتمسح دخانها وسوادها وتغسل أثرها من بين جوانح الإنسان.
ومع هذا فالإسلام لم يكتف من المسلم أن يؤدي الصلاة وحده في عزلة أو في بيته، ولكنه دعاه دعوة قوية إلى أدائها في المسجد جماعة ولقد همّ الرسول أن يحرق بيوت أناس يتخلفون عن صلاة الجماعة كما ورد ذلك في الحديث المتفق عليه، وما همّ بذلك إلا لأن صلاة الجماعة واجبة على الأعيان يأثم من يتخلف عنها لغير عذر وهي مع هذا الأمر أفضل من صلاة الفرد سبع وعشرين درجة وقد روى الإمام مسلم عن عبد الله بن مسعود قوله: (من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله تعالى شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عن صلاة الجماعة إلا منافق معلوم النفاق)، واليوم أيها المسلمون يرى من الناس تساهلا عظيما في الصلاة مع الجماعة، فمنهم من لا نراه في المسجد أبدا وهو يسكن بجوار المسجد يخرج من بيته لأعماله الدنيوية ولا يخرج من بيته لأداء الصلاة في المسجد، والبعض الآخر من الناس يصلي مع الجماعة بعض الصلوات ويترك بعضها كصلاة العشاء والفجر مثلا وقد أخبر النبي ، أن ذلك من علامات النفاق فقال: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً)).
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله: ست صفات في الصلاة من علامات النفاق:
الكسل عند القيام بها وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى .
مراءاة الناس في فعلها يراءون الناس .
تأخيرها عن وقتها ونقرها وقلة ذكر الله فيها وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا)).
ومن العلامات التخلف عن أدائها في المسجد جماعة وقد تقدم فيها أثر ابن مسعود.
أيها الإخوة: إن المسلم الذي يتثاقل عن أداء الصلوات ليعذب في قبره ويوم محشره وقد رأى الرسول قوما ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء ((قال: قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين ثقلت رؤوسهم عن الصلاة، ولا يزال هذا عذابهم)) نسأل الله العافية.
أيها الإخوة: إن مما يسبب النوم عن صلاة الفجر أن كثيرا من الناس يسهرون الليل إما على قيل وقال وإما على لهو ولعب ورق واستماع أغان ومزامير شيطان وإما على مشاهدة التلفزيون أو الفيديو وقد تكون أفلاما خليعة فإذا أقبل طلوع الفجر ناموا فهؤلاء سهروا على محرم وناموا عن واجب وقد يضيف إلى ترك الجماعة جريمة أخرى وهي إخراج الصلاة عن وقتها فلا يصليها إلا بعد طلوع الشمس فيكون من الذين هم عن صلاتهم ساهون.
أيها المسلمون: إن المسلم الذي تهمه الصلاة لا ينام عنها ولا يتخلف عن أي فرض فالمسلم يعمل الاحتياطات التي توقظه ومن ذلك النوم المبكر ومن ذلك أن يجعل عند رأسه ساعة تدق عند حلول الوقت.
بل إن الإنسان إذا نام وفي نيته الاستيقاظ للصلاة فإن الله يهيئ له ما يوقظه.
فاتقوا الله عباد الله في أمور دينكم وفي صلاتكم خاصة وراقبوا الله في جميع أحوالكم.
وأنت أيها المتخلف عن صلاة الجماعة لغير عذر، لقد عصيت ربك وحرمت نفسك ثوابا عظيما، وعرضتها لسخط الله وعقوبته، لقد شاركت المنافقين في صفاتهم وأصبحت أسيرا للشيطان لقد سمعت داعي الله فامتنعت عن إجابته مرارا ليلا ونهارا، فتب إلى الله وحافظ على الجمع والجماعات فإن الله يتوب على من تاب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين .
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. |