.

اليوم م الموافق ‏22/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

العام الدراسي الجديد

4973

الأسرة والمجتمع, العلم والدعوة والجهاد

الأبناء, التربية والتزكية

ناصر بن عمر العمر

المدينة المنورة

5/8/1426

جامع جابر الأحمدي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- أصناف الناس في الإجازة. 2- دعوة للمحاسبة. 3- الشهود يوم القيامة. 4- مسؤولية الآباء وأولياء الأمور. 5- تربية الأبناء على احترام المدرس والمدرسة. 6- مراقبة صحبة الأبناء. 7- فضل تربية الأولاد على الصلاح. 8- رسالة لحاملي رسالة التربية والتعليم. 9- كلمات للطلاب والطالبات. 10- مسؤولية المجتمع.

الخطبة الأولى

أما بعد: فها نحن نعيش الساعات الأخيرة من الإجازة الصيفية، والشوق واللهفة لغد مشرق بإذن الله تعالى، حينما يتوجه في الغد إخواننا وأبناؤنا وآباؤنا للمدارس وقلاع العلم والمعرفة.

وبهذه المناسبة نتوقف ونستريح من موضوع اللباس والزينة في هذا الأسبوع لنقف وقفات حول موضوع الساعات والعودة إلى المدارس.

أيها المسلمون، أيها الأبناء، مضت أيام الإجازة وانقضت، والأيام إذا انصرفت لا تعود، تمتع في هذه الإجازة من تمتع، وجدّد الناس نشاطهم استعدادًا لعام حافل بالجد بإذن الله.

انقضت الإجازة، استفاد منكم من استفاد، وخسر منكم من خسر، كم من شابّ رأيناه في الإجازة نهل من علوم العلم المختلفة، فذلك يتلو كتاب الله ويحفظه، وآخر قدم على أحاديث السنة يحفظها ويسمع شرحها، وثالث ثنى ركبتيه عند العلماء ينهل من علومهم وفيض أنوارهم، وآخرون التحقوا بدورات تدريبية في العلوم المختلفة، فهنيئًا لمن استفاد من الإجازة راحة وعملا. وهناك من كان في إجازته مبارزًا للواحد الديان بالمعاصي والآثام، فسهرٌ وفسوق وزنا وانحلال ووقت في ما يغضب الواحد الديان.

فاليوم أدعوكم لمحاسبة النفس حتى يخف عليكم الحساب غدًا حين ينادى المؤمن يوم القيامة فيضع الله عليه كنفه وستره عن أعين الخلق فيقرره بذنوبه: أتعرف ذنب كذا في يوم كذا؟ فيقول: نعم، فيقول الله عز وجل: أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وأما الكافر المنافق فينادى عليه على رؤوس الخلائق والأشهاد: هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.

نقف اليوم ـ أيها المسلمون، ويا أيها الشباب ـ لا لنحاسب أنفسنا لأن غدًا الشهود كثير، فإن كنت في الدنيا قد تهرب من عقاب المسؤول بالحيلة والرشوة وشهود الزور والواسطة والنفوذ فغدًا من سيدافع عنك إذا تجمع عليك الشهود؟! وأعظم شهادة شهادة رب العالمين: مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا، يوم تشهد الملائكة: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. وأين أنت من شهادة الجوارح؟! الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. وكيف بك بشهادة جلدك الذي يكسوك؟! وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وأين أنت من شهادة الأرض التي تحدث أخبارها؟! قالوا: يا رسول الله، ما أخبارها؟ قال: ((أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول: عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا)).

هذه الإجازة قد ولت، وها هي الدراسة قد أقبلت، فافتحوا صفحة جديدة بيضاء، واستغفروا ربكم على ما فات.

الوقفة الثانية: الدراسة هي معكم يا أولياء الأمور، يا أيها الآباء والأمهات، أنتم شركاء للمدرسة في مسؤوليتها، فليست مسؤولية الآباء توفير الدفاتر والأقلام، ولكن دورهم أعظم وأكبر.

الله الله ـ أيها الآباء ـ في أدب أبنائكم، احرصوا على إرضاعهم الأدب قبل العلم، فلا قيمة للعلم بدون أدب، فهذه أم الإمام مالك رحمه الله ورحمها لما كان صغيرًا ألبسته أحسن الثياب ثم قالت له: يا بني، اذهب إلى مجالس ربيعة واجلس في مجلسه، وخذ من أدبه قبل أن تأخذ من علمه. فنشأ على الأدب الرفيع أجيال يخلف بعضها بعضًا، تعرف للعلماء والمؤدبين قدرهم، حتى يقول الإمام الشافعي رحمه الله وهو تلميذ للإمام مالك: يقول: "كنت أصفح ـ يعني أقلب ـ الورقة بين يدي مالك رحمه الله صفحًا دقيقًا هيبة له لئلا يسمع وقعها"، وهذا الربيع بن سليمان رحمه الله وهو من تلاميذ الشافعي يقول: "والله، ما تجرأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلى هيبة له"، وكان الإمام الحافظ شعبة بن الحجاج رحمه الله يقول: "كنت إذا سمعت من الرجل الحديث كنت له عبدًا ما دام حيًا"، وكان الإمام أحمد رحمه الله وهو تلميذ للشافعي يقول لابن الشافعي: "أبوك من الخمسة الذين أدعو لهم كل سحر".

معاشر الآباء، الله الله في حقوق المعلمين والمعلمات، واغرسوا في نفوس أبنائكم حبّ معلميهم واحترامهم وتقديرهم. إن من الآباء من يتكلم بكلام فيه إنقاص من قدر المعلم أو المعلمة أمام مسامع الأبناء، فوالله إن فعل أحدكم هذا ماذا يبقى للقدوة؟! وماذا يبقى للتعليم؟! وماذا يبقى لهيبة العلم والمعلم والتعليم؟! لما أساء بعض الآباء في قلة تقديرهم للمعلمين نتج لنا جيل يلعن المعلم ويضرب المعلم ويتلف ممتلكات المعلم. أترجون أن نعلو على الأمم وهذه أخلاقنا مع من يعلمون أبناءنا؟! حتى وإن أخطأ المعلم، أو كان هناك معلم سيئ ونموذج سيئ، فلا ينبغي هتك ستار الهيبة والاحترام الذي له؛ لأن في إهانة المعلم إهانة للعلم والتعليم. إذا كان الطالب يأتي للمدرسة وهو ينظر للمعلم أنه ليس بشيء لما استقرّ في ذهنه تجاه هذا المعلم، وإذا كان المعلم يرى من سوء أدب طالبه وسوء أدب والده فأي خير نرجوه من التعليم؟!

إن على الأولياء وعلى من يكتب في الصحف أن يدركوا هذه الحقيقة، وأن الأب الناصح الشفيق إذا رأى ما يزعجه أو ما يلاحظه من خلل فليس له إلا التوجه للمعلم ومصارحته بما في نفسه من ملاحظات ومكاشفات، أما أن يجلس الأب يلعن المعلم والأم تلعن المعلمة أمام الأبناء فإني أقولها لكم صريحة: لا ترجوا من التعليم ومن أبنائكم شيئًا.

يا أيها الآباء، أعينوا أبناءكم على مشاقّ العلم ومتاعبه، فهذا سفيان الثوري العالم المشهور لما كان صغيرًا وقد توفي والده وله إخوة رأى أن يترك العلم والدراسة ليطلب العيش والرزق، قالت له أمه جزاها الله خيرًا: أي بني، اطلب العلم أكفك بمغزلي، فانطلقت الأم تغزل وتكافح، وانطلق سفيان يتعلم العلم حتى أصبح سفيان من أعلام المسلمين الكبار، وكل ذلك في ميزان تلك المرأة الصالحة.

ألا وإن بعض الآباء قد يشغل ابنه عن علمه وتحصيله لما فسدت النية في العلم حتى ينصرف الابن عن العلم بالكلية.

معاشر الآباء، أيها الآباء، لا تتركوا الحبل على الغارب لأبنائكم؛ يمكثون في الشارع ما شاؤوا ومع من شاؤوا وفي أي مكان شاؤوا، يتعلمون من الشارع ما يفسد عليكم وعلى المدرسة في التربية. فاحفظوا أوقات أبنائكم واضبطوها، وكونوا أعينًا تربيهم عن قرب وعن بعد.

إن بعضًا منكم كان آخر عهده بالمدرسة يوم سجّل ابنه فيها، وبعضهم لا يأتي إلاّ حين الاستدعاء. فيا أيها الوالد، يا ولي الأمر، مدارسنا يدرس فيها مئات الطلاب، فلا تنتظر أن تقوم المدرسة بكل شيء، فإذا لم تضع يدك بيد مدير المدرسة ومعلمها فالخاسر أنت وابنك.

إن على أولياء الأمور زيارة المدارس مرات ومرات للسؤال والمتابعة والمناقشة، السؤال عن الأدب، فكثير من الأبناء تختلف أخلاقهم في البيت عن المدرسة، وإن الخلل إذا عرف في أول الوقت سهل القضاء عليه. عليك أن تعرف جلساء ابنك وذهابه وإيابه، عليك صحبة ابنك للمسجد ومجامع الخير، علّمه مكارم الأخلاق مرة بعد مرة ويومًا بعد يوم، صوّب خطأه واشكر صوابه واعلم أن تربيتَهم جهاد أيّ جهاد؟! ولكن أعظِم به من جهاد.

يا أيها الآباء، أقولها لكم فاحفظوها: أنتم محتاجون أبناءكم إذا دخلتم قبوركم، فإحسانك لتربية ابنك هو عمل صالح مستمر لك بعد موتك، إن الصلاة والصيام والذكر والقرآن وكل خير زرعته في أبنائك لهو أُجور لك بعد موتك، والعكس بالعكس، فكل شر كنت سببًا في تعليمه لأبنائك من خلالك أو من خلال مجلة ساقطة سمحت بها أو فضائيات سمحت بها أو أحضرتها لهي سيئات تصبّ في ميزانك بعد موتك، فاختاروا ـ أيها الآباء ـ ما شئتم، يقول عليه الصلاة والسلام: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة)).

وأما الوقفة الثالثة فهي إلى من حملوا وظيفة الأنبياء في تعليم الناس، قال : ((إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير)). إن المعلم والمعلمة إذا أخلصوا للأمّة ولم يغشوها فهم يمشون في رحمة الله ورضا من الله بما يصنعون.

أيها المعلمون، أبناؤنا غدًا يأتون بين أيديكم، فالله الله في أبناء المسلمين، إنهم أمانة كبيرة وحمل عظيم أعانكم الله عليها. ألا وإن أحسن ما يعينكم هو الإخلاص لله في أعمالكم، فعمل بلا إخلاص لا بركة فيه، والإخلاص ما كان في قليل إلا كثره، ولا في يسير إلا باركه.

يا مشاعل النور والرحمة، قدوتكم في التربية والتعلم هو المعلم الأول والنبي الآخر، قال معاوية رضي الله عنه: فبأبي وأمي ما رأيت معلمًا كرسول الله ، ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، وقال أنس : ما لمست حريرًا ولا ديباجًا ألين من كف رسول الله ، ولقد صحبته عشر سنين وأنا غلام ما قال لي يومًا: أف، وما قال لي: لم فعلت هذا؟ أو ألا فعلت كذا؟ وقال جرير : ما لقيت النبي إلا تبسم في وجهي.

إن المعلم الذي يشتكي من سوء أدب طلابه هو في الواقع فشل في استمالة قلوب طلابه إليه برفيع أخلاقه. على المعلم اليوم أن لا يشتكي من أن جيل اليوم تغيّر والملهيات كثرت، فقولوا لي بربكم أيها المعلمون: فماذا ينفع تضرجكم وتبركم وشكواكم من سوء الأوضاع؟! إن اليأس هي صفة وسمة الكفار، إنما هذا السوء في الأمة يدعوكم لبذل المزيد من الجهد والعمل وابتكار الوسائل المفيدة النافعة، عليكم أن تزاحموا الشر الذي يحيط بأبنائنا، واعلموا أن من أخلص نيته لله وعلم الله منه الإخلاص والرغبة الصادقة في الخير فإن الله يؤيده ويسدده.

أيها المعلم، إذا دخلت فصلك وأغلقت بابك وغابت عين المدير والمسؤول وأولياء الأمور عنك، ولم يعد إلا أنت وهم بين يديك، فتذكر ملائكة الرحمن بين يديك وأن الله في عليائه مطلع عليك. لا يكن هم أحدكم متى تنتهي الحصة، فالحصص ليست فقط دروسا لما هو مسطر في الكتب، بل إن الجانب التربوي هو شغلك الشاغل. لا تستخفن بنفسك، فكلمة تقولها بإخلاص يبارك الله فيها وينفع فيها عشرات السنين.

على المعلمين أن يكونوا قدوة لطلابهم، فليس من المقبول أن تعلّم طلابك ما أنت تنسفه بأفعالك. إنها ضربة موجعة للتربية، كيف بالمعلم أن يضيع صلاة الجماعة ويتهرب منها في المدرسة وغيرها؟! كيف تعلم أبناءنا التمسك بسنة المصطفى في لحيته وثوبه وأخلاقه وظاهره وباطنه ثم يأتي المعلم وينسف كل هذا بحلق لحيته وإسبال ثوبه وسوء أخلاقه وغيبته ونميمته للمدير والمعلمين وأولياء الأمور والطلاب؟! على المعلم أن يتمثل الإسلام في هيئته وتصرفاته، فحوله عشرات الطلاب الذين يرقبون فعله وتصرفاته، ويتخذونه قدوة لهم.

أيها المعلم، من دعا إلى هدى كان له أجر من عمل به إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزر من عمل به إلى يوم القيامة. فاحرصوا ـ معاشر المعلمين ـ على تعليم أبنائنا كل خير وهدى وفضيلة وأخلاق كريمة، فهي أبواب عظيمة من الأجور مفتوحة لكم، لم تفتح لغيركم فاغتنموها.

أيها المعلم، وأيتها المعلمة، مصادر الشر تعزو اليوم أبناءنا من كل مكان، ما بين قنوات مدمرة للأخلاق، إلى إنترنت لنشر الإباحية، إلى تقليد وذوبان الشخصية في شخصية غربي كافر نجس، إلى أفكار تتسلل إليهم من هنا وهناك يحتاجون من يجليها بصدق ووضوح.

على المعلمين والمعلمات اليوم أن يسابقوا الزمن في رفع مستوياتهم العلمية والثقافية، عليكم أن تكونوا قارئين مثقفين واسعي الاطلاع، فنحن اليوم في زمن الشبكة العنكبوتية، سيكون ربما طلابك أفضل منك، فلتسبقهم إلى المعرفة، ولتستلم قيادة الدفة بدل أن تجد نفسك منقادًا مكسورًا مهزومًا.

معاشر المعلمين، الرفق الرفق بالأبناء، ستجدون في أبنائنا تصرفات تنكرونها وسلوكيات ترفضونها وأفكارا تتبرؤون منها، فعليكم بمنهج النبي في التعليم، البسمة تأسر بها طالبك، والحنان تملك به قلبه، والمناقشة الهادئة البعيدة عن التشنج والتعصب ترفع الغبش عن العقول، أطلقوا ألسنة أبنائكم للكلام، فإن أحسنوا فكافئوهم، وإن أخطؤوا فقوّموهم بالتي هي أحسن.

وفق الله الجميع للخير والفلاح، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين، إنه غفور رحيم.

 

الخطبة الثانية

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنها خير الزاد، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى.

أما الوقفة الرابعة ـ عباد الله ـ فهي مع أحبائنا وقرة عيوننا ومهج أفئدتنا وأكبادنا التي تمشي على الأرض: الأبناء والبنات الطلاب والطالبات.

يا أبنائي، إني لأتلم من أحدكم أجده حزين القلب كسير النفس، لماذا؟ لأن الدراسة غدًا.

يا بني، ألم تر إلى دول الكفر قد سبقتنا في علوم الدنيا التي بها قوام الناس؟! انظر إلى مسجدنا؛ فهذا مصنوع في اليابان، وهذا في أمريكا، وذاك في أوروبا، وغيره في الصين، ولم أجد شيئا مصنوعا يرفع له الرأس، مصنوع من أوله لآخره في بلادنا، من أسباب ذلك أنك تذهب غدًا إلى المدرسة حزينًا.

هل علمت أنه في كل ثانية ـ وليس كل دقيقة ـ اكتشاف وإنجاز علمي، هؤلاء ما وصلوا لهذا عبثًا، ولكنها سنة الحياة؛ من جد وجد، ومن زرع حصد. دهشت حينما علمت عن تجربة اليابان في التعليم، بلدة بدأت من الصفر بعد أن دكّت بالقنابل الذرية في يوم من الأيام، وها هي اليوم تتفوق على العالم، وإذا أردت أن تطمئن إلى صناعة جيدة قبل لك إنها يابانية، يدهشك ذلك إذا علمت أن الحكومة هناك لا تدفع ريالاً واحدًا على التعليم، فنفقات التعليم يدفعها أولياء الأمور، وما يدهشك حقًا وتتعجّب له أنه لا يجبر أيّ مواطن على دفع شيء، إنما كله عن حبٍ ورضا نفس.

هناك ـ يا بني ـ في الغرب انتشر عندهم كتاب الجيب، وهو كتاب صغير تجد الكل يحمله في جيبه ليقرأ به في وقت الانتظار والفراغ خارج البيت والعمل، أتظن أن الغرب هو تلك الموسيقى والأزياء والرقص واللهو؟! لو كانت هذه حياتهم كلهم ما رأيت كل هذا، بل هذا ما صدّروه لك لكي تبقى نائمًا غارقًا في شهواتك.

يا بني، إن أول ما نزل القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، وثناها: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. أرأيت ديننا كيف يدعوك للقراءة والبحث والعلم؟! بل يا بني، إن رسول الله يقول لك: ((من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة)).

فأخلص نيتك ـ يا بني ـ في العلم، واطلب العلم لترفع عن نفسك الجهل، واطلب العلم لتنفع غيرك وأمتك، واطلب العلم لأجل العلم لأن العلم زينة. إنك ما ترى عالمًا في أي مجال إلا والناس يكنّون له الاحترام والتبجيل، لا تطلبوا العلم لأجل الوظيفة، فالوظيفة رزق والرزق بيد الله وحده، واعملوا وجدّوا فكلٌ ميسر لما خلق له.

يا بني، إنك تتوجه غدًا لقلعة من قلاع العلم، فابدأ فيها باسم الله وعلى بركة الله، ولتكن بدايتك جادة، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، فهذا طبع الكسول، ومن كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة، ومن كانت بدايته رمادا فالرماد لا يخلف إلا الرماد في الوجوه.

يا بني، كن صبورًا على العلم، ولا ترض بما يقدّم لك في المقررات، بل زد عليها من عندك قراءة وثقافة، فلا خير في من لا يقرأ.

معاشر الطلاب، عليكم بتقوى الله والصلاة، فلا خير فيكم إذا ضيعتم الصلاة. تجملوا بالدين والأخلاق واحترام المعلمين، وحققوا لآبائكم ما يرجونه منكم، فإنه من البرّ والعقوق أن تجعل قلب والديك يتحسران وقلقين كل يوم.

عباد الله، إنّ على المجتمع عمومًا أن يكون متعاونًا في سبيل التربية والتعليم، كل فيما يخصه، فليمتنع الحلاق عن قصات غريبة علينا، وليمتنع صاحب البقالة عن بيع الدخان لأبنائنا ولكبارنا أيضًا، وليمتنع عن بيع المجلات الهابطة وليستبدلها بمجلات نافعة، فليقدم المسؤولون عن المقاصف ما يفيد أبناءنا ولا يضرهم، وأن لا يكون الهدف الربح فقط من غير أخلاق، على المجتمع أن يتحسس الفقراء والمساكين والأيتام ليقدموا لهم المساعدة، على الميسورين أن يدعموا المدارس بكل ما يستطيعون، فهي أوقاف تجري عليهم حسناتهم.

ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير سيد الخلق أجمعين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً